قال لي صاحبي يوما: أريد أن تكتب تقريرا عن الطرق لمواجهة البهائية؟ وذلك لأنه يرى بعض التأثر بها.
ولطبيعة الحال لست هنا في بيان البهائية فقد كتبت في ذلك مقالا منذ أربع سنوات تقريبا عن قرة العين من كتاب الدكتور أحمد الوردي: هكذا قتلوا قرة العين، وفيه ذكرت التسلسل من الشيخية فالبابية فالبهائية.
ولست كذلك في بيان عقائد البهائية ومناقشتها لأنه ليس محل البحث هنا، وإنما محل البحث: لماذا تنتشر البهائية ويتأثر بعض الشباب بها، وتنتشر هنا وهناك.
فالبهائية عمرها لا يتجاوز القرن أو زيادة بقليل، ولكن عدد أتباعها الآن يفوق السبعة ملايين نسمة في العالم، رغم الاضطهادات التي تعرضوا لها وخاصة في إيران والعراق.
الذي مكن للبهائية الانتشار في نظري هو تحقق خطاب الإنسان الذي فقد من الخطاب الديني عند العديد من التيارات الإسلامية، فنحن عندما نتأمل كتاب الأقدس أو الإيقان أو ألواح حظرة بهاء الله أو خطب ورسائل عبد البهاء نجد الخطاب الإنساني لا يخرج عن مشكاة القرآن، ولكنه غاب عن السطح عندنا ليحل محله الخطاب الاستعلائي والطائفي والتكفيري.
وما تعانيه الأمة اليوم من حروب وصراع طائفي على الفضائيات من سب وشتم ولعن، وعلى الأرض كما في اليمن والعراق وبلاد الشام، ويمتد الآن إلى أفريقيا كنيجريا وليبيا، بل حتى في أروبا!!
هذا الصراع أمامه ثلاثة أمور: أما أن يكون هناك مراجعات حقيقية في الخطاب الإنساني عندنا، بحيث تعاد صياغة العقلية الإسلامية من خلال الخطاب الإنساني الكامن في القرآن، بعيدا عن الخطاب التأريخي الذي تشكل في أزمنة مختلفة.
أو التنكر لهذا الدين والكفر به، لأنه أصبح عاجز ا– معاذ الله – عن ملائمة الواقع، وكان نتيجته كما نرى اليوم!!
أو البحث عن دين آخر أكثر إنسانية وملائمة للواقع!!
هذه الأمور الثلاثة أصبحت حاضرة، فلقد حاول السيد محمد حسين فضل الله ت 2009م في العودة إلى الخطاب القرآني، ووجد الخطاب القرآني في حقيقته خطابا إنسانيا، جاء لصناعة هذا الإنسان، وجاء لكتابة ثقافة الحياة لا ثقافة الموت، وقد نجح الرجل إلا أن الطائفية في لبنان، والسلطة المجتمعية المستغلة سلبا من قبل رجال الدين كانت فوق قدرته وقدرة محبيه!!!
هذا الخطاب الإنساني موجود في مصر والخليج وبلاد المغرب وبلاد الشام والعراق، إلا أنّ السياسات متكأة على السلطة المجتمعية التي في جملتها مستغلة من بعض رجال الدين لمصالح مذهبية وطائفية وسياسية ودينية.
فإذا كان بهاء الله يقول: [يا أحبّاء الله، لا تعملوا ما يتكدّر به صافي سلسبيل المحبّة وينقطع به عرف المودّة، لعمري قد خلقتم للوداد لا للضّغينة والعناد، ليس الفخر لحبّكم أنفسكم بل لحبّ أبناء جنسكم، وليس الفضل لمن يحبّ الوطن بل لمن يحبّ العالم] فالقرآن يقول: وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين، ويقول أيضا: ولو كنت فضا غليظ القلب لانفضوا من حولك.
هذه القيم الإنسانية القرآنية ارتفعت ليحل محلها قيم التعصب للطائفة والمذهب، وأصبح بعض المتدينين مثالا للتجهم والنظرة العلوية، يظهر عند من خالفهم، ولو من أبناء جلدتهم ومذهبهم.
وعليه نحن المسلمين لا نفتقد الخطاب الإنساني، ولكن استبدلنا هذا الخطاب وبعدنا عنه، ونجح فيه البهائيون، واستثمروه، وهو الخيط الجامع بيننا جميعا.
فالحل هو بداية كما أسلفت المراجعة الخطابية عندنا من الأساس، وإعادة صياغة العقول لتكون أوسع رحبا في التفكير الإنساني، كما أنه لابد من تنظيف القلوب لتسع رحمتها البشر جميعا.
وفي حال انعدام هذا الخطاب، وبقاء السياسات متكئة على الخطاب المجتمعي المستغل سياسيا ودينيا ومصالحيا، فلا نلوم الناس إن ارتدوا عند دينهم، أو بحثوا عن دين آخر، لأننا لم نعرف قيادة السفينة جيدا.
إننا نملك ثروة إنسانية في كتاب الله تعالى، أو حتى في حياة النبي الأكرم صلى الله عليه وسلم، وحتى في تراثنا التأريخي، ولكن غيبت هذه الثروة ليحل محلها الجانب السلبي من التأريخ والتراث، وقد كتبت نماذج مشرفة من تراثنا في صناعة الإنسان في كتابي فقه التطرف عسى أن يرى النور قريبا.
عموما احترم آراء الأخوة البهائيين، وشخصيا ضد سياسة الإقصاء معهم والتهميش والزج في السجون، وأنا مع الحوار والاشتراك في الجامع بيننا.
لا أقول هنا مواجهة بقدر ما أقول تفعيل الخطاب الإنساني المغيب عندنا، عندها سنشتغل ببناء الإنسان وحياة الإنسان، وبناء العقل والمعرفة، وصناعة الحضارة وأمة الإنسان، يوما ستدرك الأجيال عظمة هذا الدين كواقع في حريته ونظامه ونظافته وقيمه العليا التي جمعت الكل تحت محبة الله وسعة الإنسان، وما ذلك على عقول رشيدة عندنا ببعيد!!!
فيسبوك 1439هـ/2017م