المقالات الدينية

الحلقة الحادية عشرة: الصّيام في المسيحيّة الكاثوليكيّة والموارنة

من حلقات الصّيام في الأديان على إذاعة مسقط أف أم

11 رمضان 1445هـ/ 22 مارس 2024م

الكاثوليكيّة كنيسة غربيّة انفصلت عن الكنيسة الشّرقيّة بعد مجمع خلقيدونيّة (451م)، كما لها انتشار في الشّرق مع الأقباط والأرمن والسّريان والكلدان، وغالبها مع الرّوم واللّاتين، ولها انتشار كبير في العالم، ويمكن اعتبارها من أكثر الطّوائف انتشارا في العالم.

ويؤمن الكاثوليك بالأسرار السّبعة، ويرون أنّ للمسيح طبيعتان: لاهوتيّة وناسوتيّة، وله مشيئتان، ويرون أنّ مريم ولدت معصومة وطاهرة، ويتوسعون في شفاعة القدّيسين[1]، ولمّا جاء “الامبراطور شارلمان [814م] في القرن التّاسع الميلادي قال إنّه منبثق من الآب والابن، فأضاف الابن، بينما في مجمع نيقيّة عام 325م بيّنوا أنّ الرّوح القدس منبثق من الآب فقط، وخالف شارلمان ذلك، ومشت الكنيسة الغربيّة على رأي شارلمان”[2].

وهم أخف من الأرثذوكس في طول عدد أيام الصّيام، وأكثر سعة ويسرا فيه، والأصل يشتركان في الصّوم من الدّرجة الأولى، أي الصّوم الكبير، وصوم يومي الأربعاء والجمعة، واليوم منهم من اكتفى بيوم واحد فقط، والصّوم عندهم يبدأ من منتصف اللّيل إلى منتصف النّهار، ويمتنعون فيه عن أكل اللّحوم والأجبان والألبان والبيض يومي الأربعاء والجمعة لزوما، والصَّوْمُ الكَبِيرُ أو الصَّوْمُ الأَرْبَعِينِيّ يبدأ في يوم أربعاء الرّماد حسب الطّقس اللّاتينيّ، وسميّ يوم الرماد حيث كان الإكليروس والشّعب يضعون رماداً على رؤوسهم علامة للتّوبة[3]، وكما يذكر المؤرخ القبطيّ المعاصر أثناسيوس المقاري أنّ زمن الصّوم المسيحيّ يستمر خمسين يومًا، أربعون يومًا هي أيام الصّوم الّتي تسبق أسبوع الآلام فضلًا عن أسبوع الآلام بما فيه سبت النّور، بالإضافة إلى أربعة أيام تعويضية عن أيام الآحاد الّتي يتم فيها الإفطار، أي  يمتدّ إلى ستة أسابيع، والأربعة الأيام السّابقة على الصّوم في طقس روما تشبه الأسبوع السّابق على الصّوم في التّقليد البيزنطيّ، والذي تُسمى بأسبوع الاستعداد، حيث أنّ التّشابه بينهما هو في إقامة الاحتفال الإفخارستي في يومي الأربعاء والجمعة من هذا الأسبوع، ومدّة الصوم في الكنيسة الغربيّة –ويتبعهم في ذلك الموارنة يومان فقط، يكون فيهما الصّوم حتّى الظهر، والانقطاع عن أكل اللّحم كلّ أيام الجُمَع من الصّوم، وفي سنة 1917م خُفّفَ الحقّ القانونيّ الكنسيّ الكاثوليكيّ قانون الصّوم فأباح أكل البيض وشُرب الحليب، وأبقى على الاكتفاء بتناول وجبة واحدة في النّهار، وفي سنة 1941م صدر تخفيف آخر برفع إلزامية الصّوم والانقطاع، ثمّ جرى تثبيت ذلك بنصّ قانوني صدر سنة 1946م، وفي سنة 1949م صدرت تعليمات كنسيّة جديدة أعادت بعض جوانب الصّوم مثل فرض الصّوم حتّى الظّهر، والانقطاع عن أكل اللّحم في أيام أربعاء الرّماد والجمعة العظيمة وسبت النّور، والانقطاع عن اللّحم فقط في جُمعَ الصوم الكبير كلّها، أمّا الوضع الحالي فصار الانقطاع عن اللّحم يوم الاثنين الأول من الصّوم –مدخل الصّوم- ويوم الجمعة العظيمة، وأيام الجُمَع من الصّوم، وفي طقس روما الحالي لا يُصام الكبير سوى في هذا اليوم -أي أربعاء الرماد- ويوم الجمعة العظيمة فقط، لهذا في روما من بعد منتصف القرن الرّابع الميلاديّ صارت فترة الصّوم هي ستة أسابيع، وصوم عيد الميلاد في الكنيسة الكاثوليكيّة يبدأ في 9 ديسمبر لمدة خمسة عشر يوما تنتهي ليلة عيد الميلاد في 25 ديسمبر وفقا للتّقويم الغربيّ، وعند ‌الكنيسة الكاثوليكيّة الشّرقيّة صوم الرّسل،  ولا يصوم الكاثوليك عموما أسبوع هرقل، وعندهم صيام الصّمت، وصيام الأحد الأبيض، يلبسون فيه الثّياب البيضاء، وفيه يعتقدون حدوث هبة الرّوح القدس[4].

وإذا أتينا إلى الموارنة فهم في الجملة لا يختلفون عن الكاثوليك، واعتبرهم بعضهم فرقة من الكاثوليك، وهم من السّريان، ومركزهم حاليا لبنان، ونسبوا إلى القدّيس مارون [ت 410م]، بيد أنّه لا توجد علاقة مباشرة بالموارنة مع القدّيس مارون، “حيث تأسّست الكنيسة المارونيّة في أواخر القرن الثّامن الميلادي عندما دخل العرب أنطاكية، فانقطعت العلاقة مع بطريرك القسطنطينيّة؛ فاضطر الموارنة إلى انتخاب الرّاهب يوحنّا مارون [ت 707م] أول بطريرك للكنيسة المارونيّة في أنطاكيا، واعتبر الرّوم لخلافهم مع العرب هذا انشقاقا، ومنها حدث صراع كبير بين الرّوم البيزنطيين والموارنة”[5].

وسميت الكنيسة بالمارونيّة كما يقول الأب الماروني حنّا إسكندر لأنّ “الحياة الرّهبانيّة كثرت في القرن الثّالث الميلادي، وقويت أكثر في القرن الرّابع الميلادي، خصوصا بعدما دخل قسطنطين [ت 337م] المسيحيّة بدأ يتدفق النّاس إليها، وبدأت تدخل العادات الوثنيّة في المسيحيّة، لهذا نشطت الحياة الرّهبانيّة في مصر وسوريّة وإيران وتركيا وإيطاليا وغيرها، ومن بين هذه النّشاطات الرّهبانيّة كان نشاط القدّيس مارون، وقد عاش للرّهبانيّة ناسكا مترهبا، ولم يؤسّس طائفة أو مذهبا، وعلى جنبه تأسّست مدرسة لوستيّة يعيشون الإنجيل، وبعد وفاته تنازع وتقاتل النّاس من ينتزع جثمانه؛ فنشأت أديرة على اسم القدّيس مارون، من بينها دير على ضفاف نهر العاصي قرب حماة اليوم في سوريّة، وكان يوحنّا مارون رئيسا له، وكان فيه ثمانمائة راهبا، وكان رئيسه أسقفا، ثمّ انتخب بطريركا، من هنا بدأ مصطلح الموارنة نسبة إلى هذا الدّير الّذي سمّي تيمنا باسم القدّيس مارون، وكان بين وفاة مارون وظهور المصطلح حوالي أربعمائة سنة”[6].

والصّيام عند الموارنة لا يختلف في الجملة عن الطّوائف المسيحيّة التّقليديّة، وأقرب إلى الكاثوليك، فعندهم الصّوم الكبير الّذي يدوم أربعين يوماً، أو ستّة آحاد أي أسابيع، ويختم الصّوم بأسبوع الآلام، وهو زمن مستقل ومنفصل طقسيّاً، إلّا أنّه يختلف موعد بداية الصّوم الأربعيني في الكنيسة اللّاتينيّة الّتي تتبع التّقويم الغربيّ عن الكنيسة المارونيّة، ويبدأون أيضا بأسبوع الرّماد أي التّوبة، ولهم طقوسهم الخاصّة في ذلك.


[1] ينظر: العبريّ: بدر، التّعارف تعريف بالذّات ومعرفة للآخر؛ سابق، ص: 259.

[2]  نفسه، ص: 352.

[3] ينظر: المقاري: أثناسيوس، مقالة المراحل التّاريخيّة لتطوّر فترة الصّوم الّذي يسبق عيد الفصح شرقا وغربا؛ نشر في موقع منتديات الكنيسة، التّأريخ والزّيارة نفسها.

[4] نفسه التّأريخ والزّيارة.

[5] العبريّ: بدر، التّعارف تعريف بالذّات ومعرفة للآخر؛ سابق، ص: 348 – 349.

[6] نفسه، ص: 349.

السابق
الحلقة العاشرة: الصّوم في المسيحيّة الأرثوذوكسيّة
التالي
الحلقة الثّانية عشرة: الصّيام في المسيحيّة البروتستانتيّة اللّوثريّة
– تنويه:

عدد من الصور المستخدمة للمقالات مأخوذة من محرك google

اترك تعليقاً