مقدّم للمعهد العالي للدّراسات الإسلاميّة – جامعة مونستر في ألمانيا حول استكتاب للمدرسة الشّتويّة: الرّحمة مقاربات لاهوتيّة وفلسفيّة (27 ديسمبر 2021م – 2 يناير 2022م)
مدخل وملخص البحث
الرّحمة لغة من رحم، وهي “الرّقة والتّعطف”[1]، “والرّحمن الرّحيم اسمان مشتقان من الرّحمة، ونظيرهما نديم وندمان”[2]، وفي الاصطلاح عرّفها الجرجانيّ [ت 471هـ/ 1078م]: “هي إرادة إيصال الخير”[3]، وقال الكفويّ [ت 1093ه/ 1683م]ـ: “الرّحمة حالة وجدانيّة تعرض غالبا لمن به رقّة القلب، وتكون مبدأ للانعطاف النّفسانيّ الّذي هو مبدأ الإحسان”[4].
“والرّحمة صفة مطلقة؛ لأنّها من الرّحمن المطلق”[5]، وتعتبر اليوم هي قيمة مضافة مرتبطة بالقيمة الإنسانيّة من حيث المساواة والعدل، وإن كان “مفهوم القيمة يستخدم في العادة في ميدان الاقتصاد، ويقصد به قيمة التّبادل، بمعنى السّعر المقدر للسّلعة، ولكن استعمال هذا المفهوم لا يقتصر على المجال الاقتصاديّ الّذي تعدّ القيمة فيه شيئا ماديّا، بل يستخدم كثيرا في المجالات غير المادية للتّعبير عن قيم أخرى معنويّة”[6]، وعليه قيمة الرّحمة قيمة معنويّة لها ارتباط بالإنسان الماهيّ في جانبه الوجوديّ الفردانيّ الذّاتيّ، فهي وإن كانت مضافة بالمعنى الماهيّ الوجوديّ، إلا أنّها مرتبطة بقيم ماهيّة وجوديّة كالكرامة الإنسانيّة والمساواة، كما أنّها مطلقة أيضا، تعمّ جميع الأفراد بمعنى الماهيّة، ولا تنحصر في هوّيّات ضيقة.
فالأديان مثلا تشكل هوّيّات جمعيّة مكتسبة، يجعل الخط النّاسوتي فيها واسعا، والتّدافع البشريّ حاضرا، هذا التّدافع يولّد بذاته أحداثا لا تخرج عن الأطر البشريّة في السّلب والإيجاب، والخير والشّر، كأيّ حدث كان، يحمل ثلاثة جوانب رئيسة: الطّبيعة البشريّة في الاجتماع البشري، والأنسنة في الاجتهاد الإنسانيّ، والظّرفيّة في الحدث الماضويّ، ولهذا يتحتم في قراءة الهوّيّات الإنسانيّة، والّتي تشكل اليوم جميع هوّيّات الاجتماع البشريّ، تحت مظلّة حقوق الإنسان، كانت هذه الهوّيّات: عرقيّة – لغويّة – دينيّة – عادات وتقاليد، لا تخرج عن الماضويّة البشريّة المطلقة، والظّرفيّة التّأريخيّة، والسّننيّة الكونيّة المجتمعيّة.
بيد أنّ المدار الّذي يدور عليه العالم قديما وحديثا يتحقّق بمدى ارتباطه ارتباطه بفردانيّة الفرد ووجوده؛ لأنّ الفردانيّة باعتبار الماهيّة أصل سابق، والهوّيّة فرع لاحق، هذه المنظومة مهمّة جدّا في التّعامل مع القيم مطلقة كانت أو مضافة، حيث التّشكل الهوّيّاتي يتشكل لاحقا في مفرزات جمعيّة، وعليه تكوّن مصاديق القيم طبيعيّة، إلا أنّ تحوّل المصاديق إلى جانب لاهوتيّ كنصّ تأريخي مغلق يدخلنا في دوامة من الصّراع الوهمي باسم المقدس.
وهذا ذاته يتشكل من خلال قيمة الرّحمة، وهي قيمة مضافة مرتبطة بالكرامة الإنسانيّة ومطلق المساواة والعدل، إلا أنّ مصاديقها قد تتجه سلبا تؤثر في الحاضر، فننطلق من قيمة الرّحمة إلى الاستبداد والكبرياء والبغي والعجب وإقصاء الآخر وتهميشه، كما أنّ تشكل مصاديقها السّلبيّة في الهوّيّة الجمعيّة، وغلبتها على الفردانيّة باعتبار الماهيّة؛ يدخل المجتمعات في صراعات عرقيّة ودينيّة ومذهبيّة، كما ترتبط بالسّياسيّة على أساس النّفعيّة البرجماتيّة، وليس على أساس الذّات الإنسانيّة الواحدة المكرمة.
لهذا سنجد الأديان جميعا بما فيها الأديان الإبراهيميّة الكبرى والتّأريخيّة: السّامريّة واليهوديّة والمندائيّة والمسيحيّة والإسلام جاءت لترجع النّاس إلى هذه القيم المرتبطة بالماهيّة الفردانيّة الإنسانيّة المطلقة، بعيدا عن جدليّة المصدريّة، لكن هذه القيم [مطلقة أو مضافة] مرتبطة ماهيّا بالإنسان، لتتشكل من خلقيّات كسبيّة تنتج منها هوّيّات دينيّة وعرفيّة محكومة بهذه القيم وليست حاكمة عليها، لتتشكل نصوص مقدّسة في [التّوراة – كنزا ربّا – الإنجيل – القرآن] مؤكدة عليها، مع مصاديق تحمل روح القيم وتندرج حولها.
وباعتبار الإسلام سنجد قيمة الرّحمة حاضرة كقيمة ومصاديق معا في القرآن الكريم، مثال ذلك كقيمة قوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء: 107]، وكمصاديق قوله تعالى: {وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغَاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوهَا فَقُلْ لَهُمْ قَوْلًا مَيْسُورًا} [الإسراء: 28].
خلاصة ما سبق قيمة الرّحمة قيمة ماهيّة مضافة، ارتباطها لاهوتيّا تجسّد للمثل الأعلى في ماهيّة الوجود ذاته على أسس الرّحمة، والإنسان جزء من هذا الوجود لا ينفصل عن التّماهي مع قيمه وسننه، فارتباط الرّحمة معه تماهي مع وجوديّته مع هذا الكون والوجود ذاته، وهذه الرّؤية الوجوديّة نفهم بها كيف نقرأ التّأريخ من جهة، والأحكام الإجرائيّة بما فيها أحكام الشّرائع في الأديان من جهة ثانية، فلا يمكن قراءة الاثنين بعيدا عن القيم الماهيّة، وإن ارتبطت بالهوّيّات فهو ارتباط إجرائي ظرفي لتنظيم الحياة في ظرفيّة ما، إلا أنّ هذا التّنظيم يتغير إجرائيّا في صور مختلفة وتبقى الرّوح واحدة بين البشر جميعا.
وهذا ما سنحاول معالجته في هذا البحث والّذي عنوته بـــ” لاهوت الرّحمة في ضوء الفردانيّة: جدليّة الماهيّة والهوّيّة“، والّذي أقدّمه للمعهد العالي للدّراسات الإسلاميّة – جامعة مونستر في ألمانيا، حول استكتاب للمدرسة الشّتويّة: الرّحمة مقاربات لاهوتيّة وفلسفيّة، وناقشت فيه أربعة جوانب: الجانب الأول: الرّحمة من اللّاهوت إلى الأنسنة، والجانب الثّانيّ: الرّحمة بين قيم الماهيّة ومصاديق الهوّيّة، والجانب الثّالث: الرّحمة في الأديان الإبراهيميّة، والجانب الرّابع والأخير: الرّحمة وواقع المجتمع الإنساني ومستقبله.
بدر بن سالم بن حمدان العبريّ
سلطنة عمان، محافظة مسقط، ولاية السّيب/ الموالح الجنوبيّة
فجر الأربعاء 13 ربيع الأول 1443هـ/ 20 أكتوبر 2021م
الرّحمة من اللّاهوت إلى الأنسنة
اللّاهوت شاع بكثرة في الثّقافة المسيحيّة، وارتبط بالطّبيعة المقابلة لناسوت المسيح، فهو عندهم العلم الّذي “يبحث عن الله وصفاته وشرائعه وأعمال عنايته، والعقائد الّتي يجب أن نعتقدها، والأعمال الّتي يجب أن نقوم بها”[7]، وبعلم اللّاهوت نعرف العقائد الدّينيّة وما بينها من العلاقات”[8]، ويقابله في الثّقافة الإسلاميّة علم الكلام، وهو أخص من علم اللّاهوت، إلا أنّ كليهما غارقان في الاغتراب الماورائيّ، أو الميتافيزيقيّ، “لقد صنع علم الكلام رؤية معظم المسلمين للعالَم … وانتهت إلى ضرب من الاغتراب الوجوديّ للمتدين عن عالمه الّذي يعيش فيه”[9].
ولمّا نتحدّث عن اللّاهوت فنحن نتحدّث عن الجدل المترتب دراسة وتأريخا المترتب بعد الإقرار بوجود قوّة فاعلة في الكون، أي بمعنى ما بعد الله، من حيث الإغراق ابتداء في الأسماء ثمّ الإغراق في الصّفات، فمن حيث الوجود هناك ماهيّة مسبوقة بقوّة فاعلة، ولتقريب هذه الصّورة يحدث الجدل في تقريب صورة هذه القوّة الفاعلة من خلال أسماء وصفات مشخصنة، أي لها ما يماثلها من حيث الاسم في الإنسان، وإن اختلفت ماهيّة الصّفة، سواء كانت إيجابيّة في صفات الذّات، أم إيجابيّة وسلبيّة في صفات الفعل والإضافة أو الصّفات الخبريّة، والأصل “إذا أضفت صفة إلى الإله كأنّك أحدثت تخيّلا لهذا الإله”[10].
فلمّا نأتي إلى الرّحمة مثلا، ونستخدم الاغتراب الميتافيزيقيّ، سنعيش ابتداء في جدليّة الرّحمة ذاتها، فالجمهور من المتكلمين لا يرونها صفة ذات؛ لأنّ صفة الذّات “لا تجامع ضدّها في الوجود ولو اختلف المحل”[11]، أي لا تحتمل الضّد، والمتفق بين الجمهور “الحياة والقدرة والإرادة والسّمع والبصر والكلام، فزادت الماتريديّة صفة ثامنة وهي التّكوين”[12]، “وذهب المعتزلة إلى عدم الضّرورة إلى إثبات صفة أزليّة لله تسمّى كلاما، اكتفاء منهم في نفي الخرس عنه سبحانه بصفة القدرة”[13].
بينما الصّفاتيون أو أهل الحديث توسّعوا في صفات الذّات والفعل والخبر، ويرون حصر الصّفات الذّاتيّة في سبع صفات، أنّ هذا “مخالف لما كان عليه سلف الأمّة من الصّحابة والتّابعين وأئمّة الأمّة من بعدهم، فما منهم رجع إلى العقل في ذلك، فيثبتون لله من الأسماء والصّفات ما أثبته لنفسه، أو أثبته له رسله، إثباتا بلا تمثيل، وتنزيها بلا تعطيل”[14].
هذا الاغتراب الميتافيزيقيّ سيتوسع أيضا حتّى مع الفريق الأول من حيث هل صفات الذّات هي الذّات أم خارجة عن الذّات، وفي الإرادة مثلا هل مريد بإرادة حادثة ثابتة لا في محل كما يرى المعتزلة[15]، أم مريد بإرادة قديمة أزليّة كما يرى الأشاعرة[16]، وهكذا في باقي الصّفات كالكلام والقدرة مثلا، وهو ذاته الخلاف بين أهل الحديث أو الصّفاتيين فيما يتعلق بالاسم والصّفة، أو ما بين المشبهة والمجسمة كما يسميهم خصومهم.
وإذا أتينا إلى الرّحمة بما أنّ صفة الذّات لا تحمل السّلب عكس صفة الفعل، وعليه عند الجمهور أنّ الرّحمة صفة فعل لا صفة ذات، “فصفات الفعل هي المنتزعة من مقام الفعل، بمعنى أنّ الذّات توصف بهذه الصّفات عند ملاحظتها مع الفعل، وذلك كالخلق والرّزق ونظائرهما من الصّفات الفعليّة الزّائدة على الذّات بحكم انتزاعها من مقام الفعل، ومعنى انتزاعها، أنّا إذ نلاحظ النّعم الّتي يتنعم بها النّاس، وننسبها إلى الله سبحانه، نسميها رزقا رزقة الله سبحانه، فهو رزّاق، ومثل ذلك الرّحمة والمغفرة فهما يطلقان عليه على الوجه الّذي بيناه”[17]، وعند أهل الحديث أو الصّفاتيين “الرّحمة من صفات الذّات لله تعالى، والرّحمن وصف، وصف الله تعالى به نفسه، وهو متضمّن لمعنى الرّحمة”[18].
وما حدث من اغتراب لاهوتيّ هو ذاته ما حدث عند اليهود مثلا، كقضيّة كلام الرّب لموسى في الجبل وقضيّة التّجسيم، فيرى فريق من اليهود أنّ هذا “كالنّفس النّاطقة الّتي هي الإنسان على الحقيقة، فإنّ الّذي يخاطبنا من موسى ويعقل ويدبّر، ليس ذلك لسانه ولا قلبه ولا دماغه، بل هذه آلات موسى، وموسى نفس ناطقة مميزة، ليست جسما ولا تتحيّز في مكان، ولا يضيق عنها مكان، ولا تضيق هي عن أن تُحصّل فيها صور جميع المخلوقات، فنصفها بأوصاف ملكوتيّة روحانيّة، فضلا عن خالق الكون، وإنّما علينا أن لا ندفع ما تواتر من ذلك المشهد، ثمّ نقول لا ندري كيف تجسّم المعنى حتّى صار كلاما، وقرع آذاننا، ولا ما اخترع له تعالى ممّا لم يكن موجودا”[19].
وهذا ذاته في المسيحيّة أيضا، فعندهم مثلا ردّا على الفلاسفة “ماذا كان يقول أو يفعل الله الأزليّ قبل خلق الكون والملائكة والبشر إذ لم يكن سواه؟ هل كان يتكلم ويسمع ويحبّ، أم كان في حالة صمت مطبق …. دون إظهار أي من صفاته وطبيعته قبل خلق الملائكة والبشر، فمع من كان يتكلم أو يسمع أو يحب أو يمارس صفاته أو طبيعته؟ أعلن الكتاب المقدّس الحل الأوحد لهذه المعضلة وهي أنّ وحدانيّة الله ليست مجردة مطلقة، بل هي وحدانيّة جامعة مانعة، جامعة لكلّ ما يلزم لها، ومانعة لكلّ ما عداها، وبناء على هذه الوحدة الجامعة المانعة فالله منذ الأزل وإلى الأبد هو كليم وسميع ومحبّ ومحبوب دون حاجة إلى شيء أو شخص لإظهار طبيعته وصفاته”[20].
ومنها قولهم “”النّاطق بكلمته”، أي متكلّم، فقد تكلّم إلى الأنبياء والرّسل، فصفاته ذاتيّة وليست مضافة، ولا تنزع، ومنها كلمته، وعليه صفاته أيضا أزليّة وأبدية، وبما أنّ صفة الكلام سابقة للخلق، فمع من كان يتكلّم؟ كان يتكلّم مع نفسه، وعبّر عن هذه الكلمة في الكتاب المقدّس بأنّها السّيد المسيح … وفي إنجيل يوحنا: “في البدء كان الكلمة، والكلمة كان عند الله، وكان الكلمة الله” [إنجيل يوحنّا، الإصحاح: 1، آية: 1]، ، فكلمة الله أي الرّب يسوع المسيح”[21]، فضلا عن الاغتراب اللّاهوتي بين الكنائس المسيحيّة في قضيّة المسيح وطبيعته ومشيئته وأقانيمه، وقضيّة العذراء وروح القدس وغيرها.
والمتأمل في النّص الأول: التّوراة – كنزا ربّا – الإنجيل – القرآن، يجد محدوديّة الاغتراب اللّاهوتي/ الماورائيّ/ الميتافيزيقيّ، وحضور الجانب النّاسوتيّ، كما سنرى في مبحث الرّحمة في الأديان الإبراهيميّة، لهذا حدث تضخم لدى جميع الأديان في النّص التّأريخي، وأحدث انقساما وصراعا مذهبيّا داخل الدّين ذاته، كما ولّد هوّيّات تنظر إلى الآخر بعين ضيقة، وتتوسع في تهميش الآخر، وتزكية الذّات، وامتلاك الحقيقة المطلقة.
لهذا بعد عصر الأنوار، وفي القرون الأخيرة خصوصا بدأت قضيّة الأنسنة تتوسع أكثر، مربوطة بالفردانيّة والذّاتيّة وماهيّة الوجود الإنسانيّ، وارتبطت الأنسنة بحكمة بورتاغوراس [ت 411ق.م]: “الإنسان هو المقياس لكلّ الأشياء، وتعني كما جاءت في موسوعة لالاند الفلسفيّة: مركزيّة إنسانيّة مترويّة، تنطلق من معرفة الإنسان، وموضوعها تقويم الإنسان وتقييمه، واستبعاد كلّ ما يمكن تغريبه عن ذاته، سواء بإخضاعه لحقائق ولقوى خارقة للطّبيعة البشريّة، أم بتشويهه من خلال استعماله استعمالا دونيّا دون الطّبيعة البشريّة”[22].
لهذا انتقلت مناقشة العديد من القيم والصّفات الكبرى كالعدل والحريّة والرّحمة مثلا من بعدها اللّاهوتي إلى البعد الإنسانيّ، ومن الصّراع حول الغيبيات والماورائيات إلى البحث في الموجودات والطّبيعيات، على مستوى الكون، وعلى مستوى الإنسان نفسه.
وليس المراد بالأنسنة هنا أي أنسنة الإله بمعنى شخصنته كليّا، وإخضاعه للعالم الشّهوديّ، ولكن بمعنى تعميق روح الصّفات الكاملة (الصّفات الإلهيّة) في البناء الإنساني، وبث هذه الرّوح في هذا الإنسان كما في الرّحمة من حبّ وإحسان وعطف وبناء وتسامح وتعايش وتعارف.
ومع أنّ الغنوصيين والفلاسفة حاولوا تعميق الالتفاتة الإنسانيّة للماورائيات، من خلال نظريتين، أولاهما غنوصيّة عرفانيّة، والثّانية طبيعيّة سننية، وأمّا الأولى فقولهم “أنّ لحقيقة الذّات المقدّسة تجليات وظهورا في عالم الكائنات الجسمانيّة”[23]، وهذا من خلال نظريّة الإنسان الكامل عند الغنوصيين، وهذا لا يكون إلا بالارتقاء من عالم الجسمانيّة والشّهوانيّة إلى عالم الإنسان الكامل، فيكون إسقاط الصّفات الإلهيّة من باب التّجلي في هذا الإنسان ورقيّه إنسانيّا[24]، “ولمّا سُئِلَ الفلكيّ الشّهير لابلاس [ت 1827م]: لماذا لم يذكر الله في أبحاثه العظيمة في الفلك؟ قال: لست في حاجة لأن أذكر هذا، فالله خلف كلّ ظاهرة في الكون والطّبيعة والحياة”[25]، وأمّا ما يتعلق بالفلاسفة من حيث العلم الإلهيّ المتعلق بالكليات والجزئيات، أي توسعة جانب الحريّات والتّفاعل البشريّ المتعلق بالإنسان في جانب الكسب.
وخلاصة ما سبق إنّ لقيمة الرّحمة أبعادا إنسانيّة مهمّة، تتعلق بفرادنيّة هذا الإنسان بشكل كبير جدّا، بيد أنّ صرف هذه القيمة المضافة عن مصاديقها الإنسانيّة، والانغماس بها في صراعات لاهوتيّة ماورائيّة يبعدنا كثيرا عنها، وقد تتحوّل ذاتها من قيمة إيجابيّة، إلى مصاديق وهميّة تخلق صراعا وتطرفا في المجتمع الإنسانيّ بمختلف أطيافه وأجناسه وأديانه.
الرّحمة بين قيم الماهيّة ومصاديق الهوّيّة
رأينا في المبحث السّابق ضرورة الخروج من الاغتراب الماورائيّ أو الميتافيزيقيّ في قيمة الرّحمة إلى الطّبيعة الإنسانيّة، والبحث عنها في الإنسان ذاته، وهذه القيم من حيث الابتداء قيم فردانيّة، تعم جميع أفراد الجنس البشريّ، إلا أنّها قد تنحرف في مصاديقها لغلبة الهوّيّة على قيم الماهيّة.
وقيم الماهيّة قيم مطلقة دونها قيم مضافة، فالقيم المطلقة أو المبادئ المستغرقة للماهيّة فهي “يصلح بها حال أيّ مجتمع، وفي غيابها يتدنى ويفسد، وهذه المبادئ لا تلزم أحدا بأيّ عقائد غيبيّة، ولا شعائر وطقوس عمليّة”[26]، وهذه “ليست مكتسبة، فهي بداية وعاها الإنسان، ووعاها منذ بداية وعيه، ليست حصرا على أيّ دين، ولا يمكن لأيّ دين أن يدّعي أنّه مصدر هذه المبادئ”[27].
وعلى رأس هذه المبادئ والقيم المطلقة قيمة الكرامة الإنسانيّة والعدالة والحريّة، وتندرج تحتها القيم المضافة وعلى رأسها الرّحمة، الّتي في أصلها تلازم قيمة المساواة، فترتبط بالماهيّة الإنسانيّة، ونحو هذا في القرآن الكريم: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء/ 107]، أي كأنّه لم يُرسل إلا رحمة للعالم أجمع، أيّا كان جنسه ودينه ولونه وتوجهه.
بيد أنّ هذه القيمة المرتبطة بالماهيّة الإنسانيّة تأتي الأديان لتوكيدها، إلا أنّه “كلّما يظهر تعليم دينيّ جديد يحوي في تعاليمه المساواة بين البشر، يحدث مثلما يحدث مع النّاس في الواقع، يحاول المنتفعون من عدم مساواة البشر أن يخفوا هذه [القيم] الرّئيسة للتّعليم الدّيني بتشويه أصل هذا التّعليم …. ينتج فقط بسبب أنّ المستفيدين من لا مساواة بين البشر، الموجودين في السّلطة والأغنياء … وحتّى يبرروا موقفهم أمام أنفسهم دون أن يغيروا من أوضاعهم، يحاولون بكل ما لديهم من قوّة أن يلصقوا بالدّين تعليما يمكن أن تكون فيه عدم المساواة ممكنا، وينتج عن ذلك حتما أنّ دينا يتم تحريفه يمكن لمن يتسلّط فيه على الآخرين أن يجد لنفسه مبررا، ينتقل إلى العامّة أيضا، ويوحي إليهم بأنّ خضوعهم لمن يتسلطون عليهم أمر من متطلبات الدّين الأساسيّة”[28].
ولأجل أن نضع قيمة الرّحمة في موضعها المستغرق للكل لابدّ أن نفارق بين الماهيّة والهوّيّة، فالماهيّة “تعرف الإنسان من حيث كينونته الوجوديّة، أي تلك الّتي نشأ من رحمها أصلا، وبقي عليها فطرة مدى ما عاش، أيّا كانت معرفات هوّيّته”[29]، وأصل الماهيّة “عند المناطقة القدامى بمعنى الحيوان النّاطق، أي تشكل هوّيّة جديدة في التّطور الحيوانيّ من الجنس الأكبر (الحيوان) إلى هوّيّة الحيوان النّاطق (الإنسان العاقل)، وعند الطّبيعيين جواب لسؤال ما هو؟ فماهيّة الإنسان من خلال تطوّره البيولوجيّ، ووصوله إلى هذه الصّورة في الوجود، ومدى علاقة هذه الماهيّة بالطّبيعة والكون”[30].
وارتباط الماهيّة بالفردانيّة ارتباط وجوديّ قديم، إلا أنّه حدث حوله انحراف بسبب غلبة مصاديق الهوّيّة، لهذا في عصر الأنوار في أروبا كان “لمارتن لوثر والبروتستانتيّة بشكل عام الأثر الواضح فيه، انتقل فيما بعد إلى عالم السّياسة والمجتمع الأوروبي عبر فلسفة العقد الاجتماعي الّتي أكدت أولويّة الفرد في المجتمع، وحماية حقوقه السّياسيّة والاجتماعيّة ضدّ أي هيمنة خارجيّة”[31]، إلا أنّها “ظهرت النّزعة الفرديّة بوضوح وعلى شكل مذهب متكامل في القرن الثّامن عشر الميلاديّ من خلال ترسيخ قيم الحداثة في الفكر الأوروبي، وخصوصا في الميدان السّياسيّ والاجتماعيّ”[32].
أمّا الهوّيّة فهي “تعرّف المرء من حيث انتماءاته الخارجيّة، أي تلك الّتي بعضها أضفى عليه مجتمعه، وبعضها الآخر اتّخذها لنفسه، وأبرزها: الثّقافة، العرق، الوطن، الدّين، المذهب، المنظور الفكريّ أو السّياسيّ”[33]، وأصلها من “”هو هو”، أي من حيث تشخّصه وتحقّقه في ذاته، وتمييزه عن غيره؛ فهو وعاء الضّمير الجمعيّ لأيّ تكتّل بشريّ، ومحتوى لهذا الضّمير في الوقت نفسه، بما يشمله من قيم وعادات ومقوّمات تكيّف وعي الجماعة وإرادتها في الوجود والحياة داخل نطاق الحفاظ على كيانها”[34].
والأصل لا إشكاليّة بين الماهيّة والهوّيّة، عندما لا تطغى الهوّيّات على الماهيّة، وتقصى الحقوق الفرديّة لمصلحة جمعيّة، أو تكون هوّيّة معينة مستأثرة على الآخر باسم القيم، وقد يكون ذلك ليس فقط تحت مظلة المذهب أو القبيلة، قد يكون تحت مظلّة العرق أو الدّين أو الدّولة، فقد “يكتبون مئات الكتب عن المبادئ المختلفة: المدنيّة، والجنائيّة، الشّرطيّة، والكنسيّة، والماليّة، الخ، ويتحدّثون ويتجادلون وهم على ثقة كاملة أنّ ما يفعلونه مفيد … ولكن التّساؤل عن سبب إمكانيّة إدانة وإجبار بشر متساويين بالطّبيعة، وسلبهم وإعدامهم، لا يجيبون عنه أبدا … هذا العنف لا يقوم به النّاس، بل كائن مجرد يدعى الدّولة”[35].
فضرورة ربط القيم بالماهيّة، ثمّ إسقاطها على الهوّيّة، حيث أصبحت ضرورة خصوصا في عالم اليوم الّذي أصبح يعيش قرية واحدة، “فكلّ كائن بشريّ دونما تمييز على أساس السّن والجنس والعرق والبشرة واللّون والقدرة البدنيّة أو الذّهنيّة واللّغة والدّين ووجهة النّظر السّياسيّة أو الجذور الاجتماعيّة يتمتع بكرامة ثابتة لا يمكن المساس بها”[36]، لهذا “اهتمت الفلسفة الذّاتيّة في الإنسان كذات وكمبدأ أول للوصول إلى فهم الإنسان والعالم من حوله، ومن هنا كان الأساس الفلسفي للفردانيّة هو الذّاتيّة”[37].
فلمّا نأتي إلى قيمة الرّحمة نجدها مرتبطة ابتداء بالماهيّة، منطلقة من الكرامة الإنسانيّة، ثمّ قيمة المساواة بين البشر، هذه القيمة متمثلة في أمرين أساسيين: حق الإنسان في الوجود، وكرامته في التّمتع بالوجود ذاته، وأمّا الحق الأول فهة نسمة في الكون له حق الحياة، ولا يجوز أن ينزع هذا الحق بحال، لاختلاف عرق أو دين، ولا يجوز أن تستغل السّياسات الاختلاف التّكوينيّ أو الكسبيّ لتحقيق مآربها، فتفنى شعوب لأجل شعوب، ومن حق الحياة حريّة الإنسان في فكره ومعتقده، وهذا لا يسلب حرّيته في ذلك.
وفي القرآن الكريم مثلا مصاديق لهذا، نشير إلى نموذجين مثلا، النّموذج الأول قوله تعالى: {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ، إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [الممتحنة: 8 -9].
فالآية فَصَلت بين الإنسان الطّبيعيّ المسالم، وهذا الأصل بين البشر، إذ الأصل فيهم المسالمة وليس الاعتداء، فهؤلاء لا علاقة بالبراءة أو الإقصاء، فضلا عن القتل، فلا معنى أن تتبرأ من إنسان يختلف عنك دينا وتوجها وهو مسالم لم يعتدِ عليك، ولم يظلمك، فهذا تجب ولايته والتّعاون معه في بناء الحياة الإنسانيّة، وخدمة الجنس البشريّ، ولكن هناك فئة معتديّة، تظلم النّاس، وتأكل حقوقهم، وتعتدي عليهم في أنفسهم وأموالهم، ولو اشتركوا معك جنسا أو لغة أو دينا أو مذهبا، فهذا من حيث الأصالة لا يشفع لهم في اعتدائهم وظلمهم، ولهذا جاء النّهي عن ولايتهم ونصرتهم في ظلمهم، وهذا مصداق لقيمة والرّحمة، فهي مرتبطة بالإنسان وكرامته ابتداء.
والنّموذج الثّاني قوله تعالى: {وَمَا تَفَرَّقُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتَابَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ، فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَقُلْ آَمَنْتُ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتَابٍ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ لَا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ} [الشّورى: 14 – 15].
وهذه أخصّ من الآية الأولى؛ لأنّ الأولى تتحدّث عن الجنس البشريّ، وهذه تتحدّث عن خطّ الأديان المؤمنة بالله، وخصوصا تحت الخطّ الإبراهيمي أو الكتابي كما يسميه القرآن الكريم، إلا أنّها مع إقرارها بهذا الاختلاف والخلاف تقرر: الإيمان بكتب الآخر: {وَقُلْ آَمَنْتُ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتَابٍ}، فمقدّسات الآخر وعلى رأسها كتبهم محترمة أيّا كانت، وينطبق هذا على معتقداتهم وطقوسهم وشعائرهم.
كما تقرر العدل الدّنيويّ: {وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ}، فالاختلاف في الدّين لا يرفع العدل في التّعامل الحياتيّ؛ لأنّه مرتبط بالماهيّة وليس بالهوّيّة، فهنا العدل قائم إنسانيّا، ولا يرتفع لاختلاف دينيّ أو مذهبيّ.
وتقرر أيضا وحدة الإله بين الجميع، وإن اختلفت مسمياته وصفاته وتصوّراته، إلا أنّ الجميع مؤمن بوجود قوّة فاعلة في الكون: {اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ}، لهذا من مصاديقه النّهي عن سبّ الآخر ومعتقداته حول الإله: {وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ} [الأنعام: 108].
فإذا كانت وحدة الإله قائمة مع الاختلاف في تصوّره وشخصنته، إلا أنّ الاختلاف في التّوسل إليه ومصاديق عبادته من خلال الطّقوس ورادة بشكل أكبر، ومع هذا تقرر الآية حريّة ذلك: {لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ}، بمعنى لا يكره أحد على ممارسة طقس غيره، كما لا يمنع ويحجر من ممارسة طقسه.
لهذا جاء النّهيّ عن الإكراه: {لَا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ} أي لا إكراه لأحد، ولهذا مصاديق في القرآن عديدة منها قوله تعالى مثلا: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآَمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ} [يونس: 99].
وبعد هذا التّفصيل، والّذي يدخل في العدل الدّنيويّ، يقابله العدل الأخرويّ: {اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ}، فيجعل الجزاء والمصير خاصّا بيد الله تعالى وحده، حتّى لا يتأله أحد، ويجعل من نفسه إلها يحكم على العباد، ويوّزع صكوك الغفران، ليدخل من يشاء هو في رحمته حسب أفقه الضّيق، وتصوّره المحدود، بيد أنّ القرآن يجعل ذلك بيد الله تعالى المطلق العدل.
وكما أنّ الرّحمة تتمثل في حق الإنسان في الوجود؛ تتمثل أيضا في حق التّمتع بهذا الوجود، مثلا “فمن غير الأخلاقيّ حقا إقصاء تطلعات وطموحات العالم الثّالث لمجرد المحافظة على ما يوفره نمط خاص من العمل الغربيّ من راحة”[38]، “وأطير فرحا حين أقف على طموحات فقراء العالم الثّالث وأحلامهم، على رغبتهم في تحقيق الثّروة والازدهار والحريّة”[39]، ويرى جون لوك [ت 1704م] أنّ “الحقوق الأساسيّة للفرد: حق الحياة، وحق الامتلاك، وحق الحرية”[40].
في هذا تتمثل قيمة الرّحمة، وتتجلى مرتبطة بالقيم المطلقة عندما ترتبط بالماهيّة، ولا تخفى أو يتلاعب بها لمصالح الهوّيّات أيّا كانت مسمياتها وطرقها.
الرّحمة في الأديان الإبراهيميّة
“يقرر القرآن الكريم أنّه {مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [آل عمران/ 67]، في حين درج العديد من علماء الأديان في جعل اليهوديّة والنصّرانيّة أديانا إبراهيميّة، وفي نظري لا تعارض بينهما، فالآية تشير إلى صفتين لإبراهيم: الحنيفيّة والاستسلام لله، وبينهما ترابط، فالتّوحيد يؤدي إلى الاستسلام، وعلماء الأديان يقصدون بذلك من خلال نسب التّقابس أكثر منه نسب الجنس، بمعنى الكلّ ينتسب إلى إبراهيم ويعظّمه، وفي الوقت نفسه نجد هذه الأديان متقابسة من بعضها، إمّا بمعنى التّأثر الطّبيعيّ في الأفكار، أو بمعنى تطوّر النّبوات حسب الزّمكانيّة.
ويسميها بعضهم بالأديان التّوحيديّة بمعنى انتقال الجنس البشريّ من تعدد الآلهة إلى الإله الواحد، وهذا محل نظر؛ لأنّه نبوات وأديان سبقت إبراهيم كانت تعتقد بالواحديّة، ولكن عاش إبراهيم في بيئة ترى تعدد الآلهة من الشّمس والنّجوم والكواكب، ومن تجسيد الإله إلى أصنام وثنيّة، ولهذا بقت دعوته مجسّدَة في التّوراة من خلال الوصايا العشر الّتي أنزلت على موسى، وأقرت بنودها الكبرى جميع الأديان الإبراهيميّة: “لا تصنع لك تمثالا منحوتا، ولا صورة ما ممّا في السّماء من فوق، وما في الأرض من تحت، وما في الماء من تحت الأرض، لا تسجد لهنّ ولا تعبدهنّ، لأنّي أنا الرّب إلهك إله غيور” [سفر الخروج، الإصحاح: 20، آية: 4].
وتسمّى أيضا بالأديان السّماويّة نسبة إلى السّمو والارتفاع، أو لأنّ تعاليمها علويّة ليست أرضيّة، أو لأنّ الله مصدر هذه الأديان وهو الرّب السّماوي أي المتعالي، بغض النّظر عن جدليّة المكان.
ومن حيث العدد يرى علماء الأديان في الجملة أنّ الأديان الإبراهيميّة ثلاثة: اليهوديّة والمسيحيّة والإسلام، وذكر هذا من حيث التّأثير والانتشار، واليهوديّة وإن كانت ليست منتشرة كالمسيحيّة والإسلام باعتبارها ديانة ليست تبشيريّة، إلا أنّ تأثيرها قويّ في الدّيانتين، وجميع الدّيانات اللّاحقة تقابست منها في اللّاهوت والتّفاسير وسير الأنبياء والشّرائع.
ولكن المتأمل في الأديان الإبراهيميّة أنّها أربعة أديان رئيسة، وثلاثة أديان تفرعت منها أو تأثرت بها، أمّا الأديان الأربعة: السّامرية واليهوديّة والمسيحيّة والإسلام، وأمّا الثّلاثة: الصّابئة المندائيون والسّيخيّة والبهائيّة، هذا إذا اعتبرنا المومرمون مذهبا مسيحيّا، وليست ديانة منبثقة من المسيحيّة؛ لأنّ لهم كتابا مقدّسا وهو كتاب مورمون الشّهادة الثّانية ليسوع المسيح، وكنيستهم تسمّى بكنيسة يسوع المسيح لقديسي الأيام الأخيرة، وأسّسها جوزيف سميث [ت 1844م]، فقد أتى إليه الوحي، ودلّه على هذه ألواح كتاب المورمون، وهي ألواح قديمة قام بترجمتها إلى الإنجليزيّة[41].
والبعض يرى السّامريّة واليهوديّة ديانة واحدة، وجعل العقاد [ت 1964م] السّامريّة مذهبا يهوديّا[42]، وهذا خطأ معرفي – في نظري – ينكره السّامريون واليهود معا، والمشترك بين السّامريين واليهود أربعة: جنس بني إسرائيل، وخاتميّة نبوة موسى، والإيمان بالأسفار الخمسة من التّوراة، والاهتمام بشريعة موسى الأولى، والسّامريون يرون أنّهم الوريث الحقيقي لبني إسرائيل، واليهود خليط من أجناس مختلفة بعد السّبي البابلي، ومصطلحي السّامريّة نسبة إلى السّامرة وهو متأخر، وكذلك اليهوديّة نسبة إلى مملكة يهوذا على الأشهر وهو متأخر، أي بعد انقسام مملكة إسرائيل الشّماليّة والجنوبيّة، ثمّ السّبي البابليّ للجنوبيّة، وبعد مائتين سنة كان السّبيّ الأشوري للشّماليّة، فأدخل اليهود نصوصا وشرائع جديدة (التّلمود) ممّا جعلهم ديانة مستقلة.
وأمّا المسيحيّة فيسميها اليهود والمسلمون بالنّصرانيّة، نسبة على الأشهر إلى مدينة النّاصرة، وفيها بشّر الملاك مريم بالحمل وولادة المسيح عيسى (عليه السّلام)، إلا أنّ المسيحيين في الجملة يرفضون هذا المصطلح، ويرون أنّ فرقة النّصرانيّة كانت موجودة بعد المسيح، وتشترط للدّخول في المسيحيّة لابدّ من الدّخول في اليهوديّة أولا قبل التّعميد، ثمّ الدّخول في المسيحيّة، وناظرهم بولس وبرنابا في مجمع أورشليم سنة 50 و51م.
وأمّا الصّابئة المندائيون فيقتربون من المسيحيّة من جهة التّعميد، كما يقتربون من الشّريعة اليهوديّة، وينتسبون إلى يحيى ابن زكريا النّبيّ، إلا أنّهم يرون أنّ صحفهم قديمة ترجع إلى آدم وشيث ونحوهم، وهم موحدون، وحدث خلط بينهم وبين صابئة حران الّذين يعبدون الكواكب، ولعلّ في نظري صابئة حران سامريون، والسّامريون لا يعبدون الكواكب، ولكن يهتمون بعلم النّجوم والتّنجيم والأفلاك منذ فترة قديمة جدّا.
وأمّا السّيخيّة فليست ديانة إبراهيميّة، وأصلها ديانة هندوسيّة، وولدت من رحمها إلا أنّ الغورو ناناك [ت 1539م] وهو الغورو الأول تأثر بالصّوفيّة المسلمين الهنود وعلى رأسهم تراث بابا فريد الدّين مسعود [ت 1265م]، وهو من كبار المتصوّفة المسلمين الهنود في الطّريقة الحبشيّة، لهذا كانت السّيخيّة خليطا من الإسلام والمسيحيّة.
وأمّا البهائيّة “ترجع في أصلها إلى الشّيخيّة عند الشّيعة الإماميّة، وتأسيسها يعود إلى حسين علي النّوريّ الملقب ببهاء الله [ت 1892م] في إيران، وهو الّذي آمن بدعوة الباب عليّ محمّد الشّيرازيّ [ت 1850م]، وأنّ حسين النّوري هو من بشره الباب بأنّه من يظهره الله، وموعود الظّهورات السّابقة، وأتى بكتاب الأقدس، وفيه نسخ للعديد من الأحكام القرآنيّة كالصّلاة والصّيام والميراث، وهذا الكتاب هو المقدّس عند البهائيّة، ولهم كتاب آخر له قيمته الدّينيّة وهو الإيقان والوديان السّبعة، وجاء من بعده وواصل مسيرته عبد البهاء عباس أفنديّ [ت 1921م]”[43]، والبعض يعتبر البهائيّة مذهبا إسلاميّا عرفانيّا كالدّروز المنبثقة من الشّيعة الإسماعيليّة، إلا أنّ البهائيين يعتبرون أنفسهم ديانة مستقلة”[44].
نجد جميع هذه الأديان في نصّها الأول تقرر قيمة الرّحمة في بعدها النّاسوتيّ والكونيّ الواسع، فجميع الأديان تقرر ابتداء أنّ جوهر العلاقة مع الله قائمة على المساواة، ومنها كانت علاقة الرّحمة ابتداء، ففي التّوراة السّامريّة يقرر الرّب لموسى – عليه السّلام – “ونادى الله: الله قادر رحمان ورؤوف، طويل المهلة، وكثير الإحسان والجميل، حافظ الإحسان لآلاف، غافر الذّنب والجرم والخطية” [سفر الخروج: الإصحاح: 34، آية: 6 – 7]، وبنحو هذا في توراة اليهود والعهد القديم: “أنا الرّبّ، الرّبّ إله رؤوف رحيم، بطيء الغضب، وكثير الإحسان والوفاء، أدّخر الإحسان، وأغفر الإثم والمعصيّة والخطيّة” [سفر الخروج: الإصحاح: 34، آية: 6 – 7]، مع إقرار التّوراتين أو العهد القديم في الآية نفسها الغضب الإلهيّ، لمن لم يتب واستمر في المعصية أي الإجرام.
وفي مزامير داود عند اليهود والمسيحيين في العهد القديم: “الرّب حنّان ورحيم، بطيء الغضب، ووافر الرّأفة، الرّب يغمر الجميع بصلاحه، ومراحمه تعمّ كلّ أعماله” [مزمور، المزمور المئة والخامس والأربعون، آية: 8 – 9]، وجاء في العهد الجديد من الكتاب المقدّس عند المسيحيين في الرّسالة إلى مؤمني أَفسُس: “أمّا الله وهو غنيّ في الرّحمة” [الإصحاح: 2، آية: 4].
وفي كنزا ربّا عند الصّابئة المندائيين في التّسبيح الأول: “هو الحيّ العظيم، مسرة القلب، وغفران الخطايا …. الحنان التّواب الرّؤوف الرّحيم”[45].
وفي القرآن الكريم: {مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [فاطر: 2]، {قَالُوا بَشَّرْنَاكَ بِالْحَقِّ فَلَا تَكُنْ مِنَ الْقَانِطِينَ، قَالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ} [الحجر: 55 – 56].
وفي الكتاب المقدّس عند السّيخيّة السّيليّ جرو ساحب، السّلم الثّالث: “إنّ الله مولانا دائم الوجود، وكذلك نظامه وعدله ذو الدّوام والاستقرار، أمّا نطقه فهو نطق المحبّة غير المتناهي”[46] أي رحمته وإحسانه ومحبّته لا تنقطع عن عباده.
وفي نسائم الرّحمن من ألواح بهاء الله: “يا ابن الإنسان، عظمتي عظمتي إليك، وكبريائي رحمتي عليك، وما ينبغي لنفسي لا يدركه أحد، ولن تحصيه نفس، قد أخزنته في خزائن سري، وكنائز أمري، تلطفا لعبادي، وترحما لخلقي”[47].
وإذا جئنا إلى القيمة ذاتها ومصاديقها في الواقع الاجتماعيّ والإجرائيّ الظّرفيّ فكثيرا نجد من الشّواهد على ذلك، منها مثلا في إنجيل متّى: “طوبى للرّحماء فإنّهم سيرحمون” [الإصحاح: 5، آية: 7]، “طوبى لصانعي السّلام، فإنّهم يدعون أبناء الله” [الإصحاح: 5، آية: 9]، “فإن غفرتم للنّاس زلاتهم يغفر لكم أبوكم السّماويّ زلاتكم، وإن لم تغفروا للنّاس لا يغفر بكم أبوكم السّماويّ زلاتكم” [الإصحاح: 6، آية: 14 – 15].
وفي القرآن أيضا مثلا: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ} [آل عمران/ 159]، {وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [النّور: 22].
والمتأمل في النّصوص المقدّسة المتعلقة بالرّحمة والمساواة مثلا – كما أسلفنا – سيجدها تقترب من الإنسان، وتسقط واقعها على الإنسان وعلاقته بالكون، وتبتعد عن الاغتراب الميتافيزيقي والماورائيّ، لتشكل خلقيات وأدبيات سامية، وروحا نستطيع بها التّعامل مع الأحكام الإجرائيّة الظّرفيّة، الّتي في ظاهرها تتعارض مع هذه القيم، كآية العهد الجديد: “لا تظنّوا أنّي جئت لألقي سلاما على الأرض، ما جئت لألقي سلاما بل سيفا” [إنجيل متّى، الإصحاح: 10، آية: 34]، وآية القرآن الكريم: {فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [التّوبة: 5]، فهذه آيات إجرائيّة، والآيات الإجرائيّة ظرفيّة متعلقة بالزّمكانيّة، وليست آيات مطلقة، فهي محكومة بالقيم الّتي دلت عليها النّصوص ذاتها؛ لأنّ القيم مطلقة، ومرتبطة بالماهيّة الإنسانيّة، وسابقة عن التّشريعات الإجرائيّة، فهذه مثلا تقرأ في سياقات الاعتداء، فهي حالة طبيعيّة في التّعامل البشريّ، وإلا الأصل كما جاء في إنجيل متّى نفسه: “وسمعتم أنّه قيل تحبّ قريبك، وتبغض عدّوك، أمّا أنا فأقول لكم: أحبّوا أعدائكم، وباركوا لاعنيكم، وأحسنوا معاملة الّذين يبغضونكم، وصلّوا لأجل الّذين يسيئون إليكم ويضطهدونكم” [الإصحاح: 5، آية: 43 – 44]، وفي القرآن نفسه: {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} [البقرة: 190]، {وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [الأنفال: 61].
فيجب على أصحاب الدّيانات أن يعمّقوا هذه القيم، ولا يقفوا عند حرفيّة النّصوص الإجرائيّة، وأن ينطلقوا من القيم ومنها الرّحمة، منفتحين على الواقع الإنسانيّ ككل.
وكما أنّ هذه القيم مرتبطة بالواقع الإنساني، لها ارتباط بالجانب الفرداني، فيشعر المرء بالسّكينة والطّمأنينة من حيث علاقته بربه، وعدله معه، ليشعر الأصل بذلك في مجتمعه، وما يتعلق بالمواطنة وحقوق الإنسان، لتتحقق كرامته واقعا، لا أن يستغل لمصالح فئويّة، وهوّيّات مصالحيّة.
الرّحمة وواقع المجتمع الإنساني ومستقبله
يعيش العالم الإنسانيّ اليوم في عالم حضاريّ واحد، يتضمّن ثقافات لا تعدّ ولا تحصى، مختلفة في العرق والدّين واللّغات والعادات والفنون والأعراف وغيرها، هذه الحضارة تقوم على قيم مرتبطة بالإنسان، ومنها قيمة الرّحمة، وأرها تتجسد بنائيّا حول ست أسس مهمّة في نظري.
الأساس الأول: الإقرار بالجانبّ التّكوينيّ والكسبيّ في الاختلاف، ومصداق هذا في القرآن الكريم: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ، إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ} [هود: 118 – 119]، فالاختلاف شيء طبيعيّ، وعلى هذا تتمثل الرّحمة في أرقى صورها في حبّ الآخر ورحمته، ابتداء من ماهيّته وكرامته الإنسانيّة، مستغرقة الاختلاف معه لكونه حالة إنسانيّة طبيعيّة، فتتمثل قيمة الرّحمة في: “حبّ لأخيك ما تحبّه لنفسك”، والأخ كما يقول عليّ بن أبي طالب [ت 40هـ]: “إمّا أخ لك في الدّين، أو نظير لك في الخلق”.
وعلى هذا الهوّيّات ليست حقيقة مطلقة تلغي الآخر، فاختلاف الدّين قائم في جملته على الكسب، وقلّ ما يكون عن طريق البحث والاقتناع، فتتشكل الرّحمة لكونك ولدت في بيئة جعلتك تكسب دينا ومذهبا تنمو معه، وتتمسك به، فكذلك الآخر، ولهذا يقرر القرآن الكريم: {إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} [البقرة: 62].
فلمّا تنظر إلى المتفق والمختلف معك من حيث الماهيّة، تنظر إليهم بعين واحدة، هي عين الرّحمة القائمة على المساواة والكرامة الإنسانيّة، فتخدم الآخر وتعدل معه وتساعده وتكون عونا له، مجسّدا هذه الرّحمة عمليّا باعتباره إنسانا له كرامته مثلك تماما.
وما ينطبق في الدّنيا ينطبق في الآخرة، {وَكُلُّهُمْ آَتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا} [مريم: 95]، فالقرآن يقرر فردانيّة الجزاء، وهو بيد الله وحده، والله مطلق العدل والرّحمة، عالم بعباده، رحيم بهم، وجميع البشر أبناؤه، وإن اختلفوا في طريقة الوصول إليه، إلا أنّهم يقرون به وبوجوده.
والأساس الثّاني: أساس التّعارف، لأنّ الاختلاف ثمرة ينتج عنها متعة ولذة التّعارف، وكما أنّ الاختلاف التّكوينيّ والكسبيّ يثمر عنه التّعايش من جهة، أي العيش المشترك في بناء الأرض وعمارتها، فكذلك يثمر عنه التّعارف من جهة أخرى كما يقرر القرآن الكريم: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} [الحجرات: 13].
والتّعارف في جملته تعرّف على الآخر واعتراف به، فكما تسعى في التّعرف عليه فأنت تعترف به وباختلافه معك، وهذا يقودنا إلى التّعرف على المختلف، ويكون عن طريق اللّقاء والحوار والاجتماع والخلطة، مشروط باحترام الآخر ومقدّساته ورموزه وطقوسه، ومن مصاديق ذلك في القرآن الكريم: {وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [العنكبوت: 64]، {وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا} [البقرة: 83].
وهذا تجسيد للرّحمة ليس على مستوى الأفراد فحسب؛ بل على مستوى دور العبادة من كنس وكنائس وأديرة ومساجد ومعابد، بجانب المؤسّسات العلميّة والثّقافيّة، حيث تجسّد رحمة الآخر ليس كنظرة عاطفيّة عابرة معه، بقدر ما هو مشروع قائم على استيعاب الآخر والاقتراب معه، والاندماج ليس بمعنى إلغاء هوّيّته، وإنّما الاندماج القيميّ المرتبط بالماهيّة؛ لأنّها قيم واحدة، فيتركون في تجسيد هذه القيم الإنسانيّة في خدمة الجنس البشريّ، وتكون هوّيّاتهم المختلفة دينيّا ومذهبيّا وثقافيّا منسجمة في هذه الوحدة البنائيّة للعالم الإنسانيّ، وبه تتجسّد الحضارة الإنسانيّة العالميّة الواحدة.
والأساس الثّالث: وهو النّاتج من سننيّة الاختلاف، وسنّة التّعارف، أي يقود إلى أساس البناء الإنسانيّ المشترك، الّذي يحدّ من الصّراع والتّطرف الدينيّ والسّياسيّ والأثنيّ العرقيّ، انطلاقا من الفردانيّة الوجوديّة فالمواطنة فحقوق الإنسان، حيث النّظرة – كما أسلفنا – إلى الإنسان لكونه ماهيّا مكرما في ذاتيّته، وملازم له وجوديّا لا ينفصل عنه بأيّ حال، وعلى هذا تبنى المواطنة على أساس الشّراكة الإنسانيّة في بلد قطريّ ما، والدّساتير منطلقها القيم الكبرى الحافظة لهذا الإنسان بعيدا عن أيّ انتماء له، فالدّولة القطريّة وإن كانت بذاتها هوّيّة، إلا أنّ هذه الهوّيّة مبنيّة إنسانيّا من جهة، وحافظة لجميع الأفراد باعتبار المواطنة القائمة على قيمة المساواة والكرامة الإنسانيّة.
وكما أنّ لكلّ دولة قطريّة هوّيّات انتمائيّة، إلا أنّها ليست حاكمة على المواطنة، وإنّما المواطنة حاكمة عليها، ليس بمعنى الإلغاء، وإنّما الحفاظ عليها بما يخدم الجميع على حدّ سواء، وهنا تتجسّد الرّحمة في المواطنة المرتبطة بقيم المساواة والعدل على اعتبار القيمة الإنسانيّة الواحدة للفرد، فلا يشعر المختلف لونا أو قبيلة أو مناطقيّة أو ولادة أو دينا أو مذهبا أو لغة بالغربة في هذا الوطن، بل يشعر بالانتماء الحقيقي لكونه إنسانا يشمله قانون واحد لا يفرّق بينه وبين غيره.
وعلى هذا، هذه المواطنة لا يوجد فيها أقليّات في الجانب العمليّ والانتمائيّ، ولكن يوجد أقليات بالاعتبار المعرفي والدّراسي الإحصائيّ فقط، ولكن إذا خرجنا إلى جانب الدّولة والمواطنة خرجنا إلى المواطن الفرد المنتمي إلى هوّيّة قطريّة واحدة، لا إلى المواطن المنتمي إلى هوّيّات أخرى وإن كثرت عددا، فالمسيحيّ في الدّول القطريّة ذات أكثريّة إسلاميّة ذاته كالمسلم في دولة قطريّة ذات أغلبيّة مسيحيّة، في مقام الدّولة يشعران معا بالانتماء الوطنيّ الإنسانيّ الواحد، وبهذا ينكمش ويذوب الصّراع الانتمائيّ تحت أيّ مظلة دينيّة أو مذهبيّة أو عرقيّة.
وهذا الحال ذاته لمّا نتجاوز الدّولة القطريّة إلى عالم وحضارة الإنسان، والمتمثلة اليوم في وثيقة حقوق الإنسان، وهي أرقى ما توصل إليه العالم الإنسانيّ في تأريخه، فحقوق الإنسان واحدة في العالم أجمع، إلا أنّ التّصرفات والأطماع السّياسيّة السّلبيّة من جهة، والمصالح الدينيّة والثّقافيّة البرجماتيّة من جهة أخرى تحول دون تحقق ذلك، وعليه لابدّ أن يستقل العقل الدّينيّ والثّقافيّ بعيدا عن تصرفات السّاسة السّلبيّة، والمصالحيّة النّفعيّة الضّيقة، بحيث يكون هذا العقل خادما للإنسان كإنسان في أيّ بقعة يعيش فيها.
كما أنّ جميع الدّول في العالم هي دول إجرائيّة تنظيميّة لتحقيق إنسانيّة الفرد، وهذا لا يتحقق إلا بوجود منظومة عالميّة إنسانيّة متحدة تقوم على استقرار الدّول وإحيائها وتنميتها، لأنّ نماء أيّ دولة في العالم وإحيائها؛ هو نماء وإحياء للعالم أجمع، كانت في الشّرق أم في الغرب، ودمارها وخرابها هو دمار وخراب للعالم أجمع أيضا، {وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا} [المائدة: 32].
والأساس الرّابع: يتمثل في الجانب القيميّ والأخلاقيّ؛ لأنّ جوهر القيم والأخلاق في العالم واحدة، وعلى هذا تبنى الأمور الإجرائيّة لأنّها لا تخرج عن الظّرفيّة الزّمكانيّة، وكما أنّ العالم عليه أن يتجاوز الجوانب الإجرائيّة الماضويّة، لكونها جاءت وفق ظرفيّتها، إلا أنّ روح هذه الأحكام الإجرائّية واحدة، والأديان حفظت العديد منها، فنحن ندور مع هذه الرّوح وفق عالمنا اليوم، وروح وجوهر وقيمة الرّحمة لابدّ أن تكون حاضرة في هذا الجانب.
وعلى هذا يترتب الأساس الخامس: وهو الجانب التّشريعيّ المتمثل في التّشريعات الدّستوريّة والشّرطيّة والجنائيّة والتّعامليّة والأسريّة وغيرها من الجوانب القانونيّة، فهذه في غالبها أمور إجرائيّة، والأمور الإجرائيّة ظرفيّة، بيد أنّ القيم مطلقة، وعليه الظّرفيّ يدور وفق القيم المطلقة لا العكس، حتّى لا يحكم ويقيّد المطلق بالظّرفيّ، ومدار هذا الإنسان ذاته، وعليه لا يجوز فصل الجوانب الإجرائيّة عن الأنسنة، وإلا سندخل عالم آخر يعقوق حركة تطوّر الإنسان، وتحقيق كرامته ومكانته.
وعلى هذا يكون الأساس السّادس: وهو الأساس الاستثماريّ، أي أنّ التّعدديّة أيّا كانت في ذاتها حالة نافعة للجنس البشريّ ككل، لا يقتصر عند الجانب الجماليّ فحسب، بل يمتد إلى الجانب النّفعيّ للعالم أجمع، كما أنّ تدافع هذه الهوّيّات المختلفة تدافعا طبيعيّا استثماريّا يؤدي إلى تهذيبها وتطوّرها بمقدار ما تقدّمه من خدمة للجنس البشريّ عموما.
فعالم اليوم لم يعد يتحمل تلك الزّاوية الضّيقة، بل أصبح عالما منفتحا على الآخر، وطبيعة الإنسان قائمة على ذلك، فعلينا أن نحقق الرّحمة الواسعة للكل، فكما أنّ رحمة الخالق وسعت العالم أجمع، لنعيش فوق أرضه، ونستظل بسمائه، ونستنشق هواءه، ونتمتع بخيراته، فلا أقل أن نجسّد هذه الرّحمة واقعا بتحقيقها بين الجميع؛ لأنّ ماهيّتنا واحدة، وهوّيّانا نتيجة لاختلاف هذه الحياة، وتنوعها، كالبستان المحتوي على شجر وثمر مختلف، ويسقى بماء واحد، وينبت في تربة واحدة، فكذلك نحن معاشر البشر: {وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَبَاتًا} [نوح: 17].
وعلى هذا نمايز بين الحضارة والثّقافة، فالحضارة أقرب إلى الماهيّة؛ لأنّها قائمة على الإنسان والعقل والبحث، منطلقة من القيم المنبثقة من الجانب الوجوديّ، والثّقافة مبنيّة على الهوّيّات الكسبيّة، فتتحاور الثّقافة منطلقة من قيم الحضارة لا متصارعة معها، وبهذا نهيئ جوّا حضاريّا إنسانيّا يبنى على قيم الرّحمة والمساواة والعدل، هذا الجو في ذاته بئية خصبة للجيل القادم ومستقبله، ليتجاوز الماضي إلى الحاضر، والصّراع إلى البناء، والبغض إلى الحبّ، والهوّيّة إلى الإنسان.
قائمة المراجع
أولا: الكتب
- آل محمّد، أحمد حمدي. الدّليل والإرشاد في لقاء رب العباد. بيروت: مطابع البيان، 1966م.
- أحمد، عبد الجبار. شرح الأصول الخمسة. القاهرة: مكتبة وهبة، 1965م.
- أَنِس، جيمس. علم اللّاهوت النّظاميّ، راجعه منيس عبد النّور، القاهرة: الكنيسة الإنجيليّة بقصر للدّوبارة، لا تأريخ.
- البهلانيّ، ناصر بن سالم بن عديّم. العقيدة الوهبيّة. تحقيق صالح بن سعود القنوبيّ وعليّ بن سعيد القنوبيّ. مسقط: مكتبة مسقط، 2004م.
- تولستوي، ليف. في الدّين والعقل والفلسفة. ترجمه يوسف نبيل. بغداد – بيروت: الجمل، لا تأريخ.
- الجوينيّ، محمّد بن عبد الله. لمع الأدلّة في قواعد أهل السّنّة والجماعة، تحقيق عبد العزيز السّيروان، بيروت: دار اللّسان، لا تأريخ.
- الحايك، منذر. كنزا ربّا: الكتاب المقدّس للمندائيين: دراسة مقارنة. دمشق – دبيّ: صفحات للدّراسات والنّشر والتّوزيع، 2016م.
- الخليليّ، أحمد بن حمد. الحق الدّامغ. مسقط: مكتبة الضّامريّ للنّشر والتّوزيع، 2001م.
- الرّازيّ، محمّد بن أبي بكر. مختار الصّحاح. بيروت: مكتبة لبنان ناشرون، 1995م.
- الرّفاعيّ، عبد الجبّار. الدّين والاغتراب الميتافيزيقي. بغداد: مركز دراسات فلسفة الدّين، 2018م.
- زقزوق، حمدي زقزوق. مقدّمة في علم الأخلاق. القاهرة: دار الفكر العربيّ، 1993م.
- السّبحانيّ، جعفر. الإلهيات، لا دار، 1989م.
- استاورو، زكريا. أساسيات مسيحيّة. شبرا: مكتبة الأخوّة، 2001م.
- سليمان، صادق جواد. الإنسان والماهيّة: محاورات في الدّين والفلسفة والشّأن الإنسانيّ. تحرير بدر العبريّ. بيروت: دار روافد للطّباعة والنّشر والتّوزيع، 2021م.
- سليمان، صادق جواد. سلامة الفكر بسلامة منهج التّفكير. بيروت: دار روافد للطّباعة والنّشر والتّوزيع، 2021م.
- سميث، جوزيف. كتاب مورمون: شهادة ثانية ليسوع المسيح. يوتا: كنيسة يسوع المسيح لقدّيسي الأيام الأخيرة، 1985م.
- الطّريحيّ، محمّد سعيد. السّيخ عقائدهم وتاريخهم، دمشق: دار نينوى للدّراسات والنّشر والتّوزيع، 2009م.
- العبريّ، بدر. إضاءة قلم: التّعايش تأملات ومذكرات. مسقط: الجمعيّة العمانيّة للكتّاب والأدباء، كندا: مسعى للنّشر والتّوزيع، 2019م.
- العثيمين، محمّد بن صالح. تقريب التّدمريّة. الدّمام: دار ابن الجوزي للنّشر والتّوزيع، 1419هـ.
- العقاد. عباس محمود. حياة المسيح. القاهرة: دار الهلال، 2014م.
- عقيل، حسين عقيل. موسوعة أسماء الله الحسنى وأثرها في استخلاف الإنسان في الأرض. دمشق – بيروت: دار ابن كثير، 2009م.
- كونغ، هانس. “أخلاق عالميّة أساس لمجتمع عالميّ”؛ منشور ضمن كتاب: العولمة الطّوفان أم الانقاذ؟ الجوانب الثّقافيّة والسّياسيّة والاقتصاديّة، حرره فرانك جي وجون بولي. ترجمه فاضل جكتر. بيروت: المنظمة العربيّة للتّرجمة ومركز دراسات الوحدة العربيّة، 2004م.
- اللّاويّ، يهودا بن صموئيل. الكتاب الخَزريّ: كتاب الرّدّ والدّليل في الدّين الذّليل، ترجمه نبيه بشير، بيروت – بغداد: الجمل، 2012م.
- مارتن، بيتر. ما يسوّغ العولمة أخلاقيّا، منشور ضمن كتاب: العولمة الطّوفان أم الانقاذ؟ الجوانب الثّقافيّة والسّياسيّة والاقتصاديّة، حرره فرانك جي وجون بولي. ترجمه فاضل جكتر. بيروت: المنظمة العربيّة للتّرجمة ومركز دراسات الوحدة العربيّة، 2004م.
- مجموعة من المختصين. موسوعة نظرة النّعيم في مكارم أخلاق الرّسول الكريم. إشراف صالح بن عبد الله بن حميد وعبد الرّحمن بن محمّد بن ملّوح. جدّة: دار الوسيلة للنّشر والتّوزيع، 2000م.
- النّعيميّ، محمّد سالم. القراءة الحداثيّة للنّص القرآنيّ وأثرها في قضايا العقيدة. القاهرة: مصر العربيّة للنّشر والتّوزيع، 2015م.
- نوريّ: حسين عليّ. نسائم الرّحمن. شمال غرب أفريقيا: المحفل الرّوحانيّ المركزيّ البهائيّ، 1993م.
ثانيا: الدّوريات
- “تعريف ومعنى الهُويّة”، موقع موسوعة كلّه لك.
- شطارة، عامر ناصر. “الفردانيّة في الفلسفة الحديثة كيركيجارد أنموذجا”، دراسات، العلوم الإنسانيّة والاجتماعيّة. مجلد 41، ملحق: 1 (2014م).
- العبريّ، بدر بن سالم. “زيارة عالم دين ومجمع الأديان ومقابلة مع الكنيسة المشيخيّة”، صحيفة شؤون عمانيّة، صحيفة الكترونيّة. 4 يوليو 2021م.
- العبريّ، بدر بن سالم. “الهوّيّة من حيث الماهيّة والأنسنة”، جريدة عمان. 28 يونيو 2021م.
- العبريّ، بدر بن سالم. “عيد القربان في الأديان الإبراهيميّة”، جريدة عُمان. 18 يوليو 2021م.
[1] محمّد بن أبي بكر الرّازيّ، مختار الصّحاح، (بيروت: مكتبة لبنان ناشرون، 1995م)، ص: 100.
[2] نفسه، 100.
[3] مجموعة من المختصين، موسوعة نظرة النّعيم في مكارم أخلاق الرّسول الكريم، صالح بن عبد الله بن حميد وعبد الرّحمن بن محمّد بن ملّوح (مشرف)، (جدّة: دار الوسيلة للنّشر والتّوزيع، 2000م)، ج:6، ص: 2061.
[4] نفسه، ج:6، ص: 2062.
[5] عقيل حسين عقيل، موسوعة أسماء الله الحسنى وأثرها في استخلاف الإنسان في الأرض، (دمشق – بيروت: دار ابن كثير، 2009م)، ج: 1، ص: 125.
[6] محمّد حمدي زقزوق، مقدّمة في علم الأخلاق، (القاهرة: دار الفكر العربيّ، 1993م)، ص: 136.
[7] جيمس أَنِس، علم اللّاهوت النّظاميّ، منيس عبد النّور (مراجع)، (القاهرة: الكنيسة الإنجيليّة بقصر للدّوبارة، لا تأريخ)، ص: 16.
[8] نفسه، ص: 16.
[9] عبد الجبار الرّفاعيّ، الدّين والاغتراب الميتافيزيقي، (بغداد: مركز دراسات فلسفة الدّين، 2018م)، ص: 217.
[10] صادق جواد سليمان، الإنسان والماهيّة: محاورات في الدّين والفلسفة والشّأن الإنسانيّ، بدر العبريّ (محرر)، (بيروت: دار روافد للطّباعة والنّشر والتّوزيع، 2021م) ص: 147.
[11] ناصر بن سالم بن عديّم البهلانيّ، العقيدة الوهبيّة، صالح بن سعود القنوبيّ وعليّ بن سعيد القنوبيّ (محقق)، (مسقط: مكتبة مسقط، 2004م)، ص: 132.
[12] نفسه، ص: 133.
[13] أحمد بن حمد الخليليّ، الحق الدّامغ، (مسقط: مكتبة الضّامريّ للنّشر والتّوزيع، 2001م)، ص: 100.
[14] محمّد بن صالح العثيمين، تقريب التّدمريّة، (الدّمام: دار ابن الجوزي للنّشر والتّوزيع، 1419هـ)، ص: 25.
[15] عبد الجبار بن أحمد، شرح الأصول الخمسة، (القاهرة: مكتبة وهبة، 1965م)، ص: 440.
[16] للمزيد ينظر كتاب: محمّد بن عبد الله الجوينيّ، لمع الأدلّة في قواعد أهل السّنّة والجماعة، عبد العزيز السّيروان (محقق)، (بيروت: دار اللّسان، لا تأريخ).
[17] جعفر السّبحانيّ، الإلهيات، (لا دار، 1989م)، ص: 84، نسخة الكترونيّة.
[18] مجموعة من المختصين، ج:6، ص: 2061.
[19] يهودا بن صموئيل اللّاويّ، الكتاب الخَزريّ: كتاب الرّدّ والدّليل في الدّين الذّليل، نبيه بشير (مترجم)، (بيروت – بغداد: الجمل، 2012م)، ص: 202 – 203.
[20] زكريا استاورو، أساسيات مسيحيّة، (شبرا: مكتبة الأخوّة، 2001م)، ص: 57 – 58.
[21] بدر بن سالم العبريّ، “زيارة عالم دين ومجمع الأديان ومقابلة مع الكنيسة المشيخيّة”، صحيفة شؤون عمانيّة، صحيفة الكترونيّة، 4 يوليو 2021م، تأريخ الزّيارة: 16 أكتوبر 2021م، السّاعة الحادية عشر والنّصف صباحا بتوقيت مسقط.
[22] محمّد سالم النّعيميّ، القراءة الحداثيّة للنّص القرآنيّ وأثرها في قضايا العقيدة، (القاهرة: مصر العربيّة للنّشر والتّوزيع، 2015م)، ص: 134.
[23] أحمد حمدي آل محمّد، الدّليل والإرشاد في لقاء رب العباد، (بيروت: مطابع البيان، 1966م)، ص: 11.
[24] للمزيد ينظر مثلا: كتاب الإنسان الكامل في معرفة الاواخر والاوائل، لعبد الكريم الجيليّ [ت 1424م] من المتصوّفة والغنوصيين المسلمين، وكتاب حبّة الحنطة لمتّى المسكين [ت 2004م] من الغنوصيين المسيحيين.
[25] استاورو، ص: 53.
[26] سليمان، الإنسان والماهيّة، ص: 63.
[27] نفسه، ص: 65.
[28] ليف تولستوي، في الدّين والعقل والفلسفة، يوسف نبيل (مترجم)، (بغداد – بيروت: الجمل، لا تأريخ)، ص: 127 – 128.
[29] صادق جواد سليمان، سلامة الفكر بسلامة منهج التّفكير، (بيروت: روافد للطّباعة والنّشر والتّوزيع، 2021م)، ص: 206.
[30] بدر بن سالم العبريّ، “الهوّيّة من حيث الماهيّة والأنسنة”، جريدة عمان، 28 يونيو 2021م، تأريخ الزّيارة: 17 أكتوبر 2021م، الخامسة عصرا بتوقيت مسقط.
[31] عامر ناصر شطارة، “الفردانيّة في الفلسفة الحديثة كيركيجارد أنموذجا”، دراسات، العلوم الإنسانيّة والاجتماعيّة، مجلد 41، ملحق: 1 (2014م)، ص: 518.
[32] نفسه، ص: 519.
[33] سليمان، سلامة الفكر، ص: 206.
[34] “تعريف ومعنى الهُويّة”، موقع موسوعة كلّه لك، تأريخ الزّيارة: الأحد، 3 نوفمبر 2009م، السّاعة الخامسة والنّصف عصرا.
[35] تولستوي، ص: 152 – 153.
[36] هانس كونغ، “أخلاق عالميّة أساس لمجتمع عالميّ”؛ منشور ضمن كتاب: العولمة الطّوفان أم الانقاذ؟ الجوانب الثّقافيّة والسّياسيّة والاقتصاديّة، فرانك جي وجون بولي (تحرير)، فاضل جكتر (مترجم)، (بيروت: المنظمة العربيّة للتّرجمة ومركز دراسات الوحدة العربيّة، 2004م)، ص: 86 – 87.
[37] شطارة، ص: 519.
[38] بيتر مارتن، ما يسوّغ العولمة أخلاقيّا، منشور ضمن كتاب: العولمة الطّوفان أم الانقاذ؟ الجوانب الثّقافيّة والسّياسيّة والاقتصاديّة، فرانك جي وجون بولي (تحرير)، فاضل جكتر (مترجم)، (بيروت: المنظمة العربيّة للتّرجمة ومركز دراسات الوحدة العربيّة، 2004م)، ص: 32.
[39] نفسه، ص: 32.
[40] شطارة، ص: 520.
[41] ينظر: جوزيف سميث، كتاب مورمون: شهادة ثانية ليسوع المسيح، (يوتا: كنيسة يسوع المسيح لقدّيسي الأيام الأخيرة، 1985م).
[42] عباس محمود العقاد، حياة المسيح، (القاهرة: دار الهلال، 2014م)، ص: 44.
[43] بدر العبريّ، إضاءة قلم: التّعايش تأملات ومذكرات، (مسقط: الجمعيّة العمانيّة للكتّاب والأدباء، كندا: مسعى للنّشر والتّوزيع، 2019م)، ص: 128.
[44] هذه المقدّمة من مقالي “عيد القربان في الأديان الإبراهيميّة”، ارتأيت إضافتها كمقدّمة للموضوع، مع تصرف بسيط جدّا.
ينظر: بدر العبريّ: “عيد القربان في الأديان الإبراهيميّة”، جريدة عُمان، 18 يوليو 2021م، تأريخ الزّيارة: 18 أكتوبر 2021م، السّادسة والنّصف صباحا بتوقيت مسقط.
[45] منذر الحايك، كنزا ربّا: الكتاب المقدّس للمندائيين: دراسة مقارنة، (دمشق – دبيّ: صفحات للدّراسات والنّشر والتّوزيع، 2016م)، ص: 47.
[46] محمّد سعيد الطّريحي، السّيخ عقائدهم وتاريخهم، (دمشق: دار نينوى للدّراسات والنّشر والتّوزيع، 2009م)، ص: 56.
[47] حسين عليّ نوريّ، نسائم الرّحمن، (شمال غرب أفريقيا: المحفل الرّوحانيّ المركزيّ البهائيّ، 1993م)، ص: 76.