الرحلات

الرّحلة الكويتيّة

الغاية والذّهاب[1]

بعد نجاح الرّحلة القميّة – أي إلى قم في إيران –  في 21 فبراير 2017م[2] قررنا نقل التّجربة إلى منطقة أخرى لتحقيق مبدأ التّعايش بعيدا عن الجو الرّسميّ المليء بالمجاملات، ولتحقيق دائرة التّعايش والحوار من داخل الدّائرة الثّقافيّة ذاتها، وتواصلنا مع العديد من الأخوة في أكثر من جهة فجاء التّرحيب بالفكرة، وهنا  وصلتنا دعوة كريمة من الأستاذ أبي عمار نبيل المسقطيّ من الكويت نيابة عن ديوانيّة تجمع الميثاق الوطنيّ.

والأستاذ أبو نبيل شاركنا في رحلة قم، وهو من الطّائفة الإماميّة، وصاحب خلق كبير جدا، كما أنّه صاحب نكتة ومزحة، لا يكف عن المزح في الطّريق والسّيارة والسّوق والمطعم، ويسعفه لذلك حفظه لحكايات وقصص كثيرة مضحكة، خاصة في مجالس المتدينين لخلطته بهم، وهو يقرب لسماحة العلامة كمال الحيدريّ، وبينهما رحم عن طريق أمّه، وأصله عمانيّ، إلا أنّه عاش بالكويت مع أهله وأبيه، ولا زال أكثر أرحامه بعمان، وسمى شركته باسم الكويت وعمان، وخاله الأستاذ كمال اللّواتيّ من عمان، والأخير لا يقلّ عنه خلقا وكرما وجودا، والاثنان يحملان عقليّة منفتحة على الآخر، ولهما غاية في تحقيق التّعايش بين الجميع، والانفتاح على الحضارة والعلم والمعرفة، ولهما شهرة كبيرة عند العديد من الرّموز الدّينيّة الشّيعيّة في لبنان والعراق وإيران والكويت والقطيف والبحرين وعمان، ومن خلال خبرتي بهما وصحبتي معهما شهادة لله تعالى أنّهما يحملان إرادة صادقة في توسيع دائرة التّعايش بين المدارس الإسلاميّة، وينفقان في ذلك ويبذلان مالهما ووقتهما.

وبالتّشاور مع الأستاذ إبراهيم بن أحمد الصّلتيّ من عمان، وهو رجل فاضل معنا في لجنة الفكر، وداعم كبير لنا في القناة اليوتيوبيّة، وصاحب قراءة ومعرفة، حيث قررنا الذّهاب أواخر مارس، إلا أنّه بسبب ظروف الأستاذ أبي عمار تأخرت الرّحلة إلى شهر مايو.

وضعنا الجدول على هذا التّأريخ، وقرر مشاركتنا الأستاذ خميس بن راشد العدويّ، والطّالب من الكليّة التّقنيّة يونس بن محمد الحبسيّ، وهو شاب هادئ خلوق قليل الكلام كثير التّأمل، ثمّ لاحقا قرر أن يلتحق معنا الطّالب مهديّ عياشيّ، وهو يحمل الجنسيّة الفرنسيّة، ويدرس في عمان، وبدأ دراسة العربيّة عندنا، حيث لا يعرف العربيّة، فأبوه أصله من الصّحراء الجزائريّة، وهاجر إلى فرنسا منذ السّبعينات من القرن العشرين، وأمّه فرنسيّة، وكانوا يتحدثون الفرنسيّة، لذا هو يتحدث الفرنسيّة كلغة أم والإنجليزيّة بإتقان، وهنا عندما كان طالبا بإحدى الجامعات الفرنسيّة في باريس تخصص العلوم الاجتماعيّة اقترح عليه دراسة العقلانيّة في عمان، حيث أنّ أحد الباحثين والعلماء الفرنسيين سمع تداول هذه اللّفظة أثناء زيارته لعمان تقرييا عام 2009م، ولهذا أرسل مهديّ إلى عمان في مرحلة الماجستير حيث كانت رسالته عن العقلانيّة الإباضيّة في عمان، وفي الوقت نفسه يدرس اللّغة العربيّة، ولما أتمّ الماجستير قرر مواصلة دراسته في الدّكتوراه في عمان بحيث يدرس الحالة الثّقافيّة يشكل عام، ومهدي رجل اتصلت به منذ البداية، وهو رجل فاضل، وصاحب خلق كبير، يحب عمان وأهلها، وصحح لي الكثير من المعلومات الخاطئة في أذهاننا عن الحياة الأوربيّة والفرنسيّة خصوصا، وقرر أن يسافر معنا باللّباس العمانيّ.

كذلك قرر أن يأتي معنا الأستاذ أحمد بن مبارك النّوفليّ، والأستاذان العدويّ والنّوفليّ غنيان عن التّعريف، وذهابهما معنا مكسب؛ لأنّهما يحملان مشعل التّنوير والتّعايش عن إيمان وقناعة وتضحيّة لا عن رسميات ومجاملات.

كان السّفر يوم الثّلاثاء 8 مايو 2018م، وهنا انطلقتُ بسيارتي إلى المطار ومعي الأستاذ أحمد النّوفليّ والفاضل سالمين الجابريّ تنزانيّ الجنسيّة يعمل كقائم في جامع الدّعوة بالموالح الجنوبيّة، حيث يرجع سيارتي بعدها إلى البيت.

وصلنا المطار قرب الثّانية عشر ظهرا، وهنا وجدنا يونس الحبسيّ سبقنا، ثمّ التحق بنا إبراهيم الصّلتيّ والأستاذ خميس العدويّ وأخيرا الأستاذ كمال اللّواتيّ.

وهذه أول مرة نسافر على مطار مسقط الدّوليّ الجديد، حيث افتتح في 20 مارس 2018م، وهو قريب من المطار القديم الّذي افتتح عام 23 ديسمبر 1973م، إذ يقع في ولاية السّيب بمحافظة مسقط، والمطار الجديد تحفة معماريّة كبيرة، ومنظم وواسع بشكل كبير جدا، وقمّة الجمال والنّظافة، ويتسع حسب التّصريحات لعشرين مليون مسافر سنويا، وعلى العموم لا زالت المراحل الأخرى قيد الإنشاء، ونأمل أن يحقق استثمارا كبيرا بالبلد، ويساعد على ذلك، فعمان تستحق ذلك، والنّظرة الاستثماريّة مهمة، خاصة أنّ عمان واجهة في الخليج العربيّ والمحيط الهنديّ، وذات استقرار داخلي وخارجيّ، وهذا يساعدها كثيرا على تحقيق ذلك إذا ما استغلت عقول وطاقات الشّباب العمانيّ.

ذهبنا إلى منضدة تخليص إجراءات السّفر إلا أننا تأخرنا قليلا لسببين: الأول أنّ ثلاثة أشخاص مكتوبون في تذكرة واحدة وهم العبد الفقير والصّلتيّ وكمال، حيث أنا سبقتهم في المنضدة والاثنان في المنضدة الأخرى، ثمّ إنّ إبراهيم حمل معه الموسوعة العمانيّة في حقيبته وكانت ذات ثقل كبير، والطّيران العمانيّ لا يقبل أنّ تزيد الحقيبة الواحدة عن ثلاثين كيلو، ولعلّه رحمة بالعمال الّذين يحملون الحقائب، ولضمان سلامة الجميع، لهذا اضطر أن يفتح حقيبته، ويوزع الحقائب بين الجميع، ثمّ أنّ هناك سبب  ثالث أنّ آلة الطّباعة على المنضدة الّذي كنت فيه توقف عن الطباعة عندما جاء دور مهديّ عياشيّ من بعدي، وهذا أحدث خللا وتأخرا.

بيد أنّ الأمر تمّ بعد تأخير والحمد لله تعالى، ثمّ ذهبنا إلى البوابة رقم Y6، وقبل أن نصل صلّينا الظّهر والعصر، بالنّسبة لي ولكمال والصّلتيّ والحبسيّ صليناها أربعا أربعا لأننا في الوطن، أمّا البقيّة فركعتين ركعتين لأنّهم مسافرون، وبعدها وصلنا إلى القاعة، وجلسنا فترة بسيطة حتى جاء الثّانية والرّبع ظهرا ففتحت البوابة إلى الطّائرة، وكان أغلب من كان معنا هنود، حيث مروا مسقط ترانزيت، والقليل جدا من العمانيين، وهنا استخدمنا أول مرة الخرطوم في مطار مسقط فقد تعودنا على الحافلات في المطار السّابق، وفي الطّائرة جاء أحد المضيفين فسلّم على النّوفليّ بحرارة ويعرفه، وقال لي أنت لست غريبا عني، فهو متابع للكتابات في وسائل التّواصل الاجتماعيّ، وبهذا انطلقنا إلى دولة الكويت الشّقيقة.

الوصول إلى مطار الكويت والذّهاب إلى فندق سفير انترناشيونال

في قرب السّاعة الثّالثة والنّصف عصرا وصلنا إلى مطار الكويت الدّوليّ، وهو مطار قديم إلا أنّه حدّث أكثر من مرة، والآن يبنون مطارا كبيرا حيث يؤمل أن يفتتح عام 2021م، والمطار مزدحم جدا، مقارنة بمطار مسقط، وكأنّك من كثرة السّائحين في مطار دبي أو الدّوحة.

ذهبنا إلى منطقة الجوازات، بيد أنّ مهدي مع الأستاذ كمال ذهبوا إلى التّأشيرات؛ لأنّ مهدي فرنسي، والفرنسيّ كغيره لدخول الكويت لابدّ له من تأشيرة، إلا أنّهم لم يتأخروا، وهنا الكلّ دخل بسهولة إلا النّوفليّ؛ لأنّه ولد في الكويت، ولم يزرها، فطلب منه أن يذهب إلى مكتب في الأعلى ليحدّث البيانات، وعموما هو لم يتأخر أيضا.

ثمّ ذهبنا لاستلام الحقائب، فاستلم الجميع إلا العبد الفقير، حيث لم تصل حقيبتي، فانتظرنا حتى تتوقف آلة تدوير الحقائب، فذهبنا إلى المسؤول وقال انتظروا لعل بعض الحقائب لا زالت في الطّائرة للتّأكد، فانتظرنا فقال لنا بعد اتصال معهم لا توجد، وهنا لست الوحيد فمعي مجموعة من المسافرين ومنهم مصريّ وبعض الهنود لم تصل حقائبهم أيضا، وكانوا ترانزيت، بينما أنا مباشر، والعادة يحصل كثيرا في التّرانزيت، والأستاذ مصطفى اللّواتيّ قال لي لاحقا تكرر الأمر معي في الطّيران العمانيّ ثلاث مرات، وهنا تذكرتُ الأستاذ عبد الله العليان عندما ذهبنا بصحبة الأستاذ خميس العدويّ إلى الأردن في مؤتمر الدّين والشّرعيّة والعنف، من تنظيم مؤسسة مؤمنون بلا حدود للدّراسات والأبحاث في 4 سبتمبر 2015م في الطّيران العمانيّ حيث تأخرت حقيبته، ولم تصل إلا قبيل الرّجوع، وظل على ثوب واحد، والدّكتور العليان طويل البنية، بيد أنني والعدويّ عكسه تماما، لذا كان في وضع محرج جدا، لهذا تعلّمت من هذه السّفرة، خصوصا إذا كنت مشاركا في مؤتمر أو محاضرة أن أحمل معي حقيبة صغيرة أحملها داخل الطّائرة، أضع معها لوازمي من ملابس ليوم أو يومين تحسبا لمثل هذه الأحوال!!

ذهبنا إلى مكتب تقديم البلاغ، وكان مزدحما بسبب تماثل الحالة، ولا أدري هل جميعهم كانوا معنا أم من نوافذ متعددة، وللأسف فقدّتُ الورقة الصّغيرة في الطّائرة [السّكيتر] وهذي أول مرة أفقدها لأنّي استخدمتُ البطاقة، وعادة أضعها داخل الجواز، وهنا أخذ الأستاذ كمال بطاقتي؛ لأنّه يتقن الانجليزيّة، وقالوا نتصل فيهم ثمّ نتواصل معكم وأعطونا رقم M-2198، مع رقم الهاتف، فذهبنا إلى الخارج، وهنا استقبلنا الأستاذ أبو عمار نبيل، وأعدّ لنا سيارتين، سيارة يقودها هو، وسيارة يقودها رجل أردنيّ من أصل فلسطينيّ، فذهبنا مع الرّجل الفلسطينيّ ومعي السّلطيّ والحبسيّ، والباقي ذهب مع أبي نبيل، وهنا سألتُ السّائق عن مكوثه في الكويت، فقال نحن بالكويت منذ أكثر من ثلاثين عاما، وقلت له ممازحا: أين هواك الآن الكويت أم الأردن، فقال أبي فلسطينيّ وأمّي لبنانيّة وزوجتي مصريّة ولي منها ثلاث بنات، فهواي لم ينحصر في منطقة، قلتُ له: عندنا مثل [عند ترزق ما عند تخلق] فوافقني، ثمّ سألته عن نكبة 1991م، عندما حارب صدام حسين [ت 2006م] الكويت، قال كنتُ موجودا، ولم أخرج، فقلتُ له: هل كان جنوده يمارسون الاغتصاب والدّخول داخل البيوت للقتل كما يشاع، قال لا، ولكن من قاومهم قتلوه، ولكن أصعب ما واجهناه عدم وجود المياه والكهرباء، وصعوبة توفر المعيشة، واستمر الحال لمدة ثلاثة أشهر، إلى درجة ذهبنا إلى البيوت والشقق الّتي تركها من خرج من الكويت وأخذنا منها الماء، وهنا حاولتُ أن آخذ بعض الشّهادات عن هذه المرحلة المظلمة في تأريخ الكويت والمنطقة العربيّة ككل، وليت صدام لم يكن وسيلة وطعما في حربه لإيران ثمان سنوات، ثمّ الكويت، فترك العراق في حالة من البؤس والشّقاء، والّتي لا زال يعاني منها حتى اليوم، خاصة وقد بدأ قويا في التّعليم والصّحة والأمن والعسكر، فانتعشت العراق، إلا أنّه خرّب بيته بيده!!

وفي الطّريق رأيتُ الكويت وناطحات السّحاب، وكنتُ قد جئتها سابقا في شهر فبراير 2011م بسيارتي، وبصحبتي الأساتذة عبد الله المشيقريّ وسامي المعمريّ وابن عمّه عبد الله المعمريّ ويوسف الحبسيّ، جئتها قاصدا وزارة الأوقاف والمكتبات لأخذ بعض الكتب كالموسوعة الفقهيّة الكويتيّة، وفتاوى هيئة الافتاء الكويتيّة، كما ذهبت حينها إلى مكتبات قطر والبحرين، إلا أنّ هذه المرة الرّحلة لها طعم آخر كما سنراه في المذكرات.

رأيتُ البنية التّحتية في الكويت على عظمتها إلا أنّها شبه توقفت، خلافا عن مثيلاتها الإمارات وقطر مثلا، وهنا أخبرني أبو عمار أنّ الكويت بدأت بالتّوقف بعد عام 1985م، إلا أنّها بعد الغزو العراقيّ 1991م تراجعت في كلّ شيء!!

وأنا في الطّريق تذكرتُ الشّيخ الوالد علي بن عبد الله السّعيديّ من سكان ولاية السّويق، وحاليا الموالح الجنوبيّة، فقد عمل سائقا في الكويت من عام 1965م وحتى 1975م، حيث يتذكر أيام الكويت ويتذكر سورها وأبوابها، والمرقاب وخيطان والشّرق والرّميثيّة وحولي، المناطق الّتي ارتبط فيها، وطالما ذكر مسجد عبد الله المبارك، والّذي على دوار المرقاب، وقد رأيته وقد تطور المكان، وهو يرجو زيارة الكويت، وعسى أن يكون ذلك قريبا، ولو رجع لكان مثل أصحاب الكهف حيث سيرى العمران وناطحات السّحاب وكثرة الطّرق وعظم الحياة فيها!!

وصلنا فندق سفير انترناشيونال في الصّفاة، والأصل أننا نسكن في شقة في الدّسمة، إلا أنّ السّعر كان مرتفعا، فلهذا سكنا في هذا الفندق، وسعر الغرفة 45 دينارا للّيلة للشّخصين في الغرفة الواحدة أي ما يعادل 57 ريالا عمانيا، وأسعار السّكن في الكويت مرتفعة جدا مقارنة بعمان، وهذا ما يعانيه المقيمون فيها، وسألتُ أحدهم من المقيمين: لماذا لا تقل الأسعار إذا كان الطّلب أكثر، فقال المستثمرون في هذا معدودون، ويتفقون في الجملة على السّعر، كما أنّ سعر الدينار مرتفع، فالدّينار الكويتيّ يساوي وقت ذهابنا ريالا وثلاثمائة وعشرين بيسة، والفارق بين الدّينار الكويتي والبحرينيّ عشرون بيسة، إذ الدّينار البحرينيّ يساوي ريالا وثلاثمائة بيسة.

وصلنا الفندق، ورأينا الأخوة رتبوا كلّ شيء، والفندق كبير ومرتب ونظيف، وشخصيا كنتُ محبطا قليلا بسبب الحقيبة، ولأنّ النّدوة ستبدأ الثّامنة ليلا، ولا أمل للحصول عليها، حيث الطّائرة القادمة للطّيران العمانيّ تصل الثّامنة والنّصف، ومع هذا رضينا بما حصل، وما عند الله خير وأبقى، وهنا ذهبنا للّراحة حتى موعد النّدوة.

الّذهاب إلى ديوانيّة تجمع الميثاق الوطنيّ وندوة التّسامح [عمان أنموذجا]

بعدما أخذنا قسطا من الرّاحة في فندق سفير انترناشيونال إلا أنني لم يأتني النّوم لعدة أسباب منها أنني لست مرهقا كعادة السّفر، ولتفكيري كيف أقابل النّاس بهذا اللّباس، ولأنّ عمامتي كانت في الحقيبة، لهذا قلت استغل الوقت لعلي أجد محلا لبيع الملابس قريبا، على الأقل أجد شيئا يناسب الحالة، وفي الوقت نفسه أمارس الرّياضة واكتشاف المنطقة، فقد كان الجو رائعا، حيث الرّذاذ الخفيف، إلا أنّه يوجد بعض الغبار في الجو ولكن ليس كثيرا، وهذه الحالة طبيعيّة في الكويت.

وللأسف لا يوجد محلات قريبة؛ لأنّ المنطقة منطقة فنادق، ومع هذا وجدتُ مركز سلطان قريبا، ومركز سلطان شركة كويتيّة مساهمة تأسست عام 1976م، ولها أكثر من ستة وعشرين فرعا في الكويت، ولها فروع في الخليج والوطن العربيّ ومنها بطبيعة الحال عمان، ولي بطاقة شرائيّة لتسوقي منه في عمان، إلا أنّهم لم يقبلوها هنا!!

إلا أنني لم أجد ضالتي معهم، ومع هذا اشتريت معجون الأسنان والفرشاة وبعض الماء والحاجات الخفيفة، وسألتهم عن مكان يبيع الملابس حتى ولو كانت كويتيّة، فقالوا: لا يوجد إلا أن تذهب إلى كارفور [ستي سنتر] وهو قريب من هنا بالسّيارة عشر دقائق بسبب الزّحمة، وبالمشي ربع ساعة، فأردت الذّهاب ولكن قررتُ الرّجوع خوف ذهاب الوقت والتّأخر على الجماعة.

المهم رجعت القهقرى، إلا أنّه خطرت لي فكرة كنا نعملها وقت العزوبيّة، ولا تحتاج إلى وقت طويل، وهو أن نغسل الملابس بسرعة ثمّ نقوم بتدوير نصفيها بشكل مناقض يمينا وشمالا، وبهذا نعصرها بقوة، ثمّ نضعها في الشّمس لفترة بسيطة، وهذا يحتاج إلى مكواة، وهنا طلبت من يونس الحبسيّ أن يطلب لي مكواة من الأسفل، وأحضرت بعد حين، فغسلّت مكان الاتساخ، وكانت والحمد لله ليست متسخة كثيرا، ثمّ قام الأخ العزيز بكويها، فانحلّ أمر اللّباس، وبقي أمر العمامة، فاضطررت إلى لبس المصر، إلا أنني أخر مرة لبست المصر عام 2000م أي قبل ثمانية عشر عاما، وكنتُ ألبس مصرا أبيضا، ولم ألبس المصر الملون، والّذي يسميه المطاوعة السّابقون بمصر ابن بور أي محمد بن نور الوالي العباسيّ الّذي غزا عمان في أواخر القرن الثّالث الهجريّ، الملقب عند العمانيين بابن بور لكثرة فساده والدّمار الّذي فعله كما يقول الرّواة، حيث يرون أنّ ابن بور هو من أدخل المصر إلى عمان، والعديد ينقض هذه الدّعوى، فالمصر تطور للعمامة، أو سابق عنها، أو تأثر بالأمم الأخرى القريبة كالكمة والوزار والعباية ونحوه.

وهنا لبستُ المصر، وقام بتمصيري الأخ يونس، ولما نزلتُ ضحك علي من جاء معنا، ثمّ ذهبنا قبل الثّامنة إلى منطقة الدّسمة في سيارتين، سيارة يقودها أبو نبيل وكنتُ معه ومعي الأخ يونس الحبسيّ، والباقي كانوا في سيارة يقودها الأستاذ كمال اللّواتيّ، والأصل معنا الصّلتيّ إلا أنّه تأخر فذهب في سيارة كمال!!

ذهبنا إلى منطقة الدّسمة، وهي منطقة سكنيّة تتبع محافظة العاصمة، جاء في ويكبيديا سميت هكذا لأنّها كانت منطقة ذات ربيع أخضر تربتها دسمة، وأغلب سكانها من الشّيعة الإماميّة.

وفي هذه المنطقة يوجد بيت أبي عمار نبيل المسقطيّ، حيث حول سرداب بيته إلى ديوانيّة كبيرة، وهذه العادة وجدتها في قم بإيران عند العرب العراقيين، وتحدثت عنها في الرّحلة القميّة، وسيأتي الحديث لاحقا عن الدّيوانيات في الكويت، وأثرها المعرفيّ والثّقافيّ.

والأستاذ أبو عمار بنى ديوانيّة كبيرة، ولهم نشاط ثقافيّ فيها باسم تجمع الميثاق الوطنيّ، والأصل فيها أنّه تجمع لمناقشة الأوضاع السّياسيّة والاقتصاديّة، وأحيانا يناقشون الجوانب الفكريّة والثّقافيّة، ولا يحتاجون إلى ترخيص إذا كان الشّخص من خارج الكويت، والأمور الثّقافيّة أكثر مرونة ونشاطا عندهم مقارنة بما عندنا في عمان.

والتقينا في البداية بمجموعة كانوا حاضرين منهم وزير التّجارة ثمّ وزير الشّؤون الاجتماعيّة والعمل معالي عبد الوهاب الوزان، والمقدّم للأمسية الأستاذ حسن الخواجة، ثمّ التحق بنا مجموعة كبيرة منهم الدّكتور مصطفى الموسويّ رئيس زراعة الكلى، والأستاذ على الجديّ، والشّيخ حسين المعتوق، والدّكتور أحمد حسين محمد، والشّيخ حسين قنبر، وغيرهم كثير، كذلك التحق بنا الباحث والكاتب والأديب محمد البغيليّ وهو ابن أديب وشاعر الكويت المشهور حمود البغيليّ، فقد تعرّفت عليه في عمان لما جاء إلى عمان 22 يناير 2018م للمشاركة في المؤتمر الثّاني للفكر والّذي كان بعنوان الفكر ودوره في بناء الوعي بمنطقة الخليج العربيّ من تنظيم الجمعيّة العمانيّة للكتّاب والأدباء مشاركة مع مهرجان مسقط، حيث قدّم ورقة بعنوان مؤسسات المجتمع المدنيّ ودورها في البناء الفكريّ في الخليج العربيّ، وتعرفت في هذا المؤتمر أيضا على الأستاذ خالد العضاض من أوثال بريدة من المملكة العربيّة السّعوديّة صاحب كتاب التّدين السّعوديّ، وكتب مقالا بعنوان من أوثال إلى بهلا والرّستاق، ومقالا عن عمان والتّسامح أتحدث، ونشرت الوطن السّعودية المقالين، كما أعادت شؤون عمانيّة الالكترونيّة نشر المقال الأول مع الإشارة إلى المصدر، والأستاذ العضيدان في فكره ونقده قريب من الأستاذ منصور النّقيدان، كذلك تعرفت فيه على الأستاذ والباحث عيسى الشّارقيّ من جمعية التّجديد البحرينيّة، وهي جمعيّة قرآنيّة تهتم ببلاد السّراة، وترى أنّ الأنبياء لم يخرجوا من جزيرة العرب، ولهم كتاب شهير بعنوان: اختطاف جغرافيا الأنبياء.

ثمّ انتظرنا سماحة الشّيخ العلامة حسن الصّفار، وهو من القطيف من المملكة العربيّة السّعودية، وهو علم معروف عند جميع المذاهب الإسلاميّة، وهو من أسس النّشاط الاجتماعيّ والدّعويّ في مسجد الرّسول الأعظم بولاية مطرح في عمان، وشارك في إنشاء مجلّة الوعي في السّبعينات من القرن العشرين في مسقط، وهي أول مجلّة دينيّة شيعيّة عمانيّة، وزارني المنزل في الموالح الجنوبيّة في 14 يناير 2018م وسجلنا حلقة معه بعنوان تأملات في بعض جوانب التّفكير الدّينيّ وهي موجودة على قناتي اليوتيوبيّة.

ولما وصل سماحة الشّيخ الصّفار وسلّم على الجميع جلسنا في مكان واحد مقابلين الجمهور بداية من الأستاذ المقدّم حسن الخواجة فالأستاذ خميس العدويّ فسماحة الشّيخ حسن الصّفار فالعبد الفقير.

وبدأ المقدّم الحديث عن التّسامح وعن عمان والتّعريف بالحضور، ووجه سؤاله الأول إلى الشّيخ الصّفار: ما معنى التّسامح الشموليّ والخاص، وما دور الإسلام في التّسامح وهل يوجد فرق بين العفو والتّسامح أم كلاهما شيء واحد؟ فبدأ الصّفار حديثه بأمنيته أن يستمع من العدويّ والعبد الفقير لكونه حاضرا في هذا المكان العديد من المرات، ثمّ بين أنّ معنى التّسامح اكتسبت في الثّقافة الحديثة معنى أوسع من اللّغة العربيّة والتّراث الإسلاميّ، بحيث تقبل الرّأي الآخر وتعترف به، ولا تعتقد أنّك تحتكر الحق والحقيقة، فلك الحق أنّ تعتقد ما تراه حقيقية، ولكن من حق الآخر أيضا له الحق أن يعترف به، ويرى أنّ هذا المصطلح شاع في أروبا بسبب هيمنة الكنيسة المتحالفة مع السّلطات الحاكمة في أروبا حينها، فجاء المصطلح لنقل المجتمع الإنسانيّ من الهيمنة والتّعصب الفكريّ والثّقافي والدّينيّ، ثمّ قرر أنّ ديننا وقرآننا يدعو إلى التّسامح والاعتراف بالآخر، وترك الحساب لله؛ لأنّه فرق بين القاصر والمقصر والمعاند، ومع هذا كفل للجميع حق الاعتقاد.

ثمّ أراد المقدّم الخواجة إعطائي الكلمة لكنني أردّت أن يتقدّم الأستاذ خميس، فهو أستاذي يكبرني علما وعقلا ثمّ سنّا، ولكن رفض الأستاذ خميس، وحزم المقدّم الموقف فوجه السّؤال إلي، وكان الحديث حول التّسامح، فتطرق المقدّم من يوم التّسامح العالميّ في 16 نوفمبر من كلّ عام ميلاديّ، وكذا ندوة تطور العلوم الفقهيّة السّنويّة، والّتي توقفت بسبب الأوضاع المادّية، أو لأنّها أدّت رسالتها، وسببها معروف يعود إلى نهاية الثّمانينات بسبب الفتوى الشّهيرة المعروفة في عدم صحة الصّلاة خلف الإباضيّة، وكفر من يقول بعدم رؤية الله في الآخرة، وحدثت ردّة فعل من قبل سماحة الشّيخ أحمد الخليليّ [معاصر] مفتي عمان وكان الرّد مباشرا في التّلفزيون العمانيّ حينها، عموما التفتت الحكمة العمانيّة إلى عقد ندوة يشارك فيها جميع المذاهب الإسلاميّة سنة وإماميّة وزيديّة وإباضيّة، فعقدت في البداية في جامعة السّلطان قابوس، وقد أرخ الصّحفيّ والكاتب المصريّ فهمي هويديّ [معاصر] لهذه الحادثة في مقال له، وكان شاهد عيان للنّدوة الأولى، ثمّ تولت وزارة الأوقاف والشّؤون الدّينيّة هذه المهمة حتى عام 2015م، وكانت بعنوان فقه العصر: مناهج التّجديد الفقهيّ والدّينيّ، وكنتُ شاركت معهم 2010م في ندوة الفقه الحضاريّ فقه العمران، في ورقة عمل بعنوان آداب الطّريق بين التّأصيل الفقهيّ والتّطبيق العمليّ، طبع في أعمال النّدوة عام 2010م، واختصر في كتيب آداب الطّريق طبعته دائرة الوعظ 2010م، وعموما النّدوة خرجت بأسفار مهمة للباحثين، ونتائج تسامحيّة كبيرة، إلا أنّها توقفت عند هذا ولم تتحول إلى مشروع بحثي له عمره الطّويل كمؤسسة تسامحيّة بحثيّة، ولعل ذلك يكون في المستقبل بإذن الله تعالى.

أمّا حديثي في اللّقاء فكان من خلال ورقة بحثيّة صغيرة كتبتها بعنوان التّسامح الفقهيّ في سلطنة عمان، وهنا أبرزت الجانب الإيجابيّ، مع علمي بوجود بعض السّلبيات، والورقة مقدّمة للجمعيّة العمانيّة للكتّاب والأدباء 2016م، وكان هدفهم إصدار كتاب عن التّسامح إلا أنّه تأخر المشروع ولم يخرج، ولهذا أضفت الورقة إلى كتابي إضاءة قلم (الحلقة الأولى) وأضفت إليه بحث الثّقافة العربيّة والحراك الاجتماعيّ كتب سنة 2016م، مقدّم للنّدوة المصاحبة للاتحاد العام للكتّاب والأدباء العرب، بعنوان: نحو استراتيجيّة ثقافيّة في الوطن العربيّ، والّتي عقدت في فندق البستان روتانا بدبيّ، من 4 – 7  ديسمبر 2016م، والرّحلة القميّة، تدوين للرّحلة العلميّة إلى قم بالجمهوريّة الإيرانية الإسلاميّة من 22/2 وحتى 26/2 لعام 2017م، ومذكرات رحلة الحج لعام 1435هـ، وآمل أضيف إليه الرّحلة الكويتيّة، وأرجو أن يكون الكتاب حاضرا في معرض مسقط للكتاب 2019م، وبحث التّسامح نشرته مجلّة التّكوين العمانيّة في أربع حلقات في الأعداد (26) و(27) و(29) و(30)، وتحدّثت فيه باختصار عن خريطة المذاهب والأديان في عمان بصورة سريعة، مع نماذج من التّسامح في المذاهب الثّلاثة المعروفة، وأثر التّسامح العمانيّ على السّائح والتّاجر، وبيان التّسامح السّياسيّ مع الفقهيّ، ومستقبل التّسامح الفقهيّ في عمان.

ثمّ وجه المقدّم الخواجة سؤال ثالث وأخير إلى الأستاذ خميس العدويّ وهو كيف نوجه أبنائنا إلى التّسامح، فبدأ العدويّ بشكر الكويت، وعلاقة الكويت بآبائنا العمانيين الّذين عملوا فيها، ثمّ أشار إلى المشتركات والسّمات الواضحة بين عمان والكويت، وبين أنّه في عمان لا نحتاج إلى الحديث حول التّسامح بسبب الانسجام الطّبيعي بين المذاهب، وأثر هذا على المساجد والزّواج، كذلك بيّن أنّ المذهب رؤية وتمظهر اجتماعيّ وليس دينا، وسبب الخلاف الصّراع السّياسيّ الّذي أثر على المذاهب، وأثر هذا على التّراث منذ الصّراع الأول، لذلك نادى بنقد التّراث، وعليه الصّراع هو من داخلنا ولابدّ أن نعترف بهذا، ويرى أنّ جميع المذاهب داخلة في التّكوين المعرفيّ لأي مسلم، فعلينا أن ننفتح للآخر، بل ننفتح حتى لغير المسلم، كذلك بين أنّ التّسامح في عمان طبيعيّ إلا أنّه بدأ يشعر بالخوف نتيجة نمو السّلفيّة عند جميع المذاهب وليس عند أهل السّنة فحسب، إلا أنّه في عمان أغلقت هذه النّوافذ المؤثرة على التّسامح والنّسيج الاجتماعيّ منذ فترة مبكرة، حتى جاء عهد الفضائيات والانترنت حيث بدأ النّاس يدخلون في الجدل المذهبيّ، بيد أنّ المنظومات الدّينيّة بقت في رؤية صادمة ضدّ أيّ نقد جديد، ولكن مع مرور الأيام يحدث التّقبل شيئا فشيئا، ويقول إننا في عمان بسبب وسائل التّواصل نعيش اليوم حالة التّمازج وليس فقط التّسامح، على الأقل على المستوى المعرفيّ.

ثمّ فتح المقدّم باب النّقاش والمشاركة للحضور، وتسجيل الحلقة بما فيها الحوارات موجودة على قناتي اليوتيوبيّة لمن أراد، وبعد الجلسة قدّم بعض الفطائر السّريعة مع العصائر، ثم كانت الأحاديث الجانبيّة، وهنا كان معي حديث مع الدّكتور أحمد حسين محمد، والّذي طلبت منه تسجيل حلقة يوتيوبيّة في برنامجي حوارات كما سيأتي، كذلك أصر محمد حمود البغيليّ بصورة كبيرة على زيارته، والجدول كان مزحوما، ولا يوجد فراغ إلا الخميس عصرا أو الجمعة صباحا، فاتفقنا الخميس عصرا نزورهم في ديوانيتهم، كما ذكرته بوعده لي بتسجيل الحلقة، فاتفقنا أن يكون التّسجيل صباحا في الفندق.

وأهل الكويت أصحاب ابتسامة لا تفارقهم، ويحترمون إخوانهم العمانيين، والجميل معهم أنّك تجد في الدّيوانيّة من مختلف الرّتب والعمر والمكانة العلميّة، الكل يقدّم وجهة نظره، وهنا خرجنا من ديوانيّة أبي عمار، والكل فرح لهذا اللّقاء التّعايشيّ الجميل، ثمّ رجعنا إلى الفندق، ومع أحداث ما قبل الذّهاب إلى مركز الشّيخ عبد الله السّالم الثّقافيّ.

وصول الحقيبة والذّهاب إلى مركز الشّيخ عبد الله السّالم الثّقافيّ

تحدّثنا في الحلقة الماضية عن جلسة التّسامح: عمان أنموذجا في ديوانيّة تجمع الميثاق الوطنيّ بمنطقة الدّسمة بالكويت، وبعد انتهاء الجلسة ومسامرة الأحبة رجعنا إلى الفندق، وهنا لمّا وصلنا قرر الأخوة ممارسة الرّياضة وشراء بعض الحاجيات، وكانت السّاعة تقترب من الحادية عشرة ليلا، وكنتُ في الحقيقة متعبا من السّفر، وأريد دبلجة التّسجيل ورفعه إلى القناة اليوتيوبيّة أي جلسة التّسامح، ومع هذا قررت الذّهاب معهم، فذهبنا جميعا عدا الحبسيّ فقرر البقاء في الفندق.

كان الجو رذاذا، ويسقط المطر بين فترات، إلا أنّ الغبار يملأ الجو، ودرجة الحرارة منخفضة، فالجو كان رائعا جدا، فذهبنا إلى مركز سلطان وتسوّق الأخوة، إلا أنّه في الرّجوع قررنا الإسراع قليلا بسبب زيادة المطر والغبار.

ولمّا وصلنا إلى الفندق بعد التّسوق والرّياضة قررت النّوم لأستيقظ قبل الفجر لكي أرفع الحلقة، وتحتاج إلى بعض الوقت، ولأنني أعمل ذلك عن طريق هاتفي، وشبكة النّت في الكويت قوية جدا مقارنة بما عندنا، وخدمات الاتصال عندهم أرخص وأفضل بكثير من شبكاتنا، وفعلا المشتغل بالتّحميل والرّفع يشعر بالفرق الشّديد، وشراء الشّريحة يكفي لمدة السّفر اتصالا وتحميلا عكس الّذي عندنا تماما!!

استيقظت فجرا مبكرا، وقمت بالدّبلجة والرّفع، وبعد الصّلاة أخذت سيارة أجرة، يقودها بنجلاديشيّ، عاش في الكويت منذ أكثر من عشرين سنة، ومعاناتهم في بلادهم كمعاناتهم في بلادنا، وهو ارتفاع المعيشة، مع تفاوت الأجور، والرّجل على مكوثه في الكويت هذه السّنوات إلا أنّه لا يتحدّث العربيّة إلا مفردات، بيد أنّه يتحدّث الانجليزيّة بطلاقة، فحاولت التّفاهم معه مع ضعفي في الإنجليزيّة ….

قلتُ: أريد أن أذهب إلى أي مجمع لشراء ملابس، فقال نذهب إلى مجمع سلطان في منطقة أخرى، وإن لم نجد نذهب إلى [ستي سنتر] مركز التّسوق في السّالميّة، ذهبنا إلى مركز سلطان، وقبل الدّخول إلى المجمع وجدت شابين في بداية العشرينات يتسامران أتيا إلي للسّلام، وهذه الصّورة الجميلة سوف تتكرر في الكويت كما سنرى لاحقا، دخلت المجمع وهو من طابقين، إلا أنني لم أجد بغيتي، ثمّ رجعت إلى صاحب الأجرة وكان ينتظرني، فذهبنا إلى ستي سنتر السّالميّة، وكان أكبر من مجمع سلطان، وكذلك لم أجد بغيتي، وقال لي من يعمل هنا هذه تجدها في الأسواق الشّعبيّة كالمباركيّة!!

أخذنا جولة في المناطق القريبة بسرعة، وشربنا شاي الكرك، وكانت الطّرق فاضيّة لأننا في أول الصّباح، والجوّ رائع جدا، والطّرق أصبحت في جمال نظافتها وتشجيرها، وساحل البحر يعطي الكويت جمالا وإشراقا، حتى رجعنا إلى الفندق، والسّيارة عندهم بالعداد، وبدأ تقريبا بستة فلس، ولما رجعنا كانت التّكلفة 9 دنانير أي ما يقارب إحدى عشر ريالا وثلاثمائة بيسة…

وفي الطّريق اتفقتُ مع الأستاذ الصّلتيّ الّذهاب سويا لتناول الفطور، فقلت له انتظرني قليلا، فلمّا وصلتُ أعلمته، فذهبنا إلى المطعم وكان في الطّابق التّاسع عشر، ثمّ التحق بنا مهديّ، وهنا طلبتُ منه الاتصال بالمطار بشأن الحقيبة لأنّه يتقن الانجليزيّة، ولأنّهم وعدونا بالتّواصل بعد الثّامنة والنّصف ليلا ولم يتصلوا، ولما اتصلنا بهم على الرّقم الّذي كتبوه لنا كان رقم المكتب خطأ، وهنا كلّمته المرأة بغضب شديد، ثمّ أعطته رقما آخر للاتصال به، فاتصلنا أكثر من ثلاث مرات ولم يردوا، ثمّ عاود الاتصال بالرّقم الأول وكانت أكثر هدوءا، فحوّلته إلى رقم آخر، فكلّمته امرأة، فقالت وصلت حقيبة بالأمس مع الطّيران العمانيّ لكن لا يوجد فيها رقم، ولا اسم الشّخص، ولما ذكرت وصفها قلتُ هي حقيبتي وإن كنت لستُ متأكدا عكس الصّلتيّ ومهدي الّذين أكدّا أنّها حقيبتي، ولعلّه من باب الدّعم النّفسيّ!!!

ولما نزلنا بسرعة طلبنا من رجل الأمن  سيارة أجرة، فأحضر لنا شخصا من مصر وكانت سيارة خاصة، وهنا للعجلة ذهبنا معه، وفي الطّريق سألته عن العداد، وقال لا يوجد، المسافة قريبة، والعادة في الأسفار شخصيّا لا أذهب في سيارة لا يوجد فيها عداد، أو نتفق على السّعر مسبقا، ولكن للعجلة هنا لم ننتبه سلفا!!

وصلنا إلى المطار ثمّ ذهبنا إلى مكتب الحقائب، وكان في آخر المطار، وفي الطّريق وقف شخص كويتيّ الظّاهر في الثّلاثينيات أو أكثر قليلا من عمره يرحب بنا، وإذا كانت ثمة خدمة يساعدنا فيها، فشكرناه وأخبرناه بوضعنا، فأرشدنا إلى أحد العاملين هناك، وحملنا العامل إلى مكتب الحقائب في آخر المطار عند المواقف، ووجدت حقيبتي في الواجهة فعرفتها وشكرتُ الله وحمدته، إلا أنّه كتب في السّكيتر اسم صاحبي الصّلتيّ، ولا يوجد فيها رقم، لهذا رفض في البداية العامل بالمكتب تسليمنا الحقيبة لعدم وجود تطابق البيانات، وبعد حين من الجدل وافق وسلّمنا إيصالا مع التّوقيع، وأخذ رقم هاتفي في عمان!!

خرجنا من عنده ووجدنا نفس الكويتيّ، ورحب بنا لزيارته، فشكرناه لضيق الوقت، ولمّا وصلنا الفندق طلب منا المصريّ أربعة وعشرين دينارا كويتيّا أي ما يعادل ثلاثين ريالا وأربعمائة بيسة، فقلنا له السّعر مرتفع والمسافة قريبة، فنزّل إلى عشرين دينارا أي خمسة وعشرين ريالا وثلاثمائة بيسة!!!

وفي قرب الحادية عشر نزلنا جميعا إلى الأسفل، وكان ينتظرنا الأستاذان نبيل وكمال، وقد لبست العمامة هنا، وقالوا اليوم ستكون الرّحلة ترفيهيّة في مركز الشّيخ عبد الله السّالم الثّقافيّ، ويقع في منطقة الشّعب بدولة الكويت، تأسس عام 2014م، وافتتح في 5 فبراير 2018م حيث افتتحه أمير الكويت الشّيخ صباح الأحمد الصّباح، جاء في ويكبيديا: [مركز الشّيخ عبد الله السّالم الثّقافيّ أحد أكبر مناطق العرض المتحفيّ في الوطن العربيّ والعالم، وصمم المركز ليكون متكاملا من جميع الجوانب، تلبية للباحثين والمهتمين بمختلف الشّؤون الثّقافيّة والفنيّة، وليعكس الوجه الحضاريّ للكويت … وأسس في موقع مدرسة عبد الله السّالم وهي من أوائل المدارس النّظاميّة في الكويت … ويضمّ المركز ستة متاحف: متحف التّاريخ الطّبيعيّ، ومتحف علوم الفضاء، ومتحف العلوم، ومتحف العلوم العربيّة والإسلاميّة، ومتحف جسم الإنسان، بجانب إنجازات وتاريخ الكويت، والمسرح والحديقة العلميّة].

وسمي المتحف تيمنا بالشّيخ عبد الله السّالم المبارك الصّباح [ت 1965م]، وهو الأمير الحادي عشر للكويت، وفي عهده استقلت الكويت، حيث عيدهم الوطنيّ السّنويّ في 25 فبراير من كلّ عام.

وفي الحقيقة حقّ للكويت بل للخليج الاحتفاء بهذا المعلم الكبير، وقد جمع بين المرح والمعرفة، حتى صار قبلة سياحيّة ومعرفيّة ووجهة لكلّ سائح وزائر، وجميل أن يكون من الأهداف السّياحيّة للأسرة إذا ما أرادت لأبنائها المعرفة والتّرفيه في الوقت ذاته.

وصلنا أثناء الحادية عشر ظهرا، وتذكرة الفرد ثلاثة دنانير كويتيّة أي ثلاثة ريالات وثمانمائة بيسة، وعند الدّخول قام الأستاذ أبو عمار نبيل بشرح مبسط للمركز ونشأته، وهنا جاءنا أحد المسؤولين في المركز، فرحب بنا ترحيبا كبيرا، وقام أيضا بإضافة بعض الفوائد، وكان الأستاذ مهدي عنده كامرا تصوير رقميّة، وهنا ممنوع التّصوير عن طريق الكامرا الرّقميّة، وممكن التّصوير عن طريق الهاتف، ويوجد مكتب خاص للأمانات توضع فيه مثل هذه الحاجيات، إلا أنّ هذا المسؤول رفض جعلها هناك وقال ستكون عندي حتى تنتهون، وفعلا قام بمرافقتنا وتسهيل الأمور لنا.

والعاملون في المركز كويتيون وأجانب، والكلّ يرحب بالزّائر، والابتسامة لا تفارق محياهم، ولزيارته ببطئ يحتاج أكثر من ثلاث ساعات، ونحن لا يوجد لدينا هذا الوقت لازدحام الجدول، لذا قررنا أن نقتصر على ثلاثة متاحف، فبدأنا متحف التّأريخ الإسلاميّ، وكان متحفا رائعا جدا، يوصل لك المعرفة حسب طرق مختلفة، من الخرائط والتّصاميم والنّقوش، والكتاب الالكترونيّ، والعروض، والسّماع باللّغة الّتي تناسبك، وبالمجسمات والمخطوطات وغيرها.

ثمّ ذهبنا إلى متحف الفضاء والنّجوم والكواكب والأقمار الصّناعيّة، وبطرق ووسائل مختلفة ومتقدّمة، فهناك تتعرف على النّجوم والكواكب والمكتشفات المعاصرة، وجهود العرب فيها والأمم الأخرى، وما توصل إليه العلم الحديث، وكيف يتركب القمر الصّناعيّ، وكيف يمارس من يركبه حياتهم، وكيف يأكلون ويغيرون ملابسهم ويمارسون الرّياضة وهم في الفضاء.

بعدها ذهبنا إلى المتحف الطّبيعيّ، وهو لا يقلّ جمالا ومعرفة عن غيره، وقد صمم وكأنّك تعيش عالم الطّبيعة والغابات والأسماك والبراريّ، وهنا من حسن الطّالع أرسلت لي الأخت وهي تدرس في جامعة السّلطان قابوس وكان مشروعها عن تصميم متحف، حيث عرضت تصميما لها لمتحف، ولقي إعجاب الدّكاترة، فقلتُ لها نحن الآن في متحف بالكويت!!

ولما خرجنا من المتحف الكويتيّ جاء مسؤول آخر يرحب بنا بحرارة، ويريد أن يعرف انطباعنا عن المتحف، فذكرنا له، وهنا حبذ لنا زيارة باقي الأقسام، فقلنا له الوقت ضيّق، فذهبنا إلى مكان خصص للصّلاة، فقدّمت إماما، فصلّيت بهم الظّهر والعصر، وصلّى خلفي سنة وشيعة وإباضيّة في جو من الانسجام والجمال، وبعدّ الصّلاة ذهبنا إلى سوق المباركيّة.

الذّهاب إلى المباركيّة وتسجيل حلقة مع الدّكتور أحمد حسين محمد

بعد الانتهاء من زيارة مركز الشّيخ عبد الله السّالم الثّقافيّ في السّاعة الواحدة ظهرا، قرر أبو عمار نبيل أن نذهب إلى سوق المباركيّة لتناول الغداء، وهو سوق يجمع بين الأصالة والمعاصرة، ويذكرنا بسوق واقف في قطر، وسوقي مطرح ونزوى في عمان.

وهذا السّوق سابقا ملتقى التّجار الكويتيين، ويضمّ أسواق الذّهب والسّلاح والتّمور والسّمك واللّحم والبهارات والملابس كأيّ سوق شعبيّ، جاء في ويكبيديا: [سوق كويتي يقع في منطقة القبلة …. تمّ تسميته بهذا الاسم نسبة إلى الشّيخ مبارك الصّباح، ونشأ سوق المباركيّة على يد التّجار الكويتيين، الّذين كانوا يجلبون بضاعتهم من العراق والهند وإفريقيا عبر السّفن ويلتقون في هذه السّوق لتبادل البضائع].

ونحن نمشي في سوق المباركيّة مع الرّذاذ والجو الجميل، ولمّا اقتربنا من سوق السّمك سقط الغيث بقوّة، حيث الجو مع سكون المكان وجماليته، ومع الغيث وسكينته أضفى للنّفس سكينة وراحة، وتوقفنا قليلا ثمّ ذهبنا إلى مطعم الشّمم وهو مطعم كبير مزدحم بالنّاس، ويقدّم كافة المأكولات والعصائر، وعلى رأسها الأسماك المشويّة، ومن الأسماك المشهورة في العراق والكويت والخليج سمك الزّبيديّ، ويقال يعود تسميته إلى عالم سويديّ في عام 1788م، ويتميز بجسمه العريض، وحقيقة لم أسمع عنه بكثرة في عمان، مع أنّه منشر في الخليج!!

وبعد تناول الغداء والأحاديث الجانبيّة قررنا الرّجوع، وكنتُ والسّلطيّ والحبسيّ مع الأستاذ كمال في سيارته، وكان الجوّ ماطرا حتى وصلنا إلى الفندق السّاعة الرّابعة عصرا، وكان لدي تسجيل مع فضيلة الدّكتور أحمد حسين محمد السّاعة السّادسة مساء في الفندق، وهنا من التّعب أخذني النّوم فلم أستيقظ إلا على ضرب الباب من قبل أستاذي النّوفليّ بأنّ الدّكتور ينتظرني في الأسفل، وقرر مهدي أن يقوم بالتّصوير.

والدّكتور باحث كويتيّ من الطّائفة الإماميّة، له أبحاث في الوقف، ورسالة ماجستير في المواطنة بين الشّريعة والقانون، ورسالة دكتوراه في وقف الحقوق والمنافع دراسة وتحقيق أصوليّ، وله معرفة ببعض العمانيين ممّن التقى بهم في أحد مؤتمرات الجزائر.

وكان الحديث المسجل في برنامج حوارات الحلقة التّاسعة عشر على قناتي اليوتيوبيّة، والّذي بعنوان إنسانيّة الخطاب الدّينيّ في رمضان، حيث يرى أنّ الأصل في شهر رمضان يعنى بتغيير الذّات الإنسانيّة، من خلال التّأمل في المستقبل، وهنا يؤكد على ضرورة التّأمل إلانسانيّ في رمضان، لطبيعة الإنسان المتقلبة بين الصّواب والخطأ، ولهذا يمكن أن نعتبر حسب نظره رمضان بداية السّنة الإنسانيّة وليس السّنة الهجريّة أو الميلاديّة؛ لأنّ رمضان مرتبط بنزول القرآن، والقرآن جاء بدور إصلاحي كبير في المجال الإنسانيّ، ثمّ أشار أنّه لابدّ من الانطلاق من الوحدة الإنسانيّة وليس الوحدة الإسلاميّة؛ لأنّ الثّانية تدعو إلى الأولى، مستشهدا بقول الإمام علي بن أبي طالب [ت 40هـ]: الإنسان إمّا أخ لك في الدّين، أو نظير لك في الخلْق.

ثمّ تطرقنا إلى بعض الخلافيات بين الإماميّة وباقي المذاهب، وبين المذاهب نفسها المتعلّقة برمضان، والّتي تتعلق أولا برؤية هلال رمضان، وثانيا بصلاة التّراويح، وثالثا بالفطور وقت طلوع النّجم وغياب الحمرة المشرقيّة، فيقوله سماحته إنّ الخلاف عند الشّيعة في المسألة الأولى هو ذات الخلاف عند باقي المذاهب الإسلاميّة، وإن اتفقوا على أنّ الرّؤية في الرّواية تعني العلم لكن اختلفوا في إدراك هذا العلم، فقيل بالرّؤية البصريّة، وقيل بالعين المسلحة كاستخدام التّلسكوب، وقيل بالحساب الفلكيّ، ويرى أنّ الرّؤية البصريّة هي المصداق الأتمّ في عصر النّص، حيث لا توجد آلات لتحقيق العلم بالرّؤية إلا عن طريق الجارحة، وبما أنّ المصداق يتغير فيجب على الحكم الشّرعيّ أيضا أن يتغير، والحساب الفلكيّ لم يكن مطروحا قديما بين الفقهاء لارتباطه بالتّنجيم، أمّا الآن فتغير الأمر.

وأمّا مسألة الغروب فيقول الإماميّة عندهم قولان: المشهور ما ذكر، وقول آخر كقول باقي المسلمين بسقوط قرص من الشّمس، والإشكاليّة أنّ النّاس لا تقرأ، فيتولد الجهل، فإذا تولد الجهل ساد التّعصب،  ثمّ لو قرأوا ما انتقدوا تراثهم فيجمد النّاس على الماضي.

أمّا صلاة التّراويح فيقول نحن نسميه قيام اللّيل، ونافلة رمضان حسب الأدبيات الرّوائيّة لا تصلى جماعة، ويقول إنّ في إقرار عمر وترك علي بن أبي طالب لها سعة؛ لأنّ المسألة واسعة.

ثمّ تطرق إلى الوقف فقال هو تشريع إسلامي ذو منزع إنسانيّ، فهو موجود عند الأمم السّابقة، والأوقاف ليست مرتبطة فحسب على الإنسان بل تعمّ حتى الحيوانات.

وأخيرا تطرق إلى قضيّة المواطنة فيرى أنّ المواطنة عبارة عن علاقة بين الفرد والآخر، ويرى نحن ارتبطنا مع الغرب نظريّا في مفهوم المواطنة، لكنهم سبقونا عمليا، والمواطنة لا ترتبط بالجنسيّة أو مجرد الولاء القبليّ، فهي ترتبط بالالتزام القانونيّ المتمثل في الحقوق والواجبات المتعلقة بالإنسان مسلم أو غير مسلم في ظلّ العدل والعدالة.

وبعد هذا اللّقاء مع الدّكتور أحمد حسين محمد إذا بالأستاذين كمال ونبيل ينتظران للذّهاب إلى جلسة مفتوحة في مطعم السّاحة يحضرها العديد من المثقفين والعلماء والكتاب.

الذّهاب إلى مطعم السّاحة

بعد تسجيل الحلقة اليوتيوبيّة مع الدّكتور أحمد حسين محمد وجدت الأستاذين أبا عمار نبيل وأبا يوسف كمال ينتظرانا، فنزل جميع الأخوة للّذهاب إلى مطعم السّاحة، والمطعم قريب من النّزل الّذي نزلنا فيه، وتصميمه لبنانيّ في قمة من الإبداع والجمال، حتى الحجارة الّتي يزهو بها المطعم أحضرت من لبنان، ولما تدخله تتذكر بيروت ومطاعمها، وما أجمل لبنان وبيروت!!

والمطعم أصله شراكة تقاسميّة بين كونه وقفا لأيتام لبنان بنسبة ربح أكبر من 50 بالمائة، وبين استثمار بعض التّجار الكويتيين بنسبة بضع وأربعين بالمائة، والّذي ساهم في إقامة هذا المشروع الوقفيّ سماحة العلامة محمد حسين فضل الله [ت 2010م]، وقد ولد سماحته في النّجف في العراق، وعاش وتوفي في لبنان، ويعتبر من أكثر علماء الشّيعة انفتاحاً على التّيارات الأخرى، وله العديد من المؤلفات والمشاريع الخيريّة، والآراء النّقديّة داخل مدرسته ونقد الوضع الإسلاميّ بشكل عام.

وسماحته ينطلق من البعد الإنسانيّ المتجاوز للخطاب الطّائفيّ والمذهبيّ، فهو يتعامل بكل إنسانيّة مع إخوانه من الطّوائف الأخرى الّذين شاركوه في لبنان مثلا، مع البعد الوحدويّ الّذي يتعامل به مع إخوانه المسلمين من المدارس الإسلاميّة، ويركز على المشتركات بينهم، بجانب انطلاقته القرآنيّة الّتي يسعى إلى تحقيقها والانطلاقة منها، وسمى موقعه بينات، وله تفسيره الكبير في القرآن في عشرين جزءا سماه من وحي القرآن، ويركز على الخطاب العصريّ الّذي يقترب من الشّباب ويحيب عن تساؤلاتهم، مع نشر ثقافة المحبة، وأنّ الدّين في الأول والأخير هو المحبة لا الكراهيّة، فحبوا من خالفكم وأحبوا أعداءكم.

وشخصيّا بعد شخصيّة محمد الغزاليّ [ت 1996م] تأثرت كثيرا بشخصيّة فضل الله وكتبه، وكنت أتابع موقعه بينات، ومغرم بخطبه وخطاباته، وهو بحق سابق عاصره، وتعرّض للكثير من الإيذاء والتّهميش، ولكنّ كلمته عمّ نفعها، وتجاوزت ثمرتها حدود بلده ومذهبه، فرحمه الله تعالى رحمة واسعة.

قررنا أن نذهب مشيا حيث يبعد المطعم عن النّزل سبع دقائق فقط، وكان الجو رائعا جدا، والرّذاذ يتساقط بين حين وآخر، وكنتُ في الطّريق أسامر الأستاذ أبا عمار عن النّهضة والتّنوير في العالم الإسلاميّ، والمجتمع الشّيعيّ على وجه الخصوص.

وصلنا إلى المطعم، وحضر مجموعة كبيرة من الكتاب والعلماء والمثقفين وبعض الشّخصيات السياسيّة والاجتماعيّة في الكويت، وبعض العلماء من القطيف من المملكة العربيّة السّعوديّة، وعلى رأسهم سماحة الشّيخ حسن الصّفار.

ومن الّذين حضروا مثلا أسعد خريبط ناشط اجتماعيّ، والدّكتور عبد الواحد خلفان دكتور في معهد التّطبيقيات وناشط سياسيّ، وحسين المعتوق إمام وخطيب، وجابر بهبهاني ناشط وكاتب اجتماعيّ، والدّكتور أحمد محمد حسين إمام وخطيب، وعبد الأمير الخرس معلم أول، وعبد المطلب الوزان ناشط اجتماعيّ، وحبيب الشّهريّ، ومن عمان التقينا بمصطفى محسن اللّواتيّ، وغيرهم كثير.

كذلك التحق بنا معالي الدّكتور عبد الهاديّ الصّالح وزير الدّولة لشؤون مجلس الأمّة 2006م، ودار بيني وبينه حديث طويل حول الوقف خصوصا، واتفقت معه على تسجيل حلقة يوتيوبيّة سنتحدث عنها لاحقا.

والجلسة تناولت جوانب عديدة، على رأسها الجوانب الفلسفيّة والفكريّة، مع تناول وجبة العشاء والحلويات، واستمرت ما يقرب من الثّلاث ساعات، وتمّ فيها تبادل المؤلفات بين الكتاب والباحثين، وكان في الأخير الحوار ساخنا مع حسين المعتوق حول بعض القضايا الفلسفيّة ومصاديقها الخارجيّة، إلا أنّ الوقت كان ضيقا، ولكوني شخصيّا كنت متعبا بعد يوم مزحوم من الأعمال المتواصلة، فاستأذنا فرجعتُ بصحبة الأستاذ الصّلتيّ، والتحق بنا مهدي عياشيّ مشيا، لنستعد ليوم جديد وفي زيارة إلى الأستاذة إيميلي جوشيّ.

زيارة الباحثة إيميلي جوشن

تعرّفت على الباحثة الأمريكيّة إيميلي جوشن في القرم بالعاصمة العمانيّة مسقط، وهي زوجة شاب كويتي لطيف اسمه حامد، وكان معهم ابنتهم سلمى في السّنة الأولى من عمرها، وهذا قبل عام وزيادة قليلا.

إيميلي جوشن تحضر أطروحة الدّكتوراه في إحدى الجامعات الأمريكيّة حول الإباضيّة العقلانيّة، وعلاقة الإباضيّة بالسّلفيّة، والتّجديد المعاصر عند الإباضيّة، ورؤيتهم للإنسان والملل الأخرى، وهذه ليست الأولى من الرّسائل أو الأطروحات حول العقلانيّة والثّقافة بصورة عامّة، ففي الفترة الأخيرة هناك من يأتي للبحث في هذا إمّا للماجستير أو الدّكتوراه أو للبحث الخاص، والغرب يهتمون كثيرا بكلّ جديد في الشّرق، ومن هؤلاء الأستاذ مهدي عياشيّ من فرنسا والّذي كانت رسالته في الماجستير أيضا حول العقلانيّة الإباضيّة، والآن يحضر الدّكتوراه حول الثّقافة بشكل عام في المجتمع العمانيّ.

وفي عمان تناقشنا طويلا مع الباحثة حول موضوع العقلانيّة والإباضيّة والرّؤية القرآنيّة للإنسان خصوصا وقيمه الكبرى، وأسباب النّظرة السّلبيّة إلى الإسلام خصوصا في الذّهنيّة الغربيّة، وشيوع التّطرف والإرهاب ونسبته إلى الإسلام.

والأصل أننا نذهب إلى الكويت في نهاية مارس وبداية أبريل، وتواصلتُ حينها مع الباحثة وقالت ستكون هذه الفترة في الولايات المتحدة الأمريكيّة، ولما تأجلت الرّحلة إلى مايو رحبت بالزّيارة، حيث تسكن في منطقة الشّعب بالعاصمة الكويتيّة، واتفقنا على أن تكون الزّيارة صباح الخميس السّاعة التّاسعة والنّصف صباحا.

نسقت مع مهدي لمرافقتي، ففرح بذلك، وبعد الفطور في بداية الثّامنة انطلقنا للذّهاب، وخرجنا قبل ساعة حتى نحصل على سيارة أجرة وحتى لا نتأخر، إلا أننا تفاجئنا أننا وصلنا بسرعة؛ لأنّ هذه المنطقة قريبة منا جدا، لهذا كان عندنا أكثر من ساعة، فأرسلت للباحثة لعلّ الوقت يسمح بالتّقديم، فأسرت لذلك، وما هي إلا دقائق إلا وهي بالخارج تنتظرنا.

رحبت بنا كثيرا، ودخلنا في مجلس مفتوح وهنا التقينا بوالد زوجها عبد الحسين فكري، ثمّ حضر حامد وابنته سلمى، وعبد الحسين من الباحثين والكتاب البهائيين، وأهدانا نسخة من كتابه آفاق في فهم الهداية الإلهيّة، وفيه يتحدث عن وحدانية الله ووحدة الجنس البشريّ ووحدة الأديان واستمرارية الهداية الإلهيّة ومجيء اليوم الموعود.

وهذه العائلة عائلة بهائيّة، والبهائيّة تركز كثيرا على الإنسان ووحدة الجنس البشريّ من خلال وحدانية الله ووحدة الدّين والإنسان، وهي ترجع في أصلها إلى الشّيخيّة عند الشّيعة الإماميّة، وتأسيسها يعود إلى حسين علي النّوريّ الملقب ببهاء الله [ت 1892م] في إيران، وهو الّذي آمن بدعوة الباب علي محمد الشّيرازيّ [ت 1850م]، وأنّ حسين النّوري هو من بشره الباب بأنّه من يظهره الله،  وموعود الظّهورات السّابقة، وأتى بكتاب الأقدس، وفيه نسخ للعديد من الأحكام القرآنيّة كالصّلاة والصّيام والميراث، وهذا الكتاب هو المقدّس عند البهائيّة، ولهم كتاب آخر له قيمته الدّينيّة وهو الإيقان والوديان السّبعة، وجاء من بعده وواصل مسيرته عبد البهاء عباس أفنديّ [ت 1921م].

المهم كانت الجلسة في مجملها حول أطروحة الأستاذة، وهنا أخبرتها أنّ رسالة مهديّ عياشي في الماجستير قريبة من أطروحتها، ففرحت كثيرا، خاصة وأنّها على مشارف الانتهاء من الأطروحة ومناقشتها.

كذلك كان الحديث حول الإنسان وقيمه الكبرى، وما يحدث حاليا من تشويه له باسم الأديان ومنها الإسلام، وقلّة المراجعات والقراءات الجديدة، وكنتُ قد كتبت مقالات حول القيم الخلقيّة والإنسان من خلال الرّؤية القرآنيّة، طبعت في دار سؤال بلبنان 2016م، وكان بعض الحديث حول هذا الجانب في الكتاب؛ لأنّي أهديتها الكتاب في عمان!!

كذلك تمّ الحديث حول اليهود، والفرق بينهم وبين الصّهيونيّة، وكيف تمّ تشويه صورتهم كما تشوه داعش والجماعات المتطرفة صورة المسلمين والإسلام اليوم!!

كانت الجلسة سريعة لأنّي على موعد مع سماحة حسن الصّفار لتسجيل حلقة يوتيوبيّة معه، وكذا الذّهاب إلى زاخر مول، لهذا استأذنا على إصرار منهم للبقاء، وهنا أصر أبو حامد أن يحملنا بسيارته إلى النّزل، وبعد إلحاح منه وافقنا، وفي الطّريق كان الحديث حول ترجمته لأحد المصادر المهمة الّتي تتحدث عن البهائيّة، وهو كتاب الدّين البهائيّ لدوغلاس مارتن ووليام هاتشر الصّادر عن دار البديع والنّشر عام 2007م.

تسجيل حلقة مع سماحة الصّفار وزيارة المجمع التّجاري أفنيوز مول

بعد زيارة الباحثة إيميلي جوشن رجعنا إلى النّزل، حيث عندي موعد مع سماحة الشّيخ حسن الصّفار لتسجيل حلقة يوتيوبيّة حواريّة حول تأملات في وحدة وإنسانيّة الصّيام، وكان موعدنا العاشرة والنّصف صباحا، إلا أنّ الموعد تأخر لثلاثة أسباب: الأول أنّ للشّيخ جلسة فكريّة ومراجعات للفكر الدّيني مع الأستاذين خميس العدويّ وأحمد النّوفليّ وإبراهيم الصّلتيّ، والثّانيّ حضور أخوة من مملكة البحرين للتّسليم على سماحته، مقدّمين له بعض الكتب، وأحدهم كان من عائلة العصفور، وله طريقة في طريقة تعليم التّجويد عن طريق القصة، وأحفظ من هذه العائلة الشّيخ محسن آل العصفور رئيس الأوقاف الجعفريّة في مملكة البحرين، وله سلسلة علوم القرآن التّمهيديّة، صدر منها اثني عشر كتيا منها تفسير التّلاوة، وفقه آيات الأحكام، والقراءات القرآنيّة في كتاب العين، والثّالث حضور معالي الدّكتور عبد الهادي الصّالح، وقد أحضر لنا بعض كتبه، وله موعد خاص مع الشّيخ، وبما أنّ موعد خروج الشّيخ من النّزل إلى المطار السّاعة الحادية عشر، لهذا اضطررنا إلى تسجيل حلقة سريعة معه وقصيرة في الوقت نفسه لم تتجاوز الثّلث ساعة.

وأشرنا سابقا أننا سجلنا معه حلقة يوتيوبيّة في منزلي بمسقط بعنوان: تأملات في بعض جوانب التّفكير الدّينيّ، وأخبرني الأستاذ عبد الباري من مكتب الشّيخ في القطيف بالمملكة العربيّة السّعوديّة بأنّهم قاموا بكتابة اللّقاء وسينشر في موقع الشّيخ، وفي كتاب مسارات الّذي يوثق نتاج الشّيخ طول العام.

حلقة تأملات في وحدة وإنسانيّة الصّيام هي الحلقة العشرون من برنامج حوارات حيث سجلت الخميس 10 مايو 2018م، وتمّ بثها يوم الخميس 8 رمضان 1439هـ يوافقه 21 مايو.

وفي البداية تحدث سماحته أنّ من رحمة الله تعالى أن جعل شعائر المسلمين موحدة من صلاة وصيام وحج، وهذا الشّعائر توحد المسلمين؛ لأنّهم يتفقون في فرضيتها، ويتفقون بنسبة كبيرة في تفاصيلها العمليّة، والخلافات في مسائل فرعيّة ومحدودة، فمن المساوئ أن نترك المشترك الكثير، ونركز على المختلف القليل، والعقل يدعو إلى التّركيز حول المشترك، وهو منهج القرآن الكريم: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ} [آل عمران/ 64].

ثمّ تطرق إلى مصطلح الجدل العقيم، فالجدل في أصله حالة إنسانيّة: {وَكَانَ الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا} [الكهف/ 54]، فالإنسان تكوينا يمر بحالتي جدل: حالة جدل داخليّ؛ لأنّه لا يقرر رأيا إلا بعد جدل مع نفسه، مع عقله وشهوته، وحالة جدل خارجي بينه وبين الآخرين، إلا أنّ الجدل يكون أحيانا هادفا، كهدف الاستفادة من الآخرين، أو بهدف إفادتهم لفكرة وصل إليها، وهناك جدل غير هادف كجدل الانتصار للذّات، أو استعراض العضلات.

وبعد هذا دخلنا في موضوع الصّيام وعلاقته بالتّربيّة الإنسانيّة، وذلك لأنّ الصّائم عندما يترك الطّعام والشّراب وهو مباح؛ هذا يربي لديه قوّة الإرادة، حيث يكون هو الحاكم على رغباته وشهواته، فللجسد تكوينا حاجات، إلا أنّ تحقيقها يكون وفق العقل ومراعاة الآخرين، ووفق المصلحة العامّة، وفي الوقت نفسه يتحقق من خلال الصّيام الإحساس بالآخرين الّذين لا يستطيعون تحقيق هذه الحاجيات.

وبما أنّ شهر رمضان حدثت فيه واقعة بدر الكبرى في السّنة الثّانية من الهجرة، لهذا سيكون الحديث من جديد حول مصطلح الغزوة والسّبي والجزية، وهنا سماحته يرى أنّ المشكلة أنا نريد أن نقرأ أحداث الماضي بلغة وعقليّة وثقافة اليوم، فالمجتمعات البشريّة في مسيرة تطور تصاعديّة، فهذه المصطلحات والأحكام وفق بيئة وزمان معين، وللحروب أيضا ثقافات وأعراف يتوافقون عليها حينها بين جميع الأطراف والقبائل، واليوم نعيش عصرا متقدّما فيه منظمات دولية لها قوانينها ومواثيقها حول الحروب، فيجب أن نلتزم بها بصيغتها الإنسانيّة المعاصرة.

وبعد هذا اللّقاء السّريع ودعنا سماحته، وأصرّ أن يكون اللّقاء المقبل في القطيف بالمملكة العربيّة السّعوديّة، وهنا ذهبنا لصلاتي الظّهر والعصر، ثمّ نزلنا للذّهاب إلى مجمع الأفنيوز مول في منطقة الرّي الصّناعي، وهو أكبر مجمع تجاري بالكويت، وكما جاء في الموسوعة العالميّة ويكبيديا أنّه افتتح في أبريل 2007م، افتتحه أمير البلاد صباح الأحمد جابر الصّباح، وهو موزع على سبعة مناطق حسب أشهر العلامات التّجاريّة: فرست أفنيو، سكند أفنيو، غراند أفنيو، برستيج، سوكو، المول والسّوق.

والمول كبير جدا، لا يوجد له مثيل في الخليج من حيث التّنظيم والجمال، يصلح للتّسوق والسّياحة والمشي والرّياضة والتّرفيه، ولمّا دخلنا استوقفنا رجل متقدّم في العمر، ومعه طفل صغير، ورحب بنا ترحيبا كبيرا، وأثنى على أهل عمان، وله ذكريات معهم، ورحب لزيارته، إلا أنّ الأخوة اعتذروا لضيق الوقت.

وهنا اقتصرنا لزيارة الفرست، ثمّ ذهبنا إلى مطعم زوارة، وهو فرع من المطاعم الكويتيّة، مستلهم في بنائه وأكلاته وطاقمه من التّراث الكويتيّ، وهو مطعم رائع مزدحم بالنّاس، خاصة في الممر الخارجي.

زيارة ديوانيّة الأحد

وتسجيل حلقة مع معالي الدّكتور عبد الهادي الصّالح

بعد الانتهاء من زيارة مجمع أفنيوز مول ذهبنا إلى ديوانيّة الأحد، وأضيفت إلى الأحد لأنّ موعدها أسبوعيّا كلّ أحد، وهذه الدّيوانيّة لها اهتمام فكري وبالشّأن العام، وفي الكويت أكثر من مائتي ديوانيّة كما أخبرت، في كافة المجالات والتّخصصات، ولها تيسير قانوني كبير، خاصة إذا عندهم ضيوف من الخارج لا يحتاجون إلى ترخيص كالّذي عندنا، ولها إيجابيات كبيرة في نشر الوعي بشكل عامّ، خاصّة فيما يتعلّق بالدّولة ومؤسساتها المدنيّة والأهليّة، وفي نشر التّنوير في المجتمع، وفي تطور النّقاش بين المتخصصين في كافة المجالات وبين الشّباب، وفي التّلاقي بين أطياف المجتمع، إلا أنّ لها بعض السّلبيات أيضا؛ كالكثرة تؤثر في الحضور كمّا وكيفا، وفي استغلال بعضها استغلالا سلبيّا، إلا أنّ الإيجابات كثيرة جدّا، وبعضها لها نتاج وأثر حتى في الجانب الكتابيّ والإعلاميّ، كما رأينا في ديوانيّة تجمع الميثاق الوطنيّ.

وصلنا إلى منزل الأستاذ محمد البغيليّ في منطقة الرّحاب في السّاعة الخامسة عصرا، وذكرنا سابقا هو ابن أديب وشاعر الكويت المشهور حمود البغيليّ، فقد تعرّفت عليه في عمان لما جاء إلى عمان 22 يناير 2018م للمشاركة في المؤتمر الثّاني للفكر والّذي كان بعنوان الفكر ودوره في بناء الوعي بمنطقة الخليج العربيّ من تنظيم الجمعيّة العمانيّة للكتّاب والأدباء مشاركة مع مهرجان مسقط، حيث قدّم ورقة بعنوان مؤسسات المجتمع المدنيّ ودورها في البناء الفكريّ في الخليج العربيّ، وحضر ندوة التّسامح في ديوانيّة تجمع الميثاق الوطنيّ، وأصرّ على زيارته، فأعطيناه هذا الموعد لضيق الوقت، وكان يرجو أن يكون الأحد لأجل الدّيوانيّة أو يقدّم، ولكن قضي الأمر، وسدل ستار الجدول المعدّ!!!

وفي المجلس حضر شاعر الكويت الكبير حمود البغيلي والد أستاذنا، وأخوه صالح بن حمود البغيليّ، والدّكتور عايض البراك، والدّكتور محمد الشّريكة، والأساتذة سعود الرّاجحي وعادل الرّشيديّ ورشيد الفعم، وبعض الأخوة الآخرين، ولا ننسى الأخ المصريّ القائم بالخدمة، والّذي لا تفارقه ابتسامته!!

وقد حدث نقاش في جوانب متعددة سياسيّة واقتصاديّة واجتماعيّة، وخاصّة ما يتعلّق بالخليج ومستقبله، والجانب الثّقافيّ والفكريّ، ومستقبل الشّورى والبرلمانات في الخليج، مع الإشادة بتجربة الكويت البرلمانيّة والدّيمقراطيّة، وضرورة التّداخل بين المثقفين والمفكرين والاستفادة من بعض خاصّة في الفترة الرّاهنة، وما يمر به العالم العربيّ من تراجع!!!

كان النّقاش شديدا، مع الأخذ والرّد وتبادل الأفكار  والرّؤى، خاصّة مع الدّكتور البراك، وقد غمرونا بكرمهم وعظيم ضيافتهم، حتى جاء وقت صلاة المغرب، فصلّينا جماعة وكانت صلاة مشتركة الإمام سنيّ، ومن خلفه إباضيّة وشيعة وسنة، ثمّ تقدّمت بهم إماما لصلاة العشاء، وغرّد فيها هذا أستاذنا الدّكتور محمد البغيليّ في تويتر إذا يقول: مع نخبة النّخبة العمانيين وأعضاء ملتقى الأحد في ديوانيتنا بالرّحاب حيث الحوارات الفكريّة ثمّ صلاة الجماعة إذ اجتمع فيها السّنيّ والشّيعيّ والإباضيّ!!!، وغرّد عن الجلسة قائلا: تموت المذهبيّة مع العقول النّيرة، والنّية الصّادقة نحو المعرفة والإيمان، الإخوة العمانيون والمواطنون وبجانبي مسيحي فرنسيّ – أي يقصد الأستاذ مهدي عياشيّ – أثرو لقاء اليوم بالرّحاب!!

وبعد صلاة المغرب الأصل نذهب لحضور ديوان البدو وجلسة عن التّوافق المذهبيّ، وهو ديوان توافقيّ بين السّنة والشّيعة، إلا أنّ الأستاذ حمود السّند، وهو ناشط تويتريّ، ومعجب بالأستاذ خميس العدويّ، فلمّا سمع بوجود في عمان جاء إلى النّزل، وأصر أن يزوره العدويّ في بيته، والجدول مزدحم جدّا، ولم يجد العدويّ بدّا إلا الإجابة، فاعتذر لنا أن يذهب هو والأستاذ أحمد النّوفليّ لإجابة الدّعوة، وفي المقابل أيضا أستاذنا إبراهيم الصّلتيّ ارتبط بموعد مع بعض الأخوة الكويتيين في سوق المباركيّة، لهذا رجعت أنا ومهدي عياشيّ ويونس الحبسيّ إلى النّزل لتسجيل حلقة يوتيوبيّة مع الدّكتور عبد الهادي الصّالح.

وأمّا الأستاذان العدويّ والنّوفليّ ذهبا مع السّند إلى منطقة أبو فطيرة، وهي تبعد عن العاصة الكويتيّة ستا وعشرين كيلومترا، ومروا على منطقة القرين لرؤية بيت الشّهداء في غزو صدام حسين للكويت، حيث اجتمع هنا تسعة عشر جنديا، قتل منهم اثني عشر، ونجا سبعة، ونزلوا في ديوانيّة الأستاذ بدر النّجار، وشارك فيها مجموعة من الأساتذة والشّباب منهم عبد الوهاب الخاطريّ، وعبد الله الحميديّ، وعبد الرّحمن فلاح السّبيعيّ، وفصل الشّمريّ، وحميد الفيلكاويّ، وخالد الدّعيج، وعبد العزيز النّصار، كما التحق بهم المفكر الكبير ناصر الدّشتيّ، وكان الحديث حول القضايا الثّقافيّة ومؤسسات المجتمع المدنيّ، وتحدث العدويّ عن تجربة جمعيّة الكتاب والأدباء، بينما تحدّث النّوفليّ عن تجربة شبكة المصنعة الثّقافيّة، فقد تأخرت الجلسة إلى الثّانية عشر ليلا!!

المهم لما وصلنا النّزل أتى بعد فترة بسيطة معالي الدّكتور عبد الهادي الصّالح وزير الدّولة لشؤون مجلس الأمّة 2006م، فقمنا بتسجيل الحلقة في نفس اليوم في النّزل 10 مايو  2018م السّاعة التّاسعة ليلا، وبثت في القناة 24 مايو في برنامج حوارات الحلقة الواحدة والعشرين بعنوان التّعدديّة والحوار في ظلّ المواطنة وانتشار الطّائفيّة.

والدّكتور من مواليد الكويت 1951م، وله ماجستير في المشروعات الكويتيّة من الجامعة الإسلاميّة – لندن، ودكتوراه في الأوقاف الجعفريّة من الجامعة نفسها، وهو عضو في الجمعيّة الاجتماعيّة التّربويّة، والجمعيّة الكويتيّة للاتحاد الوطنيّ، والجمعيّة الكويتيّة لحقوق الإنسان، من كتبه تعال نتفاهم حوار رمزي بين سني وشيعي دعيج وجعفر، وكتاب الأمّة وأهل البيت، وهو مهتم كثيرا بالأوقاف وتنميتها.

ويرى الدّكتور أنّ الطّائفية من أكبر الأمراض في البيت المتعدد مذهبيّا، ومن أكبر أسبابها الجهل بالآخر، فيتولد التّقول على المخالف، والتّعصب في التّعامل معه، لهذا التّعدديّة في الأصل شيء إيجابيّ، وتعميق الحوار  ضرورة وفهم الآخر ضرورة للحفاظ عليها، فنحن بحاجة إلى الحوار والتّسامح والإعذار.

وأمّا عن الدّيمقراطيّة في الكويت فيرى أنّها قديمة حتى قبل الدّستور 1962م، فظهر ذلك لمّا تمّ اختيار الأمير الأول صباح الأول عن طريق المجتمع، بجانب تميز الكويت بالمجالس كمجالس الأوقاف، ومجالس البلديّة، وهي قائمة على التّشاور، ثمّ تطورت حاليا إلى الدّيوانيّة، وهي ملتقيات متنوعة ومفتوحة للجميع، مع وجود بعض التّطرف والتّعصب في بعضها ممّا يؤثر نوعا ما على العلاقات المجتمعيّة، إلا أنّ المنفعة والفوائد أكثر بكثير، خصوصا أنّ الدّستور الكويتيّ يحمي الجميع كما في المادّة 34 الّتي تحمي حريّة الرّأي، والمادّة 35 الّتي تحمي حريّة العبادة وممارسة الشّعائر.

ويرى أنّ في الكويت حقيقة لا توجد أقليات؛ لأنّ الدّستور الكويتيّ يساوي بين الجميع، إلا أنّ المشكلة في التّطبيق عندما ينظر البعض إلى الآخر على أنّهم أقليّة؛ فيحاول مصادرة حقهم، وهنا تكمن الإشكاليّة في نظرة البعض لا في الدّستور!

ثمّ تحدث عن الصّراع بين السّلطتين: التّشريعيّة والتّنفيذيّة، وبيّن هذا شيء طبيعيّ، إلا أنّ المشكلة عندما يكون الصّراح خصوصا في التّشريعيّة لخدمة قضايا شخصيّة وفئويّة، وفي التّلاعب أو مخالفة الدّستور الحامي للجميع.

وأمّا عن موضوع المواطنة والإسلام فيرى لا تناقض؛ لأنّ الوطن فطريّ وطبيعيّ، والإسلام أقرّ ذلك، والرّسول عليّه الصّلاة والسّلام لما هاجر إلى المدينة حنّ إلى وطنه مكة، إلا أنّ المواطنة الحقيقيّة ليست شعارات وأغانيّ؛ بل مبادرات يبادر بها الفرد في خدمة ورقيّ وطنه، مع احترام دستور بلاده، والدّفاع عن دياره، وفي الوقت نفسه يحترم أوطان الآخرين ودساتيرهم، ويسعى إلى تحقيق التّكامل مع الآخر لا الصّراع معه.

وفي قضيّة الوقف يرى أنّ الوقف يساهم بقوّة في الاقتصاد الوطنيّ، خاصّة عندما يفعل بصورة حضاريّة، وفي أوقاف خدميّة وإنشائيّة وتنمويّة، وفق عمل مؤسسيّ، حيث هناك أوقاف للصّحة والتّعليم ورعاية الأيتام والمساجين والسّياحة مثلا، ومن الجميل في القديم كانت أوقاف مثلا للعاملات في المنازل، حيث لمّا تكسر العاملة الصّحون بدون تعمّد منها يعوّض ذلك الوقف.

والوقف في حقيقته يحدث تكاملا بين الدّولة ومؤسسات العمل المجتمعيّ، كما يحقق الشّراكة بينهما في البلد الواحد، خصوصا في الجانب الخدميّ، ثمّ إنّ الوقف يستطيع أن يحقق ما تنتجه الدّولة من النّفط إذا فُعّل، والوقف عموما قديم حتى عند الفراعنة، وليس مرتبطا بدين؛ بل موجود من القدم عند جميع الأديان، وأن تطور في مصطلحه، إلا أنّ الصّورة في الجملة واحدة مع اختلاف الوسائل والغايات.

وبعد هذا اللّقاء اليوتيوبيّ مع معالي الدّكتور كان آخر برامج هذا اليوم لنستعد ليوم جديد نسجل فيه حلقتين يوتيوبيين في الكويت كما سنرى في الحلقة القادمة.

تسجيل حلقتين مع النّوفليّ والبغيليّ

في صباح يوم الجمعة 11مايو، والأصل أنّ هذا الوقت معدّ للتّسوق؛ لأنّ السّفر ظهرا، ولهذا رأيته فرصة مناسبة لتسجيل حلقتين يوتيوبيتن، الأولى مع الأستاذ أحمد النّوفليّ، والثّانية مع الدّكتور محمد البغيليّ الّذي أشرنا إليه سابقا.

وقبل تسجيل حلقة مع الأستاذ النّوفليّ إذا برجل من القطيف اسمه أحمد حسن مكي يأتي للسّلام علينا بحرارة، وأثنى على عمان وأهلها، ثمّ أعطانا رقم هاتفه لزيارته في القطيف، قلت له ربما نأتي قريبا؛ لأنّ سماحة حسن الصّفار طلب منا ذلك أكثر من مرة، فوعدناه أنّ الزّيارة قريبة بإذن الله تعالى.

بدأتُ تسجيل الحلقة اليوتيوبيّة مع الأستاذ أحمد النّوفليّ السّاعة التّاسعة صباحا في نفس النّزل، وكانت بعنوان: مراجعات في جوانب من التّراث، وبثت في رمضان في برنامج حوارات الحلقة 22، وإذ نحن نبدأ التّسجيل إذا برجل كويتيّ يظهر أنّه في الخمسينيات من عمره يتقرب إلينا، وجلس حتى نهاية اللّقاء، وأعجبه الحديث، وأثنى كثيرا، ثمّ قال: لماذا شيوخنا لا يقولون مثل هذا؟!!!

في البداية تحدّث عن التّراث، وقال لا توجد أمّة لا يوجد فيها تراث، سواء كان ماديّا أو معنويّا أو شفهيّا، والتّراث من اسمه قديم، والسّنة الطّبيعيّة أنّ القديم يبلى، فإذا كان التّراث ماديّا كانت التّعريّة والظّروف المناخيّة تؤدي به إلى التّآكل، وإذا كان معنويّا أو شفويّا فإن تقدّم العمران والحضارة، وتطور العقول والأفكار سوف تؤثر فيه، فهناك من يمجد التّراث تمجيدا لا نظير له؛ فهذا كأنّه يعيش في التّراث والماضي، فهذا لا يعيش واقعه، ومن الصّعب أن يتقدّم، وهناك فريق معاكس يرى لابدّ من القطيعة مع التّراث، إلا أنّ هذه الرّؤية ليست سليمة، بسبب أنّ التّراث ليس كلّه سيئا، فجزء منه مفيد، فلماذا لا نأخذ بالمفيد منه، بما لا يتعارض والواقع، وعليه التّراث لا يقبل كلّه، ولا يترك أيضا كلّه، فهنا نحن نتعامل معه وفق الغربلة والنّقد والتّحليل، ثمّ إنّ التّراث في النّهاية إنتاج بشريّ، وبما أنّ البشر يصيبون ويخطئون؛ فعليه التّراث أيضا يكون فيه الصّواب والخطأ.

ثمّ تطرق إلى قضيّة السّنة، وبين أنّ الخلل ليس في السّنة، ولكن في الخلط بين السّنة والرّواية، فالقرآن خطاب إلهيّ، ثمّ تأتي السّنة، ثمّ الرّواية، فلا جدال في القرآن في صحة نسبته إلى الله سبحانه وتعالى، وأمّا السّنة فهي التّطبيق العمليّ للكتاب من قبل النّبيّ عليه الصّلاة والسّلام، فهذه تناقلها المسلمون إباضيّة وسنّة وشيعة بلا خلاف بينهم، كصلاة الظّهر أربع ركعات مثلا، وأمّا الرّواية فهي مدونات نسبت إلى النّبيّ – صلّى الله عليه وسلّم -، فهذه النّسبة قد تكون صحيحة، وقد تكون غير صحيحة، فهنا تعرض على القرآن والسّنة والعقل وسنن الحياة، فإن وافقت القرآن مثلا قال النّبيّ أم غيره فهي رواية مقبولة، وكذا إن وافقت السّنة والعقل وسنن الكون، فالرّواية جملة كتبت بعد وفاة النّبيّ بأكثر من قرن، فهي لم تدوّن في عهد النّبيّ، كما توجد روايات النّهيّ عن الكتابة نفسها، فلهذا قد يقول سائل: كيف تقبلون روايات النّهي عن الكتابة، فهنا يأتي المقياس القرآنيّ، وهذا أنّ روايات النّهي تتوافق مع كليات القرآن الكريم، وذلك أنّ النّبيّ أمر تبليغ القرآن وعدم الزّيادة، وعليه النّهي عن كتابة الرّواية تتوافق وهذا الخطّ.

ثمّ تحدث عن كتابه أقانيم اللامعقول والّذي في ثلاث حلقات حيث تحدّث فيه عن قضيّة الأسطورة والخرافة والملائكة والجنّ والأحلام والتّقليد، فالبعض يقول لماذا تشتغلون بهذا ولا تتجاوزونها، وفي الحقيقة نحن نطرحها لأنّ هنا إشكاليّة في التّفكير الإسلاميّ حول هذه الجوانب، كقوله أنا رأيت الملائكة، أو نزلت علي، فيحاول تجسيدها في الحياة، وكذا الحال مثلا في عذاب القبر، فالقرآن لم ينص عليه، بيد أنّ هناك من يخطب ويهدد بها النّاس وهي روايات ظنيّة، فنعيش في خوف لا وجود له في الحقيقة.

ثمّ تطرق إلى أنّ القرآن الكريم لمّا تحدّث عن حياة النّاس أطلق لفظة التّعاون والتّعارف والعفو والإحسان والمعروف، فهذه المصطلحات واسعة، وتشير إلى حياة إنسانيّة متفاعلة، فالتّعاون مثلا يكون بين النّاس جميعا، وليس محصورا في قبيلة أو جنس، وكذا العفو أيضا، وهذا خلاف التّسامح، فكأنّ الشّخص الآخر مخطئ وأنّا الصّحيح، فألفاظ القرآن الكريم تتسع للعديد من المعاني، ولكلّ زمان لغته، ومع هذا لا نرفض لفظة التّسامح مثلا عندما نستخدمها بمعنى التّعارف والتّعاون، وأمّا بمفهوم أنّي على حق والآخر على خطأ، فلابدّ من التّنازل، فهنا يصطدّم مع الفكر الإنسانيّ بتقليل الآخر.

وأمّا فكرة كتاب أثر الفقه العمانيّ على السّلوك المجتمعيّ: التّسامح نموذجا، فقال فكرة الكتاب الأصل للصّحفيّ الأردنيّ الأستاذ نبال خماش، وإنّما تعاونت معه، وذلك لمّا أتى إلى عمان كصحفيّ أعجب بالتّسامح والتّعايش العمانيّ، فأراد أن يبحث، ولذلك قام بقراءة بعض الكتب كبيان الشّرع والمصنف، فهو وجد أنّ للفقه العمانيّ أثر كبير في هذا، فخصصنا البحث من القرن الثّاني إلى السّادس الهجريّ.

وبالنّسبة لكتابي أقانيم اللامعقول فمعنى الأقانيم أي الأصول والنّواة والجوهر، واللامعقول ليس بمعنى الجنون، وفي الفكر الإنسانيّ منطقتان: العاقل والمجنون، وعليه توجد منطقة أخرى بين المنطقتين وهي اللامعقول، فالخرافة مثلا نسبيّة، فما تراه خرافة قد لا يراه الآخر خرافة، وكذا الأسطورة أيضا، فأراه أنا ليس معقولا، وهذا لا يعني الّذي يراه ويثبته أنّه مجنون، والعنوان ليس جديد فاستخدمه على يحيى معمر [ت 1980م] في كتابه الأقانيم الثّلاثة أي المرأة والحاكم والطّفل، والكتاب من ثلاث حلقات، الحلقة الأولى عن التّقليد ورؤيتي شخصيّا رفض التّقليد مطلقا، كان لفقيه أو رجل دين، والأسطورة، حيث تحدّثت عن بعض أساطير المسلمين في موروثاتهم، كالأسطورة في الحديث والفقه والتّفسير وكتب التّأريخ، فمثلا لفظة حواء لم ينصّ القرآن على هذا الاسم، فهو مستنبط من التّفسير والإسرائيليات، وتحدثت فيه عن الخرافة، فتحدّثت حولها عن الجنّ والسّحر والكرامات.

وفي الحلقة الثّانية تناولت قراءة تحليليّة لروايات الوحي والملائكة، فمثلا الوحي واحد وهو القرآن، فلا يوجد وحي قرآنيّ ووحي نبويّ، وقضيّة نزول الملائكة في ليلة القدر وتكرر الحادثة إلى اليوم.

وفي الحلقة الثّالثة تحدّثت عن الأحلام والرّؤى – علما أنّ للجنة الفكر حلقة مع النّوفلي حول هذا الجانب، قدّم القراءة الوصفيّة المحامي أحمد بن هلال العبريّ موجودة في القناة اليوتيوبيّة-.

وبعد الانتهاء من تسجيل الحلقة مع الأستاذ النّوفليّ حضر الأستاذ محمد البغيليّ ومعه الشّاعر القطريّ عايض الحبابيّ، وسجلّت مع البغيليّ حلقة في العاشرة والنّصف صباحا بعنوان تاريخيّة الشّورى وعلاقتها بالدّيمقراطيّة، وبثت في برنامج حوارات الحلقة (23)، حيث تحدّث بداية عن الشّورى والدّيمقراطيّة، فالدّيمقراطيّة في أصلها حكم الشّعب، بحيث يحكم شؤونه عن طريقة الانتخاب، بيد أنّ الشّورى لا تنص على قضيّة الانتخاب، كذلك ليس للشّورى واقع تأريخيّ مثل للدّيمقراطيّة، ولا يوجد تطبيق تأريخي للشّورى أيضا، بل على العكس في قريش توجد أحلاف تقوم على الشّورة نصرة للمظلوم، وطبّقت بصورة محدودة أثناء احتضار الخليفة الثّاني عمر بن الخطاب [ت 23هـ] عندما جعل الشّورى في ستة من بعده، ومع هذا كان هذا أقرب إلى التّعيين.

وأرى أنّ الحق في الخلافة للأنصار، لا للهاشميين ولا للقرشيين، فإذا كانت للأسبقيّة فيكون بعد أبي بكر الصّديق [ت 13هـ] أبو ذر الغفاريّ [ت 32هـ] أو عليّ بن أبي طالب [ت 40هـ] وليس عمر بن الخطاب، وإن كان للعشيرة لفاز بها علي بن أبي طالب أو العباس بن عبد المطلب [ت 56هـ]، وسياسيّا وقف خطيب الأنصار الخباب بن المنذر [توفي في عهد عمر 13 – 23هـ] وقال: الأمر أمركم، والنّاس في فيئكم، والنّاس كلّهم في المدينة، فما حدث في سقيفة بني ساعدة ليس من الشّورى؛ بل هي فوضى عشائريّة.

أمّا روايات الأئمة من قريش، أو الوصيّة لعليّ بن أبي طالب بالإمامة هي روايات سياسيّة، فالنّبيّ جاء مبشرّا ونذيرا وليس حاكما، فإذا جئنا إلى رواية الأئمة من قريش سنجد بعد ابن تيميّة [ت 726هـ] والغزو المغوليّ ليس الأئمة من قريش، والتزم النّاس بالسّلاطين العثمانيين، ولو كان فيه نص ديني لظلّ باقيا إلى اليوم.

وبالنّسبة للتّراث نقدا أو رفضا أو توافقيّا فلمحمد عابد الجابريّ [ت 2010م] ومحمد شحرور [معاصر] ونصر أبو زيد [ت 2010م] وغيرهم مشاريع حقيقيّة لنقد التّراث، سواء كانت نقدا لاذعا، أو توفيقيّا على خجل، بيد أنّ هذه المشاريع لو كانت على مقاصد واضحة لكانت تدرس في المدارس، ولكان هؤلاء الرّجال عظماء، إلا أنّهم في الحقيقة محاربون وكتبهم ممنوعة، ففولتير [ت 1778م] وجان جاك روسو [ت 1778م] وغيرهم لم يكونوا ملائكة؛ بل كانوا بشرا مثلنا يصيبون ويخطئون، إلا أنّ أفكارهم غيّرت في المجتمع وحرّكت، ومثل هؤلاء في تأريخنا ابن تيميّة والعز بن عبد السّلام [ت 1181هـ] فكانوا مؤثرين، توافقنا معهم أو اختلفنا، وعليه حتى تؤثر هذه المشاريع لابدّ أن تكون على مقاصد واضحة، وعلى خارطة عمل أو طريق واضح أيضا.

أمّا عن كتابه الدّيمقراطيّة في الكويت فتحدّث أنّ للكويت تجربة متقدّمة في المنطقة، فرئيس الوزراء والدّاخليّة مثلا يقفان على المنصة، في حين أنّ في دول أخرى عربيّة يكاد لا يستطيع أحد أن يحدّثهم، ومع هذا يجب تطوير النّظام الدّيمقراطيّ في الكويت وإلا سقطت، فقلت في الكتاب أنّ الفوضى السّياسيّة مثلا مقبلة لسبب بعض المظاهر المخيفة، وفعلا حدثت الفوضى في 2011م، وخلع رئيس الوزراء، ولهذا لابدّ من تعديل الدّستور، وقد كتب في 1962م في نظام ديمقراطيّ متقدّم في ذلك الوقت، بيد أننا اليوم في الألفيّة الثّالثة في عالم متغير، فدخلت مثلا المرأة كناخبة ووزيرة، ولهذا لابدّ من تعديل الدّستور.

ثمّ تحدّث عن حبّ الانتماء وقال إنّه حالة طبيعيّة، فأوباما نجح بالمولونين كالسّود والصّينيين واللّاتينيين والعرب، وفي إسرائيل يتحدّثون عن اليهود الشّرقيين بنوع من الاحتقار أو الازدراء، وفي إيران مع أنّه بلد انتخابيّ إلا أنّه مقيّد بطبقة من العلماء، وكذا لبنان مع كونه بلدا ديمقراطيّا إلا أنّ الطّائفيّة منتشرة فيه، فالانتماء لا يمكن إلغاؤه، إلا أنّ المشكلة إذا قيّد هذا الانتماء لمصالح شخصيّة أو فئويّة أو آنيّة ضيقة جدّا.

ولمّا نتحدّث عن تطوير الدّستور لا يعني ذلك الحدّ من الحريات؛ بل إضافة العديد من الحريّات، فمثلا قانون الوحدة الوطنيّة ضبطت العمليّة بحيث لم يستطع أحد أن يشتم الآخر علنا حتى على مستوى وسائل التّواصل الاجتماعيّ.

وحول كتابه المعارضة السّياسيّة في الإسلام قال إنّ المعارضة في الإسلام لم تبدأ أصلا، وإنّما أحاول نقد التّجربة السّياسيّة الإسلاميّة من باب المعارضة، فلست علمانيّا أنفي وألغي بدون علم، ولست عدّوا للإسلام، وإنّما أنا باحث وناقد، فإذا أتينا من عهد أبي بكر الصّديق وحتى آخر خليفة أمويّ مروان بن محمّد [ت 132هـ]، لا يوجد خليفة اختير أو عيّن بنفس آلية من سبقه، بحيث لا توجد معارضة تأريخيّة أصلا تسمح بمعارضة السّلطة.

لهذا ظهر مفهوم الغلبة، فهنا الباغيّ إذا تغلّب صار حاكما شرعيّا، وهنا يقول ابن عمر [ت 73هـ]: أصلي خلف من غلب.

وأمّا حروب الرّدة فكان يوجد خلاف بين سجاح [ت في عهد معاوية بن أبي سفيان 41 – 60هـ] وطليحة [ت 21هـ] ومسيلمة [ت 12هـ] فهؤلاء كانوا يريدون الاستمرار على طريقة بني إسرائيل في استمرار النّبوة، وأمّا مالك بن نويرة [ت في واقعة اليمامة 11هـ] وبعض القبائل رفضوا تقديم الصّدقة لأبي بكر، وما منعت في الإسلام شيء، لهذا رأى عمر ابن الخطاب أنّ دمهم حرام، إلا أنّها كانت مسلحة كالقرامطة والخوارج، فهذه معارضة دينيّة مسلّحة، فهي قامت على أساس دينيّ وفق نصوص معينة، وكانت هناك معارضة حزبّية داخليّة في نطاق ضيّق كمعارضة أبي ذر وعمر بن الخطاب وعبد الرّحمن بن عوف [ت 32هـ]، والمعارضة النّاعمة أو الفكريّة كمعارضة الجعد بن درهم [ت 105هـ] والجهم بن صفوان [ت 128هـ] وأحمد بن حنبل [ت 241هـ] وابن رشد [ت 595هـ] فمنهم من قتل ومنهم من سجن ومنهم من نفي.

ومع هذه الأنواع من المعارضة ليست هي المعارضة بالمفهوم الدّيمقراطيّ الحاليّ، فهذه معارضة مؤسسيّة مدنيّة حزبيّة واضحة ونقابات وفق تجربة لفترة معينة.

وأحيانا نحن باجة أن ننقد الرّواية التّأريخيّة من منهج أهل الحديث، فالقعقاع بن عمرو [ت ؟] مثلا لا يوجد له رواية إلا من طريق سيف بن عمر التّميميّ [ت ؟]، فهذا فهيه شبهة، وكذا الحال لابدّ من المنهج العلميّ واللّغوي، فالتّوراة مثلا الآن من خلال اللّغويات أنّها من الحجاز أو اليمن كما عند فاضل الرّبيعيّ [معاصر].

أمّا الإسلام السّياسيّ لا وجود له كنظريّة وإنّما كممارسة، ومع هذا أي تيار يحمل في طياته العنف والإقصاء فهو مخيف كان إسلاميّا أو علمانيّا.

والمعارضة عموما إذا كانت وطنيّة لا تحرّك من أصابع خارجيّة أو تبنى على أسس طائفيّة فهي ظاهرة صحيّة، ولابدّ أن تكون ذات معالم واضحة ومكشوفة للجميع.

والملكيات منذ القدم تفتح أبوابها للنّقد والاعتراض، حتى في الخليج؛ شريطة عدم القرب من السّلطة، أو أن تكون النّوايا صادقة للإصلاح، وفي وقته، فخوفهم من دخول بيانات سريّة وتنظيمات مخيفة، ودخول أسلحة باسم المعارضة أو الإصلاح فهذا طبيعيّ يخيفهم.

وبهذا وصنا إلى نهاية الحلقة وبثت في رمضان في القناة، وبعد هذه الحلقة كان الاستعداد لصلاتي الظّهر والعصر ثمّ الذّهاب إلى المطار والرّجوع إلى الوطن، كما سنراه في الحلقة القادمة والأخيرة.

الرّجوع إلى الوطن

بعدما أنهيتُ تسجيل الحلقة مع الدّكتور محمد البغيليّ أسرعنا للاستعداد للسّفر، وكان الأصل الأستاذ مهدي عياشي رحلته الثّانية عشر ظهرا بتوقيت الكويت، ورحلتنا الثّانية ظهرا، فاتصل بالعمانيّة، ووافقوا على جعل رحلته معنا، ولم يأخذوا عليه شيئا والحمد لله تعالى.

ذهبنا لصلاتي الظّهر والعصر في النّزل، ثمّ انطلقنا إلى مطار الكويت، وكان مزدحما جدّا، بسبب الصّيانة في بعض مرافقه، ولأنّهم يبنون مطارا جديدا سبق الحديث عنه، وهنا تأخرنا لأنّ الأستاذ مهدي عياشيّ نسي إحضار ورقة تأشيرة الدّخول في النّزل، والموظفة الفلبينيّة في المنضدة رفضت إتمام الأمر، وهنا تدخل الأستاذ أبو عمار، وكلّم أحد المختصين، وتمّ الأمر بسلام، وفي هذا الانتظار التقينا ببعض الأخوة العمانيين، ومنهم الأستاذ محمد المكتوميّ من بيت الزّبير.

بقي وقت للتّسوق، وأنا شخصيّا لم اتسوق بسبب زحمة العمل والتّسجيلات، فلم أجد وقتا، ثمّ ذهبنا إلى القاعة رقم (9) وانتظرنا كثيرا، ولمّا دخلنا كان مهدي مع الأستاذ خميس العدويّ ومعهم الأستاذ أحمد النّوفليّ، فطلب العدويّ من مهدي أن يكون معهم في بوابات مجلس التّعاون، والأصل أنّه يكون في البوابات الأخرى، وطلب منه ذلك العدويّ حتى لا يتأخر ويسهل إجراءاته، إلا أنّ مهدي وقع في ذات المشكلة وهو عدم وجود ورقة تأشيرة الدّخول، وهنا تدخلا لمساعدته، فذهبا إلى مكتب في الخلف، وقاموا بالبحث في الجهاز ووجدوا مهدي فعلا أخذ تأشيرة دخول، وهنا شكر مهدي الأخوة أنّهم طلبوا منه تأجيل السّفر وإلا ربما وقع في مساءلات بسبب نسيان ورقة!!

بعد الانتظار قيل لنا الطّائر تأخرت فاذهبوا إلى القاعة رقم (5)، وانتظرنا لوقت أطول، والمكان ضيق، والعدد بالنّاس مزدحم، فمنا من وجد مكانا يجلس فيه، ومنا من مارس رياضة المشي، ومن ظلّ واقفا، لهذا تأخرنا إلى العصر، وأقلعت الطّائرة، ووصلنا مسقط ليلا، وفي مسقط كانت الإجراءات سريعة إلا أنّ الحقائب تأخرت كثيرا، والحمد لله هذه المرة كانت حقيبتي من أوائل الحقائب وصولا!!!

ودعنا الجميع، وكان هذا مجمل هذه الرّحلة، وإن كان ثمّة حديث يقال في الختام، هو شكرنا للشّعب الكويتيّ الّذي يتميز بصفتين: الكرم والثّقافة، فالحريّة والدّيوانيات ساهمت بشكل كبير في النّمو الثّقافي والتّنويريّ عموما في الكويت، فتجد غالب من يشارك ويحلل وينقد من فئة الشّباب، كما تجد الخلطة بين كبار المسؤولين وباقي شرائح المجتمع بشكل طبيعيّ جدا، خصوصا في المناشط الثّقافيّة.

إنّ الكويت بوابة الخليج في التّنوير والعطاء الفكريّ والثّقافي والفنيّ، ولئن رأت النّور مجلات دبي الثّقافيّة ونزوى والدّوحة مؤخرا فإن مجلّة العربيّ كانت الإشعاع الثّقافي من 1958م، فضلا عن الإذاعة والتّلفاز والعطاء الفنيّ.

ثمّ إننا في الخليج ثقافيّا بحاجة إلى خلطة بعيدا عن السّياسة وصراعها، والمذاهب وتعصبها، فيعيش المثقف والقارئ والكاتب والباحث والفنان في أجواء الإنسان وعقله وقلبه، خاصّة ونحن في الخليج خصوصا أسرة واحدة، قبل أن  نكون في ست دول، وعندما يهتم المثقف بالإنسان وتآلفه وترابطه وحرياته؛ بلا شك سيسقط أثر هذا على الجميع، وسيؤثر على نمو الإنسان نموا متكاملا يخدم بعضه بعضا، وما أثر ذلك ببعيد إذا ما أخلصت النّية، وكان الإنسان هو الغاية لا المصالح الفئويّة!!


[1] الرّحلة الكويتيّة: تدوين لرحلتي إلى الكويت، من الثّلاثاء 8 مايو وحتى الجمعة 11 مايو 2018م.

[2] أدرجت في هذه الحلقة من سلسلة هذا الكتاب.

السابق
الرّحلة القميّة
التالي
مذكرات حج 1435هـ
– تنويه:

عدد من الصور المستخدمة للمقالات مأخوذة من محرك google

اترك تعليقاً