الأعاصير والفيضانات وقوّة الرّياح والحرارة والرّطوبة وتأثيرها في سنن الكون من آيات الله تعالى في الوجود، تماما كالزّلازل والبراكين والجفاف والتّصحر ونحوها، فهي من الآيات الكشفيّة الّتي أمر الإنسان بالبحث في أسبابها، وكشف وجودها، والوقاية من أضرارها.
وعُمان ذات السّاحل الطويل حيث تحتل السّاحل الجنوبيّ الشّرقيّ من المحيط الهنديّ وبحر العرب، فهي ثالث ثلاثة مع السّاحل الغربيّ لشبه القارة الهنديّة، وخليج عدن (القرن الأفريقيّ)، لهذا عمان تدخل في الدّول الثّمان في المحيط الهنديّ مع [بنجلاديش والهند والمالديف وباكستان وسيرلانكا وتايلند وماينمار]، والّتي لها حق إطلاق الأسماء على هذه الأعاصير.
ويرى الباحث في علم التّنبؤات حامد البراشديّ في صفحته على تويتر أنّ عمان تعرضت من عام 1891م وحتى 2010م لثلاثة عشر حالة عاصفة وإعصار، وأنّه كلّ ثلاث سنوات حالة مداريّة واحدة يمكن أن تعبر السّواحل العمانيّة خمسون بالمائة منها يوصف بالعاصفة المداريّة أو الإعصار!!
ومن المعلوم أنّه في السّنوات العشر الأخيرة مرّ على عمان إعصار جونو في 2007م، وإعصار فيت في 2010م، وحاليا ميكونو.
ويرى الباحث السّعوديّ عبد الله المسند أنّ تسمية ميكونو جاء مقترحا من المالديف، وهو نوع من السّمك!!
الّذي يهمنا في هذا اللّقاء ما يتعلّق بالجوانب الإيجابيّة من هذا الإعصار، وأولها أننا والحمد لله تعالى وصلنا إلى درجة مرضيّة من الاهتمام العلميّ فيما يتعلّق بالإرصاد والتّنبؤات والطّقس، بجانب الفلك والنّجوم والرّياح وما يتعلّق به، مع تعاون الجهات الأمنيّة والشّرطيّة من جهة والإعلاميّة من جهة ثانية في درجة كبيرة من الشّفافيّة والوعي، هذا بدوره أعطى تشجيعا للدّراسات والتّنبؤات العلميّة والإرصاد من جهة، ومن جهة أخرى قلل من درجة الإشاعة بصورة كبيرة جدّا، وهذا درس عميق لا يقتصر عند هذا الإعصار، ويتلخص كلّما أعطينا الدّراسات العلميّة والاستراتيجيّة حقها، مع الشّفافيّة في الإعلام؛ كلّما قلّت الإشاعات وانخفضت، ولا ينبغي أن يقتصر هذا التّلاحم في الشّدة؛ بل أن يكون صيرورة حياة، وأن نخرج من الآراء والتّناقضات الفرديّة إلى العمل البحثيّ والمؤسسيّ الجمعيّ.
من جهة ثانية كسبت الجهات الإعلاميّة والأمنيّة ثقة النّاس بعد إعصاري جونو وفيت، وأصبح النّاس أكثر وعيا وتقيّدا بالأنظمة ومتابعة التّحذيرات أولا بأول، ممّا ولد ملحمة جميلة من التّعاون بين الجهات الأمنيّة والرّسميّة من جهة، ومؤسسات العمل المدنيّ من جهة ثانية، وكأنّ الجميع فريق واحد، يجمعهم قلب وطن واحد.
كذلك نزول الإعلام بشكل مباشر لتغطية الحالة المداريّة بكلّ شفافيّة، وبشكل مباشر، مع إعطاء المختصين دورهم في الحديث والظّهور، هذا يعطي رسالة واضحة لقيمة الإنسان العمانيّ، وقيمة أي نفس ولو كانت حيوانات، أو جماد كممتلكات، وهنا يتجسّد قوله تعالى: {وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ}.
هذه الملحمة العمانيّة الرّائعة شارك حولها الجميع في وسائل التّواصل، وفي صلواتهم ومساجدهم، صغارا وكبارا، فكأنّه الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالحمى والسّهر!!
ومن الملحظ أنّه كما قلّت درجات الإشاعة لما أسلفنا سببه؛ أيضا قلّت درجات التّفكه والشّماتة والتّشفيّ؛ لأنّ الجسد الواحد المتحد يصعب اختراقه، ولأنّ هذه الظّاهرة وغيرها من آيات الله في الوجود، المذكرة بعظمة الله تعالى؛ فليس من أدبيات المؤمن التّفكه بها؛ ولأنّه ثالثا مرتبطة بالإنسان، والإنسان أيّا كان نفس واحدة، لا يشمت به في الرّخاء فضلا عن الشّدة، ومع وجود القليل من المنشورات إلا أنّها كالزّبد الّذي لا قيمة له، ولا يلتفت إليه!!
ومن جهة أخرى رأينا القليل من يتحدث أنّه عذاب من الله، وكأنّهم نزل عليهم الوحي ليحكموا على العباد، فاللّه لمّا تحدّث عن بعض الأمم السّابقة وما أصابهم، أخبر بذاته قطعا في كتابه، أمّا هذه فظواهر طبيعيّة سننيّة في الكون، وهي من الآيات الّتي أمرنا ببحثها وكشفها لنتعامل معها كما تعامل الأولون مع الطّبيعة وسننها حسب درجات المعرفة عندهم، ولم يجعلنا الله أوصياء لنحكم على خلق الله تعالى، فهي تذكرنا به، وتذكرنا بالدّار الآخرة أيضا!!
والسّؤال المهم هنا: ماذا بعد الإعصار؟
من المؤكد أنّ الإعصار يولّد عاصفة مداريّة ينتج عنه فيضانات، وهذا بلا شك يختلف حسب درجته، وإعصار ميكونو تفاوت في درجته من الأولى وقريب من الثّالثة، أي من الإعصار المتوسط والعالي، وقريب من القويّ، فهذا وإن كان درجاته ليست عالية جدا؛ إلا أنّه سيولّد خسائر في البنية التّحتيّة والممتلكات، وهذا بلا شك يحتاج إلى تعاون وتكاتف الجميع من خلال مؤسسات العمل المدنيّ والأهليّ والجهات الرّسميّة، وهنا ينبغي على هذه الجهات تحديد ذلك حسب الأولويّة، فالنّاس قلوبها متعلّقة بالخير، ونحن في شهر الخير، وحتى لا يتكرر ما حدث في جونو مثلا؛ لأنّ النّاس تبرعوا بالملابس والفرش والتّغذية، فبعضها رمي لعدم حاجة النّاس إليه، وبلا شك أنّ الجانب النّقديّ هو المهم حاليا، وهذا يحتاج إلى حسابات رسميّة، أو جهات خيريّة معترف بها، ليصرف في محلّه، والزّكاة والصّدقات جميل أن يصرف منها لهذه الحالة الطّارئة؛ لأنّ من مصارفها [وفي سبيل الله]، وهو أولى أن يشمل مثل هذه الحالات!!
لقدر رأينا العديد من الشّباب استعدادهم لأي خدمة لهذا الظّرف الطّارئ، ومنهم من ذهب إلى ظفار، ومنهم من ينتظر، ومن يعمل في بلده وينتظر الأوضاع ليؤدي دوره، ورأينا استعدادات مؤسسات العمل المدنيّ والجمعيات الخيريّة قبل فترة، بجانب الجهات الأمنيّة والشّرطيّة والرّسميّة، وما يؤدونه قبل أن يكون وظيفة عند البعض، أو خدمة وطنيّة عند الجميع؛ قبل أن يكون هذا أو ذاك هو جانب رساليّ أمر الله تعالى به، فالنّفس البشريّة أيّا كانت تعرضها لضرر، فيقف الأعضاء الآخرون معها في شدّتها ورخائها، هو جانب رساليّ نابع من صدق الإيمان والعمل الصّالح، الّذي يتبلور إلى واقع صادق، في ملحمة وطنيّة نفتخر بها دوما…
حفظ الله الجميع، وحفظ ظفار والوسطى واليمن، وحفظ الإنسان في شرق الأرض وغربها، وشمالها وجنوبها، والحمد لله على كلّ حال!!
شؤون عمانيّة 1439هـ/ 2018م