1435هـ/ 2015م
بسم الله الرحمن الرحيم
اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ، خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ، اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ، الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ، عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ
إنّه الإنسان، هبة الله في الوجود، وتجليات عظمته في الخلق، وبدائع صنعه في الكون…
لهذا الإنسان أسجد الله ملائكته …. ولهذا الإنسان جعل ما في الكون مسخرا له، فأكرم بالإنسان مكانة، ثم أكرم به منزلة وأمانة …
على مرّ التاريخ، وما خلص إليه العالم أجمع، واتفق عليه الفلاسفة والحكماء، وعلماء التربية والبرمجة، وما أجمع عليه المؤرخون والمهتمون بسنن الكون والتاريخ، لقد اتفق هؤلاء جميعا، جملة وتفصيلا، أنّ الإنسان أعظم ثروة في الوجود، من أحسن التعامل معه كانت الحضارة والتقدم والرقي، ومن أساء كان التخلف والرجوع إلى الخلف، وإن كان موجودا ظاهرا، لكنه وجود شكلي لا قيمة له بين أمم العالم وحضاراته، وصدق الإمام علي بن أبي طالب عندما قال:
“تـــزعــم أنــك جــرم صغـيــر وفيــك انطوى العـالـــم الأكـــبر”
فأي أمة من الأمم، تنشد الحضارة والتقدم، وتهدف إلى الصدارة والمكانة، ولكنها تجعل الإنسان، وبناء الإنسان عقلا ومعرفة وخلقا آخر أولوياتها واهتماماتها، هذه أمة ستظل في ذيل الأمم، لأنها أخطأت في ترتيب أوراقها، والاهتمام بأبجديات أولوياتها …
فكم من أمة أمامنا، مع ضعف إمكاناتها المعدنية، وثرواتها البيئية، ولكنها أدركت أنّ الإنسان أعظم ثروة في الوجود، فصنعوا الإنسان، فكانت لهم الحضارة والمدنية والتقدم …
وكم من أمة تملك أعظم الثروات والمعادن، بل هي سلة العالم في الطبيعة والماء والغذاء، ولكنها أضعف العالم حضارة، وأصابها الوهن الثلاث: المرض والفقر والجهل، والذي ما انتشر في أمة إلا أكلها أكلا، وأشل أركانها…
إنّه الإنسان وما أدراكم ما الإنسان، إنه حضارة بذاته، وأمة بوجوده …
هذا الإنسان لا يرقى بلباسه المنمق، وقصاصات شعره، وفخامة بيته وسيارته، بل يرقى بشيء واحد، إذا عرفنا كيف نصنع هذا الإنسان، ليصنع لنا حضارة، ويبني لنا أمة، ويجعل لنا مكانة…
وأول ذلك كله بناء العقل والمعرفة، وتنمية المواهب ودعمها، وتثمين عمل المبدعين وتشجيعهم، وفتح المجال لهم، وصرف الأموال أولا بأول في مؤسسات التربية والتعليم، وبناء المؤسسات البحثية والاستراتيجية لمسايرة تطور المعرفة وآلياتها.
إن المعرفة اليوم تتضاعف بمعدل يومي أضعافا مضاعفة، فكيف سيتعامل مع هذا جيل يخرج من الثانوية العامة وهو لا يحسن الكتابة، رسالة نصية صغيرة في هاتفه يرسلها تحتوي عشرات الأخطاء الإملائية البسيطة التي يخجل من قراءتها ممن درس تحت الشمس وعند الأشجار والحجر قبل ثلاثين سنة … فضلا أن يكتب مقالا بسيطا، أو بحثا علميا، أو يقدم مشروعا إبداعيا….
ومنهم يدرس عشرات السنين، ولكنه لم يقرأ في هذه الفترة إلا مذكرات وكتب دراسته، وعند الاختبار، ليتبخر بعدها كما يتبخر الماء نتيجة حرارة الشمس!!!!
إنّ جيلا هذا حاله، لا يدرك من المعرفة إلا القشور، ولا من العلم إلا الشهادات، ولا من الوطن إلا الوظيفة وتجميع المال، كيف سيبني هذا حضارة، وكيف سيواصل المسيرة لرفعة وطنه وأمته؟
لا أقول تعميما فعندنا العديد من المبدعين والباحثين وأصحاب الأقلام، والمنتجين في العديد من الجوانب، ولكن نحتاج إلى المزيد، والجانب المعرفي والإبداعي عندنا يحتاج إلى إصلاح وتطوير،،،
اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ، خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ، اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ، الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ، عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ
أيها الإنسان اقرأ ما استطعت أن تقرأ
اقرأ كلّ جديد، واغتنم كلّ مفيد
القراءة القراءة القراءة، عظ عليها بالنواجذ، واجعلها كلّ حياتك،
أول خطاب إلهي لنا في القرآن أقرأ فما لنا لا نقرأ ….
وسمانا غيرنا بأمة اقرأ فلماذا صرنا أمة لا تقرأ ….
يوم ضعفت حضارة اليونان ترجم أجدادنا العرب والمسلمون بأجناسهم معارف اليونان وفلسفتهم، والهند وحضارتها، وفارس وأدبها، فكانت دار الحكمة في بغداد تشع نورا بمعارفها، وتبعتها الأمصار الإسلامية شرقا وغربا…
ولما اشتغلنا ببعضنا، وكانت الحروب تدور بيننا، واشتغلنا بعلوم الجان عن علوم سنن الكون، حينها كانت أوربا تتسابق في ترجمة معارفنا وتطويرها، فكتب الله لهم الصدارة، وكانت لهم الحضارة، ليس صدفة ولا اختيارا، ولكنها سنن الله، لا تتغير ولا تتبدل، سنة الله في الكون واحدة، لا تفرق بين أحد أبدا، من أخذها هنيئا له التقدم والمدنية….
فيا طلاب الجامعات … ويا أبناء المدارس، ويا أيها الشباب، ما جدولكم هذا العام في القراءة والمتابعة …
تأملوا ما يحمله الواحد منا في هاتفه من مقاطع وصور بمعدل كبير جدا، بينما يكاد لا يحمل في هاتفه أو جهازه كتابا معرفيا واحدا إلا قليلا…
إن الأجهزة المعاصرة والشبكة العالمية نعمة عظيمة، تستطيع أن تكسب عشرات المعارف في الساعة الواحدة، وأن تحمّل عشرات الكتب في الدقائق الواحدة، وأن تتواصل مع عشرات العلماء في العالم وأنت في بيتك مستلقيا…
فمن يحسن التعامل معها يا أمة اقرأ ….
فلنعد إلى القراءة والبحث والإبداع والمطالعة، ولنستغل الوسائل المعاصرة في كسب أكبر قدر من المعرفة، فكلنا نتحمل المسؤولية، فلنكن دائما أبدا، حاضرا ومستقبلا أمة قراءة، نعم أمة قراءة …
اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ، خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ، اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ، الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ، عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ، والحمد لله رب العالمين.