اطلّعتُ على الجدل الحاليّ في قضيّة الحجاب ومجلس الشّورى، ولستُ هنا بصدد الحديث عن الحجاب وشرعيته ولوازمه ومتعلقاته الاستدلاليّة، ولوازم الاستدلال، وأثر العرف الاستدلاليّ في ذلك، فهذا مبحث آخر ليس محلّه هنا.
وإنّما محل الحديث هنا فيما يتعلّق بمجلس الشّورى، وسأستخدم لفظة (البرلمان) لأنّها أدق في الوصف والتّحديد المعرفيّ من الشّورى، فالأخيرة أقرب إلى الجانب الاجتماعيّ العام في التّشاور، بينما اللّفظة الأولى تأخذ أبعادا تشريعيّة ورقابيّة، فهي أعم وألزم.
كما أنّ التّجربة البرلمانيّة من أرقى ما وصل إليها العقل المدنيّ والمجتمعيّ الإنسانيّ في مشاركة الشّعوب للحكومات بشكل ديمقراطيّ وسلس؛ لأنّها تمثل القاعدة العريضة للشّعب في محاسبة الحكومة، وسنّ تشريعات، ومراقبة سير التّشريعات والدّساتير الحاليّة، وإن كان الأصل نتيجة أحزاب لها مقاعد معينة بعد الفوز، وهذه الأحزاب لها قاعدتها العريضة في الشّراك السّياسيّ، إلا أنّ الوضع الحالي في مجتمعاتنا قد لا يتقبل فكرة الأحزاب، وعليه لابدّ أن يدرك المجتمع أنّ قضيّة البرلمان (مجلس الشّورى) ليس قضيّة خدميّة للولاية؛ بل يشكل جانبا تشاركيّا مع الحكومة لعمان بشكلها الواسع في قضايا الدّولة الدّستوريّة والرّقابيّة والتّشريعيّة، فالانتخاب لا علاقة له بدوره الاجتماعيّ؛ فهذا محلّه المجلس البلديّ، وإنّما الانتخاب عن قدرته وحضوره السّياسيّ والمعرفيّ في القضايا الكبرى، وفي الإصلاح الدّستوريّ والسّياسيّ، فلا يكون رهين الولاية بل لصيق عمان ككل، فأي مُنتخَب هو يمثل عمان وليس ولايته!!!
وفكرة البرلمان – كما أسلفنا – فكرة إصلاحيّة في الجوانب التّشريعيّة والرّقابيّة، بما تحوي من جوانب قانونيّة وسياسيّة واقتصاديّة ومجتمعيّة، كما يظهر من قوله تعالى: {إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ} [القصص/ 26].
وبما أنّ فكرة البرلمان كفكرة تطوريّة تشريعا غير إسلاميّ ابتداء، إلا أنّ الرّأي الفقهيّ داخل المنظومة الإسلاميّة لم تقف معه وقفة سلبيّة، عدا في بداية دخول التّجربة، فهناك فئة كفّرَت البرلمان ومن يشارك فيه، إلا أنّه مع السّير الإصلاحيّ أصبح هذا القول شاذا ولا يكاد يذكر.
ومن المقرر حتى قديما في الأثر أنّ غير المؤمن أو المخالف في الدّين إذا كان أمينا وأجدر في الانتخاب لكان أولى بذلك، تحقيقا للمصلحة الكبرى، فكيف ونحن نعيش في ظلّ المواطنة الواحدة، والّتي جعلت جميع النّاس سواسية داخل الوطن الواحد.
فإذا كان هذا مخالفا لي في أصل المعتقد؛ فكيف يضيق إن كان من ذات الدّائرة الإيمانيّة، وإن خالف ظاهرا تشريعيّا يراه المجموع، أو رأيا فقهيّا رسميّا، أو توجها مذهبيّا وفكريّا، فهذه لا علاقة لها بأصل القضيّة البرلمانيّة؛ لأنّها ليست مرتبطة بالإيمان ولا بالفكر ولا بالشّكل، فكون المنُتخَب كفؤا وأمينا لكان أولى ولو كان حلّيقا مسبلا؛ أو كان ملتحيا مقصرا، فهذه قضايا تعبديّة متعلقة بالإلزام الذّاتيّ، لا بأصل المواطنة ومتعلقاتها الرّسميّة والبرلمانيّة، حيث أنّها مرتبطة بالكفؤ من حيث ذات العمل، وما عداه فيرجع إلى ذاته وعلاقته مع ربه، ولم يجعلنا الله شركاء ننوب عنه في مراقبة النّاس والحكم عليهم!!
وعلى ما تقدّم ندرك لا داعي للجدل حول إذا كانت المرأة محجبة أم لا؟ وقد تجاوزت الموضوع دول أقل منا حضارة ووعيا، ومع ذلك هي مرحلة سيتجاوزها الزّمن كما تجاوز قضيّة مشاركة المرأة في البرلمان ذاته.
كما أنّه لا ينبغي التّكلف في مناقشة قضيّة الحجاب بشكل عشوائيّ، وليّ النّصوص بعيدا عن سياقاتها الزّمنيّة والتّأريخيّة، ومتعلقاتها اللّغويّة والأصوليّة، فهذا مبحث آخر، والخلط بين الجانبين لا يؤدي إلى نتيجة تخدم المجتمع، فاختيار الكفؤ في البرلمان (مجلس الشّورى) هي أصل القضيّة وفحواها بعيدا عن الدّين والتّوجه والمتعلقات الفرعيّة.
فيسبوك 1440هـ/ 2019م