المقالات الدينية

قراءة في فتاوى الشّيخ المالكي – رحمه الله تعالى –

ما ورد لدينا من فتاوى الشّيخ المالكي قليل جدا، والكثير موجود يحتاج إلى بحث وتقصي، وهذا ليس خاصا بجوابات العلامة المالكي؛ بل حتى من تقدمه وعاصره وتأخر عنه من جوابات ومراسلات وفتاوى العلماء الفضلاء.

وعندما نتأمل في هذه الفتاوى نجد يكثر فيها مناطق محافظة المنطقة الشّرقية كإبرا والمضيرب ووادي بني خالد والقابل وغيرها، مما يدل على أنّ أغلب الفتاوى كانت من هذه المحافظة، لذلك استطاع مثلا الشّيخ سالم بن حمود المالكي – حفيد المؤلف – من الاحتفاظ بعدد كبير منها، بجانب الاحتفاظ بتراث جده، وهذا أعطى للشّيخ سالم بن حمد الحارث ت 2009م مصدرا هاما جمعها ورتبها في مخطوطته الّتي سنشير إليها لاحقا عند التّعريف بالجوابات بإذن الله تعالى.

بيد أنّ الشّيخ عامر قضى جزء كبيرا من عمره بمحافظة الدّاخلية خاصة نزوى، كما أنّه بحكم وظيفته القضائية، ومهامه السّياسية تنقل في البلدان المجاورة، كما هو الحال مساندته للعلامة أبي زيد الريامي ت 1364هـ في ولاية بهلا.

وعليه مثلا استغل تلميذ أبي زيد الشّيخ ناصر بن سعيد بن ساعد البيماني البهلوي ت 1384هـ وجود أبي مالك في بهلا، فكانت مراسلاته وحواراته معه، والّتي حفظ منها حوالي 38 مسألة، جمّعها الأستاذ أحمد بن ناصر بن سعيد البيماني ت 2002م في كتاب منهل الصّواب في المسألة والجواب، طبع سنة 1988م.

وكذا الحال مثلا مع الشّيخ عبد الله بن الإمام سالم بن راشد الخروصي فكانت له مراسلات مع أبي مالك، ومنها ثلاث مسائل حفظت وطبعت في كتاب المسألة والجواب في الفقه، طبع سنة 1996م.

وعليه ندرك مما تقدّم أنّ هناك عشرات الفتاوى والمراسلات للشّيخ عامر موجودة عند أقرانه وتلاميذه ومن جاء بعده وبعدهم من الأحفاد لا زالت رهينة الحبس، لعلّ من الأحفاد من يدرك قيمتها، ويخرجها للباحثين!!!

الصّورة العامّة لفتاوى الشّيخ المالكي:

نجد العلامة المالكي في فتاواه ينتهج نهج الاختصار، فهو لا يطيل الجواب أبدا، ويفسر حفيده هذا لكثرة أشغال الشّيخ بحكم المنصب القضائي والسّياسي، ولعل هناك سبب آخر وهو تأثره بشيخيه الأول الشّيخ المحتسب صالح بن علي الحارثي ت 1314هـ، كما يظهر جليا في جواباته المسماه عين المصالح من أجوبة الشّيخ صالح.

وكذا الحال بالنّسبة لشيخه العلامة نور الدّين السّالمي ت 1332هـ كما في جواباته، وهذا انطبع أيضا على قرينه الشّيخ أبي زيد الرّيامي ت 1364هـ، كما في جواباته المسماه جوابات أبي زيد الرّيامي.

ولعل من الأسباب كثرة السّائلين من العامة، وهو جواب لمقتضى الحال، ومن باب لكل مقام مقال، ومع هذا حتى مراسلاته مع المشايخ الكبار كالإمام الخليلي ت 1373هـ مثلا تميل إلى الاختصار.

وهناك في المقابل من طبعه الإطالة في الجواب مثلا المحقق سعيد بن خلفان الخليلي ت 1287 هـ في جواباته المسماة تمهيد قواعد الإيمان، والشّيخ العلامة إبراهيم بن سعيد العبري ت 1975م في جواباته.

والاختصار صار ملازما للشّيخ المالكي حتى عند طلب التّحقيق، وإذا حقق فبصورة سريعة، ومن هذه المسائل مثلا مسألة الإمام محمد بن عبد الله الخليلي  ت 1373هـ في طلبه من أبي مالك  التّحقيق في ما ورد في السّنة من طناء الزّكاة، وما يحفظه فيها، فكان ردّ الشّيخ المالكي: لا حفظ معي من كتب الحديث في النّهي عن بيع الصّدقة قبل أن تُقبض إلا ما حكاه شيخنا صالح بن علي  – رحمه الله – لجدك العلامة سعيد بن خلفان  في مذاكرتهم في المسألة الّتي عارض فيها الشّيخ ماجد بن خميس العبري ،ونص كلام الشّيخ صالح: ولو أنّ الشّيخ ماجدا قد اكتفى لما أراد ما أراده برفع الحديث فقال: ما حجتكم في طنائها، ونبيكم – صلوات الله عليه – يقول وينهى عن بيع الصّدقة قبل أن تُقبض  لكان أقوم قيلا. انتهى، فأجاب شيخنا الخليلي بقوله: قد ثبت النّهي عن النّبي – صلى الله عليه وسلّم- عن بيع ما لم يقبض من الصّدقة ، وغيرها، فإن صح أنّه نهى عن ذلك بالخصوص أيضا بذكر الصّدقة فهو من هذا الباب، فيتوجه إلى ما يحتاج إلى قبض بكيل أو وزن أو نحوه، وما جاز أخذه بغير ذلك كالطّناء فهو قبضة، وقد ثبت ما يشبه مثل هذا من فعل معاذ  والي رسول الله – صلى الله عليه وسلّم- على اليمن، إذ كان يأخذ عن الصّدقة التّمر والحبوب وغيره بغير قبض ، كما هو مشهور في الأثر، ولم نعلم أنّ النّبي – صلى الله عليه وسلّم- أنكر ذلك، ولكن قال: معاذ أعلمكم بالحلال والحرام ، وبالحقيقة لم يفتح هذا الباب وكاثر عليه إلا أنت، ووافقناك عليه تحريا لعدم خروجه من الصّواب، انتهى جوابه، فهذا الّذي حفظته، فانظر فيه، والسّلام عليك، رفعته لك لعلّه لم يحضرك، وإلا فأنت أكثر اطلاعا، وأكثر باعا.

وهذه المسألة يكاد تكون من أطول جوابات الشّيخ المالكي وإن كان فيه ما يماثلها أو يزيد قليلا.

كذا أيضا مسألة بيع الإقالة وعلاقته ببيع الخيار، فكان من طلب السّائل: فصّل لنا خصوصها من عمومها، ومفسّرها من مجملها، فإنّ الحاجة ماسّة إليها، وكثرت البلوى بين النّاس؟

بينما كان جواب الشّيخ المالكي: إنّ الإقالة المذكورة في الأثر ليست هي التي تعنيها، وإنّما هي الإقالة مثلا إذا اشتريتَ شيئا ثمّ استقالك فيه البائع، فرددته عليه، فهل ذلك الردّ يسمى بيعا ثانيا، أو فسخا للبيع الأول، وعلى هذا فالغلة إن كانت أدركت عند المشتري فهي له، إلا إذا اشترطاها عند الردّ فهي على الشّرط الذي وقع بينهما في حال الإقالة، وأمّا الإقالة التي يستعملها النّاس اليوم شبيهة ببيع الخيار، ولها حكمه على أصح ما فيها، وهي أن يبيع له الشّيء إلى مدة معينة، ويشترط لنفسه أنّ له الإقالة في هذا البيع قبل مضي المدّة التي عيناها، فهذا ما فهمته من الأثر، فلينظر فيه، ولا يؤخذ إلا بعدله، والله أعلم.

وأحيانا يصرّح الشّيخ بسبب اختصاره كما في مسألة استثناء الحاكم من بعض أحوال الطّلاق فقد ختم الفتوى بقوله: فانظر فيه ولا تأخذ إلا ما بان لك صوابه، وطالع فإنّ صاحبك أشغل منك.

وأحيانا يظهر الغضب من كثرة السّؤال كما في مسألة إلزام المعسرم ظلم، فقال في نهاية جوابه: فافهم، وطالع، فإنّ الأثر مشحون بمسائلك، فما غرضك في تكثير الأجوبة، وتكلفنا للأجوبة، فإنّ شغلنا أكثر من ذلك، والله المعين، والله أعلم.

هذه الصّورة العامة لجوابات الشّيخ المالكي تميل إلى الاختصار ومن باب خير الكلام ما قل ودل.

تواضع الشّيخ المالكي في الجوابات:

كما يظهر في الجوابات عمق الشّيخ المعرفي في الجانب الشّرعي وربطه بالواقع الاجتماعي والسّياسي، إلا أنّه يظهر مدى تواضعه خاصة مع أقرانه العلماء وطلبة العلم، فهو لا يريد أن يصور لهم أنّه وحيد زمانه، وفريد أوانه، أو أنّه قاضي القضاه، والوحيد الأوحد، أو قوله المعتمد، بل كان كثيرا ما يختم جوابه بعبارة: فلينظر فيه ولا يؤخذ إلا بعدله، وعبارة: فانظر فيه ولا تأخذ إلا ما بان لك صوابه، وطالع فإنّ صاحبك أشغل منك.

وأحيانا يظهر الضّعف في جوابه، وأنّه هو بحاجة إليهم لا هم إليه، فيقول مثلا: فلينظر في ذلك، ولا يؤخذ إلا بعدله، فإنّي إنّما قلته عن غير ضبط حفظ قوي، والسّلام، وقوله: إلا ما أتوخاه من حفظي القديم، والحفظ ضئيل، والله أعلم، وقوله: إن صح ما أراه، فانظر فيه، ولا تأخذ إلا بعدله، وقوله: هذا ما ظهر لي من غير حفظ، بل على حسب ما فهمته من قواعدهم، والله أعلم، فلينظر في ذلك، ولا يؤخذ إلا بعدله.

أمّا بالنسبة للعلماء وطلبة العلم فهو في قمة التواضع، فيقول مخاطبا الإمام الخليلي ت 1373هـ والأخير أصغر سنا: فانظر فيه، فإنّ نظرك أعلى، وهذا منك استكشاف، ويقول أيضا: فهذا الّذي حفظته، فانظر فيه، والسّلام عليك، رفعته لك لعلّه لم يحضرك، وإلا فأنت أكثر اطلاعا، وأكثر باعا.

التّربية العلمية والعقلية عند الشّيخ المالكي:

أبو مالك – رحمه الله – لم يكن فقط ليجيب السّائل؛ بل يستغل الفرصة في حث السّائل على عدم التّلقي والسّؤال فقط، بل كان يحثهم على الاطلاع وإعمال العقل أيضا، وهما وسيلتنان مهمتان في المعرفة فيما يسمى اليوم بالتّلقي والنقد.

أمّا من حيث الاطلاع كقوله: فانظر فيه ولا تأخذ إلا ما بان لك صوابه، وطالع فإنّ صاحبك أشغل منك، فهنا يحثه على المطالعة، وكقوله: فطالعوا فالكتب موجودة، والعلم عند الله.

وأما عن الإعمال العقلي فكقوله: فانظر في ذلك بعين عقلك، وطالع التّفاسير تجد الشّفا.

مصادر الجوابات:

نجد العلامة المالكي كعادة علماء المذهب المتقدمين ينطلقون من الأثر، فهم يعتبرون ما تركه السّلف من مصادر عملية، وموسوعات مصدرا مهما للمعرفة الشّرعية، وعليه اعتادوا كغيرهم جعلها قواعد يفرز بها بعض الدّخيل، وإن ظهر التأثر بالآخرين فيما بعد، إلا أنّ رائحة الأثر والتّمسك به لا زالت باقية كما يظهر من الجوابات.

ومن هذا مثلا قوله في أذان الظّهر للبلدة التي تقام فيها الجمعة: في الأثر إنّ المساجد لا تُقام فيها الجماعة والأذان إذا كان أهلها ممن تلزمهم صلاة الجمعة، وينهون عن ذلك؛ لأنّ في ذلك مخالفة لأمر الجمعة ، والله أعلم.

وقوله في زكاة التّمر عن البسر: إنّ التّمر والبسر شيئان متفاضلان، فإن دَفَعَ المفضول منهما فهو بخس على الزّكاة، وإن دَفَعَ الفاضل كان محسنا، وإن كانا متساويين جاز دفع أحدهما عن الآخر، ودفع زكاة كلّ واحد منهما منه هو الأحسن، وأمّا دفع القيمة أو دفع العروض عنها فلا أراه، ولا يخلو من قول في الأثر، والله أعلم.

وقوله في زكاة الأمين للأمانة الّتي عنده وصاحبها غائب: إنّ الأمين لا يزّكي نقود الغائب مطلقا كذا في الأثر، وهو صواب، وليس عليه شيء إذا أرسلها إليه إلا أنّه ينبغي له أن يخبره أنّها غير مزكاة إن لم يخرج منها زكاتها، والله أعلم.

ويبين مدى اطلاعه للأثر فيقول: هكذا فهمنا من آثار المسلمين.

وعليه سنجده يشير إلى المدونة وجامع ابن جعفر والضّياء والدّعائم ومنهج الطّالبين وقاموس الشّريعة، كما أنّه يستأنس بكتب شيخية السّالمي ت 1332هـ في كتابه جوهر النّظام، والشّيخ اطفيش الجزائري1332هـ كثيرا في شرح النّيل وشفاء العليل.

وأشار أحيانا إلى بعض مصادر المدارس الإسلامية الأخرى ككتاب المجموع شرح المهذب للإمام النّووي الشّافعي ت 676هـ.

وبين الشّيخ المالكي والشّيخ اطفيش ت 1332هـ مراسلات، وجدنا واحدة منها هذه نصها: ومن جواب الشيخ القطب  – رحمه الله – ما نصّه وبعد: فسلام على الشّيخ العالم العامل عامر بن خميس بن مسعود قائلا من كتاب في مسألة ما نصها: فأما الطّفل والمجنون فلا يجوز طلاقها، ولا يجوز لمن يطلق عليه، وكذلك الفداء، وقيل في الفداء أن يفادي الرجل عن ابنه الطفل، وكذلك المجنون يفادي عنه أبوه، وأما خليفتهما فلا، وقيل بالرخصة في الخلع والفداء إذا كان ذلك لعذر، وجاء باتفاقهما إلا أن يكون فيه بأس، انتهت، نقلا من ج2 من كتاب كشف الكرب ص 179 ، قلتُ: وإليه الإشارة بقوله: فأرسلت للقطب في يسجن ، فرخص فيه بوجه الفدا.

ومن الأدلة الكلية التي يتند إليها المالكي بطبيعة الحال القرآن والسنة (الرواية)، أمّا القرآن فيستشهد به كثيرا كقوله في مقدار نفقة الرّضيع: إنّ للرضيع ربابية  ثلاثة دراهم على الغنى، وهو قليل فيما نراه، ونقول: لا يكفي ذلك، والقرآن يقول: {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُم بِمَعْرُوفٍ وَإِن تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى}، {وَعلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ}، فانظر في ذلك بعين عقلك، وطالع التّفاسير تجد الشّفا.

وأمّا الرّواية أو السّنة فيشير إليها أحيانا، وكثيرا يذكر النّص، ومن ذلك قوله في قضية السّتر على السّارق:  لا حفظ معي في الحال في هذه الأسئلة، إلا أنّ الذي فهمته من الأثر إن صح ذلك أنّ النّبي – صلى الله عليه وسلم – أمر بالسّتر ، وحضّ عليه في أحاديث عديدة، وأمر بتعافي الحدود، وإذا كان الأمر كذلك؛ فلا يلزم الرّفع إلى الإمام، بل يلزم النّهي والزّجر بدون ذلك.

وأحيانا يستشهد ببعض الآثار عن السّلف كأثر: ذو السّهم أحق ممن لا سهم له، وأثر: للعمّة الثّلثان، وللخالة الثّلث.

وكثيرا ما يدعم رأيه بذكر العلماء المتقدمين كالرّبيع، وابن عبد العزيز، وابن محبوب، وموسى بن علي، وأبي سعيد الكدمي، وموسى بن أبي جابر، وأحمد بن مفرج، ومحمد بن علي.

ومن المتأخرين مثل ابن عبيدان، والمحقق الخليلي، وماجد بن خميس العبري، وصالح بن علي الحارثي والسّالمي، واطفيش، وغيرهم.

هذه لمحة عامة لمصادر الشيّخ المالكي في جواباته.

الشّيخ المالكي وفقه الواقع في الجوابات:

ينطلق الشّيخ في جواباته في مرحلة مهمة معيشيا، لما عايشه الشيخ من انقسام وحروب أهلية جعلت المستوى المعيشي سيئا، والحالة الاجتماعية سيئة، لذا نجده كثيرا ما يميل إلى الرّخصة، بل ويطلبها أحيانا كقوله: فإن عثرتَ  على رخصة فأحبُّ الاطلاع عليها، والله أعلم.

ويقول مثلا في أمر الأفلاج وهو من المصادر المهمة لحياة الناس ومعيشتهم: ومن ابتلى بأمر الأفلاج اضطر إلى التّرخيص، وهان عليه الصّعب، والله أعلم.

ويصور الإمام الخليلي هذه الحال لصاحب الجوابات قائلا: هل ترى بأسا في إعطاء فقير سائل من الزّكاة، وبيت المال، وقد مسّ النّاس الضّرر من جهة المحل، مع أنّ الدّولة لا سعة فيها، وتحتاج إلى حماية، ونحوه، وذلك لا يقوم إلا بالمال، فقد شقّ الحال، إن واسيت الضّعفاء بقيت الأمور كما ترى، وإن منعناهم خفنا أن تلحقهم مضرّه، وربما أنا نقدر ندفع بعضها؟!!!

فيجيب المالكي مقدما بداية حماية الناس وأرواحهم قائلا: الأصل أنّ الإمام إذا احتاج إلى الزّكاة لحماية من يزكّيه فإنفاذها في الحماية أولى، والسّائل تدفع ضرورته الحاضرة، وأمّا أخذ الزّكاة ودفعها في هؤلاء السّائلين الّذين لا ضرورة  بهم حاليّا أنّي لا أراه، فإن كان لهم حق فالحماية أولى لأنّه شرط في جواز الأخذ على قواعدهم، هذا في حق الإمام ونحوه فيما يظهر لي، والله أعلم، فانظر فيه، فإنّ نظرك أعلى، وهذا منك استكشاف.

ولشدة الحاجة رخص لأهل إبرا والمضيرب أن يعطوا زكاتهم لفقرائهم مع التّنسيق مع عامل الإمام كقوله: الحكم واحد لأهل إبرا والمضيرب، فإذا منع أهل المضيرب، ولم تجبروهم؛ فما المانع لأهل إبرا من هذا الحكم، وبالجملة خذوا منهم ما دفعوا لكم من زكاة النّقود والتّجارة والحلي، فهم مأمونون فيه، ويسعكم التّقاضي بعد أن يأمرهم الوالي بأداء الزّكاة، وأمرهم إلى الله، بذلك جاء الأثر، والله أعلم.

وأحيانا نجده يذكر الأقوال في المسألة الواحدة دون ترجيح ليرى النّاس المناسب والأسهل لهم.

الشّيخ المالكي والجانب الاقتصادي في الجوابات:

يشكل الجانب الاقتصادي في الجوابات الجزء الأكبر، فالبيوع وأحكامها، والأفلاج والوقف والنّخيل ونحوها ظاهرة بكثرة في الجوابات، ويحاول – كما أسلفنا – أن يرخص الشّيخ المالكي للنّاس وفق الأيسر لهم، بما يساعدهم في تجاوز هذه المرحلة العسيرة من تأريخهم، كرخصه في بيوع الخيار والإقالة والأفلاج والنّخيل ونحوها.

الشّيخ المالكي والجانب السّياسي:

عرف الشّيخ المالكي بعدائه الشّديد للجبابرة، فهو الّذي وقف موقفا شديدا في أموال الوالي راشد بن عزيز الخصيبي ت 1347هـ/ 1928م، والي السّلطان فيصل بن تركي 1332هـ/ 1914م، وفيما بعد وزيرا للسّلطان تيمور بن فيصل ت 1350هـ/ 1932م.، ووضع قصيدة فيها سماها غاية التحقيق في أحكام الانتصار والتغريق ، نشرها الشّيخ سالم بن حمد الحارثي ت 2009م في كتابه العقود الفضية.

ومن هذه الفتاوى الشّديدة مع الجبارة والتعامل معهم تشديده من اقتعاد فلج كيد ببهلا لأنّه بيد الجبابرة، ومن فعله فعليه الضّمان، فقال: لا يجوز اقتعاد فلج كيد من الجبابرة، فمن اقتعد منهم فعليه الضّمان ينفذه في إصلاحه أو إصلاح الجزيين حكمه جائز، ولا يجوز للفقراء، والله أعلم.

وهناك جوانب سياسية وغيرها تعبدية ومقاصدية ونحوها تحتاج إلى وقفات، وما ذكرناه نكتفي به هنا كلمحة مختصرة تعطي ولو أبعادا معينة من جوابات العلامة المالكي – رحمه الله تعالى-.

1436هـ/ 2015م

السابق
إنّا جعلناك إلهاً لفرعون
التالي
قراءة في كلام الشيخ أحمد المسهلي حول مسند الإمام الرّبيع بن حبيب البصري ت ق (2هـ)
– تنويه:

عدد من الصور المستخدمة للمقالات مأخوذة من محرك google

اترك تعليقاً