المقالات الإجتماعية

من يتحمل فواتير الماء والكهرباء في المساجد؟!!

اطلعت على رسالة لا أدري صحتها أنّ أحد الوكلاء بأحد المساجد تنازل عن وكالته؛ لأنّه سيكون المتحمل لفواتير الماء والكهرباء، وستكون باسمه، وفي حال تخلفه عن السّداد يتحمل نتيجة ذلك، بما فيه الفواتير الأخرى المسجلة باسمه!!!

وفي الحقيقة لا أدري الجانب التّنظيميّ لهذا، فجهات الاختصاص أولى بالحديث في هذا، الّذي يهمني هنا أنّ المساجد أصبحت – للأسف – ينطبق عليها الإسراف بل والتّرف في جانب الماء والكهرباء فضلا عن الجوانب الأخرى.

والإسراف الّذي جاءت المساجد للتّحذير منه أصبح لصيقا بها، ففي الصّيف الماضيّ ذهبنا لأحد القرى الصّغيرة لأداء واجب العزاء، وفيه مسجد لا بأس في حجمة، ونحن في الثّانية ظهرا وجدنا جميع المبردات (المكيفات) مشغلة، والمسجد في داخله بارد جدا، ولا أحد فيه، والمنطقة صغيرة جدا، وجميع المصابيح مفتوحة!!!

وفي نظري ليس الحلّ أن يتحمل الوكيل تبعات هذه الأخطاء بقدر ما هي قضيّة مجتمعيّة عامّة تحتاج إلى وجود حلّ من جهات الاختصاص.

وقبل سنتين تقريبا كنا راجعين من المملكة العربيّة السّعوديّة وفي الصّيف، وصادفتنا صلاة الفجر في دولة الإمارات العربيّة المتحدة، وكان الوقت حارا، وأتينا قبل الوقت بفترة، وطلبنا من العامل فتح المبردات فرفض لأنّ كلّ شيء محدد له في فتحه أوتوماتيكيا!!

وأنا لا أتحدث عن المساجد الّتي على الطّرق؛ بل الإشكاليّة في المساجد في القرى والأرياف والمناطق البعيدة عن طرق النّاس وممراتهم، فهذه بحاجة إلى إعادة صياغة في قضية الكهرباء، كأن توقت المبردات والإضاءة بوقت الصّلاة وتغلق بعد حين، أو يكتفى بعدد بسيط جدا وفي جزء من المسجد، أمّا ما نراه اليوم فلا يرضي الله فضلا أن يرضي العقلاء من النّاس!!

وما يحدث في الكهرباء ينطبق ذاته في المياه، وهذا تحدثت عنه سابقا في مقال ممكن الرّجوع إليه وقلت فيه: [واليوم نلاحظ يجلس الواحد فاتحا الصّنبور بقوة ويتوضأ بوضوء يكفي لصلاة جماعة من النّاس؛ بل لإرواء أمّة من العطشى والّذين لا يجدون الماء إلا بصعوبة في أجزاء من العالم.

إنّ الماء ثروة، وأصبحت المساجد اليوم تستهلك هذه الطاقة في تطبيق خاطئ للعبادة من حيث الإسراف الواضح في فتح الصّنابير، وعدم استثمار هذا الماء المستهلك ولو في تشجير المسجد ومنطقة المسجد، ولأنّ مساجدنا أساسا تخلو من ثقافة الحدائق والملاعب المرافقة لها!!

ونلاحظ أيضا الآن استخدام الصّنابير الّتي تدفع الماء بقوة، وصحيح أنّها بنفسها تتوقف عن الدّفع، إلا أنّ الماء المستهلك فيها بسبب سوء التّصرف، والمكوث طويلا للوضوء ليس قليلا.

فنحن بحاجة إلى جعل المسجد مدرسة للحفاظ على هذه الثّروة، وغيرها من الثّروات كالوقت والمحبة والمعرفة والتّربيّة الّتي يمكن أن يستثمر بها المسجد، لا أن يكون عالة بمثل هذه التّصرفات السّلبيّة] انتهى.

وعليه ممكن معالجة الأمر بطرق يتنافس فيها المبدعون لتحقيق أداء العبادة بدون إسراف، ويستفاد منه عمليا في تشجير المنطقة وإنشاء الملاعب والحدائق.

أمّا تكليف بعض الجوامع أو المساجد بذلك فهذا – في نظري – منطقيّ، فبعض المساجد دخلها كبير، وماليتها بيد الوكلاء، فهؤلاء ممكن أن يساهموا في تخفيف أعباء المال العام ولو بنسبة معينة من خلال مالية المسجد، ولكن بعض المساجد أشبه بالمساجد الفقيرة الّتي لا يكاد يتوفر فيها ريع.

وعلى هذا الحلّ في نظري:

أولا: إعادة النّظر في تراخيص بناء المساجد، خاصة في المناطق المكتظة بالمساجد، والاتجاه إلى بناء المدارس والنواديّ الثّقافيّة والصّوالين الرّياضيّة والفكريّة.

ثانيا: اشتراط وجود حدائق مع المساجد، يستغل فيه الماء المستهلك استغلالا إيجابيا.

ثالثا: النّظر في أموال وأوقاف المساجد واستثمارها في التّخفيف على المال العام خاصة في الكهرباء والماء، أو استغلالها سلميّا في تفعيل الجوانب المدرسيّة والرّياضيّة الملحقة بالمساجد.

رابعا: تفعيل المساجد الفقيرة _ إن صح التّعبير – وتوفير مشاريع لها استثماريّة لتعتمد، وتسهيل ذلك لتعتمد على نفسها بنفسها في مصروفاتها ومنها الكهرباء والماء.

خامسا: النّظر في المساجد القريبة على بعضها لغير حاجة، والاكتفاء بما يحقق الغرض، مع إيجاد الحلول لتفعيلها في جوانب أكثر خدمية للمجتمع، مع بقاء أصلها المسجديّ.

سادسا: إيجاد الإصلاحات المشار إليها آنفا بما يحقق النّفع العام.

وخلاصة ما سبق على رواد المساجد والمجتمع المسجدي أن يدركوا أنّه من  المتفق عليه عقلا وتشريعا أنّ الإسراف معصية للرّب قبل أن يكون مخالفة مجتمعيّة، وثقافة استهلاكيّة سيئة، وذلك انطلاقا من قوله سبحانه وتعالى: {يَا بَنِي آَدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ}.

ومن القواعد المقررة فقها أنّ المعصية لا تجتمع مع الطّاعة في وقت واحد، ولا تشغل الذّمة بنقيضين، والمساجد بيوت للطّاعة، وأن تكون خادما للنّفع العام، وليست العبرة في كثرتها بل في إحيائها بما يخدم النّاس مجتمعيّا، وهذا لا يتحقق إلا بالشّراك المجتمعيّ والحلول المجتمعيّة، وليست أن تجعل مباهاة أو تفاخرا وإسرافا…

فيسبوك 1439هـ/ 2017م

السابق
مقاطعة شبكات الاتّصال
التالي
من يملك التّأريخ العمانيّ؟
– تنويه:

عدد من الصور المستخدمة للمقالات مأخوذة من محرك google

اترك تعليقاً