الحوارات

حوار جريدة عُمان التّحوّلات الدّينيّة في عُمان

1445هـ/ 2023م

أجرى الحوار: فيصل بن سعيد العلوي

عمان: للحديث عن التّغيرات التي طرأت في القيم والمعتقدات الدينية في سلطنة عمان، وكيف أثرت هذه التغيرات على المجتمع والثقافة؟

العبري: قلتُ في مقالة سابقة لي في جريدة عُمان حول التّحوّلات الدّينيّة في الخليج، ومنها عُمان: “التّحوّلات الدّينيّة في أنساق التّفكير الدّينيّ الخليجيّ ارتبط بحركة الاجتماع البشريّ في المنطقة، إلّا أنّ هذه التّحوّلات كانت بطيئة التّفاعليّة، وتفاعلت زمنا وفق: السّلطة والمجتمع، وفي العقد الثّاني من القرن العشرين، وبداية استقرار الدّولة القطريّة  تأثر الفكر الدّيني بشكل عام بالآتّجاه الاشتراكيّ، ونظرية الثّورة والعدالة الاجتماعيّة، كما أنّه تأثر بالخطاب الإسلام الحركيّ، ونظريّة الخلافة، بيد أنّه بعد حادثتي جهيمان والثّورة الإيرانيّة تمظهر الخطاب الدّينيّ في: أسلمة الدّولة، مع شيوع التّيارات السّلفيّة التّقليدية، وتزاوجها مع حركة الإصلاح والتّجديد تارة، واختلافها تارات أخرى، واليوم نتيجة الانفتاح على العالم، وظهور اتّجاهات تبلورت بصورة أكبر، فهناك تياران: تيار الأسلمة المتمثل في درجات من الخطّ التّقليديّ إلى الخطّ الإصلاحيّ والتّجديديّ، وتيار الأنسنة بتدرجه من: الأنسنة بمعنى الحاكميّة، والأنسنة في تأريخيّة الأحكام، وتيار يحاول المزاوجة بينهما تحت مظلة الأنسنة بمعنى العلليّة أو الذّائقة الإنسانيّة، وحركة الأنسنة لها اتّجهات رأسيّة، وإن كانت ليست أفقيّة بشكل كبير، إلّا أنّ اتّجاه الأسلمة بأفقيته لم يعد محصورا في الاتّجاهات السّلفيّة الحرفيّة والتّراثيّة، بقدر ما يوجد هناك تمدد أيضا في الاتّجاهات القرآنيّة والاتّجاهات العرفانيّة الغنوصيّة”.

وعلى هذا فيما يتعلّق بالقيم والمعتقدات، فلا نستطيع القول – في نظري – هناك تحوّل في القيم؛ لأنّ القيم أقرب إلى العام المشترك، سواء مطلقة كالعدل، أو مضافة كالعلم، ولكن التّحوّل أنّ الإنسان اليوم في الدّولة القطريّة المحصورة بهويّة معينة؛ لم تعد قادرة على خلق رؤية قيميّة في زاوية أو صورة محدّدة، فاتّسعت الصّور والعوالم في الدّولة القطريّة أو الوطنيّة الواحدة، كما أنّ هناك تحوّل في السّلوكيّات والأخلاقيّات المرتبطة بسعة القيم ذاتها، وارتباطها بالإنسان أكثر من ارتباطها بهويّة الدّولة القطريّة أو الوطنيّة، وهذا بلا شك سيؤثر في التّحول في العادات والتّقاليد، وربّما مستقبلا في اللّباس وطرق الحياة ونحوها، فما كان ينظر إليه بسلبيّة لن ينظر إليه لاحقا بسلبيّة، وهي حالة اجتماعيّة طبيعيّة، بيد التّحوّل اليوم سريع يلفت الانتباه من السّابق.

وأمّا التّحوّل في المعتقدات فنتيجة التّقارب بين المذاهب الإسلاميّة ارتفع حاجز التّوجس من الآخر بالشّكل الكبير، كما أنّ الجيل الجديد لم يعد معنيّا في جملته بتلك الاختلافات لما بعد الله، ككقضايا الصّفات ورؤية الله وخلق القرآن، والعديد من الجدليّات الكلاميّة الّتي شغلت العقل الإسلامي إبّان مرحلة الصّحوة، فاليوم ارتفع سقف التّساؤل والبحث إلى الأسئلة الوجوديّة الأولى، ونتيجة للانفتاح الكبير بسبب وسائل التّواصل الاجتماعيّ أو القنوات المرئية، والبودكاست، وحضور الكتاب الفلسفيّ والفكريّ والنّقديّ، أو الكتاب الرّوائيّ النّاقد للمجتمع والتّفكير، وبسبب الانفتاح نتيجة تعدّد الأسفار، والسّياحة في الأرض؛ كلّ هذا جعل التّحوّل سريعا في تقبل الآخر، كما خلق مزاوجة بين جيل سابق منغلق وخائف من الانفتاج على الأديان والتّوجهات الأخرى، وبين جيل متجاوز لذلك، إلّا أنّ التّحوّل يميل إلى الطّرف الثّاني بشكل سريع.

عمان: مسألة التحولات في العلاقة بين الدين والمجتمع : كيفية تغير العلاقة بين الدين والمجتمع، وكيف يؤثر ذلك على القيم والمعتقدات الدينية والثقافية في المجتمع العماني.

العبري: الدّين لا يمكن قراءته بعيدا عن الاجتماع البشريّ، بل هو نتيجة لتعامل الإنسان منذ القدم مع النّصّ، فالنّصّ غير متحرك بذاته، الّذي يحرّكه هو الإنسان بظرفيّته الزّمكانيّة، والاجتماع البشريّ مؤثر كبير في تعامل الإنسان مع النّصّ الدّينيّ، واليوم يوجد تسارع في عقلنة وأنسنة التّعامل مع النّصّ، والسّبب في ذلك هو التّحوّل الكبير في المجتمع، وهذا سيؤثر في تحولات السّلوكيّات المرتبطة بالقيم، والنّتائج المتعلّقة بالمعتقدات، وبالعادات والتّقاليد المشكلة للثّقافة بالشّكل العام.

عمان: التحولات في العلاقة بين الأجيال: مناقشة التحولات في العلاقة بين الأجيال وتأثير ذلك على القيم والمعتقدات الدينية والثقافية في المجتمع العماني، وكيف يؤثر ذلك على التفاعل بين الأجيال المختلفة.

العبري: الزّمن من حيث ماهيّته واحد لا يتغير،  فكل جيل يدور وفق سننيّة تدور عليها الأجيال السّابقة، لكن التّغيّر يحدث عندما يسارع الإنسان في كشف سنن الوجود، وسرعة استثمارها ومحاكاتها، وهذا ما حدث بعد أربع تحوّلات في سيرة الإنسان، إذا ما استثنينا كشفه للنّار واستغلاله للنّجوم في السّير، وقدرته في الإبحار وكشف العوالم الأخرى، إلّا أنّ هناك أربعة تطوّرات ساهمت في تطوّره، الأولى اكتشافه للكتابة والورق في العالم القديم، حيث حفظت معارفة، ونقلتها لشعوب أخرى، والثّاني كشف الطّباعة في القرن الخامس عشر الميلاديّ فأحدثت ثورة فلسفيّة وتنويريّة، والثّالث عصر الصّناعة في القرن التّاسع عشر الميلادي والّذي أحدث نقلة كبيرة في الاجتماع البشريّ، وأخيرا ما نعيشه اليوم من التّطوّر الإعلاميّ الهائل خصوصا في وسائل التّواصل الاجتماعيّ، والّذي نقلنا من الإعلام الجمعيّ الرّسميّ، إلى الإعلام الفرديّ الحر، هذا بلا شك سوف يعطي تحوّلا كبيرا بين الأجيال، وهذا ما نراه اليوم، فهناك تحوّل كبير بين جيلنا والجيل الجديد، وهذا التّحوّل لكونه منفتحا على العالم بثقافاته وأفكاره ومعتقداته، ولكونه حرّا عابرا للحدود المجتمعيّة والجغرافيّة، بلا شك تأثيره كبير جدّا حتّى على مستوى المعتقدات، فلم يعد الجيل الجديد رهين ثقافة محدّدة تقاس له، بل أمام ثقافات تتدافع حوله ويرى مصاديقها في الخارج تماما.

عمان: التحولات في العلاقة بين الذكور والإناث: يمكن مناقشة التحولات في العلاقة بين الذكور والإناث وتأثير ذلك على القيم والمعتقدات الدينية والثقافية في المجتمع العماني، وكيف يمكن التعامل مع هذه التحولات بشكل فعال.

العبري: التّحوّلات بشكل عام يشمل تأثيرها الذّكور والإناث، إلّا أنّه بسب الوضع الاجتماعيّ المغلق سابقا، والّذي قيّد أكثر حقوق المرأة، ورفعت من درجة ذكوريّة التّحكم لدى الرّجل؛ هذا التّحوّل جعل المرأة أكثر جرأة في المطالبة بحقوقها الذّاتيّة والسّياسيّة والاجتماعيّة، وأصبحت أكثر وعيا من السّابق، لهذا تطرح اليوم العديد من الآراء المتعلّقة بالمرأة، وبعضها جدليّة، على مستوى النّص الدّيني، أو على مستوى العادات والتّقاليد، كما أنّ الدّعوات الحقوقيّة والنّسويّة أصبحت أكثر شموليّة من السّابق، وتفرعت في توجهات مختلفة، وهذا بلا شك له آثاره في سرعة التّحوّل.

عمان: التحولات في العلاقة بين المجتمع العماني والعالم الخارجي: كيفية تأثير التحولات في العلاقة بين المجتمع العماني والعالم الخارجي على القيم والمعتقدات الدينية والثقافية في المجتمع العماني، وكيف يمكن التعامل مع التحديات الثقافية والدينية التي تواجه المجتمع العماني بشكل أكثر فعالية.

العبري: المجتمع العمانيّ اليوم أصبح مكشوفا على غيره، كما أنّ غيره مكشوف له، فلم يعد يعيش في عالم منغلق، فهو يرى العالم من خلال هاتفه وتلفاز بيته وصحافته وانفتاحه على الكتاب، كما أنّ مئات العمانيين يسافرون سنويّا، ليطّلعوا على ثقافات ومعتقدات متباينة، ومنهم من يستقر لدراسة أو عمل، وقد يتزوّج منهم، ويتطبع بطباعهم، وهناك مئات السّياح يأتون إلى عمان، وهم ليسوا ذواتا مجردة، بل يحملون ثقافاتهم كما نحمل نحن ثقافتنا لمّا نخرج، ومن الأجانب من يعيش معنا لدراسة أو عمل، وهذا طبيعيّ يحدث تحوّلات ثقافيّة في المجتمع، وهذا ما نراه في مجتمعنا العمانيّ، ويزداد بشكل أفقيّ واضح.

عمان: التحولات في العلاقة بين الدين والتكنولوجيا: يمكن مناقشة كيفية تأثير التحولات في العلاقة بين الدين والتكنولوجيا على القيم والمعتقدات الدينية والثقافية في المجتمع العماني، وكيفية التعامل مع تلك التحولات بشكل يحترم القيم والمعتقدات الدينية والثقافية المحلية.

العبري: التّكلنوجيا إمّا أن تكون وسيلة فهذه كما أسلفتُ ساهمت في سرعة التّحوّل بشكل كبير، خصوصا في الجيل الجديد، وإن كان المراد ما يتعلّق بالذّكاء الاصطناعيّ مثلا فهذه آثارها بدأت، ولكن هل سيكون تأثيرها على مستوى الوسائل، أم على مستوى التّغيير المعرفيّ والاجتماعيّ والثّقافيّ ذاته، وبالتّالي سيكون أثرها أكثر من الأولى، فهذا لا أستطيع التّكهن به، ولكن هناك العديد من التّجاذبات حول هذا.

السابق
المثققون المصريون وعلاقتهم بسلاطين آل سعيد في بداية القرن العشرين
التالي
الإباضيّون ومصر: التّعايش الدّينيّ والمذهبيّ
– تنويه:

عدد من الصور المستخدمة للمقالات مأخوذة من محرك google

اترك تعليقاً