جريدة عمان 28 شوال 1445هـ/ 7 مايو 2024م
احتفى العالم ومنه العالم العربيّ في الثّالث والعشرين من أبريل الماضي باليوم العالميّ للكتاب وحقوق المؤلف، وهي ذكرى سنويّة تلتفت إلى الإبداع الكتابيّ، وتكريم المبدعين، وتحمل ضمنيّات حقوق المؤلف وإبداعه ونتاجه، ولكنّها عادة في بلداننا لا يلتفت إليها كثيرا، ولا تحمل ذلك الثّقل الاحتفاليّ والمراجعاتي لمثل هذه المناسبات السّنويّة.
والكاتب العربيّ، وبطبيعة الحال العمانيّ أيضا يمرّ بأكبر معاناة اليوم في الحفاظ على حقوقه من دور النّشر ذاتها، فدور النّشر – في الجملة – همّها الكسب الماديّ أكثر من النّتاج ذاته، وهي تكسب مرتين، من الكاتب ومن الكتاب، فالكاتب عادة يدفع مالا لنشر كتابه، قد يقترب أحيانا إلى ألفين وخمسمائة دولار إذا كان الكتاب متوسط الحجم وعدد الصّفحات، وكان في السّابق يخضع الكتاب لتحكيم في دور النّشر، ودور النّشر هي من تشتري حقوق التّأليف، وتباشر في توزيعه؛ لهذا هنا تجد الكتب في الجملة نوعيّة، ومن أراد التّأليف يسعى للوصول إلى هذه الدّرجة، وعليه حينها تجد الكتب النّوعيّة هي الغالبة، عكس ما نجده اليوم.
كما أنّ الكاتب مستفيد ماديّا مقابل جهده وصبره، بينما اليوم يخسر من جيبه لنشر كتابه، وقد يتسول لذلك من التّجار ورجال الأعمال والسّاسة، وفوق هذا يخدع ثلاث مرات من دور النّشر، المرة الأولى يقال له لك نسبة سنويّة من مبيعات الكتاب، لكنّه لا يحصل على شيء عادة، والثّانية أنّه في العقد يشترط أن يوزع الكتاب في المعارض العربيّة عموما، ولكن بعض دور النّشر لا تلتزم بذلك، فإذا كان الكاتب عمانيّا تكون الكتب العمانيّة حاضرة في معرض مسقط أو الشّارقة، وإذا كان الكاتب سعوديّا يكون الكتاب السّعوديّ حاضرا في معرض الرّياض، بينما المعارض الأخرى لا يحضر الكتاب عادة، إلّا صورة وهميّة تنشر في وسائل التّواصل أنّه حاضر في معرض دوليّ ما، إذا ما استثنينا إن كان الكتاب له شهرة بسبب مؤلفه أو موضوعه ويجرّ نفعا ماديّا، والثّالث إعادة تصوير طباعة الكتاب دون علم المؤلف، فمع نفاد الكتاب؛ إلّا أنّ المؤلف يجد النّسخ لا تنفد؛ وذلك بسبب إعادة بعض دور النّشر لطباعة الكتاب او تصويره دون علم المؤلف، فضلا عن السّوق السّوداء، والّتي تتضرّر منها دور النّشر الطّابعة للكتاب ذاتها.
ما أسلفتُ الحديث عنه لا يعني جميع دور النّشر، ولكن في نظري هي حالة غالبة؛ حيث الغاية أصبحت المال فقط، وهذا من حقّها لأنّها تجاريّة ربحيّة بدرجة أولى، لكن لا يعني هذا أن يصل الأمر إلى حدّ الاستغلال، والتّكسّب من جهود الآخرين، كما لا يعني هذا التّلاعب البصريّ حتّى من حيث حقّ القارئ والمشتري، فهناك كتب شبه منتحلة إن لم تكن منتحلة، يختار لها عناوين جاذبة، وهناك كتب – خصوصا الرّوائيّة – تحمل من الإثارة الّتي الغاية منها الكسب الماديّ وليس العمق المعرفيّ بما يعطي تدافعا نوعيّا وإبداعيّا في الجانب الكتابيّ والقرائيّ، وإن كنتُ – شخصيّا – مع التّدافع الكتابيّ، ولكن مع صورته النّوعيّة وليس الاستغلاليّة.
هناك من دور النّشر – بلا شك – تعتبر نموذجيّة تستحق الإشادة والتّكريم، وهي تقف مع نوعيّة الكتاب، وتشجّع الكاتب العربيّ، وتدعم المبدعين، وتحافظ على حقوقهم الفكريّة، إمّا شراء، وإمّا تعاقدا بين الطّرفين، وهناك دور نشر لا تنشر إلّا النّوعيّ المحكم، وهذا شيء ملحوظ، ولكنّه – للأسف – يتّجه إلى أن يكون الأقل في هذا الوضع غير الصّحيّ، إن لم يستغل مثل هذا اليوم العالميّ للكتاب وحقوق المؤلف في قراءة هذا الوضع، خصوصا من اتّحاد النّاشرين العرب، ومن أتّحاد الكتّاب العرب، ومن الجمعيّات والأسر المدنيّة، ومن مؤسّسات الثّقافة، وإلّا سيكون الوضع مأساويّا في المستقبل، فهناك انتحالات كتابّية ومعنويّة، وهناك حالة كبرى من الاستغلال من جهة، والاستسهال من جهة ثانيّة، ضرره القارئ العربيّ ذاته، حيث يصل إلى درجة من التّسطيح المعرفيّ، والاستغلال الماديّ، ممّا قد يوصلنا إلى درجة أنّ الّذي يبحث عن العمق المعرفيّ والنّتاج الجيّد كالّذي يبحث عن “إبرة في كومة قش”.
اليوم العالميّ للكتاب وحقوق المؤلف ليس حالة احتفائيّة أو تكريميّة مع قلّتها، ولكنّه في الوقت ذاته لابدّ أن يكون مصاحبا لحالة من المراجعات، فهناك تحدّيات قادمة مع وجود الذّكاء الاصطناعيّ، ممّا قد يزيد من درجة الانتحالات الرّقميّة، ويضعف البعد الإنسانيّ والإبداعيّ الذّاتيّ في جوهرها، فهذه من حيث الأصالة في الشّكل الطّبيعيّ ترفع من درجة الإبداع، لعظمة الطّاقة الإنسانيّة، لكن استخدامها بشكل سلبيّ قد تؤثر سلبا في الإبداع البشريّ، أو تعوقه بحالة من التّشرذم الانتحاليّ، والمعارف المسطحة والهامشية، حيث الغاية في الجملة المال، وليس العمق والإبداع المعرفيّ.
فنحن بحاجة اليوم إلى قوانين تحفظ دور النّشر ذاتها من السّوق السّوداء، أيّا كانت صورتها، ومن التّعقيدات في حريّات نشرها، ومشاركتها وحضورها في المعارض الدّوليّة، ومن القوانين الّتي هي بحاجة إلى مراجعات لتغيّر الظّرفيّة اليوم، حضوريّا أو رقميّا، ولتقارب المجتمعات العربيّة والعالميّة، حيث أصبحت المعارف لا خصوصيّة فيها، بل مفتوحة للكل، كما نحتاج إلى قوانين تحفظ الكاتب العربيّ من الاستغلال والانتحال وتسطيح المعرفة، وعلى هذا لابدّ أن يكون لاتّحاد النّاشرين العرب دوره الحقيقيّ المستقل من أيّ توجهات يمينيّة أو يساريّة، وأن يكون حافظا للكاتب والمبدع والنّاشر ولعقل ومال القارئ أيضا.