للمشاركة في تقرير أعدّه الأستاذ عبد الوهاب الهنائيّ، ونشر في جريدة عمان يوم الخميس، 26 فبراير 2020م.
ألقى مساء أمس الأحد صاحب الجلالّة السّلطان هيثم بن طارق خطابا تأريخيّا الثّاني له بعد توليه الحكم في 11 يناير الماضي، والأول كخطاب بنائيّ له، حيث رسم خريطة عُمان المستقبليّة، والّتي تتمثل في هذا الخطاب في البناءات التّالية: الأول: المواصلة والبناء والعلاج، والثّاني: السّلام والمحبّة، والثّالث: التّطوير والعصرنة، والرّابع: الأنسنة، والخامس: السّلطات والتّشريعات، والسّادس: اللّحمة البنائيّة والأمنيّة.
أمّا البناء الأول فلم يهضم حقّ المرحلة السّابقة من خلال العقود الخمسة، وما حدث في عُمان من نهضة في كافّة الأصعدة، فالاعتراف بها أول البناء، وهذا لا يعني أنّه عمل ملائكيّ؛ بل هو عمل بشريّ كأيّ عمل يحوي السّلبيات، لهذا انطلق جلالته إلى الإقرار بالنتاج، ثمّ الإصلاح والتّطوير والبناء، وذلك لأنّ الأمم والحضارات لا تبدأ من الصّفر، وأول درجة التّطور إقرار والاعتراف بفضل من سبق، ثمّ البناء والتّطوير، تحت مظلة الإصلاح الشّامل.
وأمّا الثّاني فهو دعوة السّلام والمحبة بين البشر، ونشر رسالة السّلام والوفاق، والتّعامل في البشريّة في ظلّ خدمة الإنسان، لا في الخراب والهدم، حيث بيّن جلالته ما تمر به المنطقة من ظروف وتحدّيات، يتطلب من عُمان أن تشارك بشأن إيجابيّ بما يخدم البشر والإنسانيّة جمعاء، ولا يتحقق هذا إلا بالسّلام والبناء.
وأمّا الثّالث التّطوير والعصرنة، وذلك بدعم رؤية عُمان 2040، والّتي تتطلب كما أشار جلالته إلى إعادة هيكلة الجهاز الإداري للدّولة، وتحديث التّشريعات والقوانين وآليات العمل، وتبسيط الإجراءات وحوكمة الأداء، ومراجعة أعمال الشّركات الحكوميّة، وتطوير آليات صنع القرار، ومعالجة الوضع المالي لينصبّ في خفض المديونيات وزيادة الدّخل، والاهتمام بالمؤسسات الصّغيرة والمتوسطة وريادة الأعمال، وتطوير قطاع التّشغيل في القطاعين والخاص، كما أنّه أشار إلى أهميّة الالتفات إلى الابتكار والذّكاء الاصطناعيّ والتّقنيات المتقدّمة، وهي أرقى ما وصل إليه العقل البشريّ حاليا.
وأمّا الرّابع الأنسنة، فقد أشار إلى أهميّة الإنسان العمانيّ ككل أولا، وكلّ فرد هو مواطن كامل، له الحق المطلق في المساهمة في بناء عُمان بكلّ حريّة، حيث لا تُصادر حريته، فله حق المواطنة على حدّ سواء، ثمّ ركز على فئة الشّباب، وتطويره والعناية به، وحقّه أن يعيش مكرما في بلده، وأن تكون القوانين – خاصّة فيما يتعلق بذاته الماديّة – حافظة له، وأن يشجع باب الابتكار والبحث العلميّ ليواصلوا المسيرة الإنسانيّة، وأن يفتح لهم مجال الشّراكة بما في ذلك المؤسسات الصّغيرة والكبيرة ومؤسسات العمل المدنيّ، ثمّ التفت بشكل أخص إلى المرأة ودورها الإنسانيّ في بناء الوطن، حيث حقوقها ومكانتها كالرّجل تماما محفوظة ومصانة، ولها حقّ الشّراك والإبداع والبناء.
وأما الخامس السّلطات والتّشريعات، فقد دعا جلالته إلى تحديث التّشريعات والقوانين وآليات العمل، وهذا بطبيعته لا يتحقق إلا بفصل السّلطات، وإقرار القيمة الذّاتيّة للفرد.
وأخيرا ما يتعلّق باللّحمة البنائيّة والأمنيّة، حيث الجميع يد واحدة في البناء، الكلّ مطالب بذلك، والجميع له أهميته، يعمل ويبني وفق قدراته ومساحته، مع الحفاظ على الجانب الأمنيّ، والبعد عن الشّقاق والفرقة، وتقديم مصلحة الوطن على المصالح الذّاتيّة والفئويّة.
هذه أهم ما تضمن به الخطاب من خطوط كفيلة أن تحقق نقلة نوعيّة لعمان، إذا ما تعاون الجميع وتكاتف، وقدّموا مصلحة عمان على ذواتهم، وما ذلك بعزيز.