1435هـ/ 2015م
بسم الله الرحمن الرحيم
مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ
إنّه الإنسان!!!
وما أدراكم ما الإنسان!!!
إنّه هبة الله، وتجليات قدرته، وآية وجوده سبحانه …
ما أعظم الإنسان، وما أبهى وجوده..
كرّمه الله في ذاته، بلا تفريق للون أو جنس أو منصب أو مال أو دين: وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا.
هنيئا لك أيها الإنسان خلافة الله في الأرض، لتعمرها صلاحا وبناء، هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ
هذه النفس البشرية، بأي حق تفتك، وبأي قانون تسفك،
نفس واحدة من قتلها، ومن نعمة الوجود حرمها، فكأنما قتل الناس جميعا، كانت النفس مسلمة أو غير مسلمة، النفس البريئة، التي لم تعتدِ على أحد أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا
النفس البشرية أيا كان دينها أو فلسفتها أو توجهها، لا تسفك بغير حق، ومن هذا الذي يملك الحق ليبيح الدماء، ويمنع عن النفس حق الحياة، النفس خلق الله، وهي بيد الله وحده، فمن الذي جعل نفسه شريكا لله ليقتل الأبرياء، ويروع المجتمعات، ويشرد الآمنين، لحسد أو كرسي أو مال أو تعصب لمذهب أو دين، وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ.
فما بالكم إذا كانت هذه النفس مؤمنة، تؤمن بالله واليوم الآخر، أما أنصت هؤلاء لوعيد الله: وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا
نفس واحدة فقط من يقتلها بغير حق، ويمنع حق الحياة عنها يحلُّ عليه غضب الله، وتنزل عليه لعنة الله، ويخلد في جهنم وبئس المصير
فما بالكم بمن تلطخت يده بدم الأبرياء، حنانيك حنانيك يا الله …
بأي توراة أم بأي إنجيل أم بأي قرآن يبيح الإنسان لنفسه أن يفجر نفسه في مسجد أو سوق أو عمران ليسفك الأبرياء، ويقتل الأطفال والنساء…
أي شرع أباح لهؤلاء هذا …
هذا نبيكم يخاطبه ربه: وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ
أي متى ما رأيت يا محمد من قاتلك واعتدى عليك أنه جنح للسلم فاجنح لها وتوكل على الله
وهو القائل له ولأمته: لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ
ولو خالفوكم دينا وتوجها وقبلة ما لم يعتدوا عليكم فعليكم أن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ
لا أن تسفكوا دماءهم، وتقتلوا أبرياءهم …
إنّ وسائل الإعلام اليوم مفتوحة، والقنوات أصبحت متاحة، فلطالما رأينا من يكفر إخوانه من المسلمين، لخلاف في مذهب أو توجه أو رأي.
وهناك من يبيح الدماء، وهناك من يذبح أخاه ذبح الشياه، وهناك من يفجر المساجد بدعوى الجهاد …
والعدو يتفرج ويستغل هذه الأفكار البشرية التي أملاها الشيطان لصالحه: قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ
إلا إنّ من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا مؤمن بالله لا يجوز أن يكفر لخلاف مذهبي، ولا يجوز سفك دمه …
كل المسلم على المسلم حرام، بل كل الإنسان على الإنسان حرام، دمه وماله وعرضه…
هذا هو قرآنكم، وهذه مبادؤه، أما آن يربط أولادنا بها، آن لمناهج التربية، وأماكن التوجيه والتنشئة أن تنبه هذا الجيل حتى لا يتأثر بهذه الأفكار المدمرة للأمم والمجتمعات، والتي يتلقاها يوميا من الوسائل المنفتحة بدون ضوابط، والله أعلم من وراها، والتي طالما سفكت من دماء، وخربت من مجتمعات، وروعت البشر، وأوقفت سير الحضارة، واستغلها المستبدون من أصحاب السلطة، والعدو في الخارج ….
هذا، ومن سفك الدماء، وترويع البشر، وهدم الأسر، عدم مراعاة حق الناس في السير والطريق، إنها الحوادث القاتلة …
ذلك الطفل المسكين، ذو السنوات الأولى من حياته، ينتظر أباه وأمه، وقد خرجا في نزهة أو غرض، ينتظرهما ليلاعبهما، فيرجعان جثة هامدة بين يدية، لا لشيء إلا بسبب شباب يظنون أنفسهم أبطال العالم بتهورهم وطيشهم …
وذلك الشيخ العجوز، فرح قريبا بولده، ليعينه على مشاق الحياة، بعد ما أكله الدهر، فيرجع إليه محمولا بلا حركة …
فما الذي يستفيد منه هؤلاء بسياراتهم الملمعة، وسرعتهم الجنونية، عندما يرملون امرأة لا ذنب لها وبلا رحمة …
ما الذي سيستفيدون منه عندما ييتمون أطفالا بلا شفقة …
من المستفيد يا عباد الله، أليس للسير قواعد، أليس للطريق آداب، أليس للمسير قانون، فلماذا هذه الدماء التي تسفك يوميا بسبب الطريق، والله تعالى حفظها، وهو ربها وخالقها، فلماذا ننتزعها، وحيا وهلا بأناس وشباب يراعون حقها وحرمتها …
ومن أبشع ما تسفك به الأرواح المخدرات، وما أدراكم ما المخدرات، تبدأ بقرص، وتنتهي بإبرة …
إنّ المخدرات منظر بشع، وأكثر بشاعة عندما يضعها من لا قلوب لهم ولا رحمة، بل هم كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ، يستغلون المراهقين، ويوقعونهم في هذا الداء، ليستغلونهم بعد ذلك في توفير المال والسرقات، وفي الفساد في الأرض وهتك الأعراض …
إن المخدرات إذا انتشرت، وكان الآباء لاهين، والناس غافلين، كان ضحيتها الجميع والناس أجمعين…
فآن للمجتمع أيها الأخوة أن يفيق، وأن يكون يدا واحدة ضد دعوات التكفير وسفك الدماء بأي وسيلة كانت، وعدم مراعاة حق الإنسان، ولنتدبر قوله تعالى صباح مساء: مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ.