الحوارات

مطارحات مع الأستاذ: ناصر بن سليمان السابعي

الجزء الأول: المكاشفة الأولى حول مقدمة حول وثيقة الحوار

الزمان: الثلاثاء مايو 2011م

أدار الحوار: بدر العبري رئيسا، وهيثم السيابي مساعدا

بدر العبري: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، والتابعين بإحسان إلى يوم الدين.

وبعد، فقد خرّجت الأمة الإسلامية مدارس لها أبعادها الفكرية والعملية، والتي تعمّ نواحي الحياة المتعددة سلبا أم إيجابا، مما كانت رافدا خصبا للفكر الإنساني، ومنبعا شموليا للحياة البشرية، ومن هذه المدارس الإسلامية المدرسة الإباضية، والتي كانت أول المدارس تبلورا، فكانت أقرب المدارس إلى النبع الصافي، حيث تميزت بمنهجها العملي في قبول الجديد، مع النقد العقلي، والتمسك الشديد بالقرآن الكريم، مما جعلها في مأمن من التأثر الإغريقي بفلسفته البحتة، ومن التأثر بأهل الكتاب والمجوس عن طريق الروايات والسند، خلافا لمدرسة أهل الحديث والشيعة الإمامية.

كما أنّ بعد الإباضية من القرن الثاني الهجري عن مركز الخلافة دمشق ومن ثم بغداد، وتكوينهم دولة مستقلة، في نواحي متعددة، شرقا وغربا؛ جعل فقههم شموليا، كما أنهم لم ينظروا للظلمة يفعلوا في المجتمع ما شاؤوا باسم الدين.

إلا أنّ المدرسة الإباضية في الواقع المعاصر بين اتجاهين متباينين: اتجاه يرى أنها اليوم في قوتها لانفتاحها على المدارس الأخرى، وفي عصر الطباعة والثورة الالكترونية، واتجاه آخر يرى أنّ الإباضية في عصر الذوبان في مدرسة أهل الحديث برواياتها البراقة، وقسم من أبنائها تأثر بالحداثة والعقلانية الغربية.

ومع انعدام المؤسسة الإباضية المنظمة، ووجود حلقات حوار يقرب بين أبنائها حدث شرخ في المدرسة مؤخرا كاد أن يحدث فتنة فيها، من هنا أحببنا أن نبدأ هذه المكاشفات شهريا بمعدل مكاشفة في كلّ شهر، نبدأ فيها بنقد الواقع الإباضي المعاصر، حيث يقوم بالنقد أبناؤها المخلصون، رغبة مخلصة في توحيد الجهود، وتقارب الرؤى، ووضع الخطط العملية، والإستراتيجية المخطط لها للرقي بهذه المدرسة، مع حفظ الود بين أبنائها لكونها مدرسة بشرية بطبعها العام.

ويسرنا في بداية مكاشفاتنا أن نبدأها بالعالم المؤرخ الجليل الأستاذ: ناصر بن سليمان السابعي، وهو الغني عن التعريف، فكلكم تلميذ لهذا الأستاذ الكبير، والتلميذ لا يجهل أستاذه، وهو الداعي مؤخرا إلى وثيقة الحوار، فأهلا بكم ومرحبا، وأهلا بضيفنا الأستاذ وسهلا.

وقبل أن نبدأ الحوار نوضح للأخوة الكرام أنّ الهدف من المكاشفات هو تقريب الرؤى بين المثقفين العمانيين، باختلاف توجهاتهم وأفكارهم، لنسير تحت مظلة الحوار القرآني الهادف، بدلا من سوء الظنّ والغيبة والنميمة، فنختلف فتذهب ريحنا.

وعليه من أراد المشاركة تسجيل هاتفة في ورقة المشاركات، لتصل إليكم رسالة نصية عند كل مكاشفة، ومدة حوار اليوم ساعة، وبعدها نفتح المجال للجمهور ساعة أخرى، إلا إذا رأى الأستاذ ناصر اختصار وقت المكاشفة فالأمر راجع إليه.

العبري: الشيخ ناصر كما يعلم الكثير منا أنك نشرت مؤخرا وثيقة الحوار، والعديد قرأها، والسؤال الموجه إليك: من تقصد بالضبط؟ ولماذا في هذا الوقت؟

السابعي: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله حق حمده، والصلاة والسلام على النبي المصطفى سيدنا محمد وآله وصحبه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أنتم أساتذتي وإخوتي، وقبل الحديث عن مضمون اللقاء، وبما أنّ هذه الجلسات جلسات مصارحة ومكاشفة كما أسميتها، شخصيا لا أميل إلى وجود هذه التصنيفات، هذا عالم وهذا طالب، لماذا؟ لأنّ العلم أصبح متاحا للجميع، وأصبحت المعرفة ثقافة سائدة لكل الناس، يبقى التخصص، والتخصص شيء مهم وضروري، ولا يمكن للإنسان أن يحيط بالعلوم، فلا أحبذ أن يكون هناك من يسمى بالعالم والشيخ ومن يسمى بالطالب، نحن جميعا أسرة واحدة في بيت واحد.

ما يخصني شخصيا لست بعالم، ولا بمؤرخ، هذه حقائق لا بد أن نعترف بها، ليس كلّ من كتب مقالا، أو ألف كتابا، أو أعدّ بحثا؛ يعدُّ عالما، مثلا الدكتور صادق الرافعي[1] في كتابه تحت راية القرآن ذكر حادثة في من يسمى أديبا، من هو الأديب؟!!!

نحن اليوم من كتب قصيدة سميناه أديبا، ومن نقد بعض أنماط الشعر سميناه أديبا، أنا لا أفضل أن تكون هذه الألقاب شائعة بيننا، أنا ناصر، أنت عبد الله، عبد الرحمن، هذه ثقافتنا، ولتكن علاقتنا وفق هذه المعطيات والأسس، فالشيخ والعالم بالنسبة لي لا أحبذه.

والدكتور صادق الرافعي في كتابه تحت راية القرآن يتكلم عن الدكتور طه حسين[2]، والذي يسمى بعميد الأدب العربي، حيث أصبح لقبا له شائعا بين الناس، فإذا سألتَ من عميد الأدب العربي؟ يقولون لك مباشرة: طه حسين، رغم ذلك انظر ماذا يقول الدكتور مصطفى؟! حيث يذكر حادثة لأحد أدباء الأندلس، جاء إلى أمير من الأمراء، وابن هذا الأمير طلب من أحد الأدباء أن ينسخ كتاب الأغاني لأبي الفرج الأصبهاني[3]، فجاء الأديب – أظنّ اسمه ابن عبدون[4] حسب ذاكرتي الآن – ودخل مجلس الأمير، ووجد شيخا ومعه ابن الأمير، وصادف أنّ الشيخ الذي جاء ينسخ الكتاب نسي الأوراق الأصلية للكتاب التي ينسخ منها، وابن الأمير والشيخ جالسان بدون عمل، وإنما مجرد مسامرة، دخل الأديب الشهير عليهم، وابن الأمير لا يعرف هذا الأديب، فسأل الأديبُ ابنَ الأمير: ماذا تفعل؟ فقال: ننسخ كتاب الأغاني، ولكن اليوم نسينا الأوراق الأصلية للكتاب، قال: أين وصلتم؟ وفي أيّ موضع؟ قال: في الموضع الفلاني، قال: اكتب، أمليك من حفظي، فظلّ يملي الشيخ من حفظه، وابن الأمير متعجب حيث لا يعرف من هذا الأديب، فيظنه أنّه يحفظ من ذلك الموضع، فبدأ يحفظ له من مواضع متعددة، يقلب الصفحات فيقول له: أملني من موضع كذا، ويملي من الحفظ أكثر من موضع، فطار عجبا مباشرة إلى والده الأمير فأخبره بأمره، فعندما سمع الأمير بالقصة جاء حافي القدمين وحافي الرأس إلى الأديب، قائلا له: سامحنا لم يخبرنا هذا الجلف – أي ولده – إلا الساعة، قال ابن الأمير: يا أبت من هذا، قال: هذا أديب الأندلس، ابن عبدون، أيسر محفوظاته كتاب الأغاني.

أستاذي الكريم أرجوك لا تعطني هذه الألقاب …

العبري: أنت قلتَ الآن أستاذي الكريم قل: بدر العبري، وقعتَ فيها …

السابعي: أبو من أنت؟

العبري: أبو البراء.

السابعي: أنا أخوكم، وزميلكم، درستُ معكم، بعضكم عندما كنت طالبا كان موظفا أو مدرسا، ما عندي إلا كتابات يسيرة جدا.

هذا الأمر الأول؛ الأمر الثاني: هذه الفكرة التي قمتَ بها – أي المكاشفات – فكرة جميلة، نحن نحتاج إلى هذه اللقاءات، نحتاج إلى هذه الجلسات بعد طول الزمان، هنا نجد صديق الدراسة، وصديق الصبا، هذه اللقاءات تجمع بيننا.

الأمر الثالث: نحن وإن اختلفنا، حدث شرخ أو لم يحدث، من الجيد أن نستثمر مثل هذا اللقاء، وأن نستثمر جميع خلافاتنا.

الفارق بيننا وبين الغرب؛ الغرب متهم بفكرة المؤامرة، ولكن هل هناك مؤامرة أم لا؟ هناك نقاش هل الغرب يدير المؤامرة فعلا أم لا؟!، نحن لا نستبعد وجود مؤامرة من قبل الغرب، ولكن الغرب يحسن استثمارها، أما العرب فلا يحسنون استثمارها، الأمور تأتي إليهم عفوية وتذهب، هذا الفارق بيننا وبينهم.

والخلاف عموما لا بد أن يستثمر، أيُّ خلاف، وأيُّ رأي، حتى ولو كان رأيا جديدا، أو وجد إقصاء، لا بد أن يستثمر، انظروا إلى المدرسة الرستاقية[5] والمدرسة النزوانية[6]، خلاف حاد في الفكر العماني الإباضي، لكنه أثمر عن مؤلفات عظيمة جدا، خاصة المدرسة الرستاقية، حيث أبدع أتباعها في التأليف.

وقد حفل التأريخ العماني في البيان عما جرى بين المدرستين، فحفظ جزء من التأريخ العماني في هذه المؤلفات، مع تنظير الفكر السياسي الإباضي بشكل جميل.

ومسألة الولاية البراءة وتنظيرها كان على خلفية مسألة موسى بن موسى[7] والصلت بن مالك[8].

فهذه الخلافات والاحتجاجات والتظاهرات والمسيرات لا بد من النظر الإيجابي لها، مع ودي أن أكتب في إعادة قراءة الـتأريخ الإسلامي الأول وفق السياج المعاصر، مثلا فيما يخص تاريخنا نحن في أهل النهروان، في الحرب التي جرت بين معاوية بن أبي سفيان[9] وأتباعه، وعلي بن أبي طالب[10] وأتباعه في صفين، ثم عادوا إلى الكوفة، هنا رفض قسم من أصحاب الإمام علي الدخول معه إلى الكوفة.

بالتفسير المعاصر هذا النوع من الاعتصامات، فاعتصموا رفضا من الدخول معه حتى يعود لمقاتلة خصمه الذي شق عصا الخلافة، وقد فرّق الأمة، وهذا نوع من الاعتصام.

جرى بعد ذلك أنّ الإمام علي كان يخطط لحرب معاوية؛ إلا أنّ الجيش انحرف لمحاربة أهل النهروان، في أثناء ذلك أرسل الإمام علي رسولا إلى أهل النهروان ليفاوضهم، إلا أنّ الرسول قتل، فشاع الخبر أنّ أهل النهروان هم من قتل رسول الإمام علي.

هنا هل بالفعل أنّ أهل النهروان هم الذين قتلوا الرسول؟! ما يسمونهم الآن بالبلاطجة أو البلطجية الآن فهمنا القصة على حقيقتها، من الذي قتل عبد الله بن خباب بن الأرت[11] وهو مسعر الفدكي[12].

هذا النوع من البلطجية، واتهم بذلك أهل النهروان، وهو الذي يحدث الآن، فعندما تقرأ أحداث التأريخ السابق وتقارنها بأحداث التأريخ المعاصر تجد أنّ السياسة تدير الكثير من الأحداث.

فالذين يسمون بالخوارج لا تجد أيّ كتاب للأزارقة حتى الآن، ولا يوجد أيّ كتاب للصفرية، ولا للنجدات، إذا كل ما ينسب إليهم محتاج إلى مراجعة.

فهذا القذافي الذي يتهم الثورة الليبية بأنّ الهدف منها إقامة إمارة إسلامية، الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك والذي اتهم الثورة بأنها موجهة من قبل الإخوان، نفس السياسة، هذا متهم بأنّه إخواني، وهذا يريد إقامة إمارة إسلامية، وهي التهمة نفسها في السابق، فهؤلاء خوارج، وهؤلاء مكفرة، وهؤلاء ثوار على الحكم، ومع هذا لا نستطيع معرفة سياق الأحداث الحقيقية، فوعندما نرى الواقع المعاصر نفهم الكثير من أدوار التأريخ السابق.

فعلينا أن لا ننظر إلى الأمور نظرة سيئة، هنا نظرات إيجابية، وهذا موسى بن موسى، والصلت بن مالك، حيث أنّ الأخير كان كبير السن، فعندما تقرأ أحداث اليوم تعرف أنّ قيام موسى بن موسى هو من باب قيام الشباب على الشيوخ، كما يحدث اليوم قيام الشباب حبا للتغيير، نخلص من هذا: كل خلاف أو شرخ إنما هو من المعطيات الإيجابية في الواقع، والذي يمكن الاستفادة منه.

أعود إلى سؤالك أخي العزيز بدر، يا أبا البراء، من أقصد بالوثيقة؟ أقصد نفسي في البداية، أقصدك أنت، أقصد زميلي العزيز، أقصد الجميع، أقصد المذاهب الإسلامية، أقصد غير المسلمين، فهي ليست موجهة إلى طائفة معينة، كل واحد يأخذ منها ما يحبه.

ولماذا جاءت في هذا الوقت؟ أصل الوثيقة أني شرّفت بدعوة كريمة من القائمين على موقع المجرة، حيث لديهم حوارات دورية مع أشخاص، فقدّموا لي عدة أسئلة، وفضلت أن أجيب على الأسئلة في مقال بدلا أن يكون عن طريق سؤال وجواب.

وفي الحقيقة شخصيا أنا مهتم بهذه المواضيع منذ فترة طويلة، حيث من موضع اهتمامي حل الخلافات، فقد عايشتُ اختلافات متعددة، سواء على المستوى الفردي أو الفئوي أو غير ذلك، حتى في موضع الخلاف بين أهل العلم في المجالات الفقهية، نجد العديد من الخلاف، لو حررناه لن نجد خلافا حقيقيا في الجملة.

وأضرب لكم هنا مثالا: صلاة الجماعة، هل هي فرض عين أم كفاية؟ نجد أكثر من قول، هناك من يقول بأنها فرض عين ليست شرطا لصحة الصلاة، وهناك من يقول فرض عين شرط لصحة الصلاة، وهناك من يقول هي فرض كفاية، وهناك من يقول سنة، أكثر من قول.

والرأي الشهير عند علمائنا هي فرض كفاية، وإنما الذي يقول بأنها فرض عين الشيخ أبو سعيد الكدمي، والشيخان أحمد بن حمد الخليلي، وسعيد بن مبروك القنوبي، بينما الرأي الشهير على الكفاية.

والسؤال هنا: هل يوجد فارق رئيسي بين الرأيين؟! يقول الشيخ السالمي[13] في كتابه مدارج الكمال:

جماعة فرض كفاية يجب        في الصلوات الخمس والباقي استحب

وأظنه في الجوهر حكى بأنها فرض عين.

والسؤال: ما صورة فرض الكفاية؟ فرض الكفاية أوضح لها صلاة الجنازة، وصلاة الجنازة البعض يصلي والبعض جالس، والفقهاء عرّفوا فرض الكفاية ما قام به البعض سقط عن الباقين، وإذا لم يقم به أحد أثم الجميع، وهذا التعريف عند الأكثر، مع وجود تعريف آخر عند البعض، لكن هذا التعريف هو السائد الشهير، ومعنى هذا أنّ البعض يصلي والبعض جالس، والجالس ليس آثما.

ولكن هل الذين يقولون بفرض الكفاية يقرون هذه الصورة؟! فالجماعة تقام، والمسجد قريب منا، ولا يوجد عذر عن الالتحاق بها، أصحاب القول بفرض الكفاية لا يجيزون هذا.

وفي المقابل الذين يقولون بأنها فرض عين هل يعني لا بد الكل أن يركض إلى المسجد؟!، فالذي يقود السيارة يتوقف عن القيادة، وصاحب المحل يغلق حانوته مباشرة، هل يقصد من يقول بفرض العين هذه الصورة؟! الجواب: لا.

هناك اعتبار لكل واحد، فالذين قالوا بأنها فرض عين نظروا إلى الصورة الأولى، وهي أنّ مجموعة من الناس تقام الجماعة ولا يلتحقون بها، وبدون عذر، والذين يقولون بفرض الكفاية نظروا أنّه لا يمكن لجميع الناس أن يؤدوا صلاة الجماعة في وقت واحد، في النهاية لا يوجد خلاف حقيقي[14].

ضربتُ هذا المثال لأنّ الكثير من مظاهر الخلاف بيننا إذا حاولنا فهم سبب الخلاف ومنشأ الخلاف، وما يسميه الفقهاء بتحرير موضع النزاع، فالعديد من الخلافات ستتلاشى، ولا داعي لهذه الضجة التي تثار بين الحين والآخر حول العديد من القضايا الفقهية والفكرية وغيرها.

العبري: لماذا اخترت العنوان “وثيقة الحوار” بالضبط؟

السابعي: اخترت هذا العنوان لأني آمل أن يتم التفاهم حولها، على أن تكون ميثاقا فيما بيننا، نتفق على البنود الموجودة فيها، حتى لو ألغي اسمي منها، المهم أن تُصاغ بطريقة أشبه بالقانون، أشبه بالميثاق، ونتفق على أيّ مسألة نختلف فيها أن نتحاور وفق الآليات المدونة في الوثيقة.

من هنا طلبتُ في الأخوة في الموقع أن تعرض على أكثر من شخص من المفكرين والباحثين وغيرهم، وأبدى البعض ملاحظات حولها ولكن ليس بالشكل الذي أتمناه.

السيابي: ذكرت في الوثيقة أنّ المنهج القرآني أشاع ثقافة الحوار، في مقابل شيوع ثقافة الخلاف، لماذا غابت هذه الثقافة من أبناء المدرسة الواحدة، وحتى من رموزها وهم القدوة في ذلك؟

السابعي: اختلف معك في الشق الأخير من السؤال، نحن لا نريد الحديث عن أفراد أو أشخاص، ونريد أن نقيم مواقف معينة، نترك الحديث عن الرموز أو العلماء، ويبقى الحديث في الفكرة، بغض النظر عمن ينطبق عليه الكلام، سواء كنت أنا أم أنت أم غيرنا.

والخلاف عموما سنة في الوجود، وسبب وجود الخلاف التباين المشهود بين الناس، هذا هو عقل الإنسان، وهذا هو فكره، إذا لماذا جاء القرآن إلا ليعالج الأخطاء!، وعلاج الأخطاء هي المهارات القرآنية التي دعانا إليها، تصورا أنّ الناس جميعهم على مستوى واحد من التفكير، وعلى رأي واحد؛ لانعدم التجديد والتحديث، فالخلاف والاختلاف شيء طبيعي جدا.

ثم إنه يوجد لدينا تاريخ عريق، ومخلفات كثيرة، مذهبية وعرفية وإقليمية وشخصية، ينبغي أن لا تغيب عن بالنا، فتأتي أنت أو آتي أنا فأحاكمك على فكرة معينة، نشأتَ عليها، ونشأ عليها آباؤك، وقرون متطاولة قبلك، هذا الأمر ليس سهلا؛ بل عسيرا.

لذا غابت عنا العديد من المفاهيم في حقيقة الأمر، تعالوا مثلا إلى الحوار، ما هو الحوار؛ أتصور أنا أم أنت أنّ الحوار عبارة عن سؤال وجواب؛ هذا ليس حوارا، هذه جلسة استفتاء، ما الحكم في كذا؟ الجواب: كذا وكذا، من هنا غاب عنا مفهوم الحوار.

كذلك غاب عنا مفهوم الخلاف، ما هو الخلاف؟ ألم يكن الصحابة يختلفون؟ أما اليوم فأصبح مفهوم الخلاف عبارة عن عراك وحرب.

وهناك العديد أيضا من المفاهيم غابت عنا، غابت عنا في خضم صراعات مذهبية وفكرية مرت بها هذه الأمة، فهذا العالم يكتبُ كتاب في الرد على العالم الآخر، فيأتي العالم الثاني ويرد عليه، ويأتي ثالث ويعقب عليه، هل يوجد في تأريخنا أنّ عالما ردّ عليه واقتنع؟ لا يوجد في بالكم شخص مثل هذا، والخلاف له أدبياته، وله طرقه ووسائله، له مفاهيمه ومضامينه.

مهما يكن نحن نحاول أن نلملم الفكرة، وأن نجلس سويا، والأجمل أن نجلس أنا وأنت، ماذا قلتَ؟ وماذا تقصد؟ انظر مثلا إلى ابن عمر[15] – رضي الله عنهما – يروي حديثا أنّ الميت ليعذّب ببكاء الأحياء، الحديث في مسند الإمام الربيع وغيره من الصحاح[16].

وصل هذا الكلام إلى عائشة[17] – رضي الله عنها -، فقالت: يغفر الله لأبي عبد الرحمن، تقصد عبدَ الله بن عمر، لا حظوا: يغفر الله أولا استغفار لأبي عبد الرحمن، ثم كنته، والكنية استشعار للأخوة والمحبة، أما إنّه لم يكذب، لا يوجد اتهام للنيات، لكنه نسي أو أخطأ، اعتذار للآخر، إنما قاله الرسول – صلى الله عليه وسلم – حينما مر بيهودية ماتت وأهلها يبكون عليها، فقال – صلى الله عليه وسلم –: إنهم ليبكون عليها، وإنها لتعذب في قبرها.

ولا يوجد في كلام النبي – عليه السلام – رابط بين عذاب القبر، وبين بكاء الأهل، فالعذاب هنا كان بسبب شركها، أما عبد الله بن عمر ففهم سبب عذابها في قبرها هو بكاء أهلها عليها.

أما الفقهاء لاحقا، وبسبب رواية عبد الله بن عمر صاروا يختلفون، هل يعذب الإنسان في قبره بسبب بكاه أهله عليه أو لا يعذب؟!، لدرجة أنّ البعض يوصي أن لا يبكي أحد عليه، خوفا من أن يعّذب في قبره، والمسألة أصلا مبنية على فهم خاطئ لأحد الصحابة لكلمة قالها النبي – صلى الله عليه وسلم –.

إذا أولا علينا أن نتفق ماذا قلتُ أنا، ثم ماذا تفهم، وماذا أقصد أنا بهذا الكلام، فربما فهمت شيئا آخر لم أقصده أنا من خلال كلامي.

العبري: عندما نتأمل ونتدبر في القرآن الكريم نجد أنّ الله سبحانه وتعالى يطالبنا بحن الحوار حتى مع الذين هم من غير أهل الكتاب من اليهود والنصارى، ونهانا عن سبهم وشتمهم، مع الإحسان إليهم، والخطاب بالتي هي أحسن لا بالتي هي أخشن، لماذا هذه الثقافة نجدها بيننا وبين غير المسلمين، بينما هي غائبة بين أبناء المدرسة الواحدة، أو بين أبناء المدارس الإسلامية؟

السابعي: هذا السؤال والذي سبقه يصبُّ في نهر واحد، وعلينا أن نفهم أننا عشنا ضمن ثقافة الصراع المذهبي سابقا، حيث أصبحت الخلافات الحالية نتيجة طبيعية لم حدث ولا زال يحدث من صراعات، وهذا شيء طبيعي جدا.

وهناك عنصر آخر وهو لا بد من تضييق عنصر الخلاف، فليس كل شيء يعد من الخلاف، فإذا تشعبنا فيه فسيكون كل شيء خلافا، شكلك وشكلي خلاف، وجسمك وجسمي خلاف، رأيك ورأيي خلاف، علينا أن نركز على الأمور التي نحاول أن تجمعنا، فنترك الحديث عن الخلافات بشكل مكثف، وإنما علينا أن نركز على الوفاق، ونماذج الوفاق.

العبري: أقصد أستاذي هناك مبادئ مشتركة ندعو إليها مثلا الحوار، حسن الظنّ، في المقابل ما نحذر مثل الغيبة والنميمة وسوء الظنّ، وبما أنك عملت كثيرا في الجانب الأكاديمي، والعديد من طلابك حضر اليوم، سواء كان في المعهد، أو المدارس التقليدية، فعندما نأتي في مجلس كهذا المجلس الغيبة والنميمة، وأكل لحوم الآخرين، أصبح المجلس لا يناقش الفكرة؛ وإنما يناقش الشخص، فلان كذا، وعلان كذا، أليست هذه غيبة ونميمة؟ أليس الأولى أن يربى هذا الجيل كيف يستطيع أن ينقد الفكرة؟ أن يحاور؟ لماذا نخاف أن نحاور الأشخاص؟ حتى تعمّ المودة بيننا.

مبارك القنوبي (أحد الجمهور): ممكن أتحدث قليلا قبل إجابة الشيخ ناصر …

السابعي: تفضل …

القنوبي: الشيخ ناصر – جزاه الله خيرا – أشار إلى هذا السؤال، وقال نحن لا نريد الحديث في الرموز، على أساس نحن لا نريد ذكر أشخاصا بذاتهم؛ وإنما نحن نذكر الفكرة، حتى نخرج عن الغيبة والنميمة، وجزاكم الله خيرا.

السابعي: تعجبني، وكفيت ووفيت، وأن تسمح لي بالمزيد، علينا – يا إخوتي – أن ندرك التباين بين الناس، هناك مستويات في التفكير، مثلا الدكتور هشام الطالب في كتابه دليل التدريب القيادي يقول: العقول الكبيرة تناقش الأفكار، والعقول الأدنى منها تناقش الأحداث، والعقول الأدنى منزلة منها تناقش الأشخاص.

فالعقول الأدنى منزلة تقول: أنا فعلت، وفلان فعل، والعقول الأدنى: بن لادن قتل، ورمي في البحر، أما العقول الكبيرة فتناقش هل هي مؤامرة أم لا، وكيف نتحقق في صحة مقتله، وما هي الأدلة، أم هي مجرد دبلجة جديدة للفكرة؟!.

هناك رأي يقول أنّ ابن لادن قتل منذ زمن بعيد، ولكن أُخِرَّ موعد النبأ لسبب أن تعيد الولايات المتحدة الأمريكية هيمنتها، وتثبت للعالم إستراتيجيتها العسكرية، وأنها تريد أن تحافظ على الأمن العالمي.

فهذه مستويات للناس، فكل في مقامه ومنزلته، وفي جانب آخر الناس يعيشون في أمراض متعددة، فالغيبة مرض، وقد عالجها القرآن منذ القدم، كذلك سوء الظنّ مرض، وهذا الدستور المخلد في سورة الحجرات يعالج الغيبة والتنابز بالألقاب والسخرية والتجسس، فهذه أمراض موجودة، وهذه من طبيعة الإنسان، والمشكلة الكبيرة أن تكون بين أهل العلم، وبين حملة العلم وطلبته، وعلينا أن لا نعالجها باعتبارها وصمة لفئة؛ وإنما نعالجها باعتبارها مرضا شائعا، وهذا أفضل من أن نحصره في فئة معينة، لنتحدث عن الفكرة العامة بدلا من الأشخاص والفئات.

السيابي: كيف نربط بين البراءة من شخص معين، والدخول معه في حوار؟

السابعي: بلا كيف! نجلس سويا ونتحاور، القرآن وضع كلمة للموضوع { تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ}[18]، هذا المشرك؛ فكيف بالإنسان المسلم الذي لديه أخطاء، فلا مصادمة بين البراءة وبين الحوار.

مرة أحد الأخوة الأعزاء يقول: كيف نجمع بين البراءة وبين موقفنا من المذاهب الأخرى، قلتُ له: الأمر ليست فيها مشكلة …

إن سكتوا عنا سكتنا عنهم         ونكتفي منهم بأن يسلّموا

السلام هذه أفضل تحية، لا يوجد أفضل منها، ألا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم، أفشوا السلام فيما بينكم[19]، هكذا يقول – عليه الصلاة والسلام -.

إذا هناك علاقة المسلم بأخيه المسلم، بأي شكل من الأشكال، وفي أي صورة من الصور، لا بد أن نتعامل مع المسلم على أساس السلام والاحترام، ولم يحدد القرآن أنّ السلام للإنسان الصالح، أفشوا السلام فيما بينكم، { وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا}[20]، كذلك لم يحدد الرسول – صلى الله عليه وسلم – السلام للإنسان الصالح دون غيره.

لست أنت الذي تحدد من هو المؤمن من غير المؤمن، ومن هو الصالح من غير الصالح، يجب أن نسير وفق هذا الأساس، فلا بد من إشاعة السلام بشتى أشكال السلام، وتحديد المؤمن من غير المؤمن ليس عائدا إلى أحكامك الخاصة { وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا}.

هناك أسس أخرى يتعامل معها الإنسان مع أخيه المسلم، هناك علاقة الحوار، هناك الأخوة الإسلامية العامة، بجانب الأخوة في الإنسانية، لدينا أكثر من قيمة وميثاق للتواصل العام.

بل الإسلام أمر الحربيين أن تكون لهم حقوق؛ بل الإنسان في المعركة له حق، وقد نهى الرسول – صلى الله عليه وسلم –  عن المثلة بأهل الشرك في الحرب، رغم أنهم مثّلوا بعمه حمزة[21] – رضي الله عنه -، فقال: لا تقتلوا شيخا، ولا مدبرا، ولا صغيرا، ولا امرأة[22].

حتى الإنسان في دور العبادة لا يؤذى، ولو كان يهوديا أو نصرانيا، فهذه قيم ومثل عامة لا يمكن أن نغفل عنها، وانظروا إلى بعض الفتاوى اليوم، والتي تأمر بقتل فلان، وهذا أمر غريب، فهناك نصوص قطعية لا تقبل المساومة، كل المسلم على المسلم حرام، دمه وماله وعرضه.

كم آية قرآنية في النهي عن القتل!، { مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا}[23]، {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا}[24].

وكم آية قرآنية في حرمة المال!، وكم آية قرآنية في حرمة العرض!، وكم حديث نبوي في حرمة القتل!، وأحاديث في حرمة المال والأعراض، وهذا شامل لجميع البشر من المسلمين وغير المسلمين، فينبغي أن لا نتجاوزها من أجل رواية أو روايتين تخالف الأصول العامة.

من هنا المتولى وغير المتولى، المسلم وغير المسلم، خاضع لهذا النظام، لهذا قالوا من شاهد إنسانا يرتكبُ كبيرة من الكبائر، ستجد الكثير من الناس يشيع مباشرة، بينما الشرع يقول: أولا لا يجوز الإخبار، وثانيا نتحقق هل ما يفعله معصية أم غير معصية، ثالثا لا ينقل إلى البراءة إلا بعد التأكد والاستتابة، هنا من يطبق هذه المبادئ؟!…

وأنت إن علمت مثل علمهم      جاز لك الحكم بمثل حكمهم

هنا قاله الشيخ السالمي في معرض الحديث عن بعض الصحابة، فلماذا لا يظهر الإنسان مثل هذه الأمور؟ أولا: لأنّ بعضها قريب من الأسرار، وثانيا لأنّ هذا أيضا يكون بينه وبين ربه – سبحانه وتعالى -.

وعالم بالاختلاف يمضي    في السر ما يلزمه من فرض

والعجب أن تجد قوما يقولون إنّ الإباضية لهم تقية في إظهار معتقدهم؟ هذه ليست تقية، وإنما هذا عدم إثارة، وتجنبا للضجة، أنت لك موقف مني، وقد رأيتَ مني خطأ يوما ما؛ لا تخبر، تأكد أولا أنه خطأ ثم انصحني، وثانيا استر عليّ، أوليس الستر حقا من حقوق المسلم، إذا لماذا نشيع الأخطاء خاصة في شبكة المعلومات[25].

العبري: عموما نختم اللقاء بهذا السؤال، ثم نفتح المجال للجمهور، الاعتصامات التي حدثت في عمان وردة الفعل من قبل بعض الجهات، ألا ترى لو حدث حوار يجمع بين المطالب من قبل المعتصمين، وسبل تحقيقها من قبل الحكومة، في أماكن الاعتصامات، المساجد، الإعلام، في رأيك لو حدث حوار حقيقي هل سنرى فعلا ما نتج مؤخرا عنها من ضحايا واعتقالات وغيرها، ولك تجربة في اعتصامات المعهد؟

السابعي: لا أدري هل تقصد الحوار قبل الاعتصامات أو أثنائها؟

العبري: أثناء الحوار.

السابعي: عموما أصحاب القرار لهم معطياتهم في التعامل مع الأحداث، أنا قد اختلف معاك، وتختلف معي، ونختلف مع غيرنا، نختلف في الوسيلة المثلى في إدارة الأزمات.

هناك مطالب مشروعة، ولكن أيضا مشروعة بمحاذير، فكان الأمر – والله أعلم – بين المطالب المشروعة والمحاذير الممنوعة، وهو يدور بين هذين الأمرين.

بل حتى الأمر الدخول في حوار قد لا يجدي، فسينقلب إلى جدل، والجدل من ضمن المحاذير في الحوار، وقد ذكرته في الوثيقة، متى ينتهي الحوار؟ عندما يختل نظام الحقائق في الحوار ينبغي أن يدرك المتحاوران أنّ ذلك شروع في الحوار العملي الذي تتكلم فيه السلطة بدلا من الحوار، بمعنى أنّ صراع القوة حل محل خطاب العقل.

هناك حوار عملي تتكلم الأيادي والأسلحة فيه، وعندما يكون الحوار لا فائدة منه أقول هنا لا داعي للحوار، قدم وأعرض ما لديك.

وذكرتُ فيها أيضا: هنا ينبغي أن يتوقف الحوار، لأنّ الحوار لا سلطة ولا قوة فيه إلا للعلم والعقل بما يضمن حسن سير الحوار، والقسوة ونحوها لا تكون ضمن آليات الحوار للوصول إلى نتيجة موحدة؛ بل هي انتقال إلى مرحلة أخرى من آليات الصراع حول الحق، ليس الحوار معنيا بها.

وإذا بدا أنّ الآليات غير سليمة أصلا، وفقدت الأسس الصحيحة من البداية فيكون من باب أولى الانتباه إلى أنّ البيئة غير صحية، لأنها لا تمتلك أدوات النجاح ما لم يتم تدارك الأخطاء في الوسائل قبل الحديث عن معالجة الأخطاء في الموضوع الأصلي الذي يدور حوله النقاش.

إذا هناك محاذير حول الحوار، مثلا كيف أحاور شخصا يكفرني، أنا ذاتيا أيّ شخص يكفرني أرفض الحوار معه، فشخص يتهمني بالكفر هذا يقتلني أثناء الحوار، فهذا لا أحاوره، نخلص هنا ليست كل النتائج مأمونة، والنبي – عليه الصلاة والسلام – كان يحاور، وهل في كل موقف كان يحاور؟ بالطبع لا، فيأتي إلى المشرك فيعرض عليه القرآن فقط.

هناك نمط سميته بالكفر الممنهج، دكنز الأمريكي ألف كتابا في إبطال فكرة الإلوهية، كفر ممنهج، إثبات للأدلة العقلية والمنطقية والفلسفية في أنه لا إله، لذلك ليس كل أحد أستطيع أن أحاوره.

إذا لا بد أن نعرف أنّ الأمور تدار ليس بالطريقة التي أريدها أنا، مشكلة المعتصم كما يقول الشيخ الشعراوي[26] في قناة الفجر يقول: إنّ مشكلة المعتصم يبقى معتصما، يبقى في حالة احتجاج دائم، هنا لا بد أن ينتقل إلى المرحلة القادمة إلى البناء، فمرحلة الاحتجاج مرحلة نقد، إذا لا بد بعدها من مرحلة البناء والتطوير والإصلاح.

وهناك مشكلة أخرى أيضا وهو أنّ المعتصم يريد التغيير وفق رؤيته هو، قد لا تكون رغبتي سليمة دائما، وأن تتيح المجال لرؤية أخرى مماثلة، فالاعتصامات والاحتجاجات لم يتفق الجميع عليها، فكل موضوع، وكل فكرة فيها خلاف، وكل مكان فيه اعتصام يوجد فيه اختلاف.

أما اعتصام المعهد فكان مختلفا عن الاعتصامات الأخرى، كان لأهداف معينة، وتحققت، وانتهى الأمر.

العبري: للشيخ حريته المطلقة في إبداء رأيه، ونحن فتحنا المكاشفات لنتحاور، ونفتح المجال الآن للجمهور.

مبارك القنوبي: ذكر الشيخ – جزاه الله خيرا – أنّ غير الصالح ليس لازما أن أحاوره، ما هو السبيل للوصول إليه؟

السابعي: ليس لازما أن أحاوره، أقدم له رؤيتي، قبلها أم لم يقبلها، فلا داعي للحوار والصراع، نتعامل باعتباره مسلما وانتهى الأمر، لأنّ الحوار في بعض المواقف قد يتحول إلى صراع، والصراع قد يتطور إلى صراع دموي، مثلا شخص يكفرني ويحكم بقتلي، كيف أتحاور معه؟!!

هلال الكندي: نشكركم جميعا على هذه الندوة الطيبة، نشكر الشيخ الفاضل والشيخ بدر على هذا اللقاء الطيب، في الحقيقة لم أجد مكاشفة؛ وإنما كانت مناقشة حول الوثيقة، ولو علمنا لقرأناها قبل الحضور، لأنّ الأخوة كانوا يتأملون الحديث عن موضوع الاعتصامات، والعديد قد أتى للحوار في هذا الأمر، بينما لم يتم الحديث عنه إلا بشكل بسيط جدا.

وعموما كنتُ أراجع نفسي في مسألة إطلاق الألقاب، شيخ، أديب، فينبغي أن نراجع أنفسنا في هذه الألقاب لمن تطلق، فأصبح في هذا العصر كل من يعتلي المنبر، أو يلقي محاضرة يقال له شيخ، ولربما هو لا يستحقها، فعلينا أن نراجع أنفسنا في مثل هذه الألقاب.

ثانيا: أنا اختلف معكم في مسألة عدم نقد الرموز، فنقد الرمز لا يعني الاستقلال به، فهو يبقى رمزا، والذي يحدث الآن أنّ الرموز في المذهب الإباضي رموز محدودة جدا، فعلينا أن نفرق بين الرمز وبين الشيخ، فالرمز له مفاهيمه المحددة، والخلل عندنا أنّ الرمز لا يناقش، فقط نسلم ما يقوله، فإذا نوقش في فكرة قوبل هذا المناقش بالسب والشتم ونحوه، من هنا يجب أن نناقش الرمز في توجهه وفكره، وفي طريقة تربيته لأتباعه.

كذلك للأسف الشديد أن العديد من الرموز يرفض المشاركة في ساحات الاعتصام، مثلا في ساحة الشعب[27]، بدعوى أنّ فيها علمانيين ولبراليين وغيرهم، وهذا ناتج أنه لم يكرس عندهم مفهوم الحوار، وبما أنهم على ثقة بما يقولون فما المانع من حضور هذه الساحات ومحاورتهم، وهل الأفضل أن تترك الساحة لهؤلاء يقولون ما يريدون، ويبثون أفكارهم للحضور، أم أن وجودهم يثري ويناقش وينظر، وتقول رأيك حول الموضوع.

أضف إلى ذلك أنهم بتقاعسهم لا يوجد لهم عذر عن المطالبة بحقوق الناس والفقراء، والشيخ ذكر عن اعتصام المعهد، وهذا اعتصام محدود، وذلك لفئة معينة، من هنا لا زلنا نمارس فكرة إقصاء الآخر، إذا أنت معي أحضر مجلسك، وتحضر مجلسي، وإذا لم أكن معك لن أحضر مجلسك، وهذه خطيرة، لا زالت تتكرس في عقود فينا وفي أبنائنا.

العبري: الأصل أنّ هذه المكاشفة تكون حسب ما أرسل إليكم عن الاعتصامات، وعن بعض قضايا المذهب، ولكن الأستاذ السابعي من حكمته رأى أن نبدأ بوثيقة الحوار، فلربما لو صرح لثار البعض لعدم تعودنا على الحوار، لذا ارتأى شيخنا بداية تقعيد المسألة لنسير عليها في المكاشفات القادمة، كيف نتحاور، كيف نتقبل الطرف الآخر[28].

الجزء الثّاني: المكاشفة الثانية قراءة حول وثيقة الحوار مع الأستاذ: ناصر بن سليمان السابعي

الزمان: الثلاثاء مايو/2011م

أدار اللقاء: بدر العبري

بدر العبري: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، والتابعين بإحسان إلى يوم الدين.

وبعد، فتشكر الله شكرا عظيما، الذي وفقنا في هذا اللقاء المبارك، مع شيخنا وأستاذنا الفاضل: ناصر بن سليمان السابعي، وقد بدأنا الحديث معه في المكاشفة الأولى، ومع وثيقة الحوار بصورة عامة.

واليوم – بإذن الله تعالى – سيكون الحديث عن الوثيقة بصورة أعمق، ولن يكون عن طريق الحوار؛ وإنما نترك للأستاذ الفاضل الحديث حول الوثيقة في خمس وأربعين دقيقة، وساعة لكم للنقاش النقدي للوثيقة، ونريد أن يكون النقد للوثيقة نقدا دقيقا، لأنه يريد نشرها خدمة لهذه الأمة، ونحن نتعاون جميعا معه، والتعاون لا يكون فقط على سبيل التقديس والإطراء المتكلف، وإنما بالنقد والنقاش الهادف، مع أمنيتنا أن تصل الوثيقة إلى الهدف المنشود، ولا يمكن أن يتحقق الكمال لها؛ لأنّ الكمال بيد الله تعالى وحده، مع أمنيتنا أن تتحقق الأهداف المرجوة منها بإذن الله – تعالى -.

عموما الاختلاف بين البشر حقيقة فطرية، وقضاء إلهي أزلي مرتبط بالابتلاء والتكليف الذي تقوم عليه خلافة الإنسان في الأرض، قال تعالى: {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ}[29]، فالاختلاف والتعددية بين البشر قضية واقعية، وآلية تعامل الإنسان مع هذه القضية هي الحوار الذي يتم من خلاله توظيف الاختلاف وترشيده بحيث يقود أطرافه إلى فريضة التعارف، ويجّنبهم مخاطر جريمة الشقاق والتفرق.

وإنما يعالج الحوار قضية الاختلاف من خلال كشفه عن مواطن الاتفاق ومثارات الاختلاف؛ لتكون محل النقاش والجدل بالتي هي أحسن لمعرفة ما هو أقوم للجميع؛ ولا بد ليؤدي الحوار وظيفته كما يجب من أن ينضبط بمنهج يضمن عدم تحوله إلى مثار جديد للاختلاف .

قبل أن نترك المجال للأستاذ الفاضل ندعو الأخوة بالتبرع بما تجود به النفس، لأننا على غرض لإنشاء موقع للمكاشفات، ولكم الثواب الجزيل بم تقدمون من أعمال، فهذا الموقع سيستفيد منه أكبر شريحة في المجتمع وخارج – بعون الله تعالى -.

نترك المجال للشيخ ناصر الآن.

السابعي: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله حق حمده، والصلاة والسلام على من لا نبي من بعده، وعلى آله وصحبه أجمعين.

وبعد، السلام عليكم إخوتي ورحمة الله وبركاته.

يطيب لي أن أكون بينكم، وأن يتجدد اللقاء معكم، فهو لقاء طيب، نجتمع فيه على مائدة المعرفة والعلم، وهي من خير الموارد، هذه المائدة التي تجمع أهل المعرفة وأهل الفكر، وأهل الخير، وأسأل الله – سبحانه وتعالى – أن يبارك في هذا الطرح، وأن يتم على أحسن الوجوه، قبل الولوج إلى موضوع الوثيقة.

موضوع النقد من المواضيع المهمة في حياة الإنسان، القران الكريم نقد، الله سبحانه وتعالى وجه النقد في القران الكريم.

والنقد بمفهومه المعاصر يشمل بيان الخصائص والمميزات، وبيان الطرق والطبائع والسلبيات، فعندما يقال النقد أو انقدوا فلانا يشمل بيان الشيئين معاً.

ولسنا  هنا لننقد فلاناً أو فلان اليوم، إنما الأمر متعلق بهذه الورقة المقدمة، الفكرة  التي تقوم عليها الورقة، أو الهدف الذي ترمي إليه الورقة.

والهدف منها هو محاولة إيجاد صيغة مشتركة بين سائر الأطياف، تتضمن هذه الصيغة القواعد والضوابط التي نسير عليها عند حدوث الخلاف بين اثنين، أو بين أطياف متعددة، أو بين سائر، أو بين أي مختلفين.

هذه القواعد ليست جديدة على الساحة الإسلامية،  هي في الحقيقة من صميم ديننا، كتابنا الكريم يؤسس لفكرة الحوار، لفكرة التوفيق بين الناس، والسعي إلى الوفاق.

كما تلاحظون الآيات القرآنية وفيرة وكثيرة في هذا الميدان، أبرز ما يمكن الحديث عنه في قضية الحوار أنّ الله سبحانه وتعالى حاور ملائكته، وهو عز وجل عالم بما قالوا، وعالم بما  سيقولون، لكن يؤسس لفكرة  الحوار، وإعطاء المخلوقات الفرصة للحديث وللتعبير.

كما أنّ في هذا المعنى رفعا لشأن المخلوقات، هناك مخلوقات ميزها الله سبحانه وتعالى عن بعض المخلوقات، الإنسان من المخلوقات المكرمة، والملائكة من المخلوقات المكرمة، والإنسان كرمه الله سبحانه وتعالى، فإعطاء الإنسان فرصة للحديث هذا من تقدير الإنسان للإنسان، ولذلك الله سبحانه وتعالى عندما حاور ملائكته الكرام يتضمن فائدة إعطاء اللآخر فسحة للحوار والحديث.

ويقوم مفهوم هذه الورقة التي قدمتها أن  نعود إلى ديننا وإلى كتابنا الكريم، ماذا فيه مما يخص الاختلاف بين اثنين، عندما أختلف معك ماذا نفعل؟

الخلاف كما سمعتم من أخي الكريم بدر هو سنة، هو في الأصل سنة الحياة، لا يوجد اثنين، كما لا توجد بصمة، لاحظوا الآن، لا يوجد جزء في الإنسان إلا وله بصمة معينة لا توجد في الإنسان الآخر، كذلك النفوس، وكذلك الوجود، اختلاف الليل والنهار، اختلاف التنوع، اختلاف التكامل.

فليس كل اختلاف سلبياً، هناك اختلاف تنوع كالليل والنهار، وهناك اختلاف التكامل بين الجنس، بين الذكر والأنثى، هذا اختلاف تكامل.

الخلاف المذموم هو اختلاف التنازع والصراع الذي يؤدي إلى الصراع الفكري، ثم يؤدي إلى الصراع الدموي، على كلٍ، علينا أن نؤسس لمثل هذه الأفكار، حتى يكون في كل شيء.

نبدأ في موضوع الوثيقة، أنا سميتها وثيقة ربما يكون عنواناً أدبياً، وقد يكون أيضاً عنواناً تسويقياً للفكر، هو مقال، لو سميناه مثلاً ضوابط الحوار لكان كافياً، ولكن أن نضفي عليه سمة الوثيقة بمعنى أنها ميثاق نتفق عليه بغض النظر عمن كتبها، كتبتها أنا، أو كتبتها أنت، ما دمنا اتفقنا على مضامينها فستصبح المسألة صادرة من شخص واحد، يعني هناك إقرار، وكما نعرف ذلك في تقسيمات السنة النبوية، فمن ضمن تقسيماتها الإقرار.

ثم كم من المشاريع، محاضر الاجتماعات أو التقارير عندما يوقع عليها الجميع في النهاية فالجميع يتحمل المسؤولية، فأنا أردتها لهذا الغرض، صغتها ليفق عليها الجميع، ليس الاتفاق بالضرورة أن يكون كلياً على كل شيء؛ بل قد يكون أغلبياً.

وليس بالضرورة أن يتفق الجميع على كل شيء، ما دمنا بشراً لن نتفق على كل شيء،  لكن سنتفق على القواعد الكبرى، وهكذا مستويات الإتفاق تتباين بحسب التقارب، وبحسب التباعد، نتباين ونتقارب وهكذا، هذا الذي نريده من هذا العنوان.

وموضوع الحوار هو كما ذكرت من القضايا المحورية، نحن نفتقد الحوار، كل ما بيننا خلاف، فأغلب ما بيننا خلاف، جزء كبير منه طبيعي مطلوب، وجزء كثير طبيعي غير مطلوب، فثقافتنا السائدة التي نحن نريد أن تصل إلى ثقافة الحوار، دائماً نختلف ونتصارع، لماذا لا نختلف ونتكامل ونتصالح؟ لماذا لا نختلف ويكون الخلاف ثرياً فيما بيننا؟ لماذا عندما نختلف لا نعرف كيف نتفق؟ لماذا حدثت تكتلات ضخمة؟ أغلب التكتلات الغربية الآن على خلفيات صراعات مريرة، الحرب العالمية الثانية استفاد منها الغرب في تكوين تكتلات ضخمة، خمسون مليون ضحايا الحرب العالمية الثانية، لماذا هذا الإخفاق الآن؟ نريد أن نركز كما يركز المختلفون على أسباب الخلاف، نريد أن نصل إلى أسباب الوفاق.

والمسلمون لديهم أكثر عوامل الوفاق مما لدى غيرهم، دينهم شامل لكل هذه العوامل، الإله الذي هو الله سبحانه وتعالى كل المسلمين يؤمنون بالله،  قضايا الغيب الكبرى، الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، قضايا الشريعة، أصول التشريع القرآن والسنة والإجماع، مع اختلافات يسيرة في الجزئيات المصالحة المشتركة، ومقاصد التشريع.

لدينا مقومات فكرية عميقة وأصيلة وقوية تجمعنا أكثر مما تفرقنا، فنحن معاشر المسلمين مع اختلاف المذاهب ننزع إلى الحديث عن قضايا الخلاف أكثر من نزوعنا إلى قضايا الوفاق.

لماذا تأسست لدينا هذه الفكرة؟

فكرة الاتجاه إلى الخلاف أكثر من الاتجاه إلى الوفاق، حتى لو تباينت الخلافات، الفرق بين المسلم والمسلم في المذهبين هل هو أكثر من الفرق بين المسلم وغير المسلم؟ هل هو أكثر من الفرق بين المسلم واليهودي؟ أو بين المسلم والنصراني؟ أو بين النصراني واليهودي؟ لا أظن الاتفاق بين المسلم والمسلم مهما اختلفت المذاهب مع أسباب الوفاق، وعوامل الاتفاق أكثر من عوامل الاختلاف في أي دين آخر، وفي أي تيار آخر، أو في أي تفكير آخر.

هذا إذا لم تجمعنا عوامل العقيدة تجمعنا عوامل أخرى تأريخية، تجمعنا عوامل الوطن، وعوامل الأرض، وعوامل القرابة.

كم حق في ديننا للإنسان، وكم حق في الإسلام، حتى موضوع إذا عطس الإنسان هذا حق من حقوقه، إذا مرّ سلّم عليك إذا سلّمت عليه، إذا مرض، إذا توفي، كل هذه الحقوق تبين الحقوق،  إذا فاتك عامل، أو فقدت عاملا من عوامل الوفاق تجد جوانب أخرى كثيرة.

وإذا كان هذا الإنسان له مذهب آخر، مثلاً أنت لا تتفق معه في جزئية من جزئيات مذهبه، هناك أشياء كثيرة تتفق معه، هذا الذي أريد أن يكون مقدمة لهذه الوثيقة.

وفي تاريخنا، بما في ذلك تأريخ المذاهب الإسلامية، من الخلافات المذهبية غالية في القسوة، تغيب عنها قيم مقدسة في الإسلام لصالح الانتصار للرؤى الخاصة لكسب المواقف، كالموقف من صراعات دائرة بين الناس تصل إلى أبعد أمد الصراع، وهذا حاصل،  انظر إلى تاريخ الناس، انظر إلى الصراع المذهبي كيف يشتد إلى أبعد الحدود،  صراع على مستوى المذاهب.

بجانب الخلاف على المستوى الشخصي، والخلاف بين الإنسان والإنسان، والخلاف بين الإنسان وزوجته، والخلاف بين الإنسان وابنه، الأخ وأخيه، بين الجيران، وبين الأصحاب، وبين الشركاء في التجارة، أغلبها مبني على عدد من التصورات والأوهام والإلزامات غير الصحيحة.

ثم انظروا إلى المحاكم، كم عدد القضايا التي في المحاكم؟! أغلب القضايا في المحاكم عبارة عن خلافات بسيطة، خلافات بين الزوج وزوجته، بين فلان وفلان على الدعوى الفلانية، بين الشريك وشريكة في القضايا التجارية، هل هذه الخلافات حقيقية؟ الخلاف موجود، وكثير وكبير وممتد وشاسع، يطال الخلاف بين الزميلين، وبين جارين، وبين أفراد البيت الواحد.

وهذا واقع الناس، والسؤال: هل هناك مساع للتوفيق؟  الحقيقة كما تبدو لي نادرة المساعي، نادرة للتوفيق والإصلاح، في مجال القضاء لجنة التوفيق والمصالحة، والله تعالى يقول: {وَالصُّلْحُ خَيْرٌ}[30]، {إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا}[31].

والسعي  والترغيب للإصلاح حث عليه النبي عليه السلام حيث يقول: الصلح سيد الأحكام[32].

فلا بد من الإصلاح، إصلاح ذات البين، والإصلاح من مبادئ ديننا، {فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ}[33].

إذن لا بد من السعي في الإصلاح، وترك الأمور بهذه المجازفات الخطيرة تؤدي إلى خطورة بالغة، وتنتهي في النهاية إلى صراعات فضلا عن خصومات، وفضلا عن الأحكام والتباعد الجسدي والنفسي، مع إطلاق أحكاما أخروية، وإحقاق أحكام  دنيوية، كالكفر والزندقة والسب والشتم، وإخراج الناس من الملة، والبراءة، وفلان في البراءة، هذه أحكام خطيرة يجب أن ننتبه لها.

وفي المقابل انظروا إلى ديننا، ثم نظروا إلى واقعنا، القرآن يدعو دعوة صريحة قوية جدا، {إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ}[34]، وفي آية أخرى { وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ}[35].

والله تعالى يحث على الاعتصام وينهى عن التفرق: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا}[36].

الذي توصلت إليه يا إخواني من خلال تتبع الخلافات أنّ الخلافات الدائرة بين اثنين وبين الناس أكثرها وهمية، بل حتى الخلافات الفقهية بين الفقهاء كثير منها غير حقيقي، ومرة ضربت مثالا في ما يسمونه  بتحرير موضع النزاع، أي هل هناك خلاف حقيقي بيني وبينك؟ أحياناً نعود إلى المسألة، أنا أتكلم في مسألة فقهية أخرى، إذن ليس هناك موضوع موحد، أو مسألة موحدة، حتى يكون في المسألة قولان، ليس هناك قولان، هناك مسألتان، وفي كل مسألة قولان، أحياناً تكون المسألة بهذه الطريقة حتى بعض القضايا في العقيدة يمكن أن نحاول الوصول فيها إلى وفاق.

هناك أربع جوانب من خلالها نحدد مظاهر الخلاف، الجانب المنهجي، والجانب المعرفي، والجانب الوجداني، وجانب اللغة.

أولا: الجانب المنهجي

أما الجانب المنهجي فيتمثل في طريقة الخلاف، وطريقة الحوار، هذا جانبي منهجي،  فأنت تكلمني في موضوع آخر أحياناً، نحن نختلف، أنا وأنت أو فلان وفلان، عندما يتحاوران، أنت تتكلم عن موضوع آخر عن الموضوع الذي أتكلم عنه، إذن ليس بيني وبينك خلاف، هناك قضايا يمكن الخلاف فيها، وهناك قضايا لا يمكن الخلاف فيها، أو لا تسمح بالخلاف فيها، لا يسمح ديننا بالخلاف على الأقل في إطار الإسلام، فلا بد أن يكون هناك ثوابت، العقيدة ثوابت، الأخلاق والقيم ثوابت، ولا يمكن أن نتنازل عن هذه القيم والثوابت، أيضاً أين نتحاور، تحاور من؟ تُكَلِم مَنْ؟ تحاور شخصاً لا تعرفه؟ تحاور إنساناً لا يريد الحوار.

ثانيا: الجانب المعرفي

هناك أيضا الجانب المعرفي، فلا بد أن أكون أنا وأنت على معرفة بالموضوع الذي نتكلم عنه، إقرأ أولا قبل أن تحكم بأني مختلف معك، أو أنّ لي رأيا مستقلا،  أو أني أُختلف معاك، عليك أن تعرف طبيعة الموضوع الذي نتكلم عنه، هذا جانب معرفي، كذلك يجب أن نحفظ للناس حقوقهم، نحفظ لطالب العلم حقه، ونحفظ لفضل العالم حقه، كذلك نحفظ للتخصصات، أنا في رأيي من الضروري أن نحفظ للتخصصات حقها، من الخطأ أن أنقد الأطباء وأنا لا أعرف، فإذا نقدتُ المهندس قد أنقده في جوانب هندسية أنا لا أعرفها، كذلك نقد جانب التشريع من قبل من لم يتحصل له علوم كثيرة فيها،  كمثل الذي سأل رجلا عن حمار أبيه قائلا له: ما فعل أبوك بحمارِه، قال باعِه، قال: كيف باعِه، قل باعَه، قال: لماذا قلتَ باعِه؟ قال: لماذا قلت بحمارِه؟ قال: أنا قلتُ بحِماره لأنّ فيه حرف الباء، قال: وكذلك باعِه فيها حرف الباء! قال: يا أخي، هذه باء حرف جر، قال: وما الذي جعل باءك تجر وبائي لا تجر؟ والشاهد: لا تحاور شخصاً مثل هذا في النحو، لأنه لا يعرف شيئاً في النحو، فلا يمكن أن تحاور إنساناً لا يعرف موضوع الحوار.

وقد حضرت مرة دورة للدكتور مصطفى أبو السعد[37]، والدكتور معروف في مسائل البرمجة، وله دورة في إعداد المدراء، يقول لا تتكلم في شيء لا تعرفه، ويقول دائماً ضع لنفسك خط رجعة، فالأشياء التي غير متأكد منها لا تعطي فيها أحكاماً قطعية، وعلى فكرة كثير من الناس يتوهمون قضية اليقين، أنا متأكد ومتيقن، آلياتهم في الوصول إلى الحقيقة خاطئة.

أعود إلى الدكتور مصطفى أبو السعد يقول في إحدى دوراته، وهو أصله طبيب، ترك الطب ودخل في دورات البرمجة، يقول: كان هو وطبيب آخر حاضرين في إحدى الدورات، والمدرب يتكلم عن قضايا البرمجة، أشياء تتعلق بها والطاقة، فسأل شخص سؤالاً من ضمن علاج الصرع الصعق الكهربائي، ومن ضمن علاج الإنسان الذي يصاب  بالصرع أحياناً الصعق بالكهرباء، أحد الحاضرين يسال المدرب؟ لماذا قام هذا المدرب يفسر لها تفسيرا علميا، المصروع فيه شحنات، والكهرباء تفرغ الشحنات، وكلام من هذا النوع، والدكتور مصطفى يقول: نحن الأطباء لدينا قناعة بأنّ هذا الشيء لم يُفسر بعد، علمياً لم يعط أي تفسير، وقد رُصدت جائزة نوبل لمن يستطيع تفسير هذا الموضوع، هذا حسب ما أتذكر من كلامه.

كذلك من الجانب المعرفي لا تتكلم في شيء أنت لا تحسنه، اللهم إني أعوذ بك أن أقول ما لا أُحسن.

ثالثا: الجانب الوجداني

والآن نأتي إلى الجانب الوجداني، فمن الضروري أن اشعر اتجاه أخي بالحس الإيماني، وبالحس الأخوي، {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ}[38].

يا إخوة، ليس كل مختصمين في النار، أنا وهذا إذا اختلفنا وتنازعنا ليس مصيري أو مصيره في النار، {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ}[39]، يعني يمكن أن نخرج من هذه الدنيا ونفوسنا فيها شيء من عدم التصافي إذا لم يكن هناك أحقاد، وربما أحرجني في يوم من الأيام، وربما أحرجته، ربما ظلمني، سامحته فيما بيني وبين الله، لكن لا أنس الزعل، فليس كل مختصمين في النار ما لم يصل إلى حدّ التعدي.

وكما قلت في اللقاء السابق هناك قضايا التعدي فيها هو الإثم الأكبر، الدم والمال والعرض، دمه وماله وعرضه، التعدي على هذه الخطوط الثلاثة هو الإثم والمعصية، أما الخلاف والحوار فلا.

والصحابة كانوا يختلفون، وعند علمائنا قاعدة جميلة في مسائل الولاية والبراءة، فلان يبرأ من فلان، اثنان عندك وليان، وكل واحد منهما يبرأ من الثاني بسبب  معيًن، هل يجوز لك أن تتولاه  إذا كانا وليين بنظرك؟ هما وليان، ولكن يبرأ الواحد من الآخر لسبب هو يراه أنه مبرر للبراءة، وأنت لا ترى ذلك مسوغاً للبراءة، من هنا ندرك أنّ ليس كل مختلفين في النار.

هذا الجانب الإيماني نفتقده في أغلب الحوارات، خلاف بيني وبينك يعني خصومة، آباؤنا كبار السن يدور بينهما نزاع وكلام قاس، وبعد ساعة في المجلس الثاني كأنه لم يستوي شيء، نحن على أشياء بسيطة نختلف، ونتزاعل على أشياء بسيطة، جرحني بكلمة أو جرحنه بكلمة، إذا قال كلمة خلاص انتهت العلاقة بيني  وبينه، لنكن أكثر تفهماً لنشعر بالجانب الوجداني.

رابعا: جانب اللغة

أما جانب اللغة فيدخل فيها الكلمات السيئة، والسخرية، والاستهزاء، مثلا:  هؤلاء معقدين، هؤلاء رجعيين،  هذا من ضمن الاستهزاء في الألفاظ، قذائف السب والشتائم، التهم، تهمة الدين، تهمة العرض.

هذه مظاهر الخلاف، أربع جوانب، جانب منهجي، جانب معرفي، جانب إيماني وجداني، جانب اللغة.

يا أمة القرآن

يا أمة القرآن، أين القرآن؟ كما قال القائل: فيما التخاصم والقرآن يجمعنا!

أين القرآن؟ استغرب أين القرآن، القرآن مشحون بآيات الوفاق، منهج دقيق في التعامل مع كل شيء، مع كل كلمة تسمعها عن شخص.

أنا جمعتُ  مع العلم لم أرجع إلى أي مرجع في هذا الموضوع،  فهمي لديني، فهمي لكتابي العزيز، فهمي لواقعي، لم أعد ولا لمرجع واحد، ( واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا ) هذه آية قرآنية أين نحن منها ( واذكروا نعمة الله عليكم) نعمة  الألفة نعمة لن نجدها  لن تجدها… (إذ كنتم أعدءاً فألف بين قلوبكم)

ثالثاً. ضرورة إدراك السعي الشيطاني لإثارة العداوات هناك أعداء الله تعالى يقول ( إن من أزواجكم و أولادكم عدو لكم) قد يكون هناك شيء خفي يثير العداوة , كيف يثير العداوة كالشيطان ( إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء)

أربعة.    النهي عن إثارة الفتن والخصومات

خمسة. شمول الدين جميع الأطياف (إن هذه أمتكم أمة واحدة )

سنة . النهي عن التساهل في إخراج الناس من الإسلام ( ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمناً) لا تتساهل انتبه تريث.

سبعة . تضييق نطاق الخلاف والفرقة  لا تكونوا كالمشركين(  كالذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً) حاولوا قدر المستطاع ألا تتفرقوا , ضرورة الإصلاح ( إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم )  التركيز على عوامل اللقاء (تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ) حتى مع أهل الكتاب  يمكن أن نجد عوامل مشتركة يمكن أن نتفق من خلالها على عقيدة مشتركة .

عشرة ضرورة الحوار مع المخالفين ولو كانوا خارج الإسلام , ( أدعو إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن) لا بد من المجادلة بالتي هي أحسن

حادي عشر . عدم التشنج بالتي هي أحسن , تعرفون بالتي هي أجسن ما معناها , بدون سب بدون ضجيج بدون رفع  صوت .

ثاني عشر . النهي عن الظلم ( ولا تعتدوا ) حتى بالكلام

ثالث عشر. تمحيص الأخبار يأتي شخص عن فلان وفلان ( يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوماً بجهالة)

رابع عشر التوقف عما لا يعلمه المرء وإعطاء الاحتمالات ,  دائماً ضع لك خط رجعة ( ولا تقف ما ليس لك به علم )لا تظهر نفسك بطلا في كل مجال.

خامس عشر . احترام الآخرين ( لا يسخر قوم من قم) آيات كثيرة في الموضوع

سادس عشر . حفظ اللسان ,عدم الغيبة ( لا يغتب بعضكم بعضاً )

سابع عشر لا تنابزوا بالألقاب , إياكم في الدخول في معركة التصنيفات ,  فلان من حزب فلانيينن , خلاص صنفناه, ما دائما إما يكون معنا أو ضدنا ما شرط, , إما معنا أو ضدنا هذا المنهج الغربي . معنا أو لا, , أنا إما داخل هذا المجلس أو خارج المجلس, لا يوجد معنا أو ضدنا . إلا قضايا الدين الكبرى كمسلم أو غير مسلم.

ثامن عشر النهي عن سؤ الظن , ( إن بعض الظن إثم ) هناك من الناس من يفهم أن بعض الظن إثم والبعض الآخر من الظن ليس بإثم هناك بعض العلماء من يقول إذا كان بعض الظن إثم فكيف كله.

تاسع عشر.  الرفق بالناس , الموعظة الحسنة ديننا دين الرفق, يا إخوة أكثر نصوص ديننا عن الرفق , شيء نصوص في الشدة والقوة , لكن قليلة وعادة تكون في الصراع الجسدي, في الحروب في الجهاد ( يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين وأغلظ عليهم ) لكن أكثر الآيات القرآنية تدعوا إلى الرفق

عشرون: النهي عن تعميم الأوصاف , كلهم ما ينفعوا أهل عمان كلهم ما ينفعوا , أهل البلد الثاني كلهم ما ينفعوا, لا يمكن ذلك , النهي عن تعميم الأوصاف في الجانب السلبي, ( من أهل الكتاب من إن تأمنه بقنطار يؤده إليك ومنهم من إن تأمنه بدينار لا يؤده إليك)  حتى أهل الكتاب فيهم خير. , اليهود , مثل اليهودي عكس التيار, لا يحضر اسمه الذي يعطي الحكم هو رب البشر. إذا الله حكم حكماً , إذا قال اليهود كذا فهو كما قال, مع ذلك ربنا سبحانه وتعالى مّيز , وقال فيهم خيراً , من أهل الكتاب فيه خير. لا يوجد إنسان شر ,  محض ما شيء إنسان محض شر , هذا شيطان, المجرمون الطغاة الجبابرة في التأريخ  ما يعطوا على أزواجهم وعلى أولادهم , فيه جانب , نحن لا نبرر للجبابرة  أبداً لكن ضروري استثمار هذا الجانب.

الحادي والعشرون. التمييز بين أصناف المخالفين لا تقل كلهم نفس الشيء , قريب من الفكرة السابقة , هناك من يمكن الحوار معه , وإن كان من المخالفين.

الثاني والعشرون. النهي عن اتهام الناس بالباطل ( إن الذين جاءوا  بالإفك عصبة لا تحسبوه شرا ً لكم بل هو خير لكم )

الثالث والعشرون.  الحرص على سمعة الآخرين ( إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة  ) لا تشيع لا تنشر الفاحشة , حاول أن تحترم حرمات الناس.

الرابع والعشرون. النهي عن المساهمة في نشر الإشاعات ( إذ تلقونه بألسنتكم …)

خامس والعشرون. لا تستصغر التهمة (و تحسبوه هيناً وهو عند الله عظيم )

السادس والعشرون.النهي عن تزييف الحقائق وتزويرها ( يحرفون الكلم عن مواضعه )

السابع والعشرون الأمر التام بالعدل والنزاهة ( كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين )

الثامن والعشرون. النهي عن ظلم الخصوم ( ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى ) يعني لا تحابي القريب ولا تخاصم البعيد من صفات المنافقين إذا خاصم فجر,  المؤمن لا يفجر يخاصم بعقل يخاصم بعدل بأمانة  لا يتعدى لا تحابي القريب ( ولا تجادل عن الذين يختانون أنفسهم ) هذه الآية نزلت في قصة مسلم رمى التهمة على يهودي فبرأ الله اليهودي وحكم على المسلم بأنه من الخائنين.

التاسع والعشرون. النهي عن الدفاع عن الموافق ولو كان مشركاً

الثلاثون. النهي عن التنصل من المسؤولية  وهذا ينطبق على كثير من المواقف لا تشترك في لجنة ثم تتنصل عندما تأتي المحاسبة , تقول والله ما كان رأيي هذا , كان رأيي , أحياناً تشكل لجنة ويتفق الجميع أو الأغلبية ثم يتنصل أحد من المسؤولية .

الحادي والثلاثون النهي عن سفك الدماء وفي هذا أشياء كثيرة.

هذه قواعد قرآنية .

هناك أربعة أسئلة تدور حولها مرتكزات الحوار.

أولاً . متى يبدأ الحوار وهل هناك داع للحوار, ينظر هل هناك دع للحوار نعم. إن وجد الخلاف طيب , بينك وبين أخيك عدة مطبات أول مطب الأحكام المسبقة , هذا أول مطب لديك فكرة سابقة عن إنسان المطب الثاني قد تجلس معه ولا تسمع العبارة أو الكلمة بشكل سليم أحياناً تسمع لكن تفهم بشكل خاطئ . وأحيانا تسمع وتفهم ولكن تعطي تفسيرات بشكل خاطئ, هذا المزايدات أحيانا يأتي الكلام وفيه كذب صريح . هذه مطبات إلتق مع الآخر وتحاور معه. قبل اللقاء هناك شيئان التوافق النفسي ضروري أن تتوافق نفسياً مع الآخر لا يمكن أن تتحاور مع شخص وأنت تلقاه بنفس مشحونة وقلب مملوء بالغيظ صعب , بتستوي ضرابة, بعض الناس عندما يلقى الآخر يستحي , والبعض الآخر عندما يلقى الآخر يزداد حنقاً وغيضاً لابد من التوافق النفسي في ذلك. هدِّي النفس حاول أن تبلع خصمك حتى ولو غير قادر ما لازم , ما تقدر يمضغ إبلعه, خليه يسيح إذا قدرت كأكلك للحبوب الدواء, الحبوب لا تستطيع مضغها مرة إبلها وسيِّحها بماء. الشيء الثاني التقارب المعرفي شخص في تخصص وهو في تخصص صعب , حتى عندما تحاور طفلك اقترب منه عقلياً , لا تتعامل معه كأنه في سنك , حتى الزوجة راع الفوارق بينكما و هناك فروق , هذا طبعاً في مجال التربية في مجال التدريس هذا ضروري الله تعالى خاطب الناس بلغتهم و القرآن يأتي إلى الناس بلغتهم وبأجسامهم بصورهم , بمشاهدهم وهكذا , وفي ذلك كلام طويل .

إذا أردت الحوار . ورأيت أن هذا الحوار يؤدي إلى خصومة لا تبدأ الحوار يعنى أنه عليك أن تعادل بين المكاسب والخسائر, أنظر هل هذا اللقاء , هل هذا الحوار منه فائدة أحياناً يكون الحوار زيادة جدل وخصومة وفلسفة عقيمة لا تنتهي خاصة إذا كانت المسألة فرصة لإظهار حجة لإظهار المنطق لإبراز عضلات الإنسان هذا لا يصل إلى نتيجة, إذن هذا العنصر الأول .  متى يبدأ الحوار .        عند الحاجة إلى الحوار وبيان أن المسألة تنتهي إلى وفاق بدأ الحوار كيف يجري الحوار كيف تقدم الحقائق, القواعد القرآن السابقة ضوابط صريحة وصارمة في الموضوع ,  أيضاً لا بد من الإتفاق على المنطلقات أنا وأنت لدينا أصول هل توافقني مثلا في القواعد المذكورة القواعد الحادية الثلاثين القواعد المسلمة بيننا , لا تلزمني بشيء الكلمة الطبية من الضروري مراعاتها ( وقولوا للناس حسناً) كذلك وإياك والغطرسة لغة التعالي أنتم معاشر كذا أنا أفضل منكم , أنت أيها الجاهل الأحمق هذا ما حوار, هذا نزاع, الاعتراف بمهارة الآخرين, احترام التخصصات, احترام المعرفة احترام العلم لا بد أن احترمك يجب علي أن احترمك تجنب الإقصاء والأحكام والإخراج من الملة , من دوائر معينة ,يا إخوة, هناك يا إخوة  الأشياء التي يتفق عليها الناس, من الضروري أن العقول لها قدر مشترك تتفق عليه الحكم على الشيء بأنه حسن أو قبيح تتباين فيه العقول لكن تتفق على قدر معين أحيانا يتفق الناس على تصرف معين أنه جيد, وأحياناُ يتفق الناس على أن هذا تصرف سيئ ربما, وهكذا, أيضا عند الحوار, من الضروري ترك المجال للإنسان أن يتكلم الإنساط حسن الاستماع . هذا كله من الأشياء الضرورية, عندما يكون الحوار مصحوباً بالمشجعين لا يصلح, إذا كان الجو العام مشحوناً بالضوضاء لا يكون جواً صحياً لكي تصل إلى حقيقة أو قناعة لا بد أن تهدأ وتفكر فيما تسمع ( قل إنما أعضكم بواحدة أن تقوموا لله مثنى و فراداً ) أن يقول لك كلامك كله صح أو كله خطأ في الأول تصاب الإغواء وفي الثانية بالإحباط  متى ينتهي الحوار هذا السؤال الثاني , إذا اختل نظام الحقائق بدأ يأتي لك بكلام بحقائق مغلوطة يـأتي ببدائل يأتي بفلسفات يجرف مسار الحوار بدأ يهددك , بدأ يُنكر الحقائق , انتهى الحوار, مثلاً, حوار في شخصية الإمام الربيع بن الحبيب يقول هذا شخصية لم تلده أرحام النساء , إنه الحوار , تأتي له بكتب كثيرة  كل علماء المذهب ذكروه , ويقول يا شيخ لا اعترف بكتبك , خلاص انتهى الحوار , هذا إنكار حقائق إنكار مسلمات إنكار بديهيات تهديد  , ما أصبح حوار أصبح انتقالا إلى طريقة أخرى , أنت باعتبارك صاحب سلطة معينة إذن هذا لا يسمى حواراً , يسمى إما فرض سلطة, أو ليكن ما يشاء, أريت إذا كانت العلاقة بين أب وابنه و أب يحاول إقناع ولده بالإقلاع عن التدخين ما قدر لا بدَّ من الأدب ولكن لا نسميه حواراً , لا يصبح حواراً. أيضاً التعريج على عامل اللغة عامل اللغة محاولة استجلاب العبارات الأدبية التي تعوض عن نقص الجانب العلمي والمعرفي والحقائق هذا غلط , كما قلت هناك من يقدم الأباطيل بعبارات رائقة هذا غير سليم  , هناك التفاف على صدق الحقائق . ماذا بعد الحوار , غصب عنك تقتنع؟    يا أخي ما لا زم أقتنع , غصب عني أقتنع , ما لازم , لكن إذا استطعت أن أقيم بيني وبينك جسراً للحوار هذا ربما يكون  خطوة صحيحة باتجاه التقارب والالتقاء, وصلى الله على سيدنا محمد. وأحسنتم

الشيخ بدر العبري . نشكر أستاذنا الفاضل على تفضله بالوقت وكذلك من أساس الحوار التقيد بالوقت, وليعذرنا الأخوة الساعة الحادية عشر إن شاء الله سنغلق الحوار عندنا ساعة واحد لكم ونفتح الآن للحوار من لديه مناقشة أو مداخلة .

سؤال.  من يحدد العقل الواعي والعقل اللاواعي؟

الوسيط بين المتحاورين. أنت تتكلم عن الإصلاح عندما نريد ان نصلح بين اثنين يوجد وسيط, أنا أريد أن أُلغي الوسيط, الوسيط هو للوصول إلى الحوار إذا وُجد الوسيط لا يزال الخلاف قائماً إذا استطعنا إلغاء الوسيط , إذا اختلفت معك واختلفت معي واتيت معك وأتيت معي يكون الحوار بشكل ارحب . متى يبدأ الحوار من يبدأ الحوار , موضوع واضح , أنا لا أتكلم عن موضوع الإصلاح, إلغاء الوسيط العودة إلى الوضع الطبيعي .من يبدأ الحوار؟ الجميع يجب أن يسعى للحوار . متى؟ ليس كل خلاف يجب أن يدعى للحوار و فإذا اختلفتُ أنا مثلا مع الأستاذ بدر ليس معنى هذا أن ندعوا للحوار , لا وإنما  لا بد من التغاضي. منها التركيز على نقاط الخلاف القليلة وطمس نقاط الالتقاء الكثيرة مثلاً شخص معين أخطأ في حقي , لا بد أن أتغاضى لصالح لكثير من الحسنات والمواقف الايجابية منه تجاهي, وتويل كل تباين ونقله إلى خلاف. لماذا, الصاحبة , السيدة عائشة رضي الله عنها تقول , زيد بن ثابت كان يفتي بجوار رقه, بجواز ربا الفضل يعني بزيادة جنس الفضل على الفضل بدون الأجل ( جونية عيش باسمتي مقابل جونيتين عيش هندي) مثال آخر. شخص اشترى عيش هندي وآخر اشترى عيش باسمتي يحق لصاحب العيش الباسمتي أن يأخذ جونيتين عيش هندي مقابل جونية عيش هندي إذا رغبا في تبادل العيش بينهما )  زيد بن ثابت كان يفتي بجواز الفضل وابن عباس كان يفتي بجوازه وغيرهم مع وجود الخلاف في ذلك مع قول أن عودة ابن عباس عن رأيه . السيدة عائشة كانت تقول أبلغوا زيد بن ثابت أنه قد أبطل حجه و جهاده. الخلاف كان يشتد لكن لا ينبغي ان نجعل ذلك هو محور العلاقة بين الاثنين قد اختلف معك . متى يبدأ الحوار؟ إذا كان الخلاف يتعلق بأحكام قضية أصبحت   قطيعة بيني وبينك , تعدي فيها إلى حقوق وحرمات .للأسف أن ثقافة الخلاف هي الثقافة السائدة بيننا جزءاً من ثقافتنا جزءاً من تفكيرنا.


[1] مصطفى صادق بن عبد الرزاق بن سعيد بن أحمد بن عبد القادر الرافعي: عالم بالأدب، شاعر، من كبار الكتاب، أصله من طرابلس الشام، ومولده في بهتيم (بمنزل والد أمه)، ووفاته في طنطا (بمصر)، أصيب بصمم، فكان يكتب له ما يراد مخاطبته به، شعره نقي الديباجة، على جفاف في أكثره، ونثره من الطراز الأول، له ديوان شعر في ثلاثة أجزاء، وتاريخ آداب العرب في جزأين، وإعجاز القرآن والبلاغة، وتحت راية القرآن، ورسائل الأحزان، وعلى السفود وهو رد على العقاد، ووحي القلم في ثلاثة أجزاء، وغيرها كثير، توفي سنة: 1356 هـ/1937م.  ينظر: الأعلام للزركلي 7/235 – 236.

[2] طه بن حسين بن علي بن سلامة، الدكتور في الأدب: من كبار المحاضرين، جدد مناهج، وأحدث ضجة في عالم الأدب العربي، ولد في قرية (الكيلو) بمغاغة من محافظة المنيا (بالصعيد المصري)، وأصيب بالجدري في الثالثة من عمره، فكف بصره، وبدأ حياته في الأزهر (1902 – 1908م)، ثم بالجامعة المصرية القديمة، وهو أول من نال شهادة (الدكتوراه): منها (1914) بكتاب (ذكرى أبي العلاء، وسافر في بعثة إلى باريس فتخرج بالسوربون (1918)، وعاد إلى مصر، فاتصل بالصحافة، وعين محاضرا في كلية الآداب بجامعة القاهرة، ثم كان عميدا لتلك الكلية، فوزيرا للمعارف، وفي هذه البرهة تمكن من جعل التعليم الثانوي والفني مجانا، وكان من أعضاء المجمع العلمي العربي المراسلين بدمشق، ثم رئيسا لمجمع اللغة بمصر، وأقبل الناس على كتبه، ومن المطبوع منها في الأدب الجاهلي، وفي الشعر الجاهلي، وحديث الأربعاء في ثلاثة مجلدات، وكان قد شغف بالأدب اليوناني في صباه وترجم بعض آثاره ككتاب نظام الاثينيين لأرسطو، وآلهة اليونان، وصحف مختارة من الشعر التمثيلي عند اليونان، وله فسلفة ابن خلدون وهو رسالة الدكتوراه بالفرنسية، في السوربون، ترجمها إلى العربية محمد بد الله عنان، وقد ترجم كثير من كتبه إلى عدة لغات، وعينته جامعة الدول العربية رئيسا للجنتها الثقافية فأدارها مدة، وحاول البدء في عمل (دائرة معارف) عربية ولم ينجح، آخر أعماله الحكومية سنة 52 وتوفي بالقاهرة سنة 1935م. ينظر: الأعلام للزركلي: 3/ 231 – 232.

[3] علي بن الحسين بن محمد بن أحمد بن الهيثم المرواني الأموي القرشي، أبو الفرج الأصبهاني: من أئمة الادب، الأعلام في معرفة التاريخ والأنساب والسير والآثار واللغة والمغازي، ولد في أصبهان، ونشأ وتوفي ببغداد، كان يبعث بتصانيفه سرا إلى صاحب الأندلس الأموي فيأتيه إنعامه، من كتبه الأغاني في واحد وعشرين جزءا، لم يعمل في بابه مثله، جمعه في خمسين سنة، توفي سنة: 356 هـ. ينظر: الأعلام للزركلي: 4/ 278.

[4] عبد المجيد بن عبد الله بن عبدون الفهري البابرتي، أبو محمد، ذو الوزارتين، أديب الأندلس في عصره، مولده ووفاته في يابرة، استوزره بنو الأفطس إلى انتهاء دولتهم (سنة 485 هـ)، وانتقل بعدهم إلى خدمة المرابطين، وكان كاتباً مترسلاً عالماً بالتاريخ والحديث، من محفوظاته كتاب الأغاني، 529 هـ. ينظر: تراجم شعراء الموسوعة الشعرية، 1/ 188.

[5] لصاحبها العلامة أبو محمد عبد الله بن محمد بن بركة السليمي البهلوي، الشهير بابن بركة، من كبار علماء القرن الرابع الهجري، كان ممن أنكر على راشد بن النضر وموسى بن موسى خروجهما على الإمام الصلت بن مالك. ينظر: معجم أعلام الإباضية [قسم المشرق].

[6] لصاحبها العلامة أبو سعيد محمد بن سعيد بن محمد بن سعيد الناعبي قبيلة، والكدمي مسكنا؛ نسبة إلى كدم إحدى قرى بهلا، ولد في أواخر القرن الثالث وبداية الرابع، وعاش ومات بقرية العارض من منطقة كدم (الحمراء حاليا)، وينتمي إلى الطبقة الخامسة من علماء عمان، كان أبو سعيد من دعاة الوفاق والتصالح في مسألة الإمام الصلت وراشد، وربما كان أميل إلى النزعة النـزوانية مما جر عليه عداء الرستاقيين، اختار الوقوف في أمر موسى بن موسى وراشد بن النضر. ينظر: معجم أعلام الإباضية [قسم المشرق].

[7] موسى بن موسى بن علي الأزكوي، من أكثر الأسماء ورودا في  التاريخ العماني، عالم جليل من سامة بن لؤي بن غالب، نشأ في بيت ورع وعلم، وورث الزعامة من والده موسى بن علي، عاصر الإمام الصلت بن مالك الخروصي (237-272هـ)، عرف بالوزير الأكبر في عهد الإمام الصلت، كان المحرك الأكبر للأحداث في عهد الصلت ثم راشد بن النظر؛ حيث قام بعزل الإمام الصلت وتولية راشد، ومن بعدها وقعت الفتنة، وقسّمت علماء عمان إلى نزوانية ورستاقية، تولى القضاء للإمام راشد، ثم إن الشيخ موسى برئ من راشد وعزله سنة: 277هـ، وولى عزان بن تميم حتى وقعت بينهما الفتنة والعداوة والبغضاء، فعزل الإمام عزان الشيخ موسى عن القضاء، قتل سنة: 278هـ، في بلدة “النزار” بإزكي عند مسجد الحجر من حارة الجبور، وكان مقتله سببا لفتنة كبيرة في عمان. ينظر: معجم أعلام الإباضية [قسم المشرق].

[8] الإمام الصلت بن مالك الخروصي، من أشهر أئمة عمان الذين حكموا في القرن الثالث الهجري، كان مثالا في الزهد والتواضع، وحسن السيرة وقد ازدهر العلم وكثر العلماء في عهده، بويع بالإمامة سنة 237هـ، وقد عمر طويلا حتى ضعف عن تحمل أعباء الإمامة، اشتهر الصلت بتحرير سقطرى من يد النصارى واسترجاعها منهم، قام عليه موسى بن موسى، وراشد بن النضر، فاعتزل الإمامة مجبرا سنة 272هـ، وجلس في بيته وبعض الناس يعتبرونه إماما إلى أن توفي سنة 275هـ، أدى عزل الصلت إلى فرقة الكلمة والعداوة بين العلماء وكل الأحداث التي أتت بعد ذلك كان سببها الأول هو، عزل الصلت، دامت إمامته خمسا وثلاثين سنة، وعمر في الإمامة ما لم يعمر أحد قبله، لما توفي صلى عليه الإمام عزان بن تميم سنة: 275هـ. ينظر: معجم أعلام الإباضية [قسم المشرق].

[9] معاوية بن أبي سفيان: صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف القرشي الأموي، ولد قبل البعثة بخمس سنين، أسلم بعد الحديبية، وكتم إسلامه، وقيل أسلم يوم الفتح، ولاه عمر، وأقره عثمان، ولم يبايع عليا وحاربه، ثم استقل بالشام، وأخذ مصر ، وتسمى بالخلافة، توفي سنة 60هـ. ينظر: الإصابة: ابن حجر، 6/120.

[10] علي بن أبى طالب بن عبد المطلب بن هاشم القرشي، أبو الحسن الهاشمي، أمير المؤمنين، ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، من السابقين الأولين، و رجح جمع أنّه أول من أسلم، من الطبقة الأولى، صحابي، توفي سنة:  40 هـ. ينظر: برنامج الموسوعة الشاملة، رواة التهذيبين.

[11] عبد الله بن خباب بن الأرت، المدني، حليف بنى زهرة، يقال له رؤية، ووثقه العجلي فقال: ثقة من كبار التابعين، قتل سنة ثمان وثلاثين للهجرة. ينظر: تقريب التهذيب لابن حجر، 1/ 301.

[12] من أهل الكوفة، روى عن الإمام علي.

[13] عبد الله بن حميد بن سلوم بن عبيد بن خلفان بن خميس السالمي، يلقب بنور الدين، من بني ضبة، فهو ينتمي إلى قبيلة السوالم، وهي قبيلة لها أتباع كثيرون، وتعيش في أماكن مختلفة من عمان، وقد اشتهرت هذه القبيلة بظهور الإمام السالمي، وشيخ البيان محمد بن شيخان، وترجع إلى نزار بن معد بن عدنان، ولد الإمام السالمي سنة 1286هـ، ببلدة الحوقين، وهي من أعمال الرستاق، تلقى تعلمه في بلدة الحوقين، وقد حفظ القرآن على يد والده، وتعلم على يد الشيخ راشد بن سيف اللمكي، وقد لاحظ فيه النجابة والفهم وسرعة الحفظ، فكان محل اهتمام شيخه، فاشتهر أمره، وصار أكبر من أشياخه الذين أخذ عنهم، كما أنه تنقل إلى الشرقية سنة 1308هـ، فالتحق بحلق الأمير صالح بن علي الحارثي، فكان ذلك الالتحاق من مرحلة التنظير والدرس إلى مرحلة التطبيق والميدان، فقام الشيخ السالمي مع شيخه صالح بالإصلاح والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومن هنا دخل السالمي التاريخ من بابه العريض، من باب الإصلاح الاجتماعي، والتأليف والتعليم ويعد الإمام السالمي علما بارزا في مسيرة النهضة العلمية والإصلاحية في عصره، فهو لا يعد مصلحا اجتماعيا على مستوى وطنه عمان فحسب؛ بل على مستوى العالم الإسلامي في بداية القرن الرابع عشر الهجري، كان همه الكبير هو قيام الدولة الإباضية والإمامة في عمان، ترك لنا الإمام السالمي آثارا علمية قيمة في علوم الشريعة واللغة العربية والتاريخ، وما يزال بعضا منها مخطوطا، من آثاره المطبوعة: تحفة الأعيان بسيرة أهل عمان، في التاريخ (2ج)، وطلعة الشمس على الألفية، في علم أصول الفقه، مدارج الكمال، أرجوزة تنيف على ألف بيت، شرح بعضها في ثمانية أجزاء، سماها “معارج الأمال”.

الحجج المقنعة في أحكام صلاة الجمعة، وغيرها، انتقل إلى رحمة الله سنة 1332هـ، بعد ست وأربعين سنة، أنجز فيها ما لم ينجزه من عاش مئات السنين، فكان جديرا أن يعد من أقطاب مجددي الفكر الإسلامي وباعثي نهضته. ينظر: معجم أعلام الإباضية [قسم المشرق].

[14] لعل موضع النزاع هنا في ترتب الإثم عليه، فمن قال بفرضها على العيان يترتب على المستطيع الإثم، وتجب البراءة منه، ومن قال على الكفاية لا يترتب عليه الإثم، وإنما هو خسيس المنزلة، ولا تجب البراءة منه، هذا إذا كان الترك عادة منه. ينظر.

[15] عبد الله بن عمر بن الخطاب القرشي العدوي، أبو عبد الرحمن المكي المدني، من الطبقة الأولى، صحابى، شهد الأحزاب والحديبية، توفي سنة: 73، وقيل: 74 هـ، راجع: برنامج الموسوعة الشاملة، رواة التهذيبين.

[16] ينظر مسند الإمام الربيع، باب ( 20 ) في القبور، حديث رقم: 483، والحديث متفق عليه.  

[17] عائشة بنت أبى بكر الصديق التيمية، أم المؤمنين، أم عبد الله، و أمها أم رومان بنت عامر بن عويمر بن عبد شمس بن عتاب، من الطبقة الأولى، صحابية، قال ابن حجر: أم المؤمنين أفقه النساء مطلقا، و أفضل أزواج النبي – صلى الله عليه وسلم – إلا خديجة، توفيت سنة هـ و قيل 58 هـ، راجع: برنامج الموسوعة الشاملة، كتاب رواة التهذيبين.

[18] آل عمران/ 64.

[19] رواه مسلم من طريق أبي هريرة، حديث رقم: 54، 1/74.

[20] النساء/ 49.

[21] حمزة بن عبد المطلب بن هاشم القرشي الهاشمي؛ أبو عمارة، عم النبي- صلى الله عليه وسلم- وأخوه من الرضاعة، ولد قبل النبي- صلى الله عليه وسلم- بسنتين، وأسلم في السنة الثانية من البعثة، سماه النبي- صلى الله عليه وسلم- سيد الشهداء، ولقبه بأسد الله، شهد بدرا فأبلى فيها خير البلاء، وقتله وحشي في أحد سنة 3هـ. ينظر: الإصابة: ابن حجر 2/105-106

[22] رواه أبو داود من طريق أنس بلفظ: انطلقوا باسم الله، وبالله، وعلى مِلَّةِ رسول الله، لا تَقْتُلُوا شيخا فانيا، ولا طِفلا ولا صغيرا ولا امرأة، ولا تَغُلُّوا، وَضُمُّوا غنائمكم، وأصلحوا وأحسنوا، حديث رقم: 2616، 2/ 342.

[23] المائدة/ 32.

[24] النساء/ 93.

[25] حذفنا هنا مداخلة لا علاقة لها بالموضوع، وإنما مجرد ذكر بعض الآثار، وقضية شخصية جانبية.

[26] محمد متولي الشعراوي، عالم وأديب مصري، يعد من أشهر مفسري معاني القرآن الكريم في العصر الحديث، حيث كانت لديه القدرة على تفسير الكثير من المسائل الدينية بأسلوب بسيط يصل إلى قلب المتلقي في سلاسة ويسر، كما أن له مجهودات كبيرة وعظيمة في مجال الدعوة الإسلامية، عرف بأسلوبه العذب البسيط في تفسير القرآن، وكان تركيزه على النقاط الإيمانية في تفسيره جعله يقترب من قلوب الناس، وبخاصة وأن أسلوبه يناسب جميع المستويات والثقافات، ويلقب بإمام الدعاة، توفي سنة: 1998م. ينظر موقع ويكبيديا.

[27] من أكبر ساحات الاعتصام في السلطنة، كانت جامعة لمختلف الأطياف من المجتمع، وهي تقع عند مجلس الشورى بولاية السيب، من هنا أطلق عليها ساحة الشعب، لدلالة أن يكون مجلس الشورى تابعا للشعب، ويتحدث باسمه.

[28] هنا انتهى التسجيل، مع وجود مداخلات أخرى لها أهميتها، ولكن هذا ما حدث، والحمد لله أولا وآخر.

[29] المائدة/48.

[30] النساء/ 128.

[31] النساء/ 35.

[32]

[33] الحجرات/ 10.

[34] الأنبياء/ 92.

[35] المؤمنون/ 52.

[36] آل عمران/ 103.

[37]

[38] الحجرات/ 10.

[39] الأعراف/ 43.

السابق
الفتاوى المعاصرة والتساهل في لفظ التحليل والتحريم
التالي
علّمنا إعصار ميكونو
– تنويه:

عدد من الصور المستخدمة للمقالات مأخوذة من محرك google

اترك تعليقاً