1443هـ/ 2022م
جريدة عمان: طرحت مؤخرا فكرة تواقيع الإصدارات للكاتب .. هي حفلات لا شك، هو احتفاءا بالكتاب ربما … لكن هناك شك من فبل المتلقي هل الاصدار هو إهداء ام انه بمقابل مادي ؟! .. اي إجابة في العموم ثمة احراج للكاتب خاصة وانه يتعامل مع افكار وثقافات مختلفة للجمهور
وجهة نظرك عموما بشأن هذه الفكرة .. هذا أولاً
ثانيا .. وجهة نظرك حول ان التوقيع على الكتاب يعيق تدوير المعرفة ؟ على اعتبار ان الكتاب الموقع يقف عند صاحبه ولا يمكن اعادة تدوير قراءته او مبادلته مع الآخرين !!
الجواب: أولا أشكركم على طرح الموضوع، ثمّ إهداء الكتب هي حالة تأريخيّة قديمة على مستوى بسيط جدّا، لصعوبة الطّباعة حينها، ولكن بدأت في الانتشار اليوم بسبب انتشار الكتاب طباعيّا، بيد أنّها أيضا كانت مرتبطة ابتداء بشكل كبير بكبار الكتّاب في مختلف المجالات، إلا أنّها اتّجهت إلى الجانب التّجاريّ من الجانب المعرفيّ، من خلال استغلال اسم الكاتب إذا كانت له شهرته، أو لأجل التّسويق للكتاب عموما، لهذا قد يكون الكتاب ليس بذاك القوّة، ولكن لشهرة صاحبه مثلا في وسائل التّواصل الاجتماعي أو أيّ مجالات أخرى يحدث هذا الأمر.
ولكن على كلّ حال لا ننس الجوانب الإيجابيّة وهي في نظري أكبر من الجوانب السّلبيّة، لما يخلقه التّوقيع من حميميّة بين الكاتب والمقتني للكتاب، فيشعر المقتني بهذه العلاقة المعرفيّة والتّواصليّة بين الجانبين، وهذا يشجعه على اقتناء الكتاب، وقراءة أفكاره.
ومن جهة أخرى يشكل ناحية تأريخيّة بينهما موقعة؛ لأنّ المقتني للكتاب عندما يضعه في مكتبته يكون مؤرخا في شرائه أو إهدائه، وهذا يخلق له شيئا من الحفظ التّأريخيّ، خصوصا لمّا ينتقل لأبنائه وأحفاده، أو لمّا توقف مستقبلا كتبهم على رغبة البعض لمكتبة عامّة أو مكان ما.
أمّا قضيّة أهو “إهداء أم أنّه بمقابل مادي”، أتصوّر التّوقيع يحمل الوجهين، فقد يكون إهداء موقعا، وقد يكون توقيعا مؤرخا، فقد يهدي الكاتب كتبه موقعة إلى من يحبّ بلا مقابل، وهذا الأصل، وقد يكون التّوقيع كناحيّة مؤرخة بين الكاتب ومن اقتنى كتابه، وهذه حالة صحيّة كما أسلفنا، ولكن قد تتحوّل إلى حالة سلبيّة إذا تحولت إلى حالة تجاريّة وليست معرفيّة، فتستغل شهرة الكاتب للتّكسب، وقد يعمل بعضهم نسخا ولصقا، فضلا عن قضايا الانتحال الكتابي لأجل النّشر لا لأجل المعرفة، ومن هنا يكون الضّرر في نظري، خصوصا من قبل المقتني للكتاب.
أمّا الضّرر المترتب على الكاتب، وأقصد الكاتب المعرفيّ، الّذي يقدّم معرفة إضافيّة وليست مستهلكة، فلا أرى أية ضرر عليه من حيث الأصالة، بل يساهم في نشر كتابه، إلا أنّ الضّرر إذا تحول إلى عادة بحيث ينتقل الكاتب من الكتابة المعرفيّة لأجل المعرفة، إلى الكتابة لأجل الشّخوص أو الشّهرة أو التّوقيع، فلم يعد ذلك الكاتب المعرفيّ النّاقد والمضيف، بقدر ما يبحث عن إرضاء شريحة كبيرة من النّاس، أو البحث عن الإثارة لأجل الإثارة وليس نتيجة جدّة في الموضوع، فيجذب جمهورا من طالبي التّوقيع، وهذا ضرره أكبر على الكاتب ومكانته وعلى المعرفة ذاتها.
أمّا هل “التّوقيع على الكتاب يعوق تدوير المعرفة”، في نظري العكس، حيث أنّ الكتاب لمّا يكون موقعا يحفظ حقّه، ويغنيه عن كتابة اسمه، ثمّ لكون الهديّة لا تُهدى حسب المقولة التّراثيّة، فالكتاب وإن كان مشترى إلا أنّ التّوقيع يحمل روحا إهدائيّة تميل إلى الخصوصيّة، لهذا لا يعوق التّدوير بقدر ما يكون هذا التّدوير محفوظا في الوقت نفسه، ليرجع الكتاب إلى صاحبه.
ولكن لمّا ينظر إلى التّوقيع كناحية شرفيّة أكثر من كونه خصوصيّة، هذا له سلبيته إذا رأى القارئ تمسكه بالكتاب مربوطا بالإهداء فيخشى فقدان الكتاب عن طريق التّدوير، وله إيجابيته في الحفاظ على الكتاب، فبعض الكتب لمّا تخرج من مكتبة القارئ قلّما ترجع، وقد يحتاج لها القارئ في زمن بحثيّ فلا يدركها، ولهذا قال الشّاعر قديما:
ألا يا مُستعير الكُتْبِ دعني * * فإن إعارتي للكُتبِ عارُ
فمحبوبي من الدنيا كتاب * * وهل أبصرتَ محبوباً يعارُ