لا أكتبُ هذه الأسطر ردا على أحد، أو تعقيبا على أحد، وهي في نفسي منذ فترة، وكتبت حول الصحابة وما جرى بينهم العديد من المقالات!!!
الذين عاشوا حول الرسول بشر تماما، كصحابة موسى، وتلاميذ المسيح وأتباعه، هؤلاء منهم المخلصون ومنهم دون ذلك.
ومحمد عليه السلام كغيره من البشر اجتمع حوله المخلصون من المهاجرين والأنصار ومن بعدهم، وانتسب إليه المنافقون، ومنهم من عاند وكفر واتبع المال والمنصب والشهوات الدنيوية.
وعندما تحدث القرآن الكريم عن أصحاب موسى عليه السلام أعطانا قواعد سننيه بشرية لدراسة الحدث لا الانشغال بالذوات، لأن علم الذوات عند الله وحده، ونحن ندرس الحدث كحدث، أما الشخص فعلمه عند الله، وحسابه كذلك، لذلك ختم الحديث عنهم بقوله تعالى: تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ.
فالحديث عن صحابة موسى في العهد المدني ليس تسلية، بل جاء الحديث في سورة مدنية تعالج قضايا الناس في الجانب المدني، فبدأت ببيان طبيعة الناس في الإيمان بأي فكرة وجديد، فمنهم الصادق مع هذه الفكرة، ومنهم المنافق لمصالح آنية دنيوية، ومنهم المعاند المستكبر لهذه الدعوة.
وعليه كان الحديث عن أصحاب موسى، فمنهم كان المخلص، ومنهم المنافق، ومنهم الكاذب المعاند.
ولكن الله تعالى لم يتحدث عن ذواتهم، والتركيز على شخوصهم، والصراع حولهم حقيقتهم الذاتية، وفي المقابل ترك الحكم لله تعالى وحده لا شريك له تعالى.
وهذا في الأصل تربية لهذه الأمة، ودرس عملي في القرآن الكريم، ولكن الذي حدث للأسف نتيجة مرويات نسبت إلى الرسول، أو مرويات تأريخيىة فتصارعت الأمة حول الأشخاص لا حول الحدث، فتحزبت وتفرقت.
واليوم ما الذي سنستفيد مثلا:
هل عم الرسول في الجنة أو في النار؟
ما مصير عائشة وحفصة عند الله؟
هل عثمان وعلي في الولاية أم البراءة؟
هل يجوز لعن أبي بكر وعمر أم يجب الترضي عليهما؟
هل معاوية صح إسلامه أم ممن لا يصح إسلامهم؟
إلى آخر الأسئلة التي صنعها الناس لأنفسهم وتحزبوا حولها أحزابا.
والله تعالى في القرآن الكريم يعلمنا درسا من خلال دراسة قصص الأنبياء أن نترك الأشخاص (ترضيا ورحمة أو لعنا وبراءة) لخالقهم وحده، ولسنا مسؤولين عن الأحياء فضلا عن الأموات!!
والأمر الثاني الحكم الأخروي بيد الله تعالى وحده، فهو الحاكم قطعا بذلك، لا يشاركه أحد، ولا يثبت ذلك إلا بدليل قطعي في كتاب الله تعالى وحده.
وعليه ما الفائدة من البحث حول معاوية وغيره أأسلم أم لا، إن كان لم يسلم هل سنخرجه من قبره لننطقه الشهادتين، وإن كان أسلم هل سينفعنا شيئا.
معاوية ونحن جميعا سنسأل يوم القيامة عن أنفسنا، ولا تزر وازرة وزر أخرى، وكل مسؤول عن نفسه فقط!!!
ثم الأمة اليوم ليست بحاجة إلى أموات ماتوا من ألف سنة لنشتغل بهم، هي بحاجة إلى عقول حية تقود الأمة حول المعرفة والإبداع والاختراع، والعيش في الحاضر، لا أن نعيش وفق أشخاص هم أنفسهم لم يجعلوا أنفسهم أوصياء لمن يأتي بعدهم.
فلنهدأ قليلا، ولنعيش حاضرنا، وننظر إلى مستقبلنا، ولنترك معاوية ومن عايشه للخالق وحده، عاشوا زمنهم، فلنعش نحن زمننا، ولنترك الأجيال القادمة تعيش زمنها أيضا!!!
فيسبوك 1436هـ/ 2016م