سؤال وجواب

سؤال حول: مواجهة التّطرّف: مسؤوليّة مجتمعيّة ومؤسّسيّة

جريدة عُمان الأحد 10محرّم 1447هـ/ 6 يوليو 2025م

سهيل النّهديّ: ما أبرز أو اهم المداخل لتشكل الفكر المتطرف لدى الأجيال.. ما هي وكيف يمكن التصدي لها؟ وما هي الرسالة التي يجب أن يتبناها المجتمع والحكومة؟

بدر العبريّ: التّطرّف حالة اجتماعيّة قديمة، وهي حالة نسبيّة، بيد أنّها إذا هدّدت السّلم البشريّ واستقراره، وهدّدت النّفس البشريّة بإفسادها وجودا وتنعمّا وعدلا، وكافّة حقوقها الطّبيعيّة، كما تهدّد عرضها ومالها وحريّة تعقّلها وتفكيرها؛ تصبح حالة التّطرّف هنا أمرا مجمعا على ضرورة مواجهته، فكريّا وعمليّا، وقانونيّا ومدنيّا، وقد عبّر عنه القرآن بالفساد في الأرض.

ثمّ لا يوجد سلوك بلا تفكير، ولا يوجد تفكير بلا مغذيّات له، على مستوى المصدريّة وطرق قراءتها، وعلى مستوى الوسائل المستخدمة، أمّا المصدريّة فهناك قراءة خاطئة للنّصوص التّاريخيّة، وهناك إسقاطات خاطئة أيضا فيما يتعلّق مثلا بنصوص الولاء والبراء، وعلاقة التّعامل مع الآخر كغير المسلم، أو حتّى المسلم المختلف في التّفكير أو المذهب، وعدم فهم ظرفيّة القانون المدنيّ، وتطوّر فكرة الدّولة المدنيّة، من حيث الدّستور، ومن حيث الأحكام الإجرائيّة، وفيما يتعلّق بمسألة الجهاد وضوابطه وتطوّر وسائله حاليا، وما يتعلّق بقضايا الاتّجار بالبشر وتشكّلها حاليا في صور حديثة وغيرها.

 هذه القراءة الخاطئة، والإسقاطات التّأريخيّة السّلبيّة، وعدم قراءتها قراءة قيميّة إنسانيّة؛ أدّت إلى حدوث تمظهرات جديدة للتطرّف، بعضها شكّلت جماعات دينيّة ومدنيّة سلوكيّة، مارست العنف لأسباب دينيّة أو مذهبيّة أو قبليّة، أو حتّى ماليّة وجنسيّة وسياسيّة، كبعض الجماعات التّكفيريّة للدّولة المدنيّة، وبعض الجماعات الملغية للمختلف، وغير الرّاعيّة للخصوصيّات الدّينيّة والمذهبيّة والثّقافيّة، وبعض الجماعات المتاجرة بالجنس البشريّ، وبعض الجماعات الّتي لها ردّة اجتماعيّة وسياسيّة وثقافيّة بسبب الاستبداد، وارتفاع العدالة، وبناء الدّولة على أساسي فئوي ودينيّ ومذهبيّ، مع تهميش المكوّنات الأخرى.

هذه الجماعات المتطرّفة وجدت لها اليوم وسائل حديثة سهلة الوصول إلى أكبر شريحة في المجتمعات، متجاوزة حدود الدّول وبُعد المسافات، في الشّبكة العالميّة، ووسائل التّواصل الاجتماعيّ، خصوصا التّلجرام، والانستجرام، والتّك توك، من خلال المقاطع القصيرة الجاذبة، والّتي تستأنس نتيجة كثرة المشاهدة، وتصبح حالة طبيعيّة، وإن استهجنت في الابتداء، فهناك طرق سهلة اليوم في التّأثير وحتّى التّجنيد بالمعنى الدّعشنيّ، وبالمعنى العام الواسع، أي صنع أجندات ناعمة في المجتمعات البشريّة.

 لهذا المجتمعات البشريّة اليوم، من خلال الدّولة، ومؤسّساتها المدنيّة؛ أصبح وضعها أكثر تعقيدا في مواجهة الجماعات المتطرّفة، ولم يعد سهلا يقتصر عند نشر الوعي العام من خلال الخطب المسجديّة، أو القنوات الإعلاميّة الرّسميّة والمدنيّة، بل لابدّ من صنع مواجهة إعلاميّة أعلى وأقوى ممّا تصنعه هذه الجماعات، وفق رؤية واستراتيجيّة واضحة، مع الدّخول في هذه الوسائل وفق اساليبها وطرقها.

هذا يتمثّل في ضرورة وجود قاعدة بحثيّة استراتيجيّة، من قبل باحثين وخبراء في كافّة الجوانب، حيث تُدرس من المجتمع المدنيّ، يُسّهل لهم الحصول على المعلومات المهمّة في ذلك، ليعطوا توجيهاتهم وخلاصة قراءتهم للمواضيع المدروسة، وعلاقتها بالجوانب الخدميّة والإعلاميّة والخطابيّة والدّينيّة والثّقافيّة وغيرها، وطرق مواجهتها والتّعامل معها، لنتجاوز الانطباعات، والقراءات الهامشيّة، والحلول الآنيّة والمؤدلجة، والّتي هي أقرب إلى المسكنات منها القراءات الموجدة لحلول أعمق وأجدى في حفظ المجتمعات الآمنة.

كذلك لابدّ من تجاوز علاج الطّرف الواحد المتمثل في الإعلاميّ أو الخطيب أو الفنّان أو الموجه أو المعلّم أو الواعظ، فهذه الجماعات المتطرّفة تشتغل على القوى النّاعمة، والنّقط المتباينة، فلابدّ من مواجهتاها بمثلها، من خلال تكوين قوى ناعمة وتمكينها خصوصا في الإعلام الرّقميّ الحرّ، لتنشر الوعيّ السّلميّ، والمناعة الإيجابيّة في مواجهة التّطرّف بأشكاله وتمظهراته.

https://www.omandaily.om/%D8%B9%D9%85%D8%A7%D9%86-%D8%A7%D9%84%D9%8A%D9%88%D9%85/na/%D9%83%D8%AA%D8%A7%D8%A8-%D9%88%D9%85%D8%AE%D8%AA%D8%B5%D9%88%D9%86-%D9%85%D9%88%D8%A7%D8%AC%D9%87%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%81%D9%83%D8%A7%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AA%D8%B7%D8%B1%D9%81%D8%A9-%D9%85%D8%B3%D8%A4%D9%88%D9%84%D9%8A%D8%A9-%D9%85%D8%AC%D8%AA%D9%85%D8%B9%D9%8A%D8%A9-%D9%88%D9%85%D8%A4%D8%B3%D8%B3%D9%8A%D8%A9

السابق
السّمت العمانيّ والهويّة المتحرّكة
– تنويه:

عدد من الصور المستخدمة للمقالات مأخوذة من محرك google

اترك تعليقاً