لم تكن بيننا معرفة في الواقع، ولكن بيننا تواصل في ماسنجر الفيسبوك، وعلى الفيس نفسه، وفي الهاتف، وقبل أن يسجن اتصل بي كما اتصل بالعديد من الأخوة، وكأنّه يستشرف الوداع الأخير، ومن رسائله الأخيرة لي على الماسنجر: [لدي سلسلة من أمس، وستستمر على حلقات، وأريد رأيك فيها نقديا وانتقادا]، وقال لي وكأنّه يتحسر على التّعارف الحديث بيننا في الفترة الأخيرة: [وين ها الأيام، حرمنا من المعارف النّبيلة الّتي نستقي منها] وطبعا كلامه الأخير من تواضعه، وتشجيعه لتلاميذه، فهو اختلط بالجميع، ورغم مكانته إلا أنّه كان يشاور من أقلّ منه سنة ومعرفة وعقلا أمثالي.
كان الأصل أن نلتقي على الطّبيعة في صحار، ووعدني إن جاء مسقط سيرتب لقاء، ولعل القدر لم يرد ذلك، وبقي التّواصل على الهاتف والماسنجر، رحمه الله تعالى.
وشهادة لله ثمّ للتّأريخ إنّ الرّجل محب لربه ووطنه وأمته، وكره من أناس يدعون الدّين والإسلام وهم يمثلونه دين عنف وتطرف واستبداد وأنّه ضدّ الجمال باسم الرّب أو الإسلام، لهذا لما ادعى بعضهم أنّ الرّافعة الّتي سقطت على الحجاج فقتلت العديد: أنّها سجدت لله تعالى؛ قال تغريدته: طالما إنّ الله غير قادر على حماية بيته، وأسقط عليهم رافعته الّتي قتلت مسلمين!!
لقد خانه القلم أحيانا حيث أنّه مر بحالة نفسيّة بسبب البعض ونقاشهم وتعصبهم باسم الدّين، ولم يشفع له ما قال بعده من حب لله وكتابه وتدبره في بعض الآيات، وحثه على قراءة سورة الكهف مثلا يوم الجمعة!!
ثمّ ليكن هذا توجهه، فالرّجل لا يستحق كلّ هذا، فالله أعطاه حرية التّفكير والتّعبير والبحث والنّظر، ومعرفتنا له، ومعرفة العديد من الشّباب له عن قرب، يدرك مدى الحب الّذي وسعهم بأبوته لهم، وحبه لربه ووطنه!!
فأتعجب من البعض وكأنّه ضمن الجنّة وعرف المصير الإلهيّ، ينكر الدّعاء له بالرّحمة والمغفرة، مع أنّ الرّجل لم يخرج عن الدّين لنقول إنّه كافر، وحتى فقها لا يجوز تكفير المعين إلا من قبل الحاكم أو من ينوب عنه، وبعد نقاش، فبأي حق رفع الإيمان عن هذا الرّجل ومن رفعه!!
ثمّ أنّ الرّجل ليس بحاجة إلى دعائنا له أو عدم دعائنا له؛ لأنّه أقبل إلى ربه، والله تعالى عادل في حكمه، فهو العدل بين الجميع، ولكن من باب احترام الميت عدم إثارة مثل هذه الأمور، وهي أوسع قبل أن تضيقها المذاهب باسم الولاية والبراءة أو باسم التّكفير والتّفسيق!!
الّذي أرجوه أن يكون ذهاب البشام درسا لنا في مراجعة بعض الأمور، وأن ننطلق من الدّائرة الأوسع في تقبل الآخر، ومواجهته بالبرهان، ومعرفة رأيه وقوله، وتغليب دائرة التّحاور والتّناصح والتّسامح الدّاخليّ، مع مراجعة بعض القوانين، قبل أن تزيد الدّائرة وتتسع، ويكثر الخلاف والخناق الدّاخليّ، وهذا لا يرجوه أحد!!!
رحم الله البشام، وغفر له ولنا جميعا، فقد قدّم الكثير لوطنه، وما حدث في الفيس من ضجة خير شاهد لحبّ النّاس له…
فيسبوك 1439هـ/ 2018م