نشر بالأمس السّبت 3 رمضان 1439هـ يوافقه 19 مايو 2018م سعادة الشّيخ أحمد بن سعود السّيابيّ تغريدة تويتريّة قال فيها: [تمتلئ المساجد في رمضان لصلاة التّراويح مع أنّها سنة مرغب فيها، في حين لا يعطون جماعات الفرائض هذا الاهتمام، وفي رأيي أنّ الأمر لا يخلو من تحدّ مذهبيّ سني وشيعيّ، حيث أنّ الشّيعة لا يصلون التّراويح، وأهل السّنة يشددون على حضورها، أمّا الإباضيّة فموقفهم مع أهل السّنة]!!
وبلا شك أنّ سعادته لا يريد إثارة الفرقة المذهبيّة في قضيّة فرعيّة، ولكن يشير إلى قضيّة تأريخيّة تتمحور في أثر السّياسة والرّؤية التّأريخيّة على الفرعيات الفقهيّة، وتأثير الرّؤية العمريّة في عدّة قضايا كقضيّة صلاة التّراويح ووقوع طلاق الثّلاث ثلاثا مع التّفريق القرآنيّ وتمصير صلاة الجمعة ورفع سهم المؤلفة قلوبهم في الزّكاة، وتوقيف حدّ السّرقة حال العسر، والمسألتين العمريتين في الميراث، والمسألة الحماريّة أو المشتركة في الميراث أيضا وهكذا في مسائل أخرى ارتبطت بعمر ابن الخطاب [ت 23هـ]، وذلك للرّؤية المقاصديّة والأبعاد الّتي كانت حاضرة في إفتاء الفاروق وإنزاله للمسائل، وعمر شخصيّة عند المسلمين لها جانبان: محبّ له ومبغض له، وبلا شك آراؤه ستتفاوت حول هذا التّفريق حال التّعامل مع بعض المسائل الّتي اجتهد حولها، وقد تطور لاحقا في مفهوم مخالفة العامّة كما عند البعض!!
والّذي يهمنا هنا صلاة التّراويح، والمتأمل في أقول دائرة السّلف – أن صح التّعبير – يجد التّناقض حولها، إلا أنّه من المتفق التّالي:
- لم تقم التّراويح بهذه الصّورة الموجودة الآن في عهد الرّسول – صلّى الله عليه وسلّم – ولا أبي بكر [ت 13هـ]، ولا في بداية عهد عمر.
- كلمة تراويح متأخرة، ولم يكن أحد يستخدم هذه اللّفظة في عهد الرّسول ولا من بعده من الخلفاء، وذلك لأنّ النّاس ابتدعوا التّراوح بين الأربع ركعات بدعاء أو ذكر أو راحة زمنيّة فسميّت التّراويح.
- يعمها عموم قاعدة صلاة النّوافل في البيوت أفضل من المساجد، وصلاتها فرادى أفضل من الجماعة وهذا وإن كان ليس متفقا في التّراويح لبعض النّصوص الرّوائيّة الّتي يراها البعض كاستثناء من القاعدة، إلا أنّها قاعدة عامّة في الأصل، وكليّة تعمّ جزئياتها.
والخلاف بين الأوائل يضمّ بداية قولين متناقضين: قول لا يوجد في الأصل قيام أو صلاة بعد العشاء تميز رمضان عن غيره، وعلى هذا الإماميّة، ولهم أدلّتهم الرّوائيّة، مع استصحاب الحال، وقول يناقضه بوجود صلاة مستحبة بعد رمضان بعد العشاء وعلى هذا الجمهور ولهم أدلّتهم أيضا الرّوائيّة.
إلا أنّ الفريق الثّاني اختلف في وقتها فقال قوم تؤدى آخر اللّيل، والمراد بها قيام اللّيل، إلا أنّه من خاف أن ينام فليصلها في أوله، وقال قال آخرون هي بعد صلاة العشاء في أي وقت من اللّيل، وقيل تصلى في أوّله وهي غير عن الّذي في آخره، إلا أنّه المتفق أنّ صلاة آخر اللّيل أفضل من أوله.
ثمّ اختلفوا في ركعاتها، فقيل ثمان، وقيل إحدى عشر ركعة، وقيل ثلاث عشرة ركعة، وقيل عشرون ركعة، وقيل ثلاث وعشرون ركعة، وقيل ينوع كصلاة اللّيل تارة سبع وتارة تسع وتارة غير ذلك كما في اللّيل، وهل هي ركعتان ركعتان أم أربع أربع!!
كذلك اختلفوا هل تصلى جماعة أو صلاتها جماعة بدعة، وهل صلاتها جماعة تكون كأفراد أو كجماعات صغيرة أو على جماعة واحدة؟!!
هذا الخلاف سببه أمران: الأمر الأول عدم وجود سنّة عمليّة متفق عليها بين الجميع كالصّلوات الخمس، وبالتّالي التّأثير التّأريخيّ والسّياسيّ ثم التّكون المذهبيّ.
الأمر الثّاني رواية: عائشةَ [ت 58هـ] أنَّ رسولَ الله – صلّى الله عليه وسلّم خَرَجَ ليلة مِن جوف الليل فصلَّى في المسجد، وصلَّى رجال بصلاته، فأصْبح النّاس فتَحدَّثوا، فاجتمع أكثر منهم، فصلَّى فصلّوا معه، فأصْبح النّاس فتَحدثوا فكثُر أهل المسجد منَ اللّيلة الّثالثة، فخرَج رسول الله – صلّى الله عليه وسلّم – فصُلِّيَ بصلاته، فلمّا كانت اللّيلة الرّابعة عَجَزَ المسجد عن أهله حتى خَرَجَ لصلاة الصّبح، فلمّا قضَىَ الفجر أقبل على النّاس فتشهدَ ثمَّ قال: أمّا بعد فإِنّه لم يَخْفَ عليَّ مَكانُكم، ولكِنِّي خَشِيت أن تُفرَضَ عليكم فتعجزِوا عنها.
ففهم قوم أنّ هذه أصل سنيّة صلاة التّراويح جماعة وإنّما تركها الرّسول خَشيت أن تُفرَضَ عليهم، وفهم آخرون أنّ السّنة ما كان في آخر عهده رسول الله – صلّى الله عليه وسلّم – وهي الصّلاة فرادى، وعليه كان في عهد أبي بكر، وشطر من عهد عمر، ولهذا قال عمر: نعم البدعة هذه، فوصف صلاة الّتي جمعهم عليها بالبدعة، وقيل هذه الرّواية في قيام اللّيل، بدلالة لفظة جوف اللّيل، ولهذا قال عمر نفسه من رواية ابن عباس [ت 68هـ] قال: استقبل عمر النّاس من القيام فقال: ما بقي من اللّيل أفضل ممّا مضى، وفي رواية: إنّكم تدعون أفضل اللّيل.
والظّاهر كما تشير بعض الرّوايات أنّ النّاس تمكث في المسجد في ليلها، فبعضهم يصلي فرادى، وبعضهم يصلي جماعات متفرقة، فاستثقل عمر تغني البعض بالقرآن، فجمعهم على قراءة أبي بن كعب [ت 30هـ].
أمّا رواية أنّ الرّجل إذا صلّى مع الإمام حت ينصرف حسب له قيام ليلة، فالظّاهر من سياق الرّوايات أنّها وضعت لاحقا لحث النّاس على التّراويح كعادة روايات الجذب في فضائل الأعمال!!
لهذا كانت معارضة من بعض الصّحابة والتّابعين على صلاة التّراويح في جماعة منذ فترة مبكرة، كما عند [ابن عمر، وإبراهيم النّخعيّ، وإسحاق بن سويد، وعروة، وسعيد بن جبير، والقاسم، وسالم، ونافع].
ومع مرور الزّمن واستقرار المذاهب استقرت الآراء على ثلاثة:
الأول: استحباب صلاة التّراويح في جماعة وعلى هذا المذاهب الأربعة والإباضيّة والظّاهريّة وأهل الحديث.
الثّاني: استحباب صلاة التّراويح فرادى وبدعيتها جماعة وعلى هذا الزّيديّة.
الثّالث: بدعية صلاة التّراويح رأسا فرادى أو جماعة، ويدخل عموم النّفل في رمضان وغيره، مع أفضليّة القيام في رمضان خصوصا آخر اللّيل من باقي الشّهور، وعلى هذا الإماميّة.
ومع هذا الاستقرار إلا أنّ المذهب الأول أدخل فيها الأدعية والقنوت، وهو يسع فيمن يرى البدعة الحسنة حسب السّياسة الشّرعيّة، لكن العجب أن يعمل به من لا يرى البدعة الحسنة رأسا، حصوصا في العبادات، بينما نرى القنوت في مكة والمدينة يوميا، والقنوت في الوتر بدون نوازل، وهذا يخالف مقتضى تقعيدهم في البدعة!!!
لهذا لا أرى للموضوع كبير أهمية، ويترك النّاس يعبدون الله ويتوسلون إليه بما استقر عندهم، فالصّلاة خير دعاء، صلوها فرادى أو جماعة، وإن كنتُ أميل إلى القول بأنّه لا يوجد صلاة تراويح رأسا، وإنّما هي نوافل اللّيل، أراد عمر أن يجمعهم على إمام واحد من باب السّياسة الشّرعيّة لا الأصل الدّينيّ أو الفقهيّ!!
والإشكاليّة اليوم في أمران: الأول ما نراه من غلظة وشبه إلزام من بعض المفتين إذا تحدّث عن التّراويح في جماعة، وكأنّه يقول بفرضيتها، ويشدد على النّاس، ولا يبين لهم السّعة، ولهذا كان المفهوم الخاطئ لدى النّاس!!
الأمر الثّاني: اعتقاد النّاس بأنّ صلاة التّراويح مرتبطة بالجماعة، فإذا انقضت الجماعة لا يصلي حسب تقليده في استحباها، ثمّ أنّه قد يترك واجبات أهم من التّراويح، أو يعتقد أنّه لابد أن يصليها بعدد معين من الرّكعات، مع أنّه يجزئ ركعتين أو أربع أو أكثر، ويمكن أن يصليها آخر ليله، والله أعلم، وهو ولي التّوفيق.
فيسبوك 1439هـ/ 2018م