سؤال وجواب

جواب حول حدّ الرّجم

فيسبوك 1436هـ/ 2015م

أشكرك عزيزي خ.ر على طرح الموضوع حيث أنك سبق وإن طرحت الموضوع سابقا وكثر النقاش حوله، وأراك تكرره ثانية!!! …

ثمّ إنك جئت بإلزامات مفتقرة للدليل، وهو أنك قلتَ: [دائمًا ما نسمع في كلامكم – أثابكم الله – مصطلح “الإباضية الأوائل” والدعوة إلى الرجوع إلى اجتهاداتهم].

وهذا لم نقله هكذا، ولو رجعت إلى مقالي الأخير والذي بعنوان الرواية عند الإباضية وقاعدتي العرض على القرآن وعمل المسلمين (مدونة أبي غانم الخراساني أنموذجا) والذي نشرته قبل أقل من أسبوعين في صفحتي لأدركت ذلك.

حديثنا كان عن الرواية، والرواية نشأت في القرون الأولى وليس عن الاجتهاد، فالاجتهاد عقلا يختلف لاختلاف الزمان وهذا محسوم عقلا، بديهي منطقا، كما أنه يختلف باختلاف المكان، وسبق أن أسهبنا في هذا كثيرا، مثلا في مبحث زكاة الفطر، وفي مقالات مقاصد رمضان.

فالاجتهاد يتميز بأمرين: التغير والزيادة، فاجتهاد القرون الأولى بالاعتبار الكمي لا يقارن باجتهاد اليوم، وجميعه لم ينزل به وحي!!!

فمثلا يقول ابن تيمية ت (728هـ) في رفع الملام عن الأئمة الأعلام بما نصه: “بل الذين كانوا قبل جمع هذه الدواوين – أي كتب الصحاح والمسانيد – كانوا أعلم بالسنة من المتأخرين بكثير، لأنّ كثيرا مما بلغهم وصح عندهم قد لا يبلغنا إلا عن مجهول، أو بإسناد منقطع، أو لا يبلغنا بالكلية”.

والعكس صحيح فكم من صحيح سندا هو عن تابعي أو صحابي، أو عن أهل الكتاب أو …. كما جعل حديث رسول الله عن كعب، وحديث كعب عن رسول الله.

وعليه قلنا أقوال الفقهاء الأولى والعمل تعطي مؤشرا لا قاعدة في فرز المرويات خاصة فيما تعم البلوى به كقضايا العبادات، وهذا ظاهر من المدونة مثلا.

وهذا ما ظهر مثلا عند الإمام مالك في عمل أهل المدينة، وعند الزيدية عمل العترة، وعند الإباضية عمل الشيوخ، أرجع للمقال.

ومع هذا العمل الذي استقر عليه الناس في القرون الأولى فيما يخص بعض القضايا كالعبادات هو ذاته ليس وحيا، ولكنه محكوم بالقرآن، فالقرآن مقدم عليه هيمنة وتصديقا.

كما أنه في الوقت نفسه هو أعلى درجة من الرواية المتأخرة تدوينا، إذ لا يعقل أن تخفى الرواية خاصة في القضايا المشتهرة عن الأوائل لتكتشف مؤخرا من أعجمي بينه وبين الرسول قرن من الزمان؟

فالرواية محكومة بالقرآن، والعمل مقدم عليها، ثم ينظر إليها من خلال الملابسات الأخرى ليتم تشريحهها حتى لا تتعارض مع كتاب الله تعالى، ولو صحت سندا، كما أن العمل ذاته محكوم بكتاب الله الّذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.

أما المسألة التي طرحتها وهي مسألة الرجم فهي ذاتها محكومة بالقرآن، والعمل مؤشر له ….

ولنأتِ أولا إلى القرآن ….

الرجم قطعا لم يرد في القرآن، مع أنّ الله وصف السورة بأنها مبينة: فيها آيات مبينات، ولم تشر إلى الرجم قطعا، وإنما ذكرت الجلد…

والرجم بالاتفاق شريعة يهودية مذكورة نصا في التوراة والتلمود والمشناة، ولم يبطلها إلا السيد المسيح كما في الإنجيل كما في روايته المشهورة: ممن لم يرتكب ذنبا فليرجم هذه المرأة!!!

وعليه بعض العرب بجاهليتهم الأولى لم يوجد عندهم الرجم، والزنا كان منتشرا بينهم ولهم بيوته ذات الأعلام المخصصة لهذه الأماكن، والمعروفة لديهم …

فمجيئ محمد عليه السلام، وهو الذي يرفع الأصر والأغلال وتطبيقه لهذا الحدّ الكبير هذا سيحدث رعبا وهلعا، وستنتشر الأخبار حوله، وسيتواتر الحديث …

ولكنك إذا نزلت إلى الروايات … ستجدها …

آحادية لا تصل حتى إلى الشهرة … متضاربة في الحدث والشخصيات والأسماء وذواتهم .

فضلا عن تاريخ الحدث وهل كان قبل سورة النور أو بعدها …

فمثل هذا الحدث لا أتصور سيجهل بهذه الطريقة، وتتضارب الأخبار حوله …

وعليه ذكره في كتب المذهب الأولى لا يعني الاتفاق عليه ولا يعني خلافه، فكيف وبعض الآراء نسبت إلى أن الخوارج الأولى كانوا لا يقولون بالرجم، والرجم ليس قضية مشتهرة كالصلاة والصيام يتكرر حدوثها، فهي من أصعب الحدود التي يصعب تطبيقها !!!

عموما ولو سلمنا بهذا العمل لكان محكوما بالقرآن ذاته، فهل يترك الله حكما كهذا ويذكر الذي دونه في سورة منزلة مبينة، مع أن المرويات ربطت نزول الآية بحادثة الإفك في عائشة وصفوان وهما محصنان، وكذا قضية اللعان، ولم تشر إلى الرجم وهو مرتبط بالإحصان.

دمت بود.

السابق
أبو حيان التّوحيدي وكتابه المقابسات
التالي
التفاضل عند الله بين فاطمة وعائشة
– تنويه:

عدد من الصور المستخدمة للمقالات مأخوذة من محرك google

اترك تعليقاً