المقالات التأريخية

نظرات من كتاب “هكذا قتلوا قرّة العين” للدكتور عليّ الوردي

“إني أعتقد على أيّ حال بأنّ قرة العين امرأة لا تخلو من عبقرية، وهي قد ظهرت في غير زمانها، أو هي سبقت زمانها بمائة سنة على أقل تقدير، فهي لو كانت قد نشأت في عصرنا هذا، وفي مجتمع متقدّم حضاريا، لكان لها شأن آخر، وربما كانت أعظم امرأة في القرن العشرين”!!!

هكذا كانت خاتمة كتاب هكذا قتلوا قرّة العين للدكتور العراقي الشهير علي الوردي، وهو من القطع الصغير، طبع دار الانتشار.

ولستُ هنا لأحلل شخصية قرة العين وهي امرأة إيرانية اسمها [أم سلمى زرين تاج، هي من أتباع الباب الثمانية عشر الأوائل المعروفين بحروف الحي. وكان الباب قد سماها قرة العين. وعرفت بالخطابة وطلاقة اللسان وجمالها الأخّإذ. هي أول امرأة في العالم الإسلامي تخلع حجابها وتطالب بتحرير المرأة – في فترة رفع الشريعة بعد مؤتمر بدشت 1848م -. كما منحها بهاء الله خلال مؤتمر بدشت لقب الطاهرة، وهو ما عرفت به في إيران وفي أوساط الأدب العربي والفارسي فيما بعد. وقد كانت من أوائل من آمن بالباب] موقع ويكبيديا.

كذلك لستُ هنا ببيان تلخيص الكتاب، لأنه صغير الحجم ويمكن قراءته في جلسة واحدة، وإنما بعد اطلاعي على الكتاب شغلتني العديد من الأسئلة، وأخذت غالب وقتي ليلا وصباحا، وقلتُ ما دام لدينا في الصفحة أخوة من البهائية وعلى رأسهم الأخ بيان من أصل إيراني، كما يوجد لدينا أخوة من الشيعة الإمامية في الصفحة ويمكن أن يتحفونا بجميل تعقيبهم.

والسؤال الذي يطرح نفسَه هنا: ما سرّ تعلق العشرات بل المئات في فترة مبكرة بالباب، هل هذا يعود إلى نصوص إخبارية في الفكر الشيعي، ترجمها هؤلاء إلى فكر عملي بغض النظر عن واقعيتها أو لا؟

ثمّ للشيخية وهم فئة من الشيعة الإمامية بعضهم يربط بينها وبين البابية، سواء عند المؤسس الشيخ أحمد الإحسائي ت 1825م، أو عند تلميذه السيد كاظم الرشتي ت 1843م، الرجل الثاني للشيخية، والذي ينسب إليه التبشير بقرب المهدي، وعليه يكون لفكر الشيعة الإمامية الأخبارية عموما، وللشيخية خصوصا الأثر الخفي في التعلق العجيب بالباب علي محمد بن محمد رضا الشيرازي ت 1850م، رغم أنّ العديد من علماء الشيخية كفّروا الباب في وقتٍ مبكر.

وقرتُ العين حضرت بعضَ دروس الرشتي قبل وفاته بقليل مع زوجها في كربلاء، حيث مكثت فيها حوالي ثلاثة عشر عاما، وقد تأثرت بفكره، حيث ما إن رحلت إلى موطن رأسها قزوين إلا وقفلت راجعة، ولكن المنية أدركت البشتي قبل وصولها.

من المدرسة الشيخية تكونت قرت العين، ومن مدرسة البشتي الرجل الثاني في الشيخية تأثرت، وعليه كانت تنافح وتخطب وتحاضر وتناظر في الدفع عن الشيخية، وأعجب بها الناس، والتف حولها الألوف من البشر في العراق وإيران.

ولكن ما إن قام الشيرازي الملقب بالباب [وفي سنة 1844م، أعلن علي محمد وهو شاب في الخامسة والعشرين من عمره، أنه جاء مطبقا للنبؤات والوعود السابقة وبأن مهمته هي تمهيد الطريق والتبشير بوشوك مجيء من سماه بـ (من يظهره الله) الذي سيكون مربي العالم في هذا الزمن، وأطلق على نفسه لقب الباب. وجاء بشرائع وأحكام وكتاب (البيان)] ويكبيديا.

العجيب هنا أنّ العشرات بل المئات صدّقوا بدعوة الباب وآمنوا به سرا، إلا أنّ قرت العين بعد فترة وجيزة جاهرت بصدق دعوة الباب، وأنه الموعود بالظهور، وعليه اعتبرت الثاني في الدعوة بعد القدوس، والذي حدث بينهما خلاف كبير في مؤتمر بدشت في بيان فسخ الشريعة أثناء سجن الباب.

عموما ما سرّ هذا الالتفات المبكر لدعوة الباب، رغم أنّ التأريخ يضرب أمثلة كبيرة لأناس ادعو النبوة إلا أنّ دعوتهم ماتت قبل موت إصحابها، أو ماتت بعدهم بسرعة.

لقد تلقى البهائيون أشدّ أنواع الاضطهاد في العصر الحديث، وإلى يومنا هذا، والباب نفسه عاش بين السجون والتشريد، بل ومات بحكم الإعدام عام 1850م بعد أن سجن في قلاع أذربيجان لعدة سنوات.

ومع هذا الدعوة البهائية تنتشر بقوة، وقد وصلت اليوم بعد قرن ونصف تقريبا إلى حوالي سبعة ملايين معتنق لها في العالم!!!

والسؤال هنا ما سرّ هذا التمسك هل هو عائد إلى الباب ذاته، ومكانته العلمية والاجتماعية، أم إلى قوى خارجية وهذا ضعيف جدا في نظري، أم إلى الفكر الإخباري والمشيخي في الفكر الشيعي الإمامي مبكرا، كان داعما لهذه الأطروحة البابية بطريق أو بآخر، ولعشق بعض الشيعة أن يروا نظرياتهم على أرض الواقع.

عموما الإقصاء أيضا له دور، وهذا الجانب سأخصص له حديثا مستقلا من خلال دعوة الإمام ابن تيمية الحراني ت 726هـ.

مساء الأحد 31/ 3/ 2013م.

السابق
مع فقه أيام العيد
التالي
تجسيد الأنبياء فنيا في المسرح والدراما والصور والأفلام الكرتونية
– تنويه:

عدد من الصور المستخدمة للمقالات مأخوذة من محرك google

اترك تعليقاً