كتب عليكم الصّيام
لم يقل الله سبحانه في آيات الصّيام: كُتِبَ عَلَيْكُمُ (رمضان)، وإنما قال: كُتِبَ عَلَيْكُمُ (الصِّيَامُ)، فالصيام يحوي جميع مقتضيات المجتمع المسلم المتدرب على الصّيام (الإمساك) عن المباح في فترة زمنية ليتعود على الإمساك عن غير المباح؛ لأنّه صائم طيلة حياته.
فهو صائم بلسانه عن الكذب والنميمة والغيبة.
وصائم بقلبه عن الحقد والحسد والكراهية.
وصائم بماله عن السرقة والاستغلال والاحتكار.
وصائم بمنصبه عن الاستعلاء والخيانة والكبرياء.
وصائم بعلمه عن الاعتداد بالذات والبخل في نشر المعرفة.
وأما رمضان فهو شهر زمني مخلوق كغيره من الشهور، فهو مخلوق، والنظرة فيه إلى الخالق، والخالق فيه فرض الصيام، فهو ينظر ويعمل للخالق (الله) لا إلى المخلوق رمضان.
فهو بهذا لا يتوقف عن الصيام طيلة وجوده في الحياة.
تنكير المرض في آيات الصيام
نكر سبحانه المرض المبيح للفطر في قوله تعالى: {فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر} وكذلك السّفر.
ولم يبين ماهية المرض ولا السّفر، وأي مرض يبيح الفطر!!
والعلة في ذلك أن القضية نسبية تختلف من شخص لآخر، والمرء طبيب نفسه!!
ولهذا لا يمكن أن نقول هذا المرض يبيح وذاك لا يبيح، إلا إذا كان المرض قطعا يوجب الفطر، فيجب هنا الفطر.
فمرض الصداع مثلا يؤثر في البعض مالا يؤثر في آخرين.
وعليه ندرك التالي: أنّ الصيام طاعة، وأن الفطر إذا كان لمرض أو سفر يرهق الإنسان ويؤثر عليه أيضا طاعة لله سبحانه، لأنّ الله يريد بنا اليسر ولا يريد بنا العسر.
والسفر يعود ماهيته إلى الأعراف وتطور المواصلات وأدوات النقل، فهو مربوط في ماهيته بالتقنين البشري، ومرتبط في فطره بذات الشخص نفسه.
أخطاء سلوكية في رمضان
من الأخطاء في رمضان تصور البعض أنّ العبادات المثاب عليها تكمن في طقوس تعبدية محضة، فنجد التقصير في الدراسة والعمل والمجتمع، فيتصور أنّ رمضان عظمُته وجلالتُه مرتبطة بالابتعاد عن مظاهر الحياة، وهذا خلل كبير، فالمنافسة في أي خير ليتعود عليه بعد رمضان أمر مطلوب كالتعود على الابتسامة وإفشاء السلام وإزالة الأذى وحسن الظن بالغير .
بجانب الأمانة في التعامل وفي العمل والتي قد تكون شيئا قانونيا معتادا، أما في رمضان فيتحول من جانب قانوني روتيني يتخلله الرتابة والملل؛ يتحول إلى جانب تعبدي يتقرب به الإنسان إلى الله تعالى، ويسعى في صيامه أن يبذل قصارى جهده لتربية نفسه على الإخلاص والأمانة، ليعتاد على ذلك طول العام، من هنا يتشكل الجانب الحضاري الرفيع من الصيام في جميع مجالات الحياة، في البيت ومكان العمل والسوق بجانب المسجد.
فمن الخطأ أن يسهر ليله ولو في عبادة إن ترتب على ذلك تقصير في عمله نهارا؛ لأنّ الثاني أولى وأوجب وأكثر أجرا، لأنّ به عقدا مع المجموع، والأول محض اختيار، وإن جمع بين الحسنين بقدر لا يضر الأول الثاني فحسن، وإلا فالواجب أولى بالعمل، وأعظم ما يتقرب به في الصيام.
سرعة ذهاب أيام رمضان
المتأمل في رمضان يجده ينقسم ثلاثا، فالعشر الأولى والثانية والثالثة، وهكذا عمر الإنسان يتكوّن من ثلاثة مراحل أساسية، الطفولة والمراهقة ثم الشباب فالكهولة، وكما أنّ رمضان أيامه معدودة، وتنقضي بسرعة، فكذلك الإنسان مراحل عمره معدودة وتنقضي بسرعة فائقة.
ويجسّد هذا قوله تعالى: {قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ، قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَاسْأَلِ الْعَادِّينَ، قَالَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ}، وهذه الإجابة كانت من مجموع البشر، ولا شك أنّ الأعمار متفاوتة بين الناس حين فراقهم للحياة، فمنهم من مات وهو في العقد الأول من حياته، ومنهم في الثاني وهكذا، ولكن الجميع سيقول: لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَاسْأَلِ الْعَادِّينَ.
إلا أنّ إدراك قصر الأيام يجعل في الإنسان حافزا للاستغلال قدر الإمكان خشية ذهاب الأيام دون نتاج، فكذلك قصر الحياة يجعل من الإنسان في استثمار الوقت واستغلاله، لأن النتاج مربوط بحسن الاستغلال لا بطول العمر، فكم من أناس أعمارهم صغيرة إلا أنهم تركوا أثرا أكبر ممن أطال الله في عمره!!
وكم من دول لا تملك مواد الصعود، إلا أنها باستثمار الوقت، واستغلال الموجود فاقت على غيرها من الدول التي تملك من القدرة المادية في الأصل، حيث تفوقت عليها في فترة قصيرة جدا، ووفق إمكاناتها.
لهذا التذكير بقيمة الزمن مهم لأي رقي فردي أم جماعي أم حضاري، وهذا ما نستلهمه من شهر الصيام.
الصيام في السفر!!
تكثر الأسئلة حاليا هل يجوز أن أذهب لمسافة اثني عشر كيلوا مترا، أو خمس وثمانين كيلو مترا كما عند آخرين، وأفطر، لأني أكون بحكم المسافر، والله أباح لي الفطر في السّفر، وهذا ينطبق مثلا على سائق الأجرة لأنه يعيش في سفر!!!
والحقيقة أنّ الصيام في السفر من حيث أدبياته الروائية بحاجة إلى مراجعة قرآنية، فالسفر أولا لم يأتِ في القرآن تحديد مسافته ولا مدته، ولا بيان علته، فهو عائد إلى العرف حسب الزمان والمكان، ولهذا تنزل هذه الروايات إنزالا مكانيا وزمانيا حسب أعراف نزولها، والآلة المستخدمة فيها، ثم ما يسمى في هذا البلد سفرا قد لا يسمى في بلد آخر سفرا، كما أنّ الزمن ووسائل النقل تؤثر على ذلك، فما تقطعه البغال في فرسخين، غير ما تقطعه السيارة في المسافة نفسها.
وعليه السفر في نظري مُحددٌ بالنية وقصد السفر لمكان يطلق عليه عرفا أنه سفر حسب الزمان والآلة المستخدمة، أما مجرد الذهاب إلى مكان قريب ولو جاوز الفرسخين لا لقصد السفر وإنما ذهاب وإياب سريع، هذا لا يسمى سفرا ولا يأخذ حكم السفر في الصيام.
والإشكالية في السفر أنّ مجرد المكوث في مكان يبيح الفطر طال أم قصر هذا بحاجة إلى مراجعة، وقراءة النصوص الروائية قراءة قرآنية، لأنّ الأصل الصيام في الوطن أو السفر، صحيحا كان أم مريضا، وبما أنّه ليس كلّ مرض يُبيح الفطر؛ فكذلك ليس كلّ سفر يُبيح الفطر، فهذا عائد إلى تقدير الفرد، وإذا قلنا ليست العبرة من الإفطار المشقة، لزم هذا الكلام أيضا في السفر، وعليه المرض الشاق هو المبيح للفطر، وكذلك السفر الشاق هو المبيح أيضا، لذا كان البيان بعد هذا بقوله تعالى: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ}.
فالإنسان أمير نفسه إن كان السفر لقصد السفر يؤثر عليه ويرهقه كان له الرّخصة، ومن أخذ برخصة أخذ بطاعة، والرخصة يتقرب بها إلى الله كما يتقرب بالعزائم.
وهذا ينطبق على من يعمل مسافرا كسائق أجرة أو سائق شاحنة أو مضيف في طيران، أو كثير الترحال كعمل أو نحوه، فهو ينظر إلى نفسه، والرخصة عارضة والأصل الصيام، فإن ظنّ بذلك الإجهاد والتعب جاز له الفطر، وإن صام فخير، {وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ}.
وعلى الذين يطيقونه
هناك صنف من الناس يدخل عليهم رمضان ويسبب لهم مشقة شديدة، وليسوا مرضى أو على سفر، ومن هؤلاء:
-الكبير في السن.
-الدول التي يطول فيها ساعات النهار لدرجة يشق عند البعض الصيام.
-الحامل التي تخاف على جنينها والمرضع التي تخاف على رضيعها.
-العامل الذي لا يراعى حقه في الصيام أو بحاجة إلى العمل فيحدث له مشقة شديدة لا يتحمل فيها الصيام.
ولهذا بعد ما قال سبحانه: { فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ}، قال: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ}.
ليتناسب الحكم الآخر ويتناسق مع آيات الصيام، فهؤلاء عليهم الفدية إن لم يستطيعوا الصيام.
للمزيد من التفصيل حول هذا يرجع كتابي (أيام رمضان) اليوم السادس: وعلى الذين يطيقونه.
ثلاجة الماء في نهار رمضان!!
حدث بعض اللغط في وسائل التواصل وخاصة من جراء رأي في قضية غلق ثلاجة الماء في نهار رمضان، خشية انتهاك حرمة الشهر، وبطبيعة الحال مبدئيا نحترم هذا الرأي وقائله.
إلا أننا نؤصل المسألة على سبيل الاختصار لأننا رأينا عدم الإطالة.
ومنشأ الخلاف حول هذا في نظري قاعدتان الأولى أصولية، والثانية مصالحية، أما الأصولية فهي غير المسلم هل مطالب بفروع الشريعة، فذهب جمهور الأصوليين وأهل الأثر بمطالبتهم، واستندوا إلى ظاهر قوله تعالى: { مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ، قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ، وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ، وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ، وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ}.
إلا أن هؤلاء اختلفوا في الإلزام والإنكار، فغالبهم أنّ الدائرة فقط في البلاغ الدنيوي والجزاء الأخروي، أما غير المسلم أصلا خارج عن دائرة الإلزام إلا وفق شريعتهم ما لم يدخلوا الإسلام.
وذهب العديد من المتكلمين والمعتزلة أنهم غير مخاطبين رأسا بفروع الشريعة، لأنّ الأصل الدعوة إلى الأصول والفروع تبع للأصول، والآية لا مستند فيها، فالعرب وقت نزول الآية كانت من شرائعهم الصلاة والزكاة ومساعدة اليتيم والمسكين!!
وعموما من تأمل غالب رأي الفريقين يجد الخلاف لفظيا، وبالتالي لا يدخل في قضية المسألة التي نحن بصددها، لأنهم غير ملزمين رأسا ولو قلنا أنهم يدخلون في عموم الخطاب بالتكليف!!
وأما القاعدة المصالحية فهي قاعدة سدّ الذرائع، وهذه في نظري التوسع فيها بلا دليل تضييق في دين الله بلا برهان واضح، إلا ما دل الأمر الواضح على مضرته عقلا وواقعا ومجتمعا.
وعليه أرى أنّ هذه المسألة لا ينطبق عليها القاعدتان، والأصل لغير المسلم عدم الإلزام، فهو يصوم حسب شريعته، ومن حقه أن يأكل ويشرب، وكذلك الحال بالنسبة كما أسلفنا في الدرس الماضي لمن يجهدهم الصيام لسبب ما أو المريض والمسافر والحامل والمرضع والكبير سنا، ومن في حكمهم.
مع مراعاة المجموع، لأنّ شريعة الصيام في المجتمعات المؤمنة شريعة ظاهرة كالصلاة، وعليه ما يتعلق بغلق المطاعم ونحوها ممكن أن يقنن خاصة وبعض المدن عندنا في الخليج فيها جاليات كثيرة غير مسلمة، فضلا عن السواح.
بحيث تقنن بما يناسب الأمر في عدم الظهور، مع عدم المنع بحيث يكون فيها أماكن مخصصة لإفطار غير الصائم لسبب ما، أما إلزام الآخر بما في ليس شريعته فهو غير ملزم؛ لأنّ الدائرة التي ندور عليها البلاغ لا الإلزام.
وأما خشية أن ينتهك البعض حرمة الصيام فهذا لا قيمة له، فمن أراد ذلك فلن تمنعه المطاعم ولا المقاهي ولا ثلاجات الماء!!!
وعلى العموم – مع احترامي – لهذه الفتوى أو الرأي، إلا أنها جانبت الصواب، وهذا ينطبق على العمال غير المسلمين في الشركات أو المنازل حقهم في الإفطار في نهار رمضان وتوفير ذلك لهم حسب العقود، أو السماح لهم بذلك، كحق مبدئي في أصلة، مع مراعاة المجموع العام.
اضطرابات بعض دول الخليج ورمضان
شهر رمضان شهر الألفة والرحمة، وفيه تهدأ النفوس قليلا لتراجع بعض أوراقها، وتعيد النظر في صفحاتها، سواء على مستوى الفرد أم على مستوى المجموع.
واليوم تفاجئنا بالقطيعة بين بعض دول الخليج، بعد مهاترات إعلامية انقسم الناس فيها ثلاثة أقسام:
قسم يتبع دولته ويؤجج حسب ما تمليه سياسة الدولة ونظرتها، فما هو إلا من غزية إن غوت أو أرشدت.
وقسم ثاني لزم الصمت، وهم منطلقون من رواية عن النبي صلى الله عليه وسلم: فليقل خيرا أو ليصمت.
وقسم ثالث وهم قلة انطلقوا من أصل الإصلاح بين الأخوة والأشقاء، مستندين إلى قوله تعالى: إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم، وقوله سبحانه: لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس.
ولا أريد الدخول في هذه المهاترات التي لا نفقه كثيرا من جوانبها، وحتى لا نشعل النار أكثر مما هي عليه.
ولكني لأمانة الكلمة أطمح أن أرى العالم العربي عموما كأوربا في وحدته وألفته…
أعشق أن أمتع ناظري بمصر الكنانة، وشام العروبة، وعراق التاريخ، ويمن السعادة، وبلاد المغرب تونس وليبيا والجزائر والمغرب وموريتانيا أرض الأندلس والحضارة، والسودان والصومال وجزر القمر أرض الخضرة والنيل، ولا ننس فلسطين السليبة، أرض النخوة والبسالة.
ولست بمتدح أرض الخليج، إلا أنها قدمت الخير الكثير للوطن العربي في فترة تراجع فيه الوطن العربي، وأصابه من الفقر والحروب والتشتت والهوان.
ونحن بحاجة في هذه الفترة أن يمتد الخير الوطن العربي عموما، لنسافر من المحيط إلى المحيط، رافعي الرؤوس، آمنين في بلداننا وأموالنا وأنفسنا.
إن ما يحدث في الخليج حاليا نكسة نرجو أن تقف عند هذه النقطة، ولا تتطور، ولا نخسر بيوتا أخرى بعدما خسرنا العديد من بيوتنا.
وإني لأرجو من العقلاء من الكتاب والمثقفين ورجال السياسة والدين والأدب والفكر، أن ينطلقوا من دائرة الإصلاح، وأن يضيقوا دائرة الخلاف والشقاق، فعندنا قدس سليبة تنظر إلى من يخلصها من هوانها، وعندنا أمة عربية انتشر فيها الفقر والدمار والأمية والخراب تنظر إلى من يكون عونا لها لا خرابا.
وإذا كان هدف الساسة والمثقفين والكتاب المال والجاه، لا الإصلاح وتوحيد الصفوف، فكبر على هذه الأمة أربعا على الجمهور، وخمسا على قول البعض، وحينها لا نرجو أن تصحو من هدمت، بل سيتبعها من بقي، والذئب يأكل من الغنم القاصية!!
مع حملة عطاء
تشرفت يوم الاثنين الماضي 10 رمضان بحضور حفل إطلاق حملة عطاء للعام الثالث على التوالي، والذي تعده شركة النفط العمانية للتسويق بفندق جراند ميلنيوم بالخوير بمحافظة مسقط.
عموما أشكر دعوتهم وحفلهم وإعدادهم الرائع، إلا أن الأروع في نظري يتمثل في أمرين:
الأمر الأول: البعد المجتمعي للشركة، حيث خصصت من أغلب محلات (أهلين) التابعة لها، والنشيطة من حيث موقعها السوقي 10 بالمائة للأعمال الخيرية من كل محل.
وهي بذلك تقوم بمساعدة ومساندة المجتمع المدني كفك كربة أو إعانة خدمات المكفوفين أو غيرهم من الشرائح بمساندة الجمعيات في ذلك.
والانطلاق إلى البعد المجتمعي خاصة من الشركات مهم جدا، ليحقق التنافس العطائي في خدمة المجتمع والإنسان العماني خصوصا.
والأمر الثاني: أنها اهتمت بالجانب المعنوي، ولم تقتصر عند الجانب المادي، فركزت أن العطاء أيضا ابتسامة وسلوك حسن وعدم إيذاء الناس، والتواضع لهم ونحو ذلك.
ثم الجميل أنّها أحضرت من يعمل في الشركة، ليدركوا وهم يتعاملون مع الناس ويختلطون بهم لا سيما في مواقع البترول ومحلاته أنّ العطاء يكون أيضا منهم بالابتسامة وحسن التعامل مع الزبائن.
ولكم رأينا ممن يبيع في المحلات لكونه ليس صاحب المحل نرى جوههم مكفهرة، ينفرون ولا يبشرون، فمثل هذه المفاهيم التصحيحية للعطاء أصبحت ضرورة، ولكي يدرك الجميع أنه قادر على العطاء ولو بابتسامة، أو مساعدة، أو إزالة أذى أو نشر معرفة ونحوه.
هذا وقد كان مع الحفل الندوة المصاحبة والتي قدمها المذيع المعروف موسى الفرعي والداعية أحمد العبري، وأسهما في نشر المفاهيم الجميلة للعطاء.
وقد طلبت التعقيب وذكرت فيه أنّ شهر رمضان مدرسة للعطاء، وجميل أن يكون الحفل بهذا في رمضان، وقد قال الله تعالى فيه: {ومن تطوع خيرا فهو خير له} ونكر خيرا ليكون أي خير على الصحيح يتقرب فيه، كما أنه نكر الثواب لأنّ الثواب عظيم لا يدركه إلا الله تعالى.
ثم بينت ضرورة الحديث عن عطاء القلب، حيث للقلب إشراق يسقط على الناس، فلابد أن يفيض القلب بالحب للناس جميعا، ويتخلص من أمراض الحقد والكراهية والكبر والعجب والحسد ونحوه.
واقترحت أمرين:
الأول: توفير شاشة كبيرة مواجهة لمن يقوم بالتعبئة لاستغلال وقته، ولإرسال رسائل سريعة عن العطاء وأفلام معبرة، ليتحول إلى سلوك مجتمعي الجميع يشارك فيه.
والثاني: مراعاة من يعمل في المحطات، ففي الصيف يقتلهم حره، وفي الشتاء يقتلهم برده، وفي أوربا الناس هي من تقوم بالتعبئة، ويدفعون في الداخل.
ولهذا أقترح شخصيا هنا حيث ممكن في نظري إعداد غرف مغلقة ومكيفة كالغرف التي على الحدود، ويشجع صاحب السيارة أن يخدم نفسه بنفسه، وتكون الغرفة مفتوحة بالزجاج، ويقدمون الخدمة والمساعدة والدفع، أو ما تراه الشركة، وبهذا نقدم عطاء الرحمة لمثل هؤلاء العمال.
عموما أشكر شركة النفط العمانية على هذا الجهد الرائع، وأرجو أن يقتدي بهم ممن لم يفعل الدور المجتمعي من الشركات، وإن كان هناك من يقوم بمثله وأكثر فلهم الشكر أيضا.
مع الفطور الفيسبوكي الرابع
سدل الستار يوم الثلاثاء الماضي 11 رمضان 1438هـ عن المهرجان الفيسبوكي السنوي الرابع، على أمل تجدد اللقاء العام المقبل في عامه الخامس على التوالي.
من يرى هذا اللقاء الجميل لهذا العام يجده يتميز بثلاثة أمور:
الأول: أنه يتطور عاما بعد عام، وتستدرك أخطاء الأعوام السابقة، لأنه عمل بشري، وليس معصوما عن الخطأ، رغم أنّ الشباب يشتغلون عليه منذ فترة مبكرة.
الثاني: وجود الوجوه الشابة والصغيرة التي يدير هذا المهرجان، ومن شارك والتحق فيه، مما يعطي بعدا جميلا لمستقبل متنور يدرك أهمية المشترك واللقاء.
الثالث: الحضور الجميل والذي يزيد عاما بعد عام، وهذا العام أكثر بكثير من العام الماضي، والعديد قد أتى من محافظات السلطنة، ليلتقي بإخوانه.
هذا العرس والمهرجان السنوي بلا شك بعفويته يحدث الكثير من الإيجابيات، ويذيب عناصر الخلاف، ويقرب روح المحبة وهي الأصل مهما اختلف المختلفون، وهم يكتبون من خلف الشاشة.
واقترح في هذا المقام لو أنّ هناك تكريما سنويا لصفحات شبابية فيسبوكية مؤثرة وناتجة ومتطورة في جوانب مختلفة فكرية أو دينية أو علمية أو اجتماعية أو أدبية أو أي جانب آخر، ويكونون من الشباب أي في مقتبل العمر، وهذا تشجيع لهم على العطاء للإنسان والوطن.
عموما اللقاء كان رائعا، وشكري لمن ساهم ونظم، كما نشكر فريق تعاون مرة أخرى على الدعم والحضور، والشكر الأكبر لمن حضر وشارك مع إخوانه، خاصة والعديد منهم ملازم سنويا، بل بعضهم قال انتظر اللقاء سنويا وأحاول أن أرتب جدولي لأجله!!!
القرنقشوه والقريقيعان
هذه العادة في الحقيقة لا تستحق الوقوف معها كثيرا لسبب بسيط وهو أنّ العادات والأعراف ليست بذاتها محرمة، أو حقها المنع، ولا يدخل فيها مفهوم البدعة لأنها ليست زيادة أو نقيصة في الدين، ولكن حقها التهذيب وفق الأدبيات المجتمعية، وتبقى الأعراف كما هي.
في نظري غالب المجتمعات العربية والإسلامية يعطون أهمية لليلة النصف من رمضان، كما أنّ العديد أيضا يعطي أهمية لليلة النصف من شعبان، ويعود الاهتمام بليلة النصف من رمضان إلى رواية ضعيفة ولا يصح نسبتها إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقد تحدثت عنها في بحثي فضائل رمضان في التراث العماني قراءة قرآنية، وهي رواية أبي الديلمي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يكون في رمضان صوت، قالو: يا رسول الله، في أوله أو في آخره؟ قال: في النصف من رمضان، وإذا كانت ليلة النصف ليلة الجمعة يكون صوت من السماء يصعق له سبعون ألفا، وتخرس فيه سبعون ألفا، ويعمى فيه سبعون، وتنفتق فيه سبعون ألف عذراء، قالوا: يا رسول الله، فمن السالم؟ قال: من لزم بيته وتعوذ، بالسجود وجهر بالتكبير، قال: ومعه صوت آخر، فالصوت الأول صوت جبرائيل، والصوت الثاني صوت الشيطان لعنه الله، فالصوت في رمضان، والمعمعة وهو صوت لا يفهم في شوال، وفيه تميز القبائل في ذي القعدة، ويعاد على الحاج من ذي الحجة، والمحرم أوله بلاء على أمتي، وآخره فرج على أمتي، ولراحلة في ذلك الزمان ينجو عليه خير له من دسكرة تغل له مائة ألف درهم.
وعليه تجسد الاحتفال بعدة أعراف منها دينية كالدعاء وإحياء ليلة النصف من رمضان بالصلاة والذكر، ومنها مجتمعية كإقامة الولائم والصدقات الاجتماعية.
وعليه اختلفت تسميتها من مكان لآخر، ففي دول الخليج يسميها البعض القرقيعان وهذه التسمية شاعت في السعودية والكويت، وبعض دول الخليج يسميها الناصفة أو حل وعاد أو كريكشون أو القرنقشوه أو الطلبة، وتسمى أيضاً طاب طاب، وكرنكعوه أو كريكعان وتسمى أيضاً حق الليلة أو الماجينة، وهذه التسمية شاعت في الإمارات وعمان، والبحرين والعراق، بجانب السعودية والكويت.
وفي عمان الداخل لم يكن يعرفوا القرنقشوه إلا من خلال تأثرهم للذين بالساحل أو ممن هاجروا إلى عمان منذ زمن بسيط، وتركزوا في الأماكن الساحلية.
ولكن مع هذا شاع في الداخل بعض الاهتمام بهذه الليلة كأكل الحلوى تحذيرا من بعض التأثيرات السلبية التي قد تحدث، لذا يوجبون على الأطفال أن يأكلوا شيئا ولو بسيطا منها، وكذلك قضية الولائم.
عموما بغض النظر عن الأصل والمظاهر تبقى تدخل في دائرة الأعراف، والأصل في الأعراف الحل، فقد أصبحت عادة مجتمعية في بعض المناطق كالتهلولة مثلا في مناطق أخرى.
وشيء طبيعي الذي لم يتعود عليها أنه يباشر إلى الإنكار أو الاستهجان؛ لأن الإنسان وليد مجتمعه فكرا وطبعا، ويؤثر هذا على سلوكه وتصرفاته.
أما قضية التسول فلا أتصور ذلك لأنها فرحة للأطفال كالعيدية تماما، وقضية ظهور بعض التصرفات السلبية فهذا راجع إلى التفكير المجتمعي الذي بحاجة إلى توجيه، لأننا نرى ذلك في بعض المناطق والعديد من المناطق الأخرى لا يحدث عندهم هذا.
عموما قضية القرنقشوه لا ينبغي أن تأخذ حيزا كبيرا من تفكيرنا، فمن اعتاد عليها لا ينكر عليه ويوصم بالبدعة، ومن رفضها لا يوصم بأنه ضد الفن والمرح، كل يعمل على شاكلته، والعادات في الأصل تهذب لا تقمع وتبدع وتقصى، والله الموفق.
فيسبوك 1438هـ/ 2017م