المقالات النقدية

التّرحم على الفنان الكبير: عبد الحسين عبد الرّضا

اطلعتُ على بعض التّغريدات تستنكر التّرحم على الفنان الكويتي عبد الحسين عبد الرّضا  وهي كالعادة تتكرر بين فترة وأخرى في قضية التّرحم وعلاقة ذلك بالولاء والبراء، والّذي يستشف من هذه التّغريدات التّالي:

  • كفر الشّيعة لكونهم قبوريين!!
  • عدم جواز التّسمي بــ [عبد الحسين عبد الرّضا].
  • عدم جواز التّرحم على المشركين لظاهر آية براءة!!

أمّا تكفير الشّيعة والصّوفية فهو منهج للأسف ساد عند البعض، حتى ظهر بقوة بعد دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب ت 1206هـ/ 1791م، باعتبارهم عبدة أوثان، ولهذا حدث إقصاء كبير لهم، وظلت فكرة التّكفير باقية في أتباع الدّعوة النّجديّة السّلفيّة، والّتي سماها خصومها بالدّعوة الوهابيّة، فمثلا يقول عبدالله ابن الإمام محمد بن عبد الوهاب ت 1828م في كتابه الكلمات النّافعة في المكفرات الواقعة قال في معرض الكلام عن المتوسلين بالقبور كالشّيعة والصّوفية: وبالجملة فأكثر أهل الأرض مفتونون بعبادة الأوثان!!

إلا أنّ – للإنصاف – النّظرة السّلبية إلى الشّيعة أو العكس من قبل بعض غلاة الشّيعة موجودة أيضا، ولولا خشية الإطالة لذكرت نماذج من ذلك، من جميع المذاهب بما بينها المذهب الإباضيّ الّذي أنتمي إليه نسبا!!!

بيد أنّ صوت الدّعوة النّجديّة كان كبيرا بسبب الدّعم السّياسيّ والماليّ، ووجود أتباع أخلصوا لدعوتهم، حتى كان ما يسمى بالصّحوة الإسلاميّة، والّتي أرجعت دعوة الإصلاح والتّجديد إلى الخلف، إلا أنّها تراجعت مؤخرا بسبب الأحداث المعروفة، والانفتاح الكبير بين الجميع!!!

فنحن عندنا هنا تراث مليء بالمغالطات عند الجميع، وواقع يريد الجميع الانفتاح عليه بما فيهم الشّيعة، فنحن في فترة بحاجة أن نقويّ الخيط المشترك، ونجعل خيطا نقديّا ومنصفا للماضي، مع مراجعة التّراث علميا ومنهجيا، وأمّا القصاصات الصّفراء الّتي تحدثت عنها في مقال مستقل فيسهل وضعها من قبل الجميع، والخاسر هو نحن جميعا بهذه الفرقة والشّحناء، والمستفيد هو المستبدّ الدّاخليّ، والعدو الخارجيّ!!!

فنحن بحاجة إلى مراجعة مصطلح التّكفير ذاته أصلا، سواء التّكفير العام أو المعين، ولقد تأملتُ مذهب الأخوة الشّيعة على الوجه العام، فلا يوجد شيء يكفرهم، وفي جملتهم ما اختلفوا فيه يسع الخلاف بين الجميع، فهم مسلمون يؤمنون بالله وأنبيائه وكتبه، ويستقبلون القبلة، ويصلون الخمس، ويصومون رمضان، ويحجون البيت الحرام، فلا معنى لتكفيرهم، وإخراجهم من الأمّة، وما بعده من خلاف فمحله البحث العلميّ وليس التّراشق بالتّكفير والتّفسيق والتّضليل!!!

وأمّا قضيّة التّوسل بالقبور فهي مسألة خلافيّة قديمة تتمثل مثلا في الفرق بين التّوسل والاستعانة من جهة، وفي التّوسل بالأموات من جهة ثانية، وفي قضية التّوسل بالمعين أو بالأولياء، وهل أولياء القبور يسمعون أم لا؟ هذه من المسائل الفقهيّة في الأصل، والّتي تحولت إلى عقديّة، ومحلها البحث والحوار العلميّ، وليس التّكفير والتّفسيق.

صحيح ظهر حولها العديد من المخالفات العمليّة في التّوسل، خاصة من العامّة والمستفيدين منهم من بعض الشّيوخ، ولكن هذا ينكره الجميع!!

وكذا الحال في التّسمي بعبد المطلب أو عبد الحسين ونحوه، فالجمهور على منعه تأدبا مع الله تعالى، ولبعض الرّوايات في ذلك، والبعض أجازه لإقرار النّبي – صلّى عليه وسلّم – حتى في نسبه، فهو محمد بن عبدالله بن عبد المطلب، فهي مسألة فقهيّة النّزاع حولها من القرن الأول الهجريّ، وليست مسألة عقديّة، ومحلّها أيضا البحث والحوار العلميّ!!!

ويبقى مسألة الولاء والبراء، فهذه مما غلت فيها المذاهب، فهي على التّالي:

  • هل يجوز التّرحم على المخالف في المذهب!!!
  • قضية التّفسيق المذهبيّ هل كالتّفسيق العمليّ لا يجوز التّرحم على صاحبه!!
  • هل يترحم على من مات على كبيرة!!!
  • التّوسع في الكبائر وإدخال اللّحية والإسبال ونحوها، فلا يترحم على من مات على ذلك، ويستثنى المتأول، أو المقلد لمتأول!!!

هذه المسائل في الحقيقة من الغلو الّذي دخل على المذاهب، فالإباضيّة أفرطوا  في الولاية والبراءة كثيرا، حتى جعلوها أحدّ من السّيف، وقسّموها أربعا، ممّا حدث اللّغط وسوء التّطبيق، ممّا جرهم إلى القول أنّ الإنسان يسعه ولاية وبراءة الجملة، أي يتولى المؤمنين من آدم وحتى يوم الدّين، ويتبرأ من الكافرين والفاسقين من آدم وحتى يوم الدّين، دون الدّخول في ولاية وبراءة الأشخاص دون تعيين!!!

والسّنة والشّيعة وإن كانوا أكثر سعة من الإباضيّة إلا أنهم أيضا توسعوا في ولاية وبراءة المذهب كغيرهم، والسّلفية توسعوا في تكفير المسلم والمتوسل، وفي تضليل المخالف، ورتبوا على ذلك الولاء والبراء!!!

هذه المسائل بحاجة إلى مراجعات، ولا يمكن بحال تفصيل الولاية والبراءة في القرآن، وقد نشرت في ذلك مقالا في صفحتي قبل سنة، وهو موجود لمن أراده.

والّذي يهمني هنا هو نقد الذّات، ونقد التّراث، ومراجعة التّفكير المذهبيّ عندنا من جديد!!!

ولهذا العديد من الآراء والاجتهادات في الإنزال لا يتقبلها الشّعور الإنسانيّ، أو الفطرة البشريّة السّويّة، ولهذا على الرّغم هذه التّغريدات لم تخرج عن التّقعيد المذهبيّ، وهم لم يأتوا بجديد، إلا أنّهم كانوا أكثر جرأة وشجاعة من غيرهم، فأنزلوا الّذي في موروثهم إلى تطبيق، بينما يقرّ بقولهم عشرات ولكن الضّعف يملكهم!!!

إلا أننا كما يقول أستاذنا سالم المشهور في مقطع له نحن أمام وعي شبابيّ، أصبح بفطرته يرفض هذه الآراء المتشددة، فنحن بحق بحاجة إلى وقفات للمراجعة ونقد الذّات، مع قليل من الهدوء، وتقوية المشترك بينتا…

غفر الله لنا جميعا، ومن علينا برحمته ومغفرته!!

فيسبوك 1439هـ/ 2017م

السابق
عمانيون بلا وظائف
التالي
الوحدة من خلال شعائر الحج
– تنويه:

عدد من الصور المستخدمة للمقالات مأخوذة من محرك google

اترك تعليقاً