المقالات الإجتماعية

قراءة في معرض مسقط للكتاب: نسخة 2018م

مع معرض الكتاب: الإيجابيات والسّلبيات

مرّ الكتاب الورقيّ بمرحلة عصيبة من تأريخ وجوده في هذه البسيطة، حيث استطاع الإنسان على مر تأريخه الانتقال من النّقل الشّفويّ إلى التّدوين من خلال ورق النّخيل واللّحاء، وعلى الصّخور والعظام، إلا أنّ المصريين القدامى استطاعوا اكتشاف ورق البرديّ، فحدثت نقلة نوعيّة في نشر الكتاب، وهنا انتشرت دور الوراقين أو النّساخ.

والمرحلة الثّانية مرحلة اكتشاف الطّباعة على يدي يوهان غوتنبرغ [ت 1468م] والّتي أحدثت نقلة نوعيّة وكبيرة في انتشار الكتاب بصورة أوسع.

إلا أنّ الكتاب مر في تأريخه بمراحل كبيرة نافست حضوره وانتشاره، وأول هذه المراحل الصّحافة حيث كان لها حضورا كبيرا، إلا أنّها بإعلاناتها ساعدت على التّرويج للكتاب، ثمّ أنّ بعض الكتاب كانوا ينشرون كتابهم مجزءا في الصّحف والمجلات، أو العكس حيث حولوا هذه المقالات الّتي كانوا ينشرونها في الصّحف والمجلات إلى كتاب، كما فعل مثلا محمود أبو رية [ت 1970م] حيث حول بعض كتابه أضواء على السّنة النّبويّة إلى مقالات في مجلّة الأزهر.

كذلك نافست الإذاعة والتّلفزة الكتاب، إلا أنّها أيضا ساعدت على انتشار الكتاب أيضا، فاستطاع أن يحوّل بعض الكتاب برامجهم الإذاعيّة والمتلفزة إلى كتاب، كما فعل عبد الله الطّائيّ [ت 1973م] أو فعل محبوه، حيث حول بعض برامجه في إذاعة الكويت في الستينيات من القرن العشرين إلى كتاب الأدب المعاصر في الخليج العربيّ.

وحاليا ظهرت الشّبكة العالميّة، بما فيها بداية المواقع الالكترونيّة، ومن ثمّ المنتديات الالكترونيّة، فوسائل التّواصل الاجتماعيّ، إلا أنّ البعض رأى نتيجة انتشار الكتاب الالكترونيّ أنّه سيضعف الكتاب الورقيّ؛ بل حتى الآن النّتيجة عكسيّة، فهذه الشّبكة ساعدت في التّرويج للكتاب، وبيعه أكترونيّا، وكوكبت ما يجري ويكتب في العالم، وكأنّ العالم يعيش في قرية واحدة، ومن جهة أخرى أيضا تحول ما يكتب في هذا الفضاء المفتوح إلى كتاب، كما فعل ابن قرناس [معاصر] حيث حول بعض كتاباته ومحاوراته الفيسبوكيّة إلى كتاب الشّرعة والمنهاج في مجلدين كبيرين.

وعلى العموم الكتاب الورقيّ ظلّ ثابتا وحاضرا إلى يومنا هذا، ومعارض الكتاب في العالم ساهمت بشكل كبير في حضور الكتاب، وقوّة انتشاره، وتأثيره التّنويريّ.

فهذه المعارض من إيجابياتها اختصرت الطرّيق أمام الباحث والكاتب في الحصول على الكتاب بشكل ميسر، ثمّ أنّه يضمن انتشار كتابه في مستوى جغرافيّ أوسع، ليزيد عدد القراء، مع اطلاعه لكلّ جديد يكتب في تخصصه.

كما أنّ معارض الكتاب لم تكن فقط معارض شرائيّة وترويجية فقط، بل كانت معارض أيضا ثقافيّة وتنويريّة، لالتقاء الكاتب والمثقف والباحث فيها، مع ما يصاحبها من جلسات ثقافيّة وحواريّة وفنيّة.

إلا أنّ السّلبيّات أيضا حاضرة ليس في ذات الفكرة، وإنّما في عوارض الفكرة، إذ أنّ المجتمعات المستبدة والمنغلقة تخشى من انتشار الفكرة، والانفتاح عليها، لهذا تحاول أن توسع من دائرة الرّقابة، تحت مسميات متعددة، سياسية كانت أم دينيّة أم مجتمعيّة، من هنا يضيق الفضاء شيئا فشيئا.

كذلك أيضا من السّلبيات أن يضيق فضاء الحوارات والفضاءات المصاحبة للمعرض، ليتحول إلى برامج ليست بذات العمق والحرية الّتي تساهم في نشر الوعي، وتعطي للمجال الثّقافي قوته.

وأيضا ضعف العمل الإبداعيّ المشارك، وضعف مشاركة مؤسسات المجتمع المدنيّ، مقارنة بالمؤسسات الرّسميّة، وضعف حضور العمل التّطوعيّ.

بجانب ضعف الدّعم، والاستغلال الماليّ من الجهة المنظمة، ومن دور النّشر، وهذا يؤدي إلى ارتفاع الأسعار، وبالتالي صعوبة الحصول على الكتاب!!

وأيضا مصادرة بعض الكتب، وهذا بلا شك يؤدي إلى انتشارها وحضورها؛ لأنّ كلّ ممنوع مرغوب!!

ومن السّلبيات ما يعود إلى الشّاري؛ حيث لا يعرف التّعامل مع الكتاب، فتجده من البداية يشتري حتى يذهب جميع ما أعدّه من مال في فترة قصيرة، وهذا يحتاج له أن يحدد الهدف أو الأهداف قبل المعرض، فهناك من يشتري لأجل تنمية دراسته، وهناك من يخصص مجالا علميّا معينا، وهناك لأجل اقتناء الجديد، وهناك لأجل بحث أو دراسة، فهذا يحتاج له أن يحدد الهدف من البداية، ثمّ يحاول أن يمر على المعرض والاطلاع على الكتب، ثمّ تدوين ذلك مع الأسعار، ثمّ يضع حصرا حسب ماليته، ويقدّم الأهم فالأهم، إلا إذا خاف نفاذ نسخ الكتاب لقلّة عدده، وبهذا يكون قد حقق أكثر من أهداف من خلال المعرض!!

وعلى العموم الحضور الجماهيري إلى معارض الكتاب شيء يسر النّفس، ويبهج القلب، بغض النّظر عن الجوانب السّلبيّة، إلا أنّ الإيجابيات بلا شك أكبر، ومعرض الكتاب مرحلة مهمة في كلّ بلد، وحسن التّعامل معه، وفتح أكبر قدر من الحرية ودعمه؛ يساهم بلا شك في تطوره وتحقيق أهدافة.

وكما أنّه توجد معارض دوليّة، فجميل أيضا أن يكون هناك معارض على مستوى دول الخليج مثلا، يشارك فيها النّاشرون والمثقفون والكتاب الخليجيون، أو على مستوى بعض الدّول كعمان ومصر مثلا، ويصاحبها حضور ثقافي من الدّولتين، أو على المستوى المحليّ، ولو على سنوات، وهذا يساهم في التّذكير بأهمية الكتاب الورقيّ، وبما يحمله من معارف وإبداع وثقافة متنوعة!!

رسائل سريعة في نهاية معرض مسقط للكتاب

أسدل السّتار مساء الأمس السّبت 3 مارس 2018 عن معرض مسقط الدّوليّ للكتاب، وكان التّنظيم بحق رائعا، ونشكر سلفا الجهة المنظمة، وجميع الفرق المشاركة والمتطوعة، ومن لا يشكر النّاس لا يشكر الله.

وبحق المبنى الجديد للمعرض تحفة معماريّة رائعة، تليق بهذا الوطن، وتليق بالإنسان العمانيّ، حتى أصبح موضع ارتياح للجميع، فضلا عن نظافته وسعته وتكييفه وبهائه!

ومعرض الكتاب ليس فقط لشراء الكتاب، إلا أنّه ملتقى ثقافيّ وحواريّ، يجتمع فيه جميع الأطياف، ويكثر فيه التّعارف والحوار فيما يخص المعرفة والثّقافة، وهذا بحدّ ذاته يشكل مهرجانا ثقافيّا أكبر منه معرضا لبيع الكتب فقط!!

ومع التّنظيم الرّائع إلا أنني أدلي ببعض الملحوظات، قد تكون منطقيّة، وقد تكون دون ذلك، والرّأي ما تراه جهينة في النّهاية؛ لأنّها أخبر بالوضع والحال.

ومن هذه الملحوظات قضيّة الضّوضاء عن طريق مكبر الصّوت، ممّا يسبب أحيانا صداعا وتشتتا، ويمكن حلّها بسهولة وهو وضع شاشات كبيرة معلّقة، كالّتي مثلا في المجمعات الكبيرة، وفيها تكون إعلانات التّواقيع والأنشطة الثّقافيّة والأدبيّة، بحيث لا يستخدم المكبر إلا لضرورة كفقدان أو تجمع، وأن يكون مستخدمه عارفا في طريقة الإعلان؛ لأنّ بعضهم يصرخ بقوّة وكأنّه مؤذنا يصرخ في أذانه مع وجود مكبر صوت، ويذكرني هذا ببعثة الحج العمانيّة في مخيم منى، فكان النّاس يعانون من قضيّة إعلانات مكبر الصّوت، حتى تمّ حلّها في السّنوات الأخيرة، فارتاحوا وأراحوا، وأنا شخصيّا حضرتُ بعض المعارض في الوطن العربيّ وحضرت في قم بإيران، ولم أجد هذا الأمر عندهم، بل لا يكاد يستعمل أصلا إلا لضرورة!!!

الأمر الثّاني: وجود فضاءات مغلقة للمحاضرات والأنشطة الثّقافيّة والأدبيّة، لأنّ الضّوضاء لا تساعد بحال ولا تشجع على السّماع، مع الإكثار من فضاءات الورشات في مناقشة كتاب أو إبداع أو اختراع ونحوه، والورشات الخاصّة بتنمية الطفل كتابيّا وإبداعيّا.

الأمر الثّالث: خلق حالة من الحريّة والتّنوع في الأنشطة الثّقافيّة، لأنّها في الجملة نجدها تركز كثيرا على الجانب الأدبيّ والقصصيّ والشّعريّ والتّأريخيّ، بينما يقل الجانب الفكريّ والمعرفيّ والفلسفيّ والقضايا المجتمعيّة والفكريّة الحيّة والمعاصرة بصورة واضحة.

الأمر الرّابع: تشجيع الإبداعات الشّبابيّة المتطوعة، وتسهيل الحصول على فضاءات وأماكن لهم، وفتح أكبر من درجات الحريّة لهم، فهناك مبادرات جميلة، لكن للأسف لم يحصلوا على مكان لهم، فالتحقوا في بعض دور النّشر!!

الأمر الخامس: قضيّة دورات المياه متعبة، خاصّة وقت الزّحام، فهذه الدّورات في وضعها الحاليّ ممكنة في المجمعات كثيرة عدد الحمامات مع قلّة العدد، أمّا مع وضع المعرض فيحتاج إلى زيادة الدّورات، أو إعادة صياغة آلية وضعها!!

الأمر السّادس: وضع أكثر عدد من آلات السّحب أو الصّرف، فأحيانا يحتاج لك أن تصف في صف طويل حتى يصل دورك!!

الأمر السّابع: وضع أجهزة جانبيّة للبحث عن كتاب أو دور نشر، ومفتوحة للجميع، يسهل استخدامه وفي أماكن متقاربة.

الأمر الثّامن: مراقبة دور النّشر، فبعضها تبالغ في الأسعار بصورة خياليّة، فبالأمس سألت أحدهم عن كتاب لا يساوى ثلاث ريالات فقال بثمان ريالات، ثمّ بعد جدال خفض إلى خمس ريالات، ثمّ سألته عن بعض الكتب الأخرى، فوجدتهم يبيعونها بأسعار مرتفعة مع رداءة الطّباعة، ومع أنّ دور النّشر ليست أهليّة وإنّما تتبع مؤسسة، والأصل تكون مدعومة، فينبغي الرّقابة في الأسعار فيما يرفع الضّرر عن الجميع.

الأمر التّاسع: مسألة مصادرة بعض الكتب العمانيّة أرجع المعرض في حريته إلى الوراء، لأنّ الكلمة لا تصادر وإنّما تنقد، والّذي يخاف من الكلمة هو ضعيف في حقيقته، فلا يمكن أن تصادر الكلمة؛ وإن صادرتها من فضاء المعرض المحدود زمانا ومكانا؛ فلن تستطيع مصادرتها من الفضاء الواسع، بل أنت تزيدها شهرة وعمقا، وتسجل صفحة ليست جيدة في تأريخ المعرض وحريّة الكلمة في البلد!!

الأمر الأخير: أوجهه إلى مشروع المبادرة للطّلاب والباحثين عن عمل، وأود شكرهم على هذه المبادرة الجميلة، وجميع العاملين فيها بلا تخصيص، وهي ناجحة بلا شك، إلا أنّ العديد من الطلاب يعاني من ارتفاع أسعار الكتب العلميّة والتّخصصيّة، وإمكاناتهم ضعيفة في توفيرها، وهنا يمكن فتح المجال الماديّ مع أخذ التّراخيص، وبذلك يمكن التّنسيق معهم في شرائها أو دعمها من خلال ما يطلبونه مناسبا لهم، مع فتح الجانب الحالي في التّبرع بالكتاب أيضا.

هذه بعض الرّسائل والملحوظات، وغالبها جانبيّة تزيد الجمال جمالا، مع ما أسلفنا من الدّور الكبير الّذي قام به المسؤولون والنّاشطون في نجاح معرض هذا العام، فلهم الودّ والاحترام.

فيسبوك 1439هـ/ 2018م

السابق
تجميع المال بدون ترخيص: قانون الجزاء العمانيّ ولائحة الزّكاة نموذجا
التالي
عيد الميلاد وتهنئة المسيحيين به
– تنويه:

عدد من الصور المستخدمة للمقالات مأخوذة من محرك google

اترك تعليقاً