الأستاذ العزيز م.ص وفقك الله تعالى.
بداية الكرامات لم ترد بهذه اللّفظة في كتاب الله تعالى، وإنما ورد لفظة الآية، ولا مشاحة في الاصطلاح، وإن كان اللّفظ القرآني أقرب إلى الدلالة الكونية؛ لأنّ لكل شيء آية، ووجود الإنسان آية من آيات الله تعالى، توصل العلم إلى تفسيرها أم لم يتوصل.
إلا أنّ هذه الآيات من حيث الحدوث فليس بمعجز حدوثها، إلا أنّها من حيث الخبر كما يقول البلاغيون، وقبلهم قال المناطقة هي أخبار قابلة للتّصديق والتّكذيب، وسنأتي متى تكون قابلة للتكذيب.
أمّا من حيث صدق الخبر فلها جانبان أن ترد في دليل قطعي الورود، فهذه لا شك في قبولها، كآية المسيح في ولادته بغير أب، وهي آية من آيات الله تعالى، إلا أنّه قد يرد بدليل قطعي إلا أنّ المراد ظني لذلك هو خاضع للتأويل، ومتى خضع للتأويل أصبح رأيا واسعا وإن ورد بدليل قطعي ورودا، ونحو هذا قوله تعالى لمريم: وهزي إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطبا جنيا، فبعضهم فهم أنّ هذا في فصل الشتاء، وهذا آية لمريم إذ تثمر النخلة في غير وقتها، وبعضهم قال إن مريم في بلاد الشّام وأنّ المنطقة التي فيها ولدت مريم لا يوجد بها نخيل، فأنبت الله النخلة آية وكرامة لها.
وآخرون رفضوا هذين التأويلين، فقال بعضهم إنّ ذكر الرطب دليل على أنّ ولادة المسيح كانت في فصل الصيف وليس الشتاء، وبعضهم قال إنّ ذكر النخلة دليل إن مريم ولدت في غير أورشليم والتي سميت بأيلياء ثم القدس أو في بيت لحم كمكان أخص.
فأنت ترى الخلاف هنا مع وجود الدليل القطعي من حيث الثبوت.
وأما أخبار الآحاد كما روي عن سارية عمر فهي تبقى أدلة ظنية واسعة القبول والرفض، والجميع متفق أنها من مسائل الرأي.
ونحو هذا رواية أبي عبيدة أنه انفتحت له السماء الأولى والثانية وحتى السابعة ثم شاهد العرش، وقد سألت الشيخ القنوبي في عام 1999م تقريبا، ولا زلت أحفظ جوابه فقال لا تصح لمخالفتها سنن الكون.
وهذا ما قاله سعادة الشيخ السيابي في مطارحته الأولى في سمايل بشأن الكرامات فهو لا يقبل في الجملة إلا كرامة الموت على الاستقامة كما يروى عن المحقق الخليلي.
الحاصل أنّ الخبر الأحادي يبقى خاضا للنقد المعرفي، فمن أثبتها فلا ينكر عليه، ومن أنكرها لا ينكر عليه أيضا، لأنها أخبار، والأخبار إن لم ترد بدليل قطعي ورودا ودلالة كما أسلفت فهي قابلة للتأويل والرفض، والأصل عدم حدوثها.
ثم إن فلسفة الكرامات في الأصل كانت شائعة عند أهل الكتاب، ثم دخلت بقوة إلى المسلمين، فصارت توضع الكرامات لتقوية المذاهب كما في طبقات الحنابلة، وكرامات الصوفية والشيعة الإمامية، وهكذا زاد معدلها عند الإباضية، وبعضها تنكرها فطرة العقل قبل العلم، كالذي غضب على ابنه وانسدت فيه الصخرة!!
ولما كنت أدرس في لبنان كان يعلمنا نصراني، وكان يعطينا قصصا لكرامة الأحبار والرهبان، والعديد منها يشابه ما نسمعه ونقرأه في أخبار المدارس الإسلامية.
ومن جهة أخرى لا يمكن أن نقطع ما يحدث لفلان أنّه كرامة ولآخر استدراج؛ لأننا نفتقر إلى الدليل القطعي، وهذه من مسائل الغيب، وإنما أقل ما يقال استئناس فردي، وكل فرد أعلم بنفسه من غيره.
حاصل ما تقدم: إنّ الله لا يعجزه شيء، والعلم له أبحاثه في هذا، إلا أنها لا تكون كأخبار تدخل ضمن المعتقد الديني إلا بدليل قطعي لا يحتمل التّأويل، وما عداه فهو قابل للأخذ والرد باتفاق.
دمت بود.1437هـ/ 2016م