المقالات الفكرية

الوحدة الإسلامية … الداء والدواء

بداية أشكر أستاذي الفاضل الجليل سالم المشهور من محافظة ظفار على تواضعه بدعوته لي للمشاركة في صالونهم الثقافي الممتع عن الوحدة الإسلامية، فأحببتُ الحديث عن الداء والدواء من خلال الانطلاقة القرآنية.

ورغم قصر المدة التي أخبرني فيها الأستاذ بالمشاركة إلا أنني أحاول أن ألملم الموضوع في هذه الورقة السريعة، حيث سيكون حديثي صريحا نوعا ما، ولن أستخدم تقية العديد من علماء المدارس الإسلامية عندما يشاركون في مؤتمرات الوحدة فيدعون إليها، ثم يرجعون شاقين وحدة الأمة بالتكفير والتفسيق والتبديع والتضليل وحصر الجنة أو النار والولاء والبراء وفق مذهب أو منهج معين.

وسأنطلق في هذا الحديث – بإذن الله تعالى – من الرؤية القرآنية الشاملة، وسأجيب على هذه الإشكاليات:

– كيف نفهم الوحدة في القرآن الكريم؟

– مدى صحة قولنا الوحدة الإسلامية؟

– ما أهم الأمراض التي تعوق الوحدة الإسلامية، وما العلاج؟

أولا: الوحدة في القرآن الكريم

بداية الوَحْدَةُ لغة الانفراد تقول رأيته وَحْدَهُ، كأنك قلت أَوْحَدْتُهُ بُرؤْيتي إيِحاداً أي لم أَر غيره، والواحد كما هو معلوم عكس الاثنين، وجاء ذكر الأمة الواحدة في جانب الإثبات مرتين فقط في سورتي الأنبياء والمؤمنون.

الموضع الأول: قوله تعالى: {إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ} الأنبياء آية 92.

الموضع الثاني: قوله تعالى: {وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ} المؤمنون آية 52.

ففي الموضع الأول إثبات واحدية الأمة من خلال إفراد الله تعالى بالعبودية، وفي الموضع الثاني إثبات واحدية الأمة من خلال انفراد الله تعالى بالتقوى والمراقبة، ولنا عودة في استقراء الموضعين في السورتين بإذن الله تعالى بعد قليل.

في حين ورد ذكر الأمة الواحدة بمعنى النفي في أكثر من موضع:

– قال تعالى: {كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} البقرة 213. [المعنى: كان الناس أمة واحدة بوحدة المصدر والتلقي وبسبب ما فطر الله عليه الناس من اختلاف العقول والمدارك وتأثير البيئة والآلة في العلوم اختلف تعاملهم مع هذا المصدر فأدى إلى اختلافهم وتعددهم].

– قال تعالى: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آَتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ} المائدة/ 48. [هنا إثبات لسنة الله تعالى في التعدد والاختلاف وهي سنة ماضية إلى يوم القيامة لأنها من طبيعة البشر].

– قال تعالى: {وَمَا كَانَ النَّاسُ إِلَّا أُمَّةً وَاحِدَةً فَاخْتَلَفُوا وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ فِيمَا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} يونس/ 19. [أي الناس في الأصل أمة واحدة فاختلفوا فيما بينهم].

– قال تعالى: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ (118) إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ} هود/ 118-119. [هنا إثبات اختلاف الناس وهذه سنة كونية بشرية].

– قال تعالى: {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَلَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} النحل/ 93. [وهذه كسابقتها في إثبات اختلاف الناس لكونها سنة كونية بشرية].

– قال تعالى: {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَهُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ يُدْخِلُ مَنْ يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمُونَ مَا لَهُمْ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ} الشورى/ 8. [وهذه أيضا في إثبات سنة الاختلاف بين البشر].

– قال تعالى: {وَلَوْلَا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِنْ فَضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ} الزخرف/ 33. [ وهذه أيضا في إثبات سنة الاختلاف بين البشر].

إذا من خلال الآيات الماضية نجد هذه المعادلة:

– المقدمة الصغرى: الناس في الأصل أمة واحدة من حيث الجنس والمصدر، فإذا قلنا من حيث الجنس على قول الجمهور إنّ آدم هو أول البشر فهم أمة آدمية واحدة ثم تعددوا واختلفوا في ألوانهم ولغاتهم وعاداتهم وتقاليدهم، وعلى قول البعض ممن يقول بوجود الجنس البشري قبل آدم وعليه تتوحد الأمة الإنسانية في أصل الخلق وهو التراب، وهكذا في المصدر فالمصدر الإلهي واحد لا يختلف: {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا} النساء/ 82.

المقدمة الكبرى: حدث بعد هذا اختلاف في الجنس البشري، لغة ولونا وأعرافا ومعيشة وغيرها، كما اختلفوا في توجهاتهم وأديانهم وأفكارهم ومذاهبهم.

– النتيجة: الاختلاف طبيعة بشرية، وسنة اجتماعية كونية، ولا يمكن إنكاره.

والسؤال هنا: من خلال الموضعين الأولين في سورتي الأنبياء والمؤمنون، هل يعني أنّ هذه الأمة خارجة عن هذه الاختلاف البشري؟ للإجابة لا بد من العودة إلى الموضعين وقراءتهما من جديد.

– الموضع الأول من سورة الأنبياء: قوله تعالى: {إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ}، عندما نتأمل قبل الآية نجد الله تعالى لا يتحدث عن هذه الأمة، وإنما يتحدث عن التأريخ الإنساني، حيث أن الله تعالى أرسل أنبياء ورسلا، وذكر قبل الآية أتباع ابن مريم واختلافهم وتحزبهم، فالله تعالى ختم هذا أن هذه الإنسانية وإن اختلقت وتحزبت إلا أنّ وحدتها تبقى في توحيدها العبادي لله تعالى، فالله تعالى واحد لا شريك له في العبودية، وعليه قال سبحانه بعد هذه الآية: {وَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ كُلٌّ إِلَيْنَا رَاجِعُونَ فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ وَإِنَّا لَهُ كَاتِبُونَ} الأنبياء/ 93 – 94. فالعبودية المقرونة بالعمل الصالح والإيمان الحق له سبحانه الخيط المشترك بين الإنسانية.

– الموضع الثاني من سورة المؤمنون: قوله تعالى: {وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ} كذلك كان الحديث قبلها عن ذكر تسلسل الأنبياء في التأريخ الإنساني، وذكر قبلها ابن مريم، وخطاب الله للرسل بالعمل الصالح وتقواه حيث قال: {يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ} المؤمنون/ 51. وبعد الآية حذّر الله من الافتراق والاعتداد بالأحزاب: {فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُرًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ} المؤمنون/ 53. وعليه هذه الأحزاب لا تصل إلى الله وإنما يصل إليه تقواه ومخافته.

إذا من خلال استقراء الموضعين سنجد أنّ الحديث في الوحدة في الآيتين ليس خاصا في الأمة وإنما في الإنسانية عموما، وتدخل فيه الأمة تبعا، والسؤال هنا ما مدى صحة قولنا الوحدة الإسلامية؟ هذا سنراه في البند الثاني.

ثانيا: الوحدة الإسلامية والتطبيق

من خلال البند الأول خرجنا أنّ ذكر الوحدة في القرآن بالمعنى الحرفي يعتبر مناقضا للسنة الكونية، والتي يتفرع عنها السنة البشرية الفكرية والاجتماعية والمعيشية، نحو البستان الذي يسقى بماء واحد، وينبت في تربة واحدة، ومع هذا يخرج زرعا متباينا مختلفا.

فقولنا الوحدة الإسلامية لها جانبان:

الجانب الأول: الوحدة بالمعنى الاشتراك الكلي والانصهار الجمعي في فكر أو سلوك معين، هذا مستحيل عقلا وواقعا، لأنه مخالف لسنن الكون والاجتماع، وعليه تحمل آيات النفي في كون الأمة أمة واحدة.

الجانب الثاني: الوحدة بمعنى الالتفات إلى المشتركات الكبرى كالعبودية والتقوى والرسالة أو النبوة ونحوها فهذا ممكن عقلا، وواقع فعلا.

وعليه يتضمن معنى الوحدة هنا التعارف والاعتراف والتعايش والتجانس وفق المشتركات الكلية لا الذوبان والانصهار التي هي أقرب إلى الجانب اللغوي كما سبق، والآن هل يمكن تطبيق الوحدة بالمعنى العام أي وفق الجانب الثاني المذكور آنفا؟

الوحدة الإسلامية ….الداء:

في نظري لا يمكن الكلام في الوحدة الإسلامية ما لم تتخلص الأمة من ثلاثة أمراض:

المرض الأول: تقديس الأشخاص والتأريخ.

المرض الثاني: مشاركة الله في الحكم على العباد.

المرض الثالث: مشاركة الله في أمر الميعاد

المرض الأول: تقديس الأشخاص والتأريخ

لا زالت تعاني الأمة حتى يومنا هذا آثار الخلاف الذي حدث بين الصحابة منذ وفاة النبي عليه الصلاة والسلام وحادثة السقيفة، ومن ثم مبايعة أبي بكر الصديق، والكلام في مظلمومية فاطمة الزهراء، وكذا الأمر في بيعة عمر وعثمان، وفي الخلاف الذي حدث في آخر أيام عهد عثمان، وما حدث بعده من مقتله، ومن ثم حادثة الجمل، وواقعة صفين وأمر التحكيم وواقعة النهروان، وتنازل الحسن، وبيعة يزيد، وواقعة كربلاء التي استشهد فيها الحسين، وما تبع هذا من أحداث.

هذا التأريخ للأسف لا زال يشكل الصراع بين الأمة حتى يومنا هذا، حيث تطور من جانب سياسي تأريخي إلى جانب عقدي فكري، جعلت الأمة تنقسم إلى ثلاثة أقسام رئيسة:

المدرسة الأولى: مدرسة تقدح في الخلفاء الثلاثة الأوائل، أبي بكر وعمر وعثمان، وتتعصب لعلي، وهذه تتمثل في الشيعة بفرقها، ويطلق عليها خصومها الروافض، أيّ الذين رفضوا بيعة أبي بكر الصديق، عدا فرقة الزيدية، فهي وإن كانت ترى أحقية علي بالخلافة؛ إلا أنهّا ترى جواز بيعة أبي بكر وعمر وعثمان، وذلك من باب تقديم المفضول مع وجود الفاضل، كذلك هذه المدرسة ترى أنّ معاوية اغتصب الخلافة، فهي تقدح فيه، وفي الدولة الأموية.

المدرسة الثانية: مدرسة ترى أنّ بيعة الخلفاء الأربعة صحيحة، فهي تمّت بمشورة المسلمين، فعلى هذا خروج معاوية على علي كان بغيا منه، فلا تصح بيعته، كذلك تنازل علي عن الخلافة لا يصح؛ لأنّ القرآن حسم الأمر في هذه المسألة في سورة الحجرات في آية التحكيم، وأيدوا اعتزال أهل النهروان، وعاتبوا عليا على قتاله لأهل النهروان؛ لأنّه اعتزل الخلافة، فبيايعوا عبد الله بن وهب الراسبي إماما للمسلمين، وهذه المدرسة أطلق عليها لفظ الخوارج، ويمثلها اليوم الإباضية.

المدرسة الثالثة: مدرسة ترى أنّ بيعة الخلفاء الأربعة صحيحة، فهي تمّت بمشورة المسلمين، وخروج معاوية وعمرو بن العاص على علي كان ناتجا عن اجتهاد، كذلك تغير عثمان في النصف الثاني من خلافته كان عن اجتهاد منه، فهم وإن أخطأوا إلا أنّ خلافتهم صحيحة، وهم مأجورون على ذلك، ويمثل هذا الرأي أكثر الأشاعرة وأهل الحديث، ويطلق خصومهم عليهم نواصب، لأنّهم ترضوا عن الذين ناصبوا عليا العداء، وهؤلاء منهم يخطئ معاوية، والأكثر يتبرأ من يزيد، ومنهم يترضى عنه.

هذا الخلاف التأريخي للأسف لو نظرنا إليه نظرة قرآنية كما تحدث الله سبحانه وتعالى عن أحداث بني إسرائيل أنهى الموضوع بقوله: {تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ} البقرة/ 134. فلماذا لا ننهي نحن الموضوع الخلافي بعد وفاة الرسول عليه السلام بهذه الآية أيضا؟!!!

والله تعالى لم هذا الدين على شخوص بأتباعهم، فالدين أكمله الله وأتم نعمته على العباد، ورضيه على الخلق بإكمال وأنزال كتابه، الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، تنزيل من حكيم حميد، فآخر آية نزولا على قول الجمهور، قوله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} المائدة/ 3.

والمرء لا ينكر جهود المخلصين من أصحاب النبي وبذلهم من أجل هذا الدين، والأصل في هذا قوله تعالى: {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} التوبة/100. فهنا يشيد الله سبحانه وتعالى ويثني على المهاجرين الذين هاجروا بأنفسهم وأموالهم في سبيل الله، وثنى بالأنصار، والذين نصروا إخوانهم، ووقفوا معهم، وثلّث بالتابعين إلى يوم الدين، وقيد الاتباع بالإحسان، وهي قمة الالتزام والاستسلام لله تعالى، فرتبة الإحسان لا تعادلها رتبة.

والله تعالى لم يتعبدنا بتتبع أحوال الصحابه، وأزواجه وآل بيته، فمن سابق في الخيرات فلنفسه، ومن اقتصد فله أجر ما قدم، ومن ظلم نفسه يتحمل نتائج ظلمه، فلا تزر وازرة وزر أخرى، والقاعدة الربانية كما أسلفنا تقول: {تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ} البقرة/ 134.

جميع هذا الخلاف التأريخي ولّد أحزابا تعصبت للرجال، فبعد ما كان التعصب للدين والحق، أصبح التعصب للرجال والأتباع، فمنهم من تعصب للصحابة والأزواج، والبعض لآل البيت، ولو اقتصر الأمر عند هذا لكان حسنا جميلا، بل حدث ما نهى الشرع عنه جملة من السب واللعن لمن مات وانقضى إلى ربه سبحانه، ولم يسلم منه حتى أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، فما ذنب عائشة المتوفاة سنة 58هـ، وحفصة المتوفاة سنة 41هـ إلا أنهما بنتي أبي بكر وعمر 13 – 23هـ، وما ذنب أبي بكر وعمر إلا أنهما أختيرا للخلافة من قبل أغلبية المؤمنين، وتطبيقا لأمر الله تعالى بالشورى في اختيار الحاكم والخلافة.

ولئن سلّمنا أنّ أبا بكر وعمر وعائشة وحفصة وعثمان ومن والاهم من الصحابة أخطأوا عندما لم يختاروا عليا خليفة للمؤمنين، فما ذنب هذه الأمة وقد تفرقت أحزابا متناحرة، والعدو يسعى لذبحها والقضاء عليها، وجعلها أمة ذليلة مهانة، وما ذنب هذه الأجيال لأن تكون رهينة أحداث أكثر من ألف سنة، والأمم تنظر إلى مستقبلها لا إلى ماضيها.

والمجتمع الصحابي مجتمع بشري، كسائر المجتمعات البشرية، وقد علّمنا القرآن دروسا في التأريخ البشري، فقد تحدث عن أصحاب موسى، وحواريي عيسى، وأصحاب محمد، ودَرَسهم على اعتبار بشريتهم، وركز على الخطأ حتى لا يتكرر، وأشاد بالصواب حتى يتبع ويقتدى، وما عدا ذلك من هم؟ وأين مصيرهم؟ ولعنهم وسب من أخطا، والتعصب المقيت وتأليه من أحسن، كل هذا نأى عنه القرآن الكريم.

فعائشة زوج النبي عليه السلام لها فضائل لا تنكر، وأخطاء سجلها التأريخ، كمشاركتها في حادثة الجمل، نستفيد من نور تأريخها، وندرس الخطأ حتى لا يتكرر، وما عدا ذلك لم يطالبنا الله تعالى بالتدقيق فيه، فلها حرمتها البشرية لو لم تكن مؤمنة، فكيف إذا كانت زوج أحب خلق الله تعالى، ومن المسلمات، فكيف يقدح في عرضها، فلا يجوز هذا وهي حية، فكيف يجوز وهي في عداد الأموات، فإن أحسنت فالله أولى بها، وإن أساءت فعليها، ونحن لا نتحمل شيئا من أفعالها، فلماذا نرهق أعصابنا، ونشوه منابرنا باللعن والسب لمن مضى، فلا يجوز هذا للأحياء فضلا عن الأموات، وكرامة الإنسان فوق أي اعتبار.

وهكذا بقية الصحابة وآل البيت، بل وهكذا جميع الأمم من قبل ومن بعد، فما مضى عنا بساعة، لم يتعبدنا الله بلعنه أو سبه او الترضي عنه إلا ما ذكره الله قطعا في كتابه، والوقوف يسع الجميع، وبه يبرأ الإنسان من كلفة السؤال يوم الدين.

ثم إنّ التأريخ الذي كتب ودون فقد كتب في ظلال الفتنة، فاليوم مع انتشار وسائل الإعلام وحضورها المكاني والزماني، إلا أننا نجد الخلاف في نقل الحدث وما يتبعه من تأويل وتحليل، فما بالك بتأريخ كتب بعد فترة، ودون عن طريق حدثنا وأخبرنا، وهي أضعف صفات نقل الخبر منهجيا، لما يعتريها من الوهم والشك، ولما يتخللها من أغراض يمينية أو يسارية، فضلا على أن أغلب التأريخ فاقد الإسناد، وعن طريق الوضاعين الكذابين.

فخذ مثلا أحداث النهروان سنجد الروايات تتناقض تناقضا رهيبا، من الذي خرج على الآخر، علي أم أهل النهروان، وجميعهم صحابة، وكانوا صفا واحدا ضد معاوية 41 – 60هـ، فلما اختلفوا في الرأي، وحدث ما حدث، تعددت الروايات، واختلفت الآراء، فبدلا أن يستفاد من الحدث سلبا وإيجابا، ويدرس على أنه تصرف بشري، ويجعل للعقل المسلم الحرية في فهم الحدث وأخذ العبر منه، أصبح التركيز على الشخوص والأفراد، واختلقت لأجلها الروايات، وكفر من كفر، فأصبح النقاش محصورا على علي وحرقوص المتوفى سنة 37هـ، وابن وهب المتوفى سنة 38هـ وغيرهم، فشاركوا الله تعالى في ميزانه، فحسّنوا من حسنوا، وأساؤوا إلى من أساؤا، فما استفادت الأمة إلا تقديسا لأشخاص، ولعنا لآخرين، فأصابها الوهن والتمزق، وتركنا منهج القرآن في التركيز على الأحداث لا الشخوص، فهذا آدم عندما أكل من الشجرة، تحدث الله عن الحدث وعاتب نبيه، وما بعد ذلك أمره إليه سبحانه وحده لا شريك له، فقصة آدم تحوي من العبر والآيات، فلم تتفرق لأمثالها أمم، لأنها وقفت مع الأحداث، وتركت أمر آدم لخالقة وحده سبحانه.

وهؤلاء المنافقون عاشوا بين ظهراني النبي عليه الصلاة والسلام، واليهود عاشروه وعاملوه، فلم يجدوا منه السب واللعن، والإيذاء لمن مات من آبائهم وذرياتهم، بل نهى عن سب معتقداتهم وطقوسهم كما رباه ربه سبحانه:  {وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} الأنعام/ 108.

نخلص من هذا كلة أنّ أكبر داء يهدد الوحدة هو هذا الداء، فلا يمكن بعد أربعة عشر قرنا أن نكون ضحية القرن الأول، فلندرس التأريخ على اعتبار أنه تأريخ بشري فيه الخطأ والصواب، ونوكل حكم العباد إلى خالقهم، ولا نشاركه في ذلك سبحانه، وهذا ينطبق إلى يومنا هذا وما بعده للأجيال القادمة، ولنحترم اختلافنا التأريخي دون الإساءة لأحد.

المرض الثاني: مشاركة الله في الحكم على العباد

وأقصد بهذا أن نجعل للمدرسة الواحدة ميزانا للحكم على المدارس الأخرى، وعليه ستكون الطاعة والمعصية مربوطة بالمدرسة، فالطائع من المدارس الأخرى فاسقا ولو كان برا صالحا تقيا، لا يترحم عليه، ولا يترضى عنه، بل ويتبرأ منه لأنه ليس من هذه المدرسة أو تلك.

من هنا استغلت عقيدة الولاء والبراء استغلالا سيئا بين المدارس الإسلامية،  فكل فرقة تدّعي أنّها على الحق، والفرقة المخالفة إمّا أن تكون فرقة كافرة كما عند الغلاة، أو على أقل تقدير هي فرقة فاسقة، ينطبق عليها أحكام الفسقة من جواز الغيبة، ويجب البغض واللعن على أتباعها، ولا يجوز الترحم والترضي على أفرادها؛ لأنّ هذا يخالف عقيدة الولاء والبراء.

بل زادات بعض الفرق جواز الكذب عل المخالفين، وأصبح عبارة البدعة والمبتدعة وأهل الأهواء والضلالة منهجا في التعامل مع باقي الفرق.

وفي القابل كل فرقة أصبحت تمدح نفسها بألفاظ كالحق أو أهل العدل أو السنة أو الاستقامة أو نحوها، والأولى التسمي بما سمى الله به رسالات الأنبياء جميعا وهو الإسلام: {هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ} الحج/ 78.

ولا بأس بالأسماء المدرسية ولكن لا أن تجعل من منهجها وصيا على الآخرين، فالميزان بين الأمة واحد، والطاعة والمعصية واحدة، وهذا حد مشترك بين الجميع، والله أنزل كتابا واحدا، وأرسل رسولا واحدا خاتما، فلا يجوز أن تنافس المدرس كتاب الله فهي محكومة به لا حاكمة عليه.

فهذا الداء الثاني الذي يعيق الوحدة الإسلامية، ولا بد من التخلص منه.

المرض الثالث: مشاركة الله في أمر الميعاد

اعتبر القرآن أنّ الجنة والنار من قضايا الغيب الخاصة به وحده سبحانه، فله الحكم والأمر، ولا يجوز بحال من الأحوال أن نشارك الله تعالى فيها، فهي من قضايا الغيب التي لا يمكن أن نتكلم في جزئياتها إلا بدليل قطعي واضح، فنحن نعتقد أنّ الجنة والنار حق، وأنّ الله يدخل المؤمنين الجنة، ويخلد الكافرين في نار جهنم، يقول – تعالى -: {إنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُوْلَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ، ِإنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ، جَزَاؤُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ } البينة/ 7 – 8.

هذا ما يسعنا أن نؤمن ونسلّم به، ولا يجوز أن ندعي أنّ زيدا في الجنة، وسعيدا في النار، فضلا أن ندّعي أنّ هذه المدرسة في الجنة، وتلك المدرسة في النار، فهذه من ترسبات فكرة “شعب الله المختار” التي ورثناها عن أهل الكتاب، عن طريق الروايات البعيدة في تصورها عن منهج كتاب الله العزيز، يقول – تعالى -: “وَقَالُواْ لَن يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلاَّ مَن كَانَ هُوداً أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ” البقرة/ 111. ويقول أيضا: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَىَ شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ فَاللّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} البقرة/ 113.

وهنا نلاحظ أنّ القرآن يرشدهم إلى كتابهم الحق التوراة والإنجيل، فهذا التلاعن والتباغض ناشئ من البعد عن الوحي الرباني القاطع إلى أكاذيب الرواة والأحبار، وإلى ما ترسب في النفوس من أهواء وحبّ للذات، فاليهود ابتعدوا عن التورة إلى التلمود، فضلا عن تحريفهم للتوراة، فابتعدوا عن الخط الإلهي إلى التصور البشري القاصر، ممّا اعتبر مع مرور الأيام عقيدة كفّر من خالفها.

كذلك النصارى أدخلوا في الإنجيل روايات عديدة منسوبة إلى بعض الرسل، وإن دونت بعد فترات طويلة، ممّا أوجد التعدد بين الأناجيل، والتناقض بينها، وهذا بدوره أوجد موروثات لدى النصارى أبعدتهم عن التصور الإلهي الصحيح، فاعتبروا أنفسهم أهل الجنة، ومن خالفهم من أهل النار.

وللأسف هذا ما حدث ويحدث بين المدارس الإسلامية، ففي الغالب كلّ مدرسة تدّعي أنّها “شعب الله المختار”، و لكن تحت مصطلح جديد، ألا وهو مصطلح “الفرقة الناجية”، وهذا ما تتغنى به كلّ مدرسة، فالمدارس الإسلامية تردد رواية: “افترقت اليهود إلى إحدى وعشرين فرقة كلّها هالكة عدا واحدة، وافترقت النصارى إلى اثنتين وسبعين فرقة كلّها هالكة عدا واحدة، وستفترق أمتي إلى ثلاث وسبعين فرقة كلّها هالكة عدا واحدة”، لذلك من المدارس الإسلامية من تنظر إلى غيرها أنّها من أهل النار.

والحكم على الآخرين أنّهم من أهل النار، إنّما هذا تألي على الله – تعالى -، وإيجاد أسس وقواعد نجعلها أداة لأدخال هذا في الجنة، وإدخال ذلك في النار، حيث إنّ هذه الأسس مستنبطة من تفاسير بشرية، أضفنا إليها صفة الربانية والألوهية، وقويت بروايات بعيدة عن كتاب الله – تعالى -، هذا بدوره كان من أهم آثاره التطاول على الله في قضايا غيبية، ممّا أورثت التفرق والبغضاء والقمع الفكري، فضلا عن إسالة الدماء، وقتل الأبرياء في كثير من الأحيان.

هذه أهم الأمراض التي إذا تخلصنا منها بحق نكون قد اقتربنا من العلاج، ونكون قد عرفنا العائق الحقيقي للوحدة الإسلامية، والسؤال هنا أين يكمن الدواء؟

الوحدة الإسلامية … الدواء

بعد ما تطرقنا إلى أهم عناصر الداء، بالتالي اتضح لنا تلقائيا الدواء، وهناك عناصر عديدة تكمن في العلاج أرى أهميتها تدور وفق نقاط ثلاث:

الأولى: الانطلاقة القرآنية، والقرآن هو الكتاب الجامع بين المسلمين، وعليه ينبغي أن يعطى حقه من العناية والتدبر، وأن يكون حكما بين الجميع، وأن تكون المدارس والمناهج محكومة به.

الثاني: اعتبار المذاهب الإسلامية مدارس بشرية لمدرسة الإسلام الكبيرة، وهذا المدارس نتاج بشري كبير يستفاد منه، ولا يمكن لأي مدرسة إسلامية أن تستغني عن غيرها، فجميعها تجارب بشرية تشكل مادة خصبة للدراسات الإسلامية.

الثالث: عدم محاسبة المدرسة الواحدة بأخطاء بعض أفرادها، أو عدم الدفاع عن الأشخاص في المدرسة الواحدة لاعتبارهم ينتسبون إلى هذه المدرسة، بل يجب أن تكون هناك دراسات نقدية من أصحاب المدرسة نفسها كما رأيناه من الشيخ حسن بن فرحان المالكي ونقده للمدرسة الحنبلية.

وأنا شخصبا من الكتب التي أحققها حاليا كتاب بلوغ المرام من أدلة الأحكام للشيخ عامر بن خميس المالكي ن 1924م، ويتكون في أربعة أجزاء، وهو عبارة عن نظم فيه حوالي ثمانية وعشرون ألف بيت، قال فيه:

وسُـنَّ ندباً لـدخـولِ المسجـدِ              لا مسجِـدَ المخـالِفينَ الحُسّـدِ

قلتُ معقبا عليه في الهامش: أي من غير الإباضية المعادين لهم، وهذا من الغلو الذي عانت منه الأمة بمجموع مذاهبها ومدارسها، وذلك نتيجة الخلط بين المذاهب والإسلام، فالإسلام أعم من المذاهب، والمذاهب مدارس له، والله تعالى حفظ الإسلام بحفظ كتابه، الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، والمدارس الإسلامية محكومة بهذا الكتاب، والله تعالى جعل هذه الأمة أمة واحدة حيث يقول: {إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ} [الحج/ 92]، وفي آية أخرى يقول: {وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ} [المؤمنون/ 52]، فالأمة مطالبة بتحقيق العبودية لله تعالى، مع تقوى الله ومراقبته، وهذا يشمل الأمة جميعا، وما حدث من صراع فكري بين المدارس الإسلامية كان لأسبابه التأريخية والسياسية؛ بل والمكانية، لذا لم نجد عجبا مثلا أن يقول الإمام أبو منصور عبد القاهر البغدادي ت 429هـ في كتابه أصول الدين: “وأجمع الفقهاء والمتكلمون من أصحابنا – أي أهل السنة – أنّه لا يصح الصلاة خلف المعتزلي، ولا يحلّ أكل ذبيحته، ولا ردّ السلام عليه” [أصول الدين للبغدادي، ط دار الكتب العلمية – بيروت/ لبنان، ط2 1401هـ/ 1981م، ص 189]، وهذا الغلو للأسف أصاب المذاهب الإسلامية جميعها، ولا يجوز الدفاع عنه نصرة للمذهبية، وإن كنا نعذر من سبق فما العذر اليوم وقد أصبحت الأمة تعيش في قرية واحدة، ومساجدها متعددة المذاهب، فأولى أن تتحد في كلمتها، وتعذر بعضها بعضا فيما اختلفت فيه، وأن تكل الحكم على العباد إلى خالقهم سبحانه وتعالى، وأن تقوّي الأدبيات القرآنية في الحوار بالحسنى، ونقول هنا ما قاله الناظم – رحمه الله – غلو لا ينبغي الوقوف معه، والدفاع عنه، وهو كبوة منه، لأنّ الله تعالى يقول: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا} [الجنّ/ 18]، فلا يجوز حصر المساجد في المذاهب البشرية، بل هي جامعة للمسلمين جميعا، ومنبر خير للإنسانية قاطبة.

الخاتمة:

هذه أهم العناصر التي كتبتها سريعا قبيل الندوة المباركة، وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ.

كتبه بدر بن سالم بن حمدان العبري

الموالح / ولاية السيب

مغرب الأربعاء 5 من صفر 1434 هـ . الموافق 19 من ديسمبر 2012م

السابق
جدليّة المعراج
التالي
رشاد خليفة ت (1990م) والعقلانيون
– تنويه:

عدد من الصور المستخدمة للمقالات مأخوذة من محرك google

اترك تعليقاً