1443هـ/ 2022م
الجواب: ابتداء سادغورو من الحكماء الهنود ممّن ولد في بيئة هندوسيّة، واعتنى الرّجل بفلسفته حول الذّات، وأن تنظر إلى العالم من خلال ذاتك، حيث بها انطوى العالم الأكبر.
اعتنى سادغورو بالعمل التّطوعيّ، فأسّس مؤسّسة ايشا غير الرّبحيّة، واعتنى باليوغا والشّباب، وبالمناخ والبيئة، ومنها حملته الأخيرة، ومن المقرر زيارته إلى عمان في الاثنين المقبل 25 مايو.
الاعتراض الّذي حدث على زيارته صحبها اقتطاع كبير لبعض مقاطعه، مع تشويه قد يكون متعمّدا من البعض، لكنّي لم أجد قراءات تقرأ هذه المقاطع وفق سياق منهج سادغورو، فهي إمّا لتثبيت أحكام مسبقة لإثارة الرّأي العام وتوكيد ما يريدون تحقيقه من منعه لانتصار زائف، أو لتشويه الرّجل في العقل الجمعيّ.
لعل هناك اعتراضان انتشرا من البداية لا قيمة لهما، الأول أنّه هندوسيّ يدعو إلى الهندوسيّة، أمّا كونه هندوسيّا فطبيعيّ لأنّه من ذات البيئة، لكنّه حكيما من حكمائهم الرّوحيين، فهؤلاء لهم آراؤهم الّتي قد تخالف الخطّ الأرثذوكسيّ الهندوسيّ ذاته، فله استقلاله ورؤيته، على أنّه عرفانيّ أبعد من الخطّ السّلفيّ، وهؤلاء كما هو معلوم أبعد عن التّطرف بسجيتهم الصّوفيّة والغنوصيّة.
والثّاني عبادته للبقرة، والهندوس لا يعبدون البقر، وإنّما يرون لها رمزيّة في الحياة، مجسّدة لقيمة الغذاء والاهتمام به من لبن وحليب ونحوه، كما يقدّس بعض البوذيين الأرز، والزّرادشت النّار، ولكن لا يعبدونها، وتقديس المادّة موجود عند جميع الأديان ومنها الإسلام من أحجار وجبال وأنهار وأماكن وقبور، ولكنّها لا تعبد في ذاتها.
وهناك اعتراضان خارجيّان سياسيّا، أولاهما ما يحدث في الهند من إجرام وتقتيل للمسلمين من قبل غلاة الهندوس، ولا يوجد لسادغورو ما يدل على اعتراضه وإنكاره لهذه الجرائم، وكما أسلفت توجه سادغورو العرفانيّ يتعارض مع هذا الإجرام، إلا إذا وجد ما يدل على تأييده، فهذا شيء آخر، بيد أنّ الغلو الّذي يمارسه المتطرفون من الهندوس لا يجوز أن نظلم به الجميع، كما لا يمكن ظلم جميع البوذيين لتطرفّ طائفة منهم في النّيبال ضدّ المسلمين، ولا يمكن ظلم جميع المسلمين بما فعلته داعش في العراق وسوريّة، فالتّطرف لا دين له.
والاعتراض الثّاني زيارته لإسرائيل، وهذا راجع إلى فسلفتهم الغانديّة حول (اللّاعنف)، مع أنّ ذهابه ومدحه كان لغرض مناخيّ توعويّ وليس سياسيّا.
أمّا الاعتراضات الأخرى فقد تتمثل أولاهما في إلحاده، وهذا بناء على تصوّره للإله، ثمّ إنكاره لليوم الآخر، أمّا الأول فهو كطبيعة الحكماء الرّبوبيين الّذين لا يرون الإله في صورته المشخصنة والمؤنسنة في أسماء وصفات منفصلة أو بائنة عن العالم، بل هو في العالم، والعالم في ذات الإنسان، فهذه الرّؤية أقرب إلى الحلول، وأبعد عن التّجسيم، وغالب الأديان ما بينهما في تصوّر الإله.
وأمّا إنكاره لليوم الآخر، بناء على تأثره الهندوسيّ في التّناسخ والخلود، وتشكل الذّات إلى ماهيّات أخرى بعد الموت عن طريق الرّوح، ولهم فلسفات في ذلك، بما في ذلك البوذيون، وإن كان السّيخ اقتربوا قليلا من الإسلام، إلا أنّهم بقوا في دائرة متدحرجة في هذا أقرب إلى اللّاأدريّة.
وما عدا هذا من اعتراضات أغلبها هامشيّة جدّا كتقديسه للتّربة بناء على معتقده الهندوسيّ، والتّربة لها رمزيّة بالإنسان عند جميع الأديان بما فيها الإسلام، وقبل أن تكون رمزيّة دينيّة لها رمزيّة علميّة، حتّى في القرآن، فالإنسان كما وصفه القرآن {وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَبَاتًا}.
ومنها ما يفيد في مقاطعه من استهزاء بالإله وبعض المعتقدات، وأنّه مخالف للهويّة الدينيّة والمعتقديّة عند العمانيين، مع التّخوّف على الشّباب والمراهقين من التّأثر بفكره.
وعموما لكل رأيّه، وله حريّة التّعبير مطلقا، إلا أنّ ما حدث كان – في نظري – لصالح سادغورو، حيث لم يكن في خلده، لو علم بما حدث من هذه الضّجّة أن تثمر رحلته في هذا الحراك قبل قدومه، فأغلب مجتمعنا العمانيّ لا يعرفه، وهؤلاء قدّموا له دعاية مجانيّة جعلت مقاطعه في اليوتيوب ترتفع مشاهداتها من عمان، كما أنّ العديد استيقظ على معرفة رجل اسمه سادغورو.
أمّا قرار الدّولة فلا أستطيع التّكهن به، حيث لا أدري مسار أصحاب القرار لأبني عليه تكهني، وسبق أن وقفت فعاليّة في شبكة المصنعة لفراس السّواح من سوريّة نتيجة الضّجّة الّتي حدثت حول رؤيته حول الحجاب، وفعاليّة ناصر الدّشتي من الكويت في النّادي الثّقافيّ لبعض رؤاه النّاقدة للتّيار الدّيني، ولكن هل سيكون كذلك لفعاليّة سادغورو، أم أنّ الوضع أكثر تعقيدا، لثقل حملته أولا، ولطبيعة عمان المتسامحة تأريخيّا وحاضرا مع الأديان والمذاهب، وانفتاحها على الآخر، ممّا قد يسيء إليها المنع إعلاميّا، ويؤثر عليها في سجل التّأريخ، أم ستكون هناك حلول وسط، كأن سيقتصر الحضور على الجاليّة الهنديّة فقط، أم ستكون زيارته بدون فعاليّا وضجّة إعلاميّة، أم ماذا، نترك الجواب لقابل الأيام.