سؤال وجواب

جواب على أسئلة الشّيخ الباحث الجليل: سعيد بن يعقوب القرني من الممملكة العربيّة السّعوديّة حول الإباضيّة

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الأخ الكريم الشيخ بدر العبري أسعد الله اوقاتك بكل خير وسعادة وسرور وصحة وعافية وسلامة

حفظك الله ورعاك ونفع بك حيثما كنت
سعيد جدا بالتواصل معك، ونسأل الله تعالى أن يجعل محبتنا فيه ونصرة لدينه وسنة رسوله، وباذن الله أننا نسعد برؤيتكم قريباً.
أخي الكريم
كما ذكرت لك سابقا، بحثت في بعض المسائل في المذهب الاباضي ووجدت أن البعض منها مسائل تخضع للاجتهاد ويسوغ فيها الخلاف ولا يجوز ان تكون سببا للفرقة والتنازع والاتهام بالضلال والبدعة، مثل:
١. مسالة خلق القرآن
٢. مسألة انكار الرؤية
٣. التأويل في باب الصفات وغيرها من المسائل
شخصيا أكره التعصب وأحب اجتماع الأمة الاسلامية وأتفهم واحترم اختلاف وجهات النظر، لكن لي بعض التساؤلات حول بعض المسائل، فاسمح لي في طرحها
١ . مسألة سب بعض الصحابة مثل عثمان او علي او معاوية او لعنهم جميعا او بعضهم فهل هذا السب او اللعن منهج عند المذهب الاباضي او أنه عند بعضهم دون بعض لانه ينقل عنهم هذا الكلام ويعزى الى كتبهم فهل هذا صحيح وهو ما يراه أصحاب المذهب الاباضي، او ان هذا غير صحيح على الاطلاق، او ان هذا هو رأي بعضهم فقط، او ان هذا رأي المتقدمين منهم ولا يراه المتأخرون.
٢. هل يوجد عند أصحاب المذهب الاباضي غلاة ومتشددون كما هو عند غيرهم من المذاهب الاسلامية الاخرى وبالتالي يوجد أصحاب وسطية واعتدال.
٣. هل يوجد مراجعات عند اصحاب المذهب الاباضي وتصحيح يمكن من خلالها التقارب مع الواعين والمعتدلين من المذاهب الاخرى؟
٤. من هو الذي يمثل المذهب الاباضي سلطنة ال تيمور او امامة الخروصي والخليلي وغالب او أمارة الحارثي، او انها جميعا لا تمثلهم؟
٥. هل تغير موقف الاباضية في مسألة حكم المتغلب وسار معترف به عندهم وتأثروا بغيرهم من المذاهب الاخرى في هذه المسألة أم ماذا حدث؟
٦. هل يوجد علاقة بين الاباضية والاسلاميين في الاوطان والمجتمعات العربية والإسلامية يمكن من خلالها التقارب والتعاون والتفاهم؟
واعذرني فقد اطلت عليك
تحياتي وتقديري ودعائي

الجواب

الشّيخ الباحث الجليل: سعيد بن يعقوب القرني من الممملكة العربيّة السّعوديّة وفقك الله.

وعليكم السّلام ورحمة الله وبركاته، شاكرا لك رسالتك حول المذهب الإباضي، وسعيد بانفتاحك على إخوانك، ودعوتك إلى الوحدة والمحبّة والإصلاح، وهذا شأن أصحاب العقول الرّاجحة أمثالكم.

ثمّ إنّي أعتذر عن تأخر الرّد، لبعض الشّغل، وتزامن المرض، فمثلك يقبل العذر ويصفح.

وما ذكرت من مسائل خلافيّة هي من مسائل فروع الدّين، وسبق أن ذكرت ذلك في جواب سابق لعلّك اطّلعت عليه، وللأسف أصبحت من مسائل الدّين وأصوله عند الغالب، فرتبوا عليها التّفسيق المذهبي، وللإمام الرّازي [ت 604 – 606هـ]  كلام نفيس في تفسيره حول هذه، إذ يقول في معرض تفسيره للآية السّادسة من سورة البقرة: “فأمّا الّذي يعرف بالدّليل أنّه من دينه مثل كونه عالما بالعلم أو لذاته وأنه مرئي أو غير مرئي، وأنّه خالق أعمال العباد أم لا، فلم ينقل بالتّواتر القاطع لعذر مجيئه عليه السّلام بأحد القولين دون الثّاني، بل إنّما يعلم صحة أحد القولين وبطلان الثّاني بالاستدلال، فلا جرم لم يكن إنكاره، ولا الإقرار به داخلا في ماهيّة الإيمان فلا يكون موجبا للكفر، والدّليل عليه أنّه لو كان ذلك جزء ماهية الإيمان لكان يجب على الرّسول – صلّى الله عليه وسلّم – أن لا يحكم بإيمان أحد إلا بعد أن يعرف أنّه هل يعرف الحق في تلك المسألة، ولو كان الأمر كذلك لاشتهر قوله في تلك المسألة بين جميع الأمّة، ولنقل ذلك على سبيل التّواتر، فلمّا لم ينقل ذلك دل على أنّه عليه السّلام ما وقف الإيمان عليها، وإذا كان كذلك وجب أن لا تكون معرفتها من الإيمان، ولا إنكارها موجبا للكفر، ولأجل هذه القاعدة لا يكفر أحد من هذه الأمّة، ولا نكفر أرباب التّأويل”.

وأمّا سؤالك: “مسألة سبّ بعض الصّحابة مثل عثمان أو عليّ أو معاوية أو لعنهم جميعا أو بعضهم فهل هذا السّب او اللّعن منهج عند المذهب الإباضي، أو أنّه عند بعضهم دون بعض، لأنّه ينقل عنهم هذا الكلام، ويعزى إلى كتبهم، فهل هذا صحيح وهو ما يراه أصحاب المذهب الإباضي، أو أن هذا غير صحيح على الإطلاق، أو أنّ هذا هو رأي بعضهم فقط، أو أنّ هذا رأي المتقدمين منهم ولا يراه المتأخرون”.

الجواب: لا يوجد عند الإباضيّة سب أو لعن إلا من لعنه الله قطعا في كتابه، وحكم عليه بالهلاك وفق دليل قطعي، كإبليس وفرعون وهامان، فلهذا لا يبنى على دليل ظنيّ ثبوتا، ولو ظاهره قطعي الدّلالة، وهذا يدخل في مباحث الولاية والبراءة عند الإباضيّة، أفرط العديد منهم في بعض مباحثها، ويدخل في ولاية وبراءة الحقيقة، أي ورده بنص قطعيّ ثبوتا ودلالة، وبالتّالي ما حدث من أحداث الصّحابة لا تدخل في هذا، وإنّما يدخلونها في ولاية وبراءة الأشخاص، أي على الاطمئنانة، فهنا لا يحكمون باللّعن، ولا يجوز عندهم السّب للأموات ولا لعنهم، ولكن وجدت طائفة تبرأت ظنّا لا قطعا من عثمان [ت 35هــ] وعليّ [ت 40هـ] مثلا، وهذا كان في سابق عهدهم، وهي براءة ليس بمعنى تكفيرهم ولعنهم، وإنّما نتيجة ما من أحداث تأريخيّة في الماضي، ومع هذا يرونهم عدولا، ويأخذون عنهم دينهم وفقههم، وحتّى معاوية [ت 60هـ] يأخذون عنه، ثمّ مالوا إلى الوقوف، وترك الأمر لله، وعدم إشغال النّاس به، واعتبروا الدّخول فيه ولاية وبراءة أحدّ من السّيف، فحكّموا قوله تعالى:  {تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ، لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُم مَّا كَسَبْتُمْ، وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [البقرة/ 134]، وقوله تعالى: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا} [الإسراء/ 36]، وجاء من المتأخرين كالإمام محمّد بن عبد الله الخليليّ [ت 1954م] ومنع تدريسها، واكتفى بما يسع النّاس علمه، واتّفقوا من عهدهم الأول أنّ هذا ممّا يسع جهله، ولا يجوز إشغال النّاس به، لهذا لا تجد هذه المسألة حاضرة عند النّاس، بل يغضبون إذا ذكرتهم بسوء، ويتيمنون بهم في تسمية أبنائهم ومدارسهم ومساجدهم، حتّى جاء الشّيخ إبراهيم بن عمر بيوض [ت 1980م]، في كتابه فضل الصّحابة والرّضا عنهم، فقرر مسألة التّرضي عن جميع الصّحابة، والوقوف عن أحداث الفتنة، وهو قول عموم الإصلاحيين المتأخرين، وما حدث من إحياء كردة فعل لمرحلة الصّحوة، وإحياء ما في الكتب الصّفراء، وعدم قراءتها في ظرفيتها الزّمنيّة، وفي نظري هذا الموضوع شبه أقفل، وانتهى في الماضي، ولا يحييه إلا من تطرف من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم، والله المستعان. [لي مقالان في ذلك: ماذا نريد من معاوية وعليّ؟ وهو رد على من يحاول إحياء الفتنة، ومقال قصاصات الكتب الصّفراء، وهو موجود في كتابي فقه التّطرف، ممكن ترجع إليهما].

سؤالك: “هل يوجد عند أصحاب المذهب الإباضي غلاة ومتشددون كما هو عند غيرهم من المذاهب الاسلاميّة الأخرى، وبالتّالي يوجد أصحاب وسطية واعتدال”.

الجواب: لا يوجد مذهب أو طائفة ولو قلّت، أيّا كان هوّيتها، دينيّة أو عرقيّة أو فكريّة أو سياسيّة ونحوها لا يوجد فيها غلاة ومتطرفون، يقابلهم أكثرا اعتدالا ووسطيّة، والتّطرف من الطّرف، وهو التّعصب لظاهر الشّيء، وهم الأرثذوكس من كلّ مذهب، وهوؤلاء عادة قلّة، ولكن قد يرتفع صوتهم إذا استغل سياسيّا، وغالب النّاس وسطيون، يشيع بينهم روح الدّين قبل المذهب، وينطلقون بها إلى فضاء الإنسان الواسع، والإباضيّة كغيرهم في هذا، إلا أنّهم كمنهج معتدلون، ومنفتحون على المذاهب والمصادر الإسلاميّة، خصوصا السّنيّة، ممّا ساهم في اعتدالهم، وبعدهم عن الصّراع، وومكن تقرأ في هذا كتابات عليّ يحيى معمّر [ت 1980م]، كالإباضيّة في موكب التّأريخ، والإباضيّة مذهب إسلامي معتدل.

سؤالك: “هل يوجد مراجعات عند أصحاب المذهب الإباضي وتصحيح يمكن من خلالها”؟

الجواب: وجود مراجعات بالمعنى المنهجي والتّفكيكي النّقدي لا زالت ضعيفة؛ إلا كتابات معدودة بين فينة وأخرى، ولأنّ المراكز التّعليميّة الدّينيّة عند الإباضيّة كغيرها من الحوزات الدّينيّة الأخرى يغلب عليها الوصف أكثر من النّقد، والتّلقين أكثر من البحث والتّفكيك، ومع هذا توجد آراء ناقدة كما أسلفت لك، وتساهم ولو على المدى البعيد في التّدافع والتّهذيب.

سؤالك: “من هو الّذي يمثل المذهب الإباضي سلطنة ال تيمور أو إمامة الخروصي والخليلي وغالب او إمارة الحارثي، أو أنها جميعا لا تمثلهم”؟

الجواب: لا يوجد عند الإباضيّة مرجعيّة دينيّة توارثيّة تمثلهم، ولكن قد يظهر رموز كما عند السّنة يرجعون إليها، ومسائل التّقليد والاجتهاد عند الإباضيّة لا تختلف كثيرا عن مسائل السّنة، نعم في بلاد المغرب وجدت هيئة العزّابة بعد سقوط الدّولة الرّستميّة الإباضيّة منذ ألف سنة، وهي هيئة دينيّة انتخابيّة تعنى بشأن التّعليم الدّيني والافتاء والإصلاح بين النّاس ومساعدة الفقراء والإشراف على الأوقاف والزّكاة والصّدقات ونحوها، وانحصرت الآن في وادي ميزاب بالجزائر، ومع وجود الدّولة الحديثة في سلطنة عُمان وجد مفتي رسمي إباضي في عمان ومؤسسة إفتائيّة يرجع إليها، وسابقا لكلّ بلدة عادة علماؤها وشيوخها.

وأمّا آل سعيد فهي دولة أو دولة الإمامة الّتي سقطت عام 1957 فهي مرتبطة بالشّأن العام، لا بالهوّيّة والمذهبيّة والدّينيّة، فهي لا تشكل مرجعيّة دينيّة، وإنّما تعنى بالصّالح العام كأي حكومة أو دولة أخرى.

سؤالك: “هل تغير موقف الاباضيّة في مسألة حكم المتغلب وسار معترف به عندهم وتأثروا بغيرهم من المذاهب الاخرى في هذه المسألة أم ماذا حدث”؟

الجواب: لا توجد نظريّة المتغلب عند الإباضيّة في الجملة، نظريتهم الشّورى المطلقة غير المقيدة بالنّص الجليّ كما عند الإماميّة والجاروديّة من الزّيديّة وغالب مدارس الشّيعة، ولا النّص الخفي كما عند جمهور الزّيديّة من الشّيعة، ولا القرشيّة كما عند غالب المدارس السّنيّة، وكتبت عن هذا مقالا طويلا ممكن ترجع إليه.

وأمّا عمليّا فهو واقع في الدّول الملكيّة كالنّباهنة والبوسعيديين، وأحيانا يحدث تزاوج بينهما كما عند اليعاربة، فهؤلاء في الجملة إمّا أن تكون بدايتهم تغلبا، أو عن طريق الشّورى ثمّ تتحول إلى شبه وراثيّة أو شبه وراثيّة، ولكن كتنظير نظريّة المتغلب تخالف النّظريّة السّياسيّة عند الإباضيّة.

سؤالك: “هل يوجد علاقة بين الإباضيّة والاسلاميين في الأوطان والمجتمعات العربيّة والإسلاميّة يمكن من خلالها التّقارب والتّعاون والتّفاهم”؟

الجواب: نعم، العلاقة كبيرة جدّا، تقريبا في جميع العالم الإسلامي، فهم ضمن منظمة التّقريب بين المدارس الإسلاميّة في إيران وسابقا مصر، واتّحاد علماء المسلمين في قطر، ورابطة العالم الإسلامي في مكّة المكرمة، ولهم كراسي علميّة في الأزهر في مصر، والجامعة الإسلاميّة في ماليزيا، وجامعة آل البيت في الأردن، كما لهم حضور في الزّيتونة في تونس وغيرهم، وفي عمان ندوة تطور العلوم الفقهيّة تعقد سنويّا خلا السّنوات الماضية بسبب الجائحة المالية وكورونا، ويحضرها عشرات العلماء والفقهاء من كافة الأقطار والمذاهب الإسلاميّة، كما كلياتهم الدّينيّة تدرس الفقه المقارن، ويدرّس فيها العلماء خصوصا السّنة، ومنهم مثلا سماحة مفتي مصر الحالي شوقي علّام، حيث درّس فيها حوالي اثنتي عشرة عاما.

وفي الختام، هذا ما لزم الجواب، شاكرا لك تواضعك وحسن ظنّك، معتذرا عن قلّة البضاعة، وضعف المعرفة، ونحن تلاميذ لكم، نتعلم منكم، والحمد لله رب العالمين.

تمّ الجواب عصر الثّلاثاء

3 من شهر ذي الحجّة 1442هـ/ 13 يوليو 2021م

محبّك وتلميذك بدر العبري

سلطنة عمان/ محافظة مسقط، الموالح الجنوبيّة بولاية السّيب

السابق
ديانة الصّابئة المندائيّة مع الدّكتور بهادر قيّم من إيران
التالي
الأنسنة في العلمويّة اليهوديّة المعاصرة: رؤية يعقوب ملكين
– تنويه:

عدد من الصور المستخدمة للمقالات مأخوذة من محرك google

اترك تعليقاً