المقالات الدينية

ألوهية المذهب

المذاهب الإسلاميّة وغيرها من المذاهب في الأديان الأخرى نتيجة طبيعيّة للتّدافع البشريّ لاختلاف النّاس وأفكارهم، فهي أقرب إلى المدارس المنسوبة إلى أشخاص لو أحياهم الله اليوم لما عرفوا في الجملة أنّ هناك مذاهب تنسب إليهم ويتعصبون لشخوصهم!!!

وأنا هنا لست ضدّ المذاهب كصيرورة طبيعيّة للتّدافع البشريّ؛ وإنّما ضدّ تحويل هذه المذاهب إلى أديان سماوية، وادعاء أنّ الحق جملة وتفصيلا في مذهبي، والباطل في مذهب غيري، فالمذاهب جملتها تفكير بشريّ واستنتاج للنّصوص، متأثرة بالجوانب المكانيّة والسّياسيّة والاجتماعيّة ونحوها.

وعليه صارت المذاهب أشبه بالإله المعصوم، فجماعتي في الولاية ومخالفي في البراءة، وعلمائي أترحم بعد ذكرهم، وعلماء غيري أتوجس خيفة من التّرحم والتّرضي عليهم!!

بل بعضهم حلف أنّه لا حنث لمن أقسم أنّه ليس في الجنّة إلا من طائفته، ومنهم من وصم مخالفيه بكلاب أهل النّار، فضلا عن الجوانب العمليّة كمسألة الزّكاة إذا كان الجار من أهل الخلاف ويوجد من أهل الوفاق يسكن بعيدا، لمن تعطى الزكاة؟ قال تعطى للبعيد وإن كان الجار أحق بها، وهناك مسائل عملية أشدّ تصل إلى حرمة النّكاح وأكل الذّبائح وحرمة الخلطة وغيرها قد تكون ظاهريا تجازوتها المذاهب لكنها باقية مالم نوجد منهجيّة لنقدها وفرزها، ولس كلاما عموميا!!!

بل استخدمت المذاهب ما استخدمه القرآن للمشركين، فصار أتباع المذهب من أصحابنا، وغير أتباع المذهب من قومنا، مع أنّ الجميع أصحاب في مدرسة الإسلام الواسعة!!

كذلك عبارات التّزكية فنحن أهل السّنة وأهل الحق والاستقامة وأهل العدل والتّوحيد إلى غير ذلك من مسميات التّزكية!!!

وإذا جئنا إلى الجانب المدنيّ فستجد – لولا القانون – أنّ المذهبيّة ظاهرة، فالكفاءة على أساس المذهب والفكر، فنغمة المذهب والموافقة في الفكر ظاهرة وموجودة في الدّاخل، خاصة في الوظائف السّياديّة والكبرى؛ لأنّ الخوف على المذهب أكثر من الخوف على الوطن والإنسان!!

فالمذهبيّ في الجملة هدفه الأول والأخير المذهب، فهو يراه الممثل الوحيد للدّين، وبه يكون صك الغفران، وينبغي أن يسود في الحكم، ولو ادعى ظاهريا التّعايش مع الآخر، لقوة القانون المطالب بذلك.

لهذا إن ضعف القانون ستجد الظّلم لمن خالف، والإقصاء له، ولو كان بداية في نفس المدرسة؛ لأنّ المذهب في الحقيقة مقدم على الإسلام، والأديان مقدمة على حقوق الإنسان.

فلابد من الفصل كليا بين التّوجه المذهبيّ والدّينيّ وبين التّوجه المدنيّ، فالثّاني معتمد على الكفاءة والعدل، والأول توجه شخصي يحاسب عليه الإنسان بينه وبين ربه!!!

والمجتمعات المدنيّة مجتمعات قانونيّة وليست مجتمعات مذهبيّة، والمجتمعات المذهبيّة مدارس لها الحرية في فكرها، ولكن ليس لها سيادة الإكراه والإقصاء، ومذهبي لن يدخل أحدا الجنّة ويخرجهم من النّار؛ لأنّ الله تعالى خلق العباد متفاوتين ومختلفين، وهو أعلم بخلقه يوم القيامة.

ولهذا الاتكاء المذهبي إن ساد سيحدث بسببه الظّلم؛ لأنّه بهذا يتصور مرضاة الله تعالى ومغفرته، وأنّه الوصي الوحيد على هذا الدّين، وببقائه وصيرورته يبقى هذا الدّين!!

فتجد المتعصب مذهبيّا يدافع عن أخطاء علمائه ولو كانت ظاهرة، ويفجر في أخطاء علماء غيره ولو كانت أخف في النّظر، ويفرح إذا نقد غيره، ويغضب إذا نقد مذهبه!!!

وستجده ينفق الملايين لنشر مذهبه، مقابل عشرات الفقراء والمساكين والعاطلين والمحتاجين حتى في بلده ومسكنه!!!

والحاصل كما قلت في البداية أنا لست ضد المذاهب، ولكن ضد تأليه المذاهب والتّعصب لها سلبا، ولابدّ أن نفصلها والحق العام للنّاس؛ لأنّ الحق العام لا علاقة له بالمذاهب والتّوجهات والأديان!!

عندما تصبح المذاهب بشرية تكونا، يسهل نقدها، ويسهل في الوقت نفسه نقد الذّات، أمَا مع دعاية التّسامح، بينما في الوقت نفسه نحن نزكي أنفسنا، ونتهم الآخر بعبارات الإقصاء اللّفظي فهذا نتيجته سلبيّة مستقبلا مع أيّ خلاف سياسيّ، أو ضعف أمنيّ، كما ظهر ويظهر في العديد من المناطق الإسلاميّة!!

فيسبوك 1437هـ/ 2017م

السابق
الوعي السّياسيّ للشّباب العمانيّ
التالي
البنوك التّقليديّة ونكاح المرأة العاهرة
– تنويه:

عدد من الصور المستخدمة للمقالات مأخوذة من محرك google

اترك تعليقاً