شذى البلوشي (جريدة عمان): ما مستوى حريّة الرّأي في سلطنة عمان مقارنة بالصّحف العالميّة؟
بدر العبري: يوافق يوم 3 مايو من كلّ عام اليوم العالميّ لحريّة الصّحافة، وبطبيعة الحال لستُ خبيرا في الجانب الإعلاميّ، ولست مطلعا على صّحافة العالم بشكل دقيق جدّا، ولكن الأصل أن تكون الصّحافة هي العين المراقبة للسّياسات العامّة، والمعبّرة عن الرّأي العام، فهي السّلطة الرّابعة كما وصفت، وكانت مستقلّة بذاتها لا ينافسها منبر آخر، بيد أنّ وسائل التّواصل اليوم زاحمتها بشكل كبير، وكادت أن تسحب بساطها، لولا أنّ الصّحافة بشكل عام تداركت أمرها مع وسائل التّواصل، فتحوّلت بذاتها إلى منصّات فيها، وغلّبت الجانب الرّقميّ على الجانب الورقيّ.
والصّحافة في العالم تطوّرت بشكل كبير جدّا منذ بداياتها في فرنسا عام 1632م، وكان لها تأثيرها على الأوضاع السّياسيّة والاجتماعيّة في أوروبا، كما كانت منبرا للتّنويريين، فساهمت بشكل كبير في نهضة العالم الغربيّ، كما ساهمت في الحضارة المعاصرة، ولا يمكن تحقّق ذلك بعيدا عن الحريّات الّتي كسبتها بتدافعها هي ذاتها، وسعيها في ذلك.
هذه الحريّة والاستقلاليّة متفاوتة، بيد أنّها واسعة بشكل كبير، وقد تضيق في أماكن معينة كنقد السّاميّة في بعض الدّول الأوروبيّة، إلّا أنّها حافظت بشكل كبير على حرّيّتها واستقلالها، وهي بلا شك أفضل بكثير من العالم العربيّ، مع أنّ السّياسات الغربيّة المستعمرة كانت تضيّق على حريّة الصّحافة العربيّة، ولمّا ذهب الاستعمار في الجملة بقت السّياسات العربيّة محدّدة لحريّة الصّحافة أيضا، إذا ما استثنينا بعض الدّول بنسبة وتناسب، كما في لبنان مثلا.
ظلّ الأمر ذاته في غالب العالم العربيّ، بيد أنّ تأثير وسائل التّواصل أثر إيجابا على الصّحافة في العالم، والعالم العربيّ خصوصا في العديد من الجوانب، ومنها جانب حريّة الصّحافة، وهذا ما بدأنا نلمسه في عمان، ومن خلال جريدة عمان الرّسميّة ذاتها، والّتي بدأت تنفتح بشكل أكبر، وتحتضن الأقلام النّاقدة للقضايا المحليّة، والسّياسات الدّوليّة، والقضايا الدّينيّة والفكريّة والاجتماعيّة، كما أجدها تحتضن الأقلام الشّبابيّة بصورة أكبر من السّابق، بعدا عن النّفعيّة الشّلليّة.
بيد هذا يحتاج إلى مزيد من المراجعات، خصوصا وهناك تجاذبات حول قانون الإعلام الجديد، الّذي لم يخرج بعد إلى حيّز التّنفيذ، كما أنّ قانون المطبوعات والنّشر السّابق لا يزال معمولا به بسلبيّاته، وقدم ظرفيّة صدوره، فنحن اليوم في النّهضة المتجدّدة، ووفق رؤية عمان 2040، أمام ضرورة الجمع بين المراجعات ومدى توسعة الحريّات بشكل أكبر، بحيث يتوافق ذلك مع الاستقرار من جهة، والتّنمية من جهة ثانيّة، بحيث يكون الأمر محكما، الغاية منه الوطن، فمع تقدّم لبنان مثلا في حريّة الصّحافة؛ ألّا أنّ الحريّة غير المحكمة قادته إلى انقسامات داخليّة، أرجعت لبنان إلى الوراء، لهذا لابدّ من إحكام ذلك، فهناك نماذج في العالم، ذات حريّة صحفيّة، إلّا أنّها مستقرة داخليّا، ومتقدّمة تنمويّا ودوليّا، وهذا ما نرجوه للعالم العربيّ، ومنها عمان بطبيعة الحال.
نشر في جريدة عمان، 4 مايو 2024م