كان عنوان الحلقة الإسلام في أبعاده الحضاريّة والإنسانيّة، بثت بتأريخ 16 أكتوبر 2020م.
الميادين: لماذا درج الغرب على لصق الإرهاب بالإسلام في محاولة للإضرار بكنهه، وأبعاده الإنسانيّة؟
العبريّ: الإشكالية دائما في المصطلح، ومن يحدد المصطلح.
المصطلح في البداية ظرفيّ، قد يستخدم إيجابا وقد يستخدم سلبا، فالقرآن استخدم الإرهاب بمعنى القوة العلميّة والصحيّة والعسكريّة والقانونيّة، وهو جانب إيجابي، إلا أنّه أيضا استخدم مصطلحات له إيحاء سلبيّ كالفساد والحرابة والبغي.
فاستخدام الإرهاب اليوم بالمعنى السّلبي لا إشكاليّة فيه، ولكن الإشكاليّة عندما تخصيصه بأمّة أو دين أو جنس معيّن؛ هنا الإشكاليّة، فالأديان مثلا بأصل نصوصها، بعيدا عن تأثرها بالتّدين الاجتماعيّ والسّياسيّ والشّعبي؛ جاءت جميعا لتقترب من ماهيّة الإنسان، وتعزّز الكرامة الإنسانيّة، والقرآن صرّح بهذا: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا} [الإسراء/ 70]، فلا يوجد شيء اسمه الإرهاب الإسلامي، كما لا يوجد شيء اسمه الجهاد أو القتال الاسلامي أو المسيحي أو اليهودي أو غيره.
الإشكاليّة الأخرى: من يحدد المصطلح؟ وما الغايات من تحديده؟ هل الغاية هي الإنسان أم لأغراض سياسيّة، فلو أتينا إلى الإرهاب هو مرتبط بما يسمى الصّحوة الإسلاميّة، والّتي استغلّت سياسيّا للقضاء على الحركات اليساريّة والقوميّة والاشتراكيّة، وهنا استخدم المصطلح الدّيني “الإلحاد”، ثمّ الجهاد للقضاء على الاتّحاد السّوفييتي، وبعد سقوطه وضعف الحركات اليساريّة أصبحت المواجهة مع هذا التّيار، فكان مصطلح الإرهاب، واستخدم بشكل أكبر بعد أحداث 11 سبتمبر، فالإشكاليّة ليست في السّياسة الغربيّة فقط، الإشكاليّة أيضا في الاستبداد السّياسي في الدّول القطريّة العربيّة ضد العديد من مواطنيها.
الميادين: كيف تعامل الغربيون سابقا مع الإسلام، أليس لديهم موقف مسبق منه على الدّوام؟
العبريّ: من الصّعب بطبيعة الحال خلق مواجهة بين الغرب والإسلام، ولا بين الشّرق والمسيحيّة مثلا، فعلينا أن نبعد الأديان عموما عن الشّرق والغرب؛ لأنّ نزعتها لاهوتيّة، واللّاهوت لا يعرف شرقا ولا غربا، وإنّما أن نحصر الشّرق والغرب في جانب الأنسنة والإنسان.
فالأمم الّتي تقترب من الإنسان تقترب من الأديان، وتستطيع أن تتعامل مع الأديان بما هو مطلق وما هو نسبيّ وظرفيّ من جهة، وتستطيع التّفريق بين الدّين والتّدين.
فالغرب في الجانب الإنساني تجاوز الشّرق، لذا يجد العديد من المسلمين من الحريات في الغرب ما لا يجده في الشّرق، وإنّما الإشكالية في السّياسات، والّتي تجد دعما من الجماعات المتدينة والمتطرفة، ومن المستفيدين ماليّا ومجتمعيّا.
لهذا في نظري عندما نقرأ العلاقة بين الغرب والإسلام لا نجد له معنى، نعم ممكن أن نقول بين الغرب والتّدين الإسلامي وهذا حديث آخر.
الميادين: الإسلام بين السّاسة الغربيين، ومفكري الغرب، كيف تبدو الماهيّة عندهم؟
العبريّ: المجتمعات الغربيّة في نظري ممّا يميّزها جمعيات العمل المدني المستقلة، والّتي كثيرا ما تهذّبت بالبعد الإنسانيّ، وأمّا السّاسة ففي الغالب يهمهم الوصول إلى الكراسي والفوز في الانتخابات إلا ما ندر، لهذا يبحثون عن الصّوت العالي، وكثيرا ما يكون الصّوت العالي للمتطرفين من أيّ دين كانوا، وبلا شك في الغرب كما في أمريكا يكون للبروتستانتية المتعصّبة، وأمّا المفكرون فيعتمد على انطلاقتهم، فإذا كانت انطلاقتهم إنسانيّة فيؤثر على توجههم وآرائهم، بعكس إذا كان منطلقهم لاهوتيّا متشددا مغلقا، أو قوميّا متعصبا، وقديما قال السّيد المسيح: من ثمارهم تعرفونهم.
صحيح أنّ الفردانيّة في الغرب تجاوزت العقل الجمعي، وارتبطت الفردانيّة بالأنسنة، إلا أنّ الأصوات المتطرفة لا زالت موجودة، ولها صوت كبير، وتظهر إذا تزاوجت مع السّاسة، ومع هذا المجتمع الغربي وجمعيات العمل المدني المستقلة لها تأثيرها على الأقل في الدّاخل.
الميادين: هل وجود التّشدد في العالم الإسلامي معناه تبدل ماهيّة الإسلام؟
العبريّ: الأولى استخدام التّطرف؛ لأنّ التّشدد نسبي وهو طبيعي، المشكلة إذا أدّى التّشدد إلى التّطرف، وهو مجاوزة الحد، وسماه القرآن بالغلو.
والأديان بما فيها الإسلام في ماهيّتها جاء لإقرار ماهيّة الإنسان، وحفظ دينه أو فكره ونفسه وعرضه وعقله وماله ونسله، وكل ما يؤذي الماهيّة الإنسانيّة ولو كانت غير مؤمنة.
وعليه التّطرف مرتبط بالتّدين وليس بالدّين من حيث ماهيّته.
الميادين: لماذا لا نقول نحن المسلمين الإرهاب المسيحي، رغم أنّ المسيحيين في العالم الإسلامي بالملايين؟
العبريّ: الأديان كما أسلف لك لا علاقة لها بالتّدين السّلبي، وهذا من حيث ماهيّة الأديان، لا من حيث دخول الثّقافات إليها، وتحوّلت إلى دين أثر على ماهيّتها.
والمشكلة أيضا كما أسلفت في السّياسة، بل نحن نستخدم الإرهاب اليوم كأداة قمعيّة ضدّ حركات المقاومة أيضا!!
الميادين: كيف نعيد الألق لدين الله ونحميه من العدوان الفكري والثّقافي؟
العبريّ: أولا: بداية علينا أن نعيد قراءة النّص الدّيني، وأن نحترم المغلق والمحكم، ولا نتعصّب في النّص المفتوح وهو كثير.
ثمّ أن نفرّق بين ما هو مطلق وما هو نسبي طرفيّ تدبيريّ، مع فتح أكبر درجة لمراجعة التّراث والنّص الدّينيّ الّذي يتولد من خلال الأنسنة، بداية من أنسنة التّأريخ، فتأريخ هذه الأمّة تأريخ بشريّ إنسانيّ يحوي النّجدين: الخير والشّر، الصّواب والخطأ، الإيجاب والسّلب، كتأريخ أي أمّة في الأرض، فليس ملائكيّا مميزا، وليس حيوانيّا شهوانيّا، وأنسنة التّأريخ أي رفع القداسة عنه، فليس نصّا تشريعيّا مغلقا ولا مفتوحا؛ بل هو تجربة بشريّة، تدرس بشكل أكاديميّ لا أكثر، فلا داعي للصّراع حول رموز مرجعها إلى باريها، وهو العدل الّذي لا يظلم أحدا، ويسع في هذا قوله تعالى: {تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [البقرة/ 134].
ثمّ أنسنة الخلاف الكلاميّ والعقائديّ، لأنّ هذا الخلاف شيء طبيعيّ تكوينيّ من أهم أسبابه أنّ النّص القرآني بطبيعته نص مفتوح، ولكونه مفتوحا فهو قابل للتّأويل، فأنسنتها هنا أي جعلها في قدرها الإنسانيّ الطّبيعيّ، وهي حالة صحيّة، لا يترتب عليه تكفير ولا تفسيق، لأنّه كلّما كان التّأويل واسعا كانت التّعدديّة حاضرة، وعليه يرتفع الحكم على المختلفين في البيت الإسلاميّ بالجنّة والنّار، وترك الحكم لله وحده، ويتسع هذا مع باقي الطّوائف من باب التّعدديّة المرتبطة بالإنسان، ومراجعة الأحكام الظّرفيّة في ذلك كالجزية وحدّ الرّدة والولاء والبراء وغيره .
وهكذا فيما يتعلّق بتقديس وإطلاق التّراث، حيث يعتبر التّراث بنصوصه وتطبيقاته، بأساطيره وواقعيته، الشفويّ منه والماديّ، ملكا للجميع، وتراث مجتمع البيت الإسلاميّ تراث إنسانيّ مفتوح، وهو تجربة بشريّة في مختلف فنون المعرفة الإنسانيّة والتّجريبيّة، إلا أنّ الإشكاليّة الّتي تؤثر على مجتمع البيت الإسلاميّ هو جعل التّراث جملة نصّا مطلقا، مع التّعصب له، وحرمة نقده، والبحث في سوءات الآخرين عن طريق قصاصات الكتب الصّفراء، وعليه الأصل أن يقرأ التّراث قراءة إنسانيّة طبيعيّة، فهو ظرفيّ مرتبط بفترة زمنيّة، فقراءته لا تكون مطلقة، وإنّما يراعى الزّمان والمكان الّذي وضع فيه، فيستفاد من حسناته، وتنقد سيئاته، ولا يتعصب له.