صدر قريبا قانون الجزاء العمانيّ في نسخته الجديدة بعد الإضافة والتّعديل، والّذي ينص في المادّة 229 على أنّه يعاقب بالسّجن مدة لا تقلّ عن شهر ولا تزيد على ثلاثة أشهر أو بغرامة لا تقّل عن ثلاثمائة ريال عمانيّ، ولا تزيد عن ستمائة ريال عمانيّ، أو بإحدى هاتين العقوبتين كلّ من وجه دعوة تبرع، أو جمع مالا من الجمهور بأيّ وسيلة دون ترخيص من الجهة المختصّة.
وفي المادّة 300 يعاقب بالسّجن مدة لا تقلّ عن ثلاثة أشهر ولا تزيد على سنة أو بغرامة لا تقّل عن ألف ريال عمانيّ، ولا تزيد على ألفين ريالا عمانيّا، أو بإحدى هاتين العقوبتين كلّ من جمع مالا من الجمهور بأيّ وسيلة كانت، وأرسله إلى خارج السّلطنة دون ترخيص من الجهة المختصة.
بينما اللّائحة التّنفيذيّة للزّكاة التّابعة لوزارة الأوقاف والشّؤون الدّينيّة تنص على أنّه من جمع الزّكاة عن غير لجنة الزّكاة المرخص لها من الوزارة يغرم بعقوبة أقصاها ألف ريال عمانيّ، وبطبيعة الحال ينطبق عليه قانون الجزاء السّابق.
الحاصل لا يوجد إشكاليّة مع هذا التّنظيم المدنيّ، والكلّ ينادي به؛ لما يلحق من تجميع المال دون تنظيم من عشوائيّة واستغلال وأكل أموال النّاس بالباطل، وسوء توزيع، وقد يتطور إلى تجميع لحركات سياسيّة تؤثر على السّلم العامّ.
ولكن ليست الإشكاليّة في هذا؛ وإنّما الإشكاليّة في التّرهل الّذي تمارسه الجهات المختصة في تشجيع العمل المدنيّ تحت مظلّتها، كمثل وزارة التّنميّة في أخذ التّراخيص، أو الهيئة العمانيّة للأعمال الخيريّة.
وهذا مثلا ما حدث في اليمن مؤخرا، فكافة الشّعب العمانيّ كان على أبهة الاستعداد لإعانة هذا الشّعب الشّقيق، إلا أنّ التّرهل الحكوميّ جعل الشّراك المدنيّ ضعيفا جدّا، ممّا جرّ البعض إلى العمل بدون ترخيص، ومنه من رمي عند الحدود من المساعدات.
فهيئة الأعمال الخيريّة ترشدك إلى وزارة التّنميّة، ووزارة التّنميّة عندها ترهل كبير جدّا في قضيّة التّراخيص.
ولهذا اقترح هنا التّسهيل في العمل المدنيّ، ولا يحتاج إلى جمعيّة دائمة، ونحن نعرف إنشاء جمعيّة ليس بالأمر الهين عندنا، ومن لقي ترخيصا فقد فاز فوزا عظيما!!!
واقتراحي يتمثل مثلا في التّسهيل في إنشاء لجان مدنيّة، وتكون مؤقتة، بالأشهر مثلا، كستة أشهر أو أقل أو أكثر، ويكون هدفها واضحا، والجمع الماليّ يكون عن طريق الوزارة أو الهيئة، وأن تكون الجهات المعنيّة مشجعة ومرشدة؛ لأنّ بناء المؤسسات المدنيّة في تحقيق الشّراك المدنيّ ضرورة ملحة.
لهذا هذه الحساسيّة المفرطة، وهذا التّرهل الكبير؛ يجعل المجتمع يبحث عن جمعيات خارج البلد، أو تراخيص من خارج البلد، ونحن نعلم أنّ المجتمعات الغربيّة مع قوتها المدنيّة والأمنيّة والحضاريّة تشجع وتسهل الشّراك المدنيّ.
وهكذا الحال في تنظيم اللّائحة التّنفيذيّة للزّكاة التّابعة لوزارة الأوقاف والشّؤون الدّينيّة، فسبق أن تحدثت في مقال مستقل عن هذا، فالزّكاة بحاجة إلى هيئة مستقلّة وليس مكاتب يتيمة لتفعيلها قبل كلّ شيء، لما للزّكاة من أهميّة خاصّة في وقتنا الرّاهن!!
على أنّ التّنظيم المسجديّ والمجتمعيّ ينبغي أن يكون مرنا أيضا في الصّدقات الأخرى، خاصة في الوضع الاقتصاديّ الحالي، وعدم وجود تأمينات ماليّة للباحثين عن العمل، وارتفاع الأسعار والوقود، هذا بدور سيرفع درجة الفقر والحاجة، على أنّ البعض يتعرض لحالة طارئة كحريق أو حادث أو ديْن طارئ بسبب إفلاس شركة مثلا، أو مرض طارئ، أو نحو ذلك، فهنا تُشجع المساجد والمناطق على تفعيل صناديق مجتمعيّة تساعد المجتمع على تفعيل العمل المدنيّ بصورة أسرع!!
ولهذا نحن بحاجة قبل أن نسنّ القوانين أن نصلح البيت من الدّاخل، فليس المجتمع سيئا لدرجة أنّهم لا همّ لهم إلا في أخذ المال بغير حق، كما أنّ المجتمع له حبّ في فعل الخير، وإعانة إخوانه المتضررين بسبب الحروب أو الفيضانات أو المجاعة أو الحالات الطّائة!!
لهذا ينبغي كما يوجد قوانين مدنيّة صارمة؛ في المقابل توفير أنظمة ولوائح تسهل على النّاس الشّراك المدنيّ، وتشجع فيهم فعل الخير، والتّعاون على البر والتّقوى، حيث يجد المجتمع من يسانده ويشجعه، ومن تجاوز الحدّ فجرمه بقدر تجاوزه، ولا تزر وازرة وزر أخرى!!
فيسبوك 1439هـ/ 2018م