هانوي عاصمة جمهوريّة فيتنام الاشتراكيّة، وفيتنام دولة عريقة في التّأريخ، ولها حضورها في العصر الحديث، يحدّها من الشّمال والشّرق الصّين، ومن الغرب والجنوب لاوس وكمبوديا وتايلاند، وأصلها نام فيت، وفي عام 1804م غيّرت إلى فيتنام، وثقافة فيتنام أقرب إلى الصّين خلاف لاوس وكمبوديا وتايلاند فهي أقرب إلى ثقافة الهند، ويشترك مع فيتنام مينمار (بورما)، ومع هذا، فيتنام الشّماليّة أكثر انغماسا في الثّقافة الصّينيّة خلاف فيتنام الجنوبيّة.
والصّين لها حضور وتأثير تأريخيّ قديم جدّا في فيتنام، وفي العصر الحديث دعموا الشّيوعيين فيها ضدّ الاستعمار الفرنسيّ، والّذي كان باسم الحرب الهنديّة الصّينيّة الفرنسيّة، في محاولة لفرنسة فيتنام، وسميّت الهنديّة الصّينيّة لتداخل الثّقافتين الهنديّة والصّينيّة في المنطقة، وقد خاضت فيتنام حربين في القرن العشرين، أولاها ضدّ فرنسا منذ 1946م وحتّى 1954م، وثانيها ضدّ أمريكا منذ 1960م وحتّى 1973م، وبعد الحرب ضدّ فرنسا استقلّت مع لاوس وكمبوديا، كما أنّها بعد الحرب الثّانية أنهت الاحتلال الأمريكيّ.

والاستعمار الفرنسيّ على فيتنام يعود إلى ما قبل 1883م، وامتدّ إلى لاوس وكمبوديا، ونتيجة للصّراعات بين المعسكرين الشّرقيّ الشّيوعيّ المتمثل في الصّين خصوصا، والمعسكر الغربيّ الرّأسماليّ المتمثل في فرنسا ثمّ أمريكا لاحقا؛ أدّى إلى انقسام فيتنام إلى جزأين منذ 1954م، الجزء الشّماليّ وتدعمه الصّين خصوصا والاتّحاد السّوفييتيّ عموما، والجزء الجنوبيّ وكانت تدعمه أمريكا.
واستقلّت فيتنام عام 1945م على يد هو تشي منه (ت: 1969م)، فهو من أسّس الدّولة الفيتناميّة الشّماليّة، ويعتبر من أهم الرّموز النّهضويّة في الهند الصّينيّة، وكان يحلم في توحيد البلاد، بيد أنّه فشل في تحقيق حلمه الّذي سيتحقّق عام 1976م، وتكريما له سمّيت عاصمة الجنوب سايغون إلى هو شي منّه.

وعليه فيتنام اليوم هي دولة اشتراكيّة ذات نظام الحزب الواحد، والمتمثل في الحزب الشّيوعيّ الفيتناميّ، والتّشكيلة السّياسيّة في فيتنام معقدة ومتداخلة، ومتأثرة بنظريّة المنظّر الاشتراكيّ الرّوسيّ فلاديمير لينين (ت: 1924م)، فلديهم رئيس الحزب الشّيوعيّ، وهو أعلى رتبة سياسيّة في فيتنام، ويملك السّيطرة الكاملة على الدّولة، وعلى رأسها الجيش والإعلام، ثمّ تأتي الجمعيّة الوطنيّة، وكما جاء في ويكبيديا “مؤلفة من 498 عضوا، ومنتخبة لمدّة خمس سنوات”، وهي تختار رئيس الدّولة، ورئيس الوزراء، ورئيس القضاة، والنّائب العام، وهي تشريعيّة رقابيّة تنفيذيّة.
لا أريد الإسهاب كثيرا في الجوانب التّأريخيّة والسّياسيّة، فمنذ نهاية 2022م بدأتُ التّفكير في فهم المكوّن الثّقافيّ والدّينيّ في شرق آسيا لمشروع كتابيّ أشتغل عليه، خصوصا تايلاند ولاوس وكمبوديا ومينمار وفيتنام، لما تشكله من وحدة ثقافيّة كنت أظنّها أقرب إلى الثّقافة الهنديّة في جوّها البوذيّ المنبثق من الهندوسيّة، كما رأيتُه مثلا في تايلاند، وكتبت عنه مقالة مطوّلة بعنوان “عيد الفطر في هات ياي”، نشرت في ملحق جريدة عمان الثّقافيّ في عدده (28)، لكن في رحلتي هذه إلى هانوي اكتشفت عالما آخر، فهناك ثقافة صينيّة في جوّها الكنفوشيّ القديم مزاحمة للفكر البوذيّ، ليولد خلطة ثقافيّة منفتحة حتّى عند بعض من اعتنق الأديان الإبراهيميّة، أي المسيحيّة والإسلام، فلمّا سكنت مثلا في نزل تملكه امرأة في هانوي، وهو عبارة عن مكتب سياحيّ ملحق به خمس طوابق، في كلّ طابق غرفة واحدة فقط، فسكنت في الطّابق الثّالث، وصعودك إلى الغرفة عن طريق درج ضيّق، ولا يوجد فيه مصعد، وجدتُ في الأسفل تمثالا صغيرا يقدّمون له المشروبات والطّعام، تبركا ودعاء، كما هو الحال في تايلاند، وإن كان في هانوي بنسبة أقل كما سيأتي سبب ذلك، اللّافت أن مجسّم التّمثال ليس كعادة تماثيل بوذا القريبة من الثّقافة الهنديّة، بل يشبه تمثال كونفوشيوس، أو أقرب إلى ثقافة الصّين، فلمّا سألتُ صاحبةَ النّزل، ومن يعمل معها من الفتيات: مجسّم من هذا؟ تردّدن في الجواب لعدم اهتمامهمنّ بمعرفة من يمثّل أو يجسّد، فقلت لهنّ مختبرا: هل هذا بوذا، فقلن: نعم، نعم، بودا، فهم لا ينطقون الذّال، قلتُ لهم متعجبّا: لكنّه أقرب إلى تماثيل الصّين من بوذا.
اكتشفتُ في هذه الرّحلة أنّ سبعين إلى ثمانين بالمائة في فيتنام لا يعتنقون دينا معيّنا، ويُكتب في هويّاتهم أنّهم لا ينتسبون إلى دين، ولربما كان من في الجنوب أقرب إلى بوذيّة الهند، ومن في الشّمال أقرب إلى التّأثر بالمعتقدات الصّينيّة، ومنها الكنفوشيّة، ثمّ تراجعتا مع الثّقافة الشّيوعيّة الرّافضة من حيث الأصالة لهيمنة الدّين على الدّولة والاجتماع البشريّ، بيد أنّي في هانوي عاصمة فيتنام، وعاصمة الجزء الشّماليّ في السّابق، وتسمّى لوقين عند العرب قديما، وهي مدينة جميلة تجمع بين الأصالة والمعاصرة، وزادها جمالا ممشى النّهر الأحمر، والّذي يبدأ من يونان في الصّين وحتّى هانوي في فيتنام على خليج تونكين، وعدد سكّان هانوي حوالي سبعة ملايين نسمة، بينما يقترب عدد سكان فيتنام من مائة مليون نسمة؛ أنّي في هانوي حاولتُ الاقتراب من النّاس في المقاهي والأسواق والمعابد، للبحث عن بعض الإجابة على بعض الأسئلة الّتي وضعتها في مذكرتي مسبقا حول الأديان عموما، والإسلام خصوصا.

بعد بحث وتأني كنت عازما على قضاء عيد الفطر 1446ه في فيينتيان عاصمة لاوس، بيد أنّي قرأت أنّه يوجد مسجدان فقط للمسلمين فيها، لكنني قرأتُ أنّ عدد المسلمين في فيتنام يصل إلى تسعة بالمائة؛ وعادة العدد يكثر في العاصمة بسبب الهجرة للعمل أو التّجارة، كما هو في بانكوك مثلا، فعددهم يتجاوز المليون نسمة، بينما اكتشفتُ لاحقا من قبل المسلمين في فيتنام والمقيمين فيها عدم صحة هذه النّسبة أي تسعة بالمائة، وأنّ نسبتهم قليلة جدّا قد لا تتجاوز واحدا بالمائة، كما جلستُ مع الباحث العربيّ في الشّؤون الفيتناميّة سليم حمّاد، وهو من أصل فلسطينيّ من مدينة جينين، يعيش في فيتنام لما يقارب أربعة عشرة عاما، وحاليا يعمل في السّفارة القطريّة في هانويّ، ويقدّم برامج باللّغة الفيتناميّة في القناة الفيتناميّة الرّسميّة، وأكد لي أنّ عددهم بسيط جدّا، وأنّهم يتمركزون في الجنوب، خصوصا في هو شي منّه، وذكر لي قرية تقريبا اسمها (كونته) غالبها مسلمون، ومع هذا أخبرني أنّ عدد المسلمين عموما قد لا يتجاوز في فيتنام مائة وخمسين ألفا، وهو عدد بسيط مقارنة بعدد السّكان، وفي هانوي لا يتجاوز عددهم عشرة أسر فيتناميّة، وأغلب من في هانوي من المسلمين المهاجرين للعمل من القارّة الهنديّة، أو العرب، أو من أندونيسيا وماليزيا.

وذكرت إحدى الفيتناميّات المهتمّة بشأن الثّقافة الفيتناميّة في صفحتها على “يوتيوب” أنّ الإسلام وصل إلى فيتنام في القرن العاشر أو الحادي عشر الميلاديّ عن طريق المبشرين الماليزيين (الملاويين)، وقد يكون – في نظري – هذا ليس دقيقا، إلّا إذا كانت تقصد شمال فيتنام، أمّا في الجنوب فأقدم من ذلك، حيث أنّ المسلمين ينتمون عادة إلى عرق تشامي، وكان هناك مملكة قديمة تسمّى مملكة تشامبا، تعود إلى القرن السّابع الميلاديّ، وامتدّت بين كمبوديا وجنوب فيتنام، وأحيانا إلى تايلاند، وقد قطن المسلمون هذه المملكة منذ فترة مبكرة، واعتنق العشرات من التّشاميين الإسلام، وأصبح المسلمون اليوم في كمبوديا وفيتنام مرتبطون بهذا العرق، ونتيجة للاضطهادات اللّاحقة هاجر العديد منهم من فيتنام إلى فطاني في تايلاند، وربّما إلى أندونيسيا وماليزيا.
والإسلام مع وجوده مبكرّا في فيتنام إلّا أنّه اليوم أقلّ نسبة من المسيحيّة، والثّانية لا تقلّ نسبتها في فيتنام عن عشرة بالمائة، وبعضهم يوصلها إلى خمسة عشرة بالمائة، وتصنّف الدّيانة الثّالثّة الأكثر انتشارا بعد الدّيانة الفيتناميّة الشّعبيّة (تقديس الأرواح) والدّيانة البوذيّة، وبعض الباحثين يجعلها الأولى؛ لأنّ تقديس الأرواح أقرب إلى الثّقافة الشّعبيّة، وقد تجد حتّى من الأديان الأخرى ومنها من المسيحيين والمسلمين أنفسهم من يمارسها، وفكرتها أنّ “أرواح الأموات لا تموت وإنّما هي موجودة تشاهدنا وتساعدنا”، وخصوصا الأسلاف القريبين كالآباء والأجداد، ولهذا وجدّتُ صاحب إحدى المتاجر القريبة من النّزل الّذي أسكن فيه في قلب هانوي القديمة، وكنت أراقب فعله من النّافذة يقوم بحرق ملفات حمراء، فقلتُ لعلّه يتخلّص من دفاتر الحسابات المتعلّقة بالمحل، أو أنّه يتدفأ بالنّار في هذه اللّيلة الماطرة المصحوبة بشيء من البرد، ثمّ لما تجولت في هانوي وجدت الأمر متكرّرا، فوجدتهم يحرقون أوراقا كالنّقود تشبه مائة دولار، وملفات حمراء في داخلها كتابة خطّها أقرب إلى خطوط المنجمين عندنا، ويفعلون ذلك عند نزول المطر، فقلت لعلّه شيء من الاعتقادات المرتبطة بالسّحر أو الشّعوذة، ثمّ لمّا بدأت أبحث وأسأل عن ذلك انكشف لي أنّها أقرب إلى التّوسل إلى الأرواح، لاعتقادهم بحضورها، وطلبا لبركتها ومساعدتها، وأخبرت أنّه كان العديد يمارسها، ولا يشترط أن يكون بوذيّا، فهي ثقافة شعبيّة، بيد أنّ انتشارها اليوم قليل جدّا، وأغلب الشّباب لا يهتمون أو يلتفتون إليها.
وأمّا البوذيّة فلا أجد ذلك الحضور الّذي رأيته في تايلاند، فلا أرى أولئك الرّهبان الّذين ينتشرون في الطّرقات والأسواق قبل شروق الشّمس وبُعيْدها، ولم أرَ راهبا بوذيّا طيلة مكثي في هانوي، عدا اثنين رأيتهم في مطار HANOI NOI BAI INTL أثناء عودتي إلى بانكوك ولعلّهم من تايلاند، ولمّا زرت إحدى المعابد في قلب هانوي أدركت ما قاله لي صديقي سليم حمّاد أنّهم ينظرون إلى المعابد أنّها أماكن سياحيّة، حتّى أنّهم يتصوّرون أنّ المسلمين وهم يتراودون على المسجد أنّ فعلهم هذا أقرب إلى السّياحة أكثر منه العبادة، ومع هذا وجدتُ في المعبد البوذيّ مَن يتقرّب إلى التّماثيل بالأكل والنّقود، ثمّ يقفون طويلا للدّعاء وطلب الأمنيات، ولم أرهم يسجدون كما في تايلاند، وعدد من يفعل ذلك قليل جدّا، وأغلب من يدخل للسّياحة والتّصوير، كما قرأت في التّعريف بالمعبد أدبيات سياحيّة، ومنها الحفاظ على جوّ المكان، ومراعاة ذلك كما في اللّباس السّاتر، وكما أسلفت سابقا أنّ البوذيّة في شمال فيتنام اختلطت بالثّقافة الدّينيّة الصّينيّة واقتربت منها أكثر من الثّقافة البوذيّة الهنديّة الخالصة، وتذكر الباحثة الفيتناميّة أيضا أنّهم يؤمنون بالكارما كما في البوذيّة وأمّها الهندوسيّة، ويؤمنون بحياة أخرى بعد الموت وفق قانون العودة في صورة جديدة، كما أنّ فكرة تعدّد الآلهة حاضرة عند العديد، بيد هذا يقلّ بشكل كبير في الأجيال الجديدة لعدم اهتمامها بمثل هذه المعتقدات.

ويُقال إنّ الوجود المسيحيّ في فيتنام يرجع إلى القرن السّادس عشر الميلاديّ عن طريق المبشرين البرتغاليين والهولنديين، ولهذا انتشرت المسيحيّة في جوّها الكاثوليكيّ بشكل كبير، وكان لهم تأثير سياسيّ ومعرفيّ وثقافيّ خصوصا في فيتنام الجنوبيّة، وهم من طوّروا الحروف الأبجديّة الفيتناميّة، لهذا هي حروف لاتينيّة، ثمّ في القرن التّاسع عشر خصوصا نافس الكاثوليكَ المسيحيون البروتستانت، خصوصا مع الإرساليّات الغربيّة عموما، والأمريكيّة خصوصا، ومن شواهد المسيحيّة في فيتنام تمثال المسيح على جبل نهو في فونج تاو، بناه المسيحيون الكاثوليك ابتداء من 1974م وحتّى 1993م.
ولكون الدّولة شيوعيّة التّوجه في فيتنام، ومع ذلك لا تمنع من وجود الأديان فيما وجدته حاليا، والنّاس أحرار في معتقدهم وطريقة تدينهم، بيد أنّها تمنع من التّبشير الدّينيّ خارج مكان العبادة كالطّرقات والمؤسّسات التّعليميّة والثّقافيّة، وتجديد دور العبادة أو بناء دور جديدة أو توسعتها معقّد جدّا لأجل الموافقة كما أخبرت، لكن كجانب فرديّ فهناك حريّات واسعة، بما في ذلك الحريّات الجندريّة، بيد أنّها تمنع التّمييز، وتحاول توسعة دائرة المساواة داخل المجتمع الفيتناميّ.
عموما اخترت الكتابة حول عيد الفطر لعام 1446ه في هانوي لتصوّري كما أسلفت أنّ عددهم أكبر، ثمّ تبيّن لي خطأ ذلك عند وجودي في العاصمة الفيتناميّة، ومع هذا حجزت تذكرة عن طريق الطيران الفيتناميّ من بانكوك وحتّى هانوي، وقدّمت طلب تأشيرة الكترونيّة بما يعادل عشرة ريالات عمانيّة، حصلتُ عليها في أقل من ثلاث أيام، كانوا سريعين في الرّد، وأيّ خطأ يرسلون لك طلب التّعديل.
خرجت من مطار BANGKOK SUVARNABHUMI INTL في بانكوك في السّابعة مساء، وتصوّرت أنّ طيرانهم الفيتناميّ ليس بذاك؛ حيث عالق في أذهاننا ما كانت تعانيه فيتنام من فقر ومجاعة، بيد أنّي وجدته طيرانا فخما كطيران الاتّحاد الإماراتيّ أو القطريّة، ويقدّمون خدمات طول الرّحلة، وكانت الطّائرة كبيرة وممتلئة، ورأيتهم في إعلانات الطّائرة بما في ذلك إعلانات السّلامة يركزون على السّياحة في الجانبين التّراثيّ والطّبيعة، كما وجدت مضيفات الطّائرة يلبسن اللّباس الفيتناميّ التّقليديّ، وهو لباس واسع وساتر.
أخذت الطّائرة حوالي ساعة ونصف لنصل إلى مطار HANOI NOI BAI INTL في العاصمة هانوي، وهنا وجدت مطارهم فخما، ومليئا بالسّياح الأجانب، ففيتنام تشجّع على السّياحة بشكل كبير، وهذا ما شاهدته أثناء وجودي في العاصمة، حيث المطاعم والمقاهي والممشى وأماكن السّياحة والأسواق ممتلئة بالسّيّاح من كافّة أقطار العالم، وخصوصا الغربيين، وعموما وجدتُ أيضا تعامل من يعمل في ختم الجوازات من رجال الأمن لطيفا جدّا، وعملهم سريع أيضا، ولم يسألوني أين تسكن، وكم ستمكث، ولم يطلبوا مني بصمات يد أو صورة وجه، بسرعة أنهوا دخولي.
ذهبت ابتداء لشراء شريحة وصرف النّقود، وأنا في الأسفار أحتاج إلى شيء من الوقت للتّعوّد على النّقود الجديدة، وأحاول ذهنيّا ربطها بالرّيال العمانيّ وكسر الفوارق، فمثلا الألف بات التّايلنديّ يساوي إحدى عشر ريالا عمانيّا، ومع هذا أجعله يساوي عشرة ريالات، والمائة بات اجعله يساوي ريالا عمانيّا، والعشرين بات يساوي مائتين بيسة، بيد أنّي وجدت شيئا من الفارق مع الدّونغ الفيتناميّ، فنصّ مليون يساوي تقريبا سبعة ريالات عمانيّة، ويختصرونها خمسمائة دونغ في التّعامل، ووجدت الأعلى هو المليون ويسمونه مليون دونغ أي لم أجدهم يختصرونه، ويساوي حوالي أربعة عشر ريالا عمانيّا، ومائة ألف ويختصرونها إلى مائة تساوي تقريبا ريالا ونصف الرّيال العمانيّ، وخمسة آلاف ويختصرونها إلى خمسين تساوي سبعمائة بيسة، والألفين ويختصرونها إلى عشرين تساوي تقريبا ثلاثمائة بيسة، وأقلّها ألف أي حوالي مائة وخمسين بيسة، ولرخص الحياة في فيتنام، وحتّى أتعود على نقدهم اعتبرت نصف المليون يساوي خمسة ريالات عمانيّة، ومائة ألف يساوي ريالا عمانيّا، وخمسة آلاف تساوي خمسمائة بيسة وهكذا، فالمليون عندهم له قيمته الكبرى بيد أنّه يجعلك تعيش حياة متوسطة وجيّدة بسبب أنّ الحياة رخيصة جدّا لديهم، وأثناء السّحب لا يأخذون فائدة أو ضريبة كبيرة كما في تايلاند، فعلى كلّ معاملة تقريبا يأخذون ما يساوي ثلاث ريالات أو أقل، كما أنّ أماكن الصّرف منتشرة بشكل كبير، ووجدتُ لديهم أنّ مكاتب السّياحة وهي منتشرة بشكل كبير تقدّم أكثر من خدمة، فهي تقدّم العروض السّياحيّة داخل تايلاند، وتقدّم تذاكر الطّيران وتذاكر العروض، كما يمكن أن تصرف الدّولار منها، وأيضا ممكن تأخد شرائح الهاتف أيضا، فممكن أن تقضي أكثر من حاجة في مكان واحد، كما أنّ البنوك ومكائن السّحب منتشرة بشكل كبير، وممكن أن تسحب بسهولة وبلا تعقيد عكس ما سمعته في بعض المقاطع اليوتيوبيّة من أحد السّياح العرب.
وكنتُ قد حجزت سيّارة من المطار، وكان تعاملهم جيّدا، وتوفرت لي السّيارة لأذهب إلى نزل MayHouse Travel في منطقة هوان كيم في قلب هانوي، وكما أسلفت تملكه امرأة، وهو عبارة عن مكتب سياحي، وقد وصلت عند الحادية عشر ليلا، وكان مغلقا، ولا يوجد فيه مكتب استقبال، وإنّما مكتبهم يفتح أول الصّباح، ويغلق عند العاشرة مساء، وقد أرسلت لي المرأة رمز فتح الباب، وأخبرتني رقم الغرفة ومكان مفتاحها، وفي البداية لم أعرف فتح الباب، فإذا بشابين اثنين يأتيان إلي، فشعرت ابتداء بشيء من الخوف والتّوجس منهما، بيد أنّي أدركت لاحقا أنّهم يساعدون الغريب، وهم كما أسلفت يملكون شيئا من اللّطافة، ولا يطلبون مقابل خدمتهم، بيد أنّك ولو أعطيتهم ألفا أي مائة وخمسين بيسة يرونها عظيمة، ويشكرونك كثيرا.
منذ وصولي حاولت اكتشاف المنطقة، والحياة اللّيليّة لديهم لا تتوقف، والحياة آمنة بشكل كبير، ويمكن أن تخرج ليلا أو نهارا ولا أحد يعترضك، ويقال إنّ فيتنام هي الأكثر أمانا بعد الصّين، كما أنّ كثرة السّياح يعطيك شيئا من الأمان، ومن حسن الطّالع، وبعد عمل بحث من (جوجل ماب) عن طريق عبارة (مسجد قريب مني) وجدتُ أنّ المسجد قريب منّي يأخذ مشيا أقل من عشر دقائق، وهو مسجد النّور، بناه التّجّار الهنود سنة 1323هـ، أي تقريبا ما بين 1906 و1906م، ولا زال على بنائه السّابق، ثمّ أدركتُ لاحقا أنّه المسجد الوحيد في هانوي.

ذهبتُ عند الفطور أي فطور رمضان قبيل أذان المغرب في المسجد، وهنا وجدته ممتلئا، وتعرّفت ابتداء على صاحبي عليّ معيض المرّي من الخفجي من السّعوديّة، وقلتُ له في سنة 2010م نومت في إحدى مستشفيات الخفجي بعد خروجي من حدود الكويت متجها برّا بسيارتي إلى البحرين، وعموما الرّجل في ذات سني حيث ولدنا في ذات العام، ويعمل في التّجارة الالكترونيّة في توفير العمال، ويتنقل بين الدّول، وهنا يمكث في فيتنام ثلاثة شهور، وكانت بيننا صحبة في هذه الفترة، كما لا أنس صاحبي المغربيّ الّذي تعرفت عليه في المسجد، وهو شاب صغير يدرس في الصّين، ومهذّب بشكل كبيرا، وشاركني جولة المشي في فيتنام، وكانت بيننا أحاديث طويلة.


وجدت المسجد مع صغر حجمه ممتلئا بالجالية العربيّة، وأخبرت لاحقا أنّ أكثر الجاليات العربيّة في فيتنام المغاربة ثمّ الجزائريون ثمّ المصريون ثمّ الفلسطينيّون، وهؤلاء يعملون هنا، وبعضهم تزوّج من فيتنام واستقرّ فيها، حيث أنّ فيتنام تحسّنت بشكل كبير في الجانب الاقتصاديّ، وانفتحت رأسماليّا على العالم، وأخبرت أنّ المسجد في العشر الأواخر لا يغلق ليلا أو نهارا، وهنا يجتمع الشّباب، وأغلبهم صغار السّنّ للاعتكاف وقراءة القرآن والتّعلّم والحديث طيلة العشر، وكعادة ما وجدته في شرق آسيا يفطرون معا ثمّ يتعشون بعد صلاة المغرب، كما يتسحرون معا، وهنا الجاليات العربيّة مع الهنود والباكستانيين وغيرهم يتعاونون في توفير الطّعام، كما أنّ بعض السّفارات أيضا تقيم فطورا ليليّا فيها كالسّفارة السّعوديّة والقطريّة، وفي ليلة التّاسع والعشرين من رمضان أقامت السّفارة العراقيّة فطورا جماعيّا ومفتوحا للجميع.
كما وجدتُ بعض الإباضيّة من غرداية في الجزائر، وهم شباب صغار السّنّ، أتوا هنا ضمن البعثة الجزائريّة بالتّنسيق مع الحكومة الفيتناميّة لتدريس اللّغة الإنجليزيّة في المدارس، وراتبهم ليس سيئا، وقد يكون أفضل من بعض دول الخليج في المدارس الحكوميّة، كما وجدت رجلا من سيرلانكا عمل في عُمان ما بعد 1977م، وكان يسكن في روي، ويثني كثيرا على عُمان، وبعد 1979م نقلته الشّركة إلى هانوي، ولا زال فيها حتّى اليوم، بيد أنّ زوجته لا زالت تعمل في عُمان، والظّاهر في الجانب الصّحيّ.

وجدتُ كذلك شبابا من أفريقيا، كما يوجد أيضا من أهل البلاد وهم أقلّ عددا، وبعضهم صغار في السّنّ، وأثناء مكثي شاهدت امرأة فيتناميّة صغيرة دخلت الإسلام، وأعقبها شابّ فيتناميّ في بداية العشرين من عمره، كما تعرّفت على إمام المسجد ناصر وأصله من عرق التّشامب، وهو يتقن العربيّة بشكل جيّد، كما أنّ الجالية العربيّة وخصوصا المصريّة قائمة بأمر المسجد، وهنا وجدت المنظّف من فلسطين، ويسكن في أندونيسيا، لكنّه يتطوّع في رمضان في هذا المسجد في هانوي، ويُعطى من بعض الصّدقات مقابل خدمته.

صلّيت معهم صلاة التّراويح، وهي ثمان ركعات، أربعا أربعا، يفصلون بين الرّكعتين بالتّسليم، ووجدتهم في التّراويح يقرأون من المصحف، صلّى بنا الإمام ناصر الأربع الأولى، وكان يسرّ البسملة، مع أنني سألته عن مذهب المسلمين في فيتنام، فأخبرني أنّهم شافعيّة المذهب، بيد أنّ مذهب الشّافعيّة كما هو معمول به الجهر في البسملة، ويصلّون التّراويح في ثلاث قيامات كما رأيته في هات ياي في تايلاند، وهنا سألته عن التّصوّف عند المسلمين في فيتنام أهو ذات مسلك التصوّف في باقي شرق آسيا، وهنا تبسّم حتّى بدت نواجذه ولم يجبني عن السّؤال، كما سألته هل توجد لجنة إفتائيّة في فيتنام؟ فأخبرني بالسّلب عكس ما قرأته عن وجود لجنة في هو شي منّه، قلت له: هل لكم علاقة بالهيئة الإفتائيّة الشّرعيّة في تايلاند باسم مجلس شيخ الإسلام؟ فأجابني بالسّلب، قلتُ له ونحن في يوم السّابع والعشرين من رمضان: متى عيد الفطر؟ قال: الاثنين، قلتُ له: من يحدّد ذلك، قال: هنا يجتهد المسلمون بأنفسهم في تحديد ذلك.
صلّى بنا الإمام ناصر أربعا كما أسلفت، ثمّ تقدّم شابٌ صغير السّن، أسمر اللّون، وسيم في تقاسيم وجهه، صلّى بنا الأربع الأخرى، وكلاهما يقرآن من سورة الكهف، افتتحها الإمام ناصر، وواصل صاحبنا قراءة بعضها، ولا يطيلان في القراءة، ولعلّهما قراءتهما للكهف لأننا في ليلة الجمعة، ثمّ تصوّرت ابتداء أنّ صاحبنا مصريّ من الصّعيد أو من بلاد النّوبة من أسوان، فكان ينطق الأحرف العربيّة من مخارجها بإتقان، وصوته عذب، وأداؤه متقن، ولمّا خرجت من المسجد وجدته مع أصحابه في الخارج، فشكرته، بيد أنّي وجدته لا يتحدّث العربيّة وإنّما يتحدّث الإنجليزيّة والفرنسيّة، فسألته من أيّ البلاد؟ فأخبرني أنّه من جمهوريّة الكونغو الدّيمقراطيّة، أي من وسط أفريقيا.
كذلك وجدتهم لا يصلّون الوتر، فسألتهم: لماذا لا تصلّون الوتر؟ فأخبروني لأنّهم في العشر الأخير يصلّون التّهجد السّاعة الثّانية والنّصف ليلا، ثمان ركعات أربعا أربعا كالتّراويح، ثمّ يختمونها بالوتر، وهنا طلبوا مني مشاركتهم التّهجد والسّحور، قلت لهم: ربّما يصعب أن أخرج متأخرا بعد الثّانية والنّصف ليلا، وأنا غريب هنا، فتبسّموا، وقالوا: أنت في فيتنام، والمكان آمن جدّا، كما وجدت كعادة أهل آسيا حضور المرأة في المسجد، ومخالطتها للرّجل كما عند توزيع الفطور، كما أنّ أبنائهم يلعبون ويصرخون في المسجد، ولا يتضايقون من ذلك.
ذهبت إلى المسجد قبل صلاة الجمعة مبكرا، وقد صادف يوم الثّامن والعشرين من رمضان، وهنا وجدت شاشة كبيرة تُرجمت فيها الخطبة إلى اللّغة الإنجليزية، وقبل دخول وقت الظّهر بقليل أذن المؤذّن وكان مصريّا الأذان الأول، وعند دخول الوقت صعد الإمام وأذن المؤذّن الأذان الثّانيّ، وافتتح الإمام خطبته باللّغة العربيّة، ثمّ تحدّث قليلا بالفيتناميّة وبعدها أكمل الخطبة الأولى ثم الثّانيّة والدّعاء بالعربيّة، وكانت الخطبة حول رمضان وفضله وضرورة استغلاله، وكانت الخطبة قصيرة جدّا، ثمّ كانت الصّلاة.

وفي يوم التّاسع والعشرين، وبعد الغروب، كانوا ينتظرون القرار النّهائيّ لإعلان هلال العيد، وكنت جالسا مع صاحبنا الجزائريّ من غرداية، فأعلن الإمام أنّ غدا الأحد 30 مارس 2025م هو المتمّم لشهر رمضان، وأنّ الاثنين 31 مارس هو يوم عيد الفطر المبارك، وهنا رأيتُ صاحبنا متضايقا وأظهر شيئا من ذلك كعادة المغاربة، فسألته: لماذا تضايقت؟ قال: كنت أرجو أن يكون الأحد هو يوم العيد لأنّه يوم إجازة، وهنا لا يعطون إجازة بسبب المناسبات الدّينيّة، وأنا معلّم لا أستطيع الحصول على إجازة وظيفيّة أو أترخص من العمل، فكنت أرجو أن أقضيّ شيئا من المتعة في صباح العيد مع الشّباب في المسجد، ثمّ مع عائلتي بعد ذلك، لكن لا بأس ما دمت أستطيع أداء صلاة العيد.
أخبر الإمام أنّ صلاة العيد في السّابعة والنّصف صباحا، فذهبتُ مبكرا عند السّادسة صباحا، ووجدت عددا قليلا في المسجد، وبدأ أحدهم يأتي بتكبيرات العيد وهي “الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد” ومن خلفة يردّدون، وأحيانا يضيفون “لا إله إلا الله وحده، صدق وعده، ونصر عبده، وأعزّ جنده، وهزم الأحزاب وحده، لا إله إلا الله، ولا نعبد إلا إياه، مخلصين له الدّين ولو كره الكافرون”، وعموما بدأوا تكبيرات العيد جماعيّا بعد فطور يوم الثّلاثين عقب التّسليم من صلاة المغرب، وكذلك عقب صلاتي العشاء والفجر.

بدأ النّاس يتوافدون إلى المسجد، حتّى امتلأ داخله وخارجه وعند الطّرقات، وأخبرت لمّا يصادف العيد وقت الإجازة تقوم السّلطات الفيتناميّة بغلق الطّريق عند خارج المسجد حتّى يأخذ المسلمون وقتا أطول في الاستمتاع ولقاء بعضهم خارج المسجد، حيث وجدت المسلمين هنا على اختلاف جنسيّاتهم كأنّهم أبناء عائلة واحدة، وبينهم مودة ومحبّة كبيرة، والحكومة أعطتهم حرّيتهم المطلقة في ذلك وفي ممارسة طقوسهم ووعظهم وتدريسهم، خصوصا داخل المسجد، ولا تتدخلّ في أمرهم ما دام الأمر بعيدا عن السّياسة، كما وجدت الفيتناميين من غير المسلمين يأتون لمشاهدة هذا المشهد، ويتكرّر خلال العام عند صلاة الجمعة، وعند بعض الصّلوات، وأخبرت أنّ بعضهم يدخل الإسلام فقط من خلال رؤيته لهذه المشاهد، وهنا أيضا وجدت خطبة العيد مترجمة إلى الإنجليزيّة في الشّاشة داخل المسجد.
قبيل الصّلاة دخل الإمام ناصر، وهنأهم بالعيد السّعيد قائلا: “تقبّل الله منّا ومنكم”، فأخبرهم أنّ صلاة العيد باثنتي عشرة تكبيرة، سبع بعد تكبيرة الإحرام، بعدها قرأ الفاتحة وآيات نعمة اللّباس وتحذير بني آدم من فتنة الشّيطان من سورة الأعراف، ثمّ خمس بعد القيام من السّجود إلى الرّكعة الثّانية، ثمّ الفاتحة وآيات أخذ الزّينة عند كلّ مسجد من سورة الأعراف أيضا، ثمّ صعد إلى المنبر لخطبة العيد وهي خطبتان بينهما جلسة خفيفة، وشملت ثلاث جوانب: الشّكر على نعمة رمضان، والتّذكير بنعمة الأمن الّتي يعيشونها والحفاظ عليها، والخطبة الثّانيّة حول صدقة الفطر، وهم يخرجونها كيلوين من الأرز، أو ما يعادله من النّقود، ويقدّرونها بخمسة آلاف دونغ أو خمسين كما يختصرونه، أي سبعمائة بيسة، والإمام توقف صوته آخر الخطبة ولم يستطع إكمالها، فجاء شخص آخر وأكملها، وبعد الصّلاة كانت التّهنئة، وكانوا يوزعون الفطور والشّاي والماء والحلويّات، وأخبرت أنّ السّفارة السّعودية تقيم مأدبة غداء في ذلك اليوم، وطلب مني أحدهم المشاركة، بيد أني اعتذرت لأنني لابدّ أن أكون في المطار بعد الثّانية عشرة ظهرا.
في ليلة العيد أصابني التهاب في الحلق وحمّى شديدة بسبب تغيّر الجو، حيث يمكنك أن تعيش فصول السّنة في أسبوع واحد، فهناك يوم ربيعيّ رائع، يعقبه يوم يتساقط فيه الرّذاذ، ثمّ النّاس في اليوم الآخر يلبسون لباس الشّتاء من البرد، ليرجع الرّبيع من جديد بعدها، وهذا لم نعتد عليه، فأثر عليّ قليلا، كما أنّ المطاعم المناسبة لنا قليلة جدّا، وأغلبها مطاعم هنديّة، ووجدت مطعما عربيّا مصريّا واحدا في قلب هانوي، أمّا المطاعم الفيتناميّة والصّينيّة فأخبرت أنّه لا يكاد يخلو طعام من المكوّنات المستخلصة من الخنزير، ورأيتهم يأكلون لحم الكلاب، ولا يذبحونها، بل يضربونها في الرّأس، ثمّ يخرجون الدّم الفاسد منها، ويقولون إنّ عادة أكل الكلاب دخلت إليهم متأخرة نتيجة المجاعة بسبب الحروب في بداية القرن العشرين، خصوصا بعد 1910م، ثمّ اعتادوا عليها، وعادة ثمنها باهض، ولا يأكلها إلّا المقتدر، ويعتبرون لحمها من أهم ما يقدّم للضّيف إكراما له، وشعبيّا لا يأكلونها بداية الشّهر؛ لأنّها تحمل الفأل السّيء، فقط يأكلها بعضهم آخر الشّهر لجبر الحظوظ والفأل السّيء بمثله، ليبدأوا شهرهم بالفأل الحسن.

في نهار يوم العيد، والّذي صادف 31 مارس ذهبت أيضا لتوديع الأصدقاء الفيتناميين، والّذين جلست معهم لساعات طويلة في المقهى والمحلات القريبة من النّزل، وشعرت بلطافة توديعهم ما لم أجده في دول أخرى، لأتجه إلى المطار، حيث رحلتي مرة أخرى إلى بانكوك في السّاعة الرّابعة عصرا، وكانت الإجراءات ميسّرة بشكل كبير جدّا.