في لقاء مع الدّكتور الفيلسوف مصطفى محمود ت 2009م، في حضور نخبة كبيرة من المثقفين والكتّاب، وعلى رأس هؤلاء المفكر الإسلاميّ محمد الغزاليّ ت 1996م.
في اللّقاء أشار الدّكتور إلى علاقته الحميميّة والكبيرة بالموسيقار محمد بن عبد الوهاب ت 1991م، وأنّه من أجل أصدقائه الّذين يسامرهم في الفكر والفنّ والثّقافة، وبين مدى تدينه وحبّه للخير والمعرفة، وتعصّبه للفنّ في الوقت ذاته، واعتباره للفن أنّه جزء من الوجود إذا أحسن التعامل معه، فهو قادر على تغيير العديد من المفاهيم العقليّة والمجتمعيّة.
الحاصل حينها أنّ مصطفى محمود أنهى ما يقارب ثمانين كتابا، مع الإقبال الشّديد إليها في سوق القراء، إلا أنّ مصطفى محمود بدأ خياله يثير بعض التساؤلات، وعلى رأسها هل هذه الكتب ستشفع له عند الله، وتقرّبه إليه سبحانه، وظلّ يتأمل في قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا، يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا، من هنا ظلّ يتأمل في الآية وحول الفرق بين القول والعمل.
ففزع إلى صديقه الموسيقار ليشاركه التّأمل والحوار في الآية، فحدث بينهما خلاف في الفرق بينهما، فيرى مصطفى محمود أنّ العمل هو الشّيء الملامس للنّاس كبناء المستشفيات لعلاج المرضى، وإطعام الجائع، وكسوة العريان، وبناء المؤسسات العلميّة، ومحو الأميّة، أمّا ما نؤلفه ونغنيه ونبدع فيها فهذه أقوال سديدة على افتراض أنّها سديدة، ولكن لا يغني ذلك عن العمل.
بينما يرى محمد بن عبد الوهاب أنّ الفن والتأليف عمل صالح، وهو في دائرة الأعمال الصّالحة.
ولكن هذا الحوار قد يراه البعض ساذجا، أو لا قيمة له، لكنه كانت نهايته أعمال قيّمة قام بها مصطفى محمود، وشاركه في ذلك ابن عبد الوهاب والعديد من المثقفين والمفكرين والفنانين ورجال الأعمال، ليحولوا رسالة المسجد من رسالة طقوسيّة إلى عمل صالح لا يقتصر عند القول السّديد.
ففي عام 1979م بدأ المشروع، حيث ضمّ المسجد بجانب رسالته الرّوحيّة، ومعالمه الاجتماعيّة؛ [ضم أيضا ثلاثة مراكز طبيّة، ومستشفى يهتم بعلاج ذوي الدّخل المحدود، ويقصده الكثير من أبناء مصر نظراً لسمعته الطّبيّة الجيّدة، وقوافل طبيّة تتكون من 16 طبيباً، وتتفرع من المسجد الجمعيّة الفلكيّة بمسجد محمود الشّهيرة الّتي تضم أربعة مراصد فلكيّة، و متحف للجيولوجيّا، و تضم أساتذةً يعطون دروساً في علوم الفلك والفضاء، ويضم المتحف مجموعة من الصّخور الجرانيتيّة، والفراشات المحنّطة بأشكالها المتنوعة، وبعض الكائنات البحريّة] ينظر: موقع ويكبيديا.
الخلاصة لا أريد مما سبق ذكره بيان ماهيّة التّفريق بين القول والعمل، ولكني يهمني هنا كم من أفكار أو أطروحات قد يراها البعض ساذجة اليوم، ولكنها قد تتحول يوما ما إلى مشروعات كبيرة، ثم التّأمل والتّدبر والاختلاء كثيرا ما يولّد طاقات وإبداعات تخدم الإنسان ككل.
فيسبوك 1437هـ/ 2017م