حلقات الصّيام في الأديان على إذاعة مسقط أف أم
9 رمضان 1445هـ/ 20 مارس 2024م
“اليهوديّة كمصطلح ظهر في عهد الدّولة الفارسيّة، ولم يكن المصطلح معروفا في عهد النّبي موسى – عليه السّلام -، فظهر بعد ألف عام من وفاته، فمملكة إسرائيل انقسمت إلى المملكة الشّماليّة واسمها مملكة إسرائيل أو السّامرة وعاصمتها شكيم [نابلس حاليا]، واحتلّها الآشوريون بعد مائتين سنة من سقوط المملكة الجنوبيّة، والمملكة الجنوبيّة واسمها يهوذا وعاصمتها أورشليم، واحتلّها البابليون، وتمّ سبيهم إلى بابل، وفي عهد الدّولة الفارسيّة في عهد كورش الكبير [ت 529 ق م] أرجعهم إلى بلدهم، وهنا ظهر مصطلح اليهوديّة، وهي ظهرت من جنس بني إسرائيل، أي من أبناء يعقوب، ولكن لا يعني أنّ جميع اليهود من بني إسرائيل، فالعديد دخل في اليهوديّة من الأجناس الأخرى، ومع أنّ اليهود لا يبلّغون دينهم؛ لكنّهم لا يرفضون من أراد اعتناق اليهوديّة كدين له”[1].
“وبعد دمار الهيكل [586 ق م] انقسم اليهود إلى الصّدوقيين والفريسين والآسينيين، بيد أنّ الصّدوقيين والآسينيين انقرضوا، وما بقي اليوم فمن الفريسيين، وفي القرن الثّامن الميلادي ظهرت فرقتان كبيرتان في اليهوديّة: فرقة القرّائين، وفرقة الرّبانيين، وكلا الفرقتين من الفريسيين، وفرقة القرّائين كانت كبيرة لكنّها اندثرت شيئا فشيئا حتّى لم يتبق منها اليوم إلّا القليل، وأمّا الرّبانيون فيسمون اليوم باليهود الأرثدوكس، أو باليهود الكلاسيكيين، وكذلك يسمّون باليهود الحاخامانيين، وظهرت من الرّبانيين فرقة الحاسيديم في القرن السّابع عشر الميلاديّ، وهي فرقة عرفانيّة تميل أكثر إلى الاستمتاع بهذه الحياة بالغناء والرّقص، ويستخدمون ذلك في ذكر الله [مثل الصّوفيّة معنا تقريبا]، وهؤلاء بسبب رهبنتهم، والتصاقهم بالشّخوص انقسموا إلى طرق وأقسام مختلفة”[2].
“وفي القرن الثّامن عشر وأوائل القرن التّاسع عشر ظهرت فرقة اليهود العقلانيين، ويسمون باليهود الحداثيين أيضا، وهؤلاء يرفضون الأخذ بحرفيّة النّصوص المقدّسة والآثار؛ لأنّه في الأصل كتبها بشر، وهؤلاء أحدثوا تغييرا فيها، ولهذا قابلتهم فرقة وسط، فقالوا لا نرفض التّوراة، ولكن تقرأ في ظرفيّتها الزّمكانيّة، فلم يبتعدوا كالعقلانيين اليهود، ولم يتشددوا كالحاخامانيين، ولكن وقفوا موقفا وسطا، وهؤلاء هم اليهود الإصلاحيون،، وكانت ردّة فعل الحاخامانيين شديدة بسبب هذين المذهبين، ممّا أدّى إلى ظهور مذهب رابع، وهم اليهود العلمانيون ، وهؤلاء فصلوا علاقتهم بالتّوراة وغيرها، وإنّما هم يهود كاسم لا أكثر، لأنّ الزّمان اختلف، والتّوراة في نظرهم قد تتناسب مع العهد البرونزي أو النّحاسي، لكنّها لا تتناسب مع العصر الحديث”[3].
واليهود الأرثذوكس يؤمنون بالتّوراة المتضمنة للأسفار الخمسة وبالتّناخ، كما يؤمنون بالتّلمود، “والتّلمود يشبه ما عند المسلمين أي الحديث، ففي اليهوديّة أقوال وأعمال قام بها النّبي موسى، وهي غير موجودة في التّوراة، وقام اليهود بعد فترة طويلة من وفاة موسى بالاهتمام بها، فكانت المشناه وهي الرّواية الشّفويّة توضع في الأعلى، وفي الأسفل يضعون الشّروحات والخلافات بين الفقهاء اليهود وهي الجمارا، والاثنان يطلق عليهما التّلمود”[4] [أي كتاب الدّراسة].
والشّريعة اليهوديّة في الجملة قريبة من السّامريّة، وتقترب منهما أيضا شريعة المسلمين، وأمّا الصّيام فعندهم كالسّامريين صوم الغفران، ويوافق اليوم العاشر من تشرين، وأصبح اليوم صياما وعيدا معا، ويكون من الغروب إلى غروب يوم التّالي، “وهذا اليوم يجمع بين روعة العيد بجانب الامتنان لقبول الغفران جنبا إلى جنب، مع الالتزام الكامل بحدود الصّيام، والبعد عن المحرّمات”[5].
كما يختصّ اليهود خصوصا الفريسيين أو الرّبانيين بأعياد قوميّة كصوم اليوم التّاسع من آب أي ذكرى هدم الهيكل[6]، كما يستحبون صوم الاثنين والخميس حيث ترفع فيهما الأعمال، وارتبط الصّوم عندهم بمسح الرّأس بالزّيت، والبكاء والنّواح، وعدم غسل الأيدي، ونثر الرّماد على الرّؤوس ونحوها.[7]
وجاء في سفر الخروج أنّ موسى صام أربعين يوما وليلة عندما اختلى بربه، لم يأكل خبزا، ولم يشرب ماء، إلّا أنّهم لا يصومونه لاستحالته، حيث لم يفطر فيها[8].
[1] العبريّ: بدر، التّعارف تعريف بالذّات ومعرفة للآخر؛ سابق، ص: 232. من خلال اللّقاء مع الحاخام رابي دايفيد جريبر. (بتصرّف).
[2] نفسه، ص: 233 – 234. بتصرّف.
[3] نفسه، ص: 234. بتصرّف.
[4] نفسه، ص: 236.
[5] كتاب الأعياد في اليهوديّة.
[6]إبراهيم: مختار حضر حسن، مقالة الصّيام في الأديان؛ سابق، ص: 311.
[7] نفسه، ص: 314.
[8] نفسه، ص: 315.