المقالات التأريخية

التأليف (الأدبي) و(الخُلقي) عند العمانيين

الحضارة العمانية ليست وليدة اليوم، بل هي عميقة الجذور في التأريخ، فتعود إلى مئات السنين في الخلف، وهي تمتد بين مد وجزر، فتارة تتقدم وتتمدد، وتارة تضعف وتنكمش على نفسها، ومع ذلك بحكم موقعها البحري انفتحت قديما على حضارات أخرى، كحضارة فارس والهند والصين والحضارات الإفريقية، بجانب انفتاحها على حضارة الحجاز واليمن وغيرها، هذا الانفتاح أعطى تمازجا مع الحياة الجبلية والريفية التي بطبعها تولد انغلاقا، خلافا للحياة الساحلية، حيث أنّ عمان بطبعها تتمازج بين انفتاح الساحل وانغلاق الداخل ليعطي نوعا من الهوية والمذاق العماني الذي تتميز به حتى اليوم، وتميزها يظهر حتى عند جيرانها في الخليج والجزيرة العربية.

والأدب في الحقيقة لصيق قديم بالحضارة العربية، واللغة العربية بطبيعتها الصوتية هي لغة أدبية تتميز بالجمال الصوتي، وبما أنّ عمان جزء من هذه القومية العربية؛ بل هي جزء مهم لسلامة اللغة في عمان، وتعدد لهجاتها اللغوية القديمة وتطورها، ووجود علماء كبار ساهموا في الحركة الأدبية في الحضارة العربية والإسلامية عموما، وكان لهم سوقا أدبيا ومنه سوق عمان أو صحار، فتقصده العرب إذا انتهت من سوق هجر، حيث ترحل إلى عمان، وتقيم سوقها حتى آخر جمادى الأولى، وهي تتوسط بين فارس والهند والحبشة؛ لذلك تجتمع فيها بضائع هذه الممالك الثلاث، وتعقد فيه القصائد الأدبية، والأغاني العمانية الخاصة وفنونها ونقوشها وإنتاجها الذاتي.

ولتأخر حركة الحفظ فقد فقدت عمان جزءا كبيرا من أدبها وتأريخها عموما، إلا ما خلده التأريخ، وحفظته الطبيعة من نقوش، وما استلهم من الشعر المتأخر، وتناقلته الذاكرة.

وعلى العموم على المجال الشخصي أقدم نص شعري ينسب إلى مالك بن فهم، والذي ينسب إليه هذه الأبيات:

ألا مـن مبلغ أبناء فـهـم             مغـلغـلة عـن الرجل العماني

ومـبلغ منهبا وبنـي بشير             وسـعد اللات والحي الـمدان

تـحية نـازح أمـسى هواه             بـجنح البحر من أرض عمان

فحـلـو بالسراة وحل أهلـي                    بأرض عمان في صرف الزمان

جنبنا الخيل من برهوت شعثاً            لى تـلهاب مـن شرقي عمان

وبالعـرنين كـنا أهـل عـز            مـلكنا بـربراً وقـرى معان

ومع تشكيك بعض الناقدين بنسبتها إليه وأنها انتحلت لاحقا، لانتشار الانتحال في الأدب القديم، خاصة في سياق المدح للقبيلة والروايات التأريخية والأنساب، وعلى العموم هذا يعطي إشارة لاهتمام العمانيين بالشعر العربي القديم.

وإن كان لم يحفظ لنا التأريخ الشعر العماني في العصر الجاهلي، مع وجود سوق أدبي عندهم كما أسلفنا، إلا أن اسم عمان كان حاضرا في الأدب الجاهلي، فيرى الكاتب والشاعر العماني هلال الحجري في مقال له في مجلة نزوى أنّ عُمان لم تكن مجهولة في عيون الشعر العربي القديم، كما هي مجهولة الآن لدى بعض المثقفين العرب، منذ العصر الجاهلي إلى العصر الحديث، فيتردد اسم عمان في قصائد مشاهير الشعراء العرب مثل الجاهليين: الأعشى، والمثقب العبدي، والمخضرمين: عبدة بن الطبيب، والنجاشي الحارثي، والثالوث الأموي: جرير والفرزدق والأخطل، وكذلك السيد الحميري، وكعب بن معدان الأشقري، وأشهر شعراء العصر العباسي: أبي نواس، وقطبي عصر النهضة: أحمد شوقي وحافظ إبراهيم.

إلا أنه في العصر الإسلامي حفظ لنا التأريخ مجموعة من الأدباء العمانيين، وخاصة الذين رحلوا إلى البصرة أو العراق، حاضرة العالم الإسلامي والعربي خصوصا حينها ومن هؤلاء الخليل بن أحمد الفراهيدي صاحب العين أول معجم عربي، ومخترع بحور الشعر الخمسة عشر، وابن دريد أبو بكر محمد بن الحسن صاحب الجمهرة في علوم اللغة، والأمالي، وغيرها الكثير، ويعتبر من أعظم الشعراء والأدباء العرب في بداية العصر  الإسلامي إن صح التعبير.

ويعتبر بعض الباحثين أن العهد الذهبي للأدب في عمان كان في عصر النباهنة، ومن أهم أدباءه سليمان بن سليمان النبهاني وله ديوان بعنوان ديوان السلطان سليمان بن سليمان النبهاني، حققه عز الدين التنوخي وطبع سنة 1965م, وأبو بكر الستالي، وله ديوان الستالي، حققه عز الدين التنوخي، وقد طبعته وزارة التراث والثقافة العمانية, أو الكيذاوي لموسى بن حسين بن شوال، وله ديوان طبعته وزارة التراث والثقافة العمانية أيضا.

أما عصر اليعاربة فإن كان أقل لركود الناحية العلمية في هذه المرحلة رغم الاتساع السياسي والجغرافي، إلا أنه ظهر  شعراء في هذه المرحلة كالشاعر الحبسي راشد بن خميس بن جمعة، وله ديوان باسمه طبعته وزارة التراث القومي والثقافة.

أما دولة البوسعيد فقد نشط الأدب والشعر في عهدهم، سواء كان في الجانب الأفريقي أو في الجانب الشرقي، وقد شجعوا الشعراء، وفتحوا مجالس الشعر والأدب، وأشهرهم في الجانب الأفريقي الشاعر الكبير  أبو مسلم البهلاني، وله ديوانه الشهير والذي طبع وحقق أكثر من مرة.

وفي الجانب الشرقي ظهر شعراء كثر وعلى رأسهم شيخ البيان محمد بن شيخان السالمي، وله ديوانه المشهور بديوان ابن شيخان.

أما الجانب النثري فيكاد يكون الأكثر، خاصة في الخطب الدينية كخطب أبي حمزة الشاري، وفي المواعظ والأمثال، وهذه متناثرة في الموسوعات الفقهية العمانية.

وقد ضم الأدب العماني في شعره  ونثره الترفيه وبعض التسلية المتناثرة في الدواوين والكتب، كذلك أدب المقامات العمانيّة كالمقامة السونية نسبة إلى السوني بلدة العوابي من عمان، وهي للشيخ الشيخ سعيد بن راشد بن بشير الغشري الخروصي من القرن الثاني عشر الهجري، وأشهرها مقامات أبي الحارث للشيخ محمد بن علي بن خميس البراوني الذي ولد وتوفي في زنجبار، وسنة وفاته 1373هـ..

ولعل الشيخ سعيد بن حمد الحارث ممن أرخ بعض القصص الطريفة والمسلية في كتابيه اللؤلؤ الرطب والزهر الربيع، ونحوها من الكتب العمانية في الأمثال والقصص المحكية.

وتعتبر رواية ملائكة الجبل الأخضر  للأديب عبد الله الطائي ت 1973م من أوائل الروايات العمانية التي تعطي متعة القراءة مع تأثيرها النفسي وعمقها الروائي الأدبي.

وللعلامة أبي مسلم البهلاني ت 1339هـ كتاب النشأة المحمدية، وهو مصوغ بشكل ممتع يجذب القارئ لمعرفة سيرة النبي الأكرم عليه الصلاة والسلام، بعيدا عن الإسهاب الروائي والسندي، كتبها كبديل عن مولد البرزنجي للعالم جعفر بن إسماعيل بن زين العابدين البَرْزَنْجي الشافعي ت 1317هـ..

وفي العصر الحديث ظهر شعراء وأدباء كبار، وتنوعت المجالات الأدبية لتشمل الرواية والقصة والمسرحية والنقد الأدب والأعمال السينمائية والألحان الغنائية والموسيقية وغيرها كثير، وبرز العديد من الرموز الشابة خصوصا، وفي مجالات متعددة، لا مجال للتمثيل والحصر الآن، ولعل لقاء آخر يتيح لنا ذلك.

وبالنسبة للجانب الخلقي فإن فلسفة الأخلاق وإن كان مصطلحا سقراطيا إلا أن الاهتمام الكبير كان في الحضارة الغربية كما عند كانت، ومع هذا كفلسفة ونماذج وجدت بلا شك في التراث العماني، أما كنظريات تقعيدية وعلم فلسفي فلا أحسب أحدا من العمانيين اهتم به، أو برع فيه في التأريخ العماني، لضعف الفلسفة عموما في التأريخ العماني، عدا بعض ما حفظ عن الشيخ الفيلسوف أحمد الكندي، وفي الجملة يكاد المكتبة العمانية من أفقر المكتبات في الجانب الفلسفي بفروعه.

أما كتطبيقات بلا شك تناثرت في كتب التفاسير والرواية والفقه والأثر والأدب عند العمانيين، ولعل كتاب الدلائل للشيخ درويش المحروقي من الكتب التي جمعت بين التربية الخلقية والفقه العملي، ولكن كفلسفة كما أسلفت لا أحفظ لها أمثلة في تأريخنا العماني.

عموما هذا ما يحضرني الآن كنماذج حسب ما طلب مني في الجانب الأدبي، وما ذكرته كان دراسة وصفية لهذا الجانب، مع التمثيل البسيط.

جريدة عمان 1438هـ/ 2017م

السابق
البناء المعرفيّ للمرأة المسلمة
التالي
الدّكتور عدنان إبراهيم والضّجيج حوله
– تنويه:

عدد من الصور المستخدمة للمقالات مأخوذة من محرك google

اترك تعليقاً