1434هـ/ 2013م
بسم الله الرحمن الرحيم
إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا
لقد أرسل الله أنبياءه، وأنزل كتبه، وسنّ شريعته، ليقوم الناس بالحق، ويحكموا بالقسط، ويكونوا شهداء على النفس والغير، تأملوا معي يرعاكم الله قول ربكم: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا.
ماذا يطلب الله من العباد؟!!!
تأملوا معي يرعاكم الله….
القيام بالقسط أولا …
الشهادة لله ثانيا ولو على حساب النفس أو الوالدين أو الأقربين، فتنظر إلى الله ولو كان الحق يخالف هواك، ويعارض رغبات أحبابك وأقربائك.
وأما الثالث العدل وعدم اتباع الهوى …
والرابع عدم الإعراض عن هذه القيم والمبادئ لأنها من قبل الله تعالى.
سبحان الله … تدبروا في جمالها، إنها أسس عظيمة، لثقافة ما يسمى اليوم بثقافة الحقوق …
إنّ هذا الكون الذي يعيش فيه أفراد المجتمع، بكافة ألوانهم وأجناسهم، وتوجهاتهم ومشاربهم، يربط بينهم زمام ثقافة الحقوق، والقائمة على القسط والعدل والشهادة لله تعالى…
أين هذه المبادئ من مناهجنا وواقعنا، وما سر غيابها، وما نتيجة إهمالها، كل هذا ترونه عيانا، وتدركونه صباحا ومساء
تعالوا نتصور أي مجتمع يراعي ثقافة الحقوق …
انظروا إلى ذلك الموظف في أيّ جهة كان، يعلم أنّ هذه الوظيفة أمانة وكل بها، ومسؤولية لابد من مراعاتها، فلا يضيع ميثاق العباد، وينظر إلى الله قبل المخلوقين، لأنّ الشهادة لله أولا وآخرا، فلا يقرّب حبيبا، ليضيع أمانة من لا يعرف، فيكون عادلا قائما بالقسط ….
وتدبروا فيمن وكلّ مسؤولية كبيرة، كوزير أو شيخ أو محافظ أو نحوهم، إذا راعوا ثقافة الحقوق، ولم يستغلوا هذه المناصب لتحقيق مصالحهم الذاتية، بتقريب قريب، وظلم بعيد، بل أقاموها عدلا وقسطا، أمانة واهتماما، وراعو الشهادة لله وحده، فقدّموا مرضاة الله على مراضاة الأهواء والأقارب والشهوات والمناصب…
ثم تأملوا إلى الأستاذ مع طلابه، والزوج مع أزواجه، والأب مع أولاده، والتاجر مع رواده، الكل يحكم بالعدل والقسط، ويراعي ثقافة الحقوق، فلا يهضم الأستاذ حق أحد الطلاب لخصومة مع أهله، ولا يقدّم من لا يستحق لقربى أو حاجة فانية، وكذا الأب يقيم الشهادة لله في بيته، فيعدل بين أزواجه وأولاده، ويكون ناصحا مشفقا، والتاجر أيضا صادقا أمينا، ينظر إلى الله قبل المخلوقين، فهذه الشهادة لله تعالى.
أي مجتمع هذا، وأي أمة هذه، إنها لن تصنع حضارة فحسب، بل ستصنع مجدا تليدا، وحصنا مجيدا، جميع أبناءها يراعون ثقافة الحقوق، فالأمة للجميع، الكل سواء، الكفاءة عنصر التمييز لا غير؛ لأننا عما قليل جدا، وما هي إلا أيام بسيطة، وساعات معدودة، وجميعنا سيقف بين يدي الله سبحانه وتعالى للحساب، سنحاسب جميعا عن ثقافة الحقوق، ويوم الحساب اقترب من العباد، وهم عن هذا اليوم العظيم غافلون …
فيا عبد الله … ألم تسمع قول الله : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا…
ماذا سنقول لله إذا قصرنا في أمانة الله تعالى …
لا إله إلا الله إذا أعطيت الأمانة لقوم فخانوها، وجعلوها قنطرة لمصالح ذاتية، إذا سكت العباد عن حقوقهم اليوم، فهل سيسكت رب العباد يوم الميعاد، وماذا سيواجه الربّ حينها؟
إن غرس مفهوم ثقافة الحقوق، وتنميتها في المجتمع مسؤولية الجميع، الكل مسؤول عن ذلك،
آن لنا أن نتخلص من ثقافة الأنا …
آن لنا أن نتخلص من ثقافة المصالح الذاتية …
آن لنا أن نخلص قلوبنا من الغل والحسد، والكبر والغرور
آن لنا أن نحقق البعد الجماعي ….
نعم يا عباد الله … المجتمع للجميع … لا تمييز فيه ولا تفضيل … لا تقريب فيه لقريب أو حبيب …
الكل يسير في دائرة الجماعة، ووفق المصلحة العامة … ووفق القانون والمبادئ العادلة …
فالله خلقنا للجماعة ولم يخلقنا للذات، فهذه الصلوات لماذا شرعت في جماعة ألا يكفي أن نصليها في بيوتنا؟
وشهر رمضان لماذا نصومه جميعا، ولماذا نفتتح أعيادنا بالتجمع في المساجد والمصليات …
لماذا يا عباد الله، أليس لتحقيق البعد الجماعي، وهو عمدة ثقافة الحقوق ….
هل يكفي في المسجد فقط أن يصلي الإنسان ولا يعرف إخوانه وجيرانه،
هناك من يعيش في القصور وهناك من لا يجد غرفة يسكن فيها؟
هناك من يبذر الأموال وهناك من يبيع عرضه لقوت أهله ولو ليوم واحد؟
وهناك كثير كثير، ينبغي للمجتمع جميعا كما استجابوا لله في الصلاة، أن يستجيبوا لله في تحقيق البعد الجماعي للحقوق.
الله جعلكم أخوة، لا أحد أفضل من الثاني، فلنكن صفا واحدا في تحقيق العدل، وإنزال القسط، وأن نكون شهداء لله، نعم شهداء لله وحده، الشهادة لله وحده، لا للجاه ولا للمال، لا للمنصب ولا للذوات، لا للأحباب ولا للأقارب …
شهادة الله للجميع، هو رب الجميع، وما في الكون ملك لله، فلا تنسوا الله عباد الله، فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ.
ومن الشهادة والقسط لله تعالى العدل في المحاسبة والرقابة، فما نشرته وسائل الإعلام المحلية من انتهكات وسرقات في شركات المصدر الرئيسي بالبلد، ومن انتهاكات في توزيع الأراضي؛ أن تقوم الصّحافة بدور الرّقابة لأمر حسن جميل.
فمن العدل والقسط والشهادة لله سبحانه الرقابة للجميع وزيرا كان أم عاملا بسيطا، غنيا أم فقيرا، والحساب على قدر الجرم لا على قدر الشخص، فالناس سواء في الثواب والعقاب …
إنّ العدل صيرورة المجتمعات، واستقرار الأمم، وتقدم البلدان، واطمئنان النفوس، ما وجد في مجتمع إلا زان، وما رفع عن أمة إلا شان، وإن الله ليرفع الأمة العادلة بين الأمم ولو كانت كافرة، ويسحق الأمة الظالمة ولو ادعت الإسلام…
إنه العدل، وما أدراكم ما العدل، ميزان الله في الأرض، والله هو العدل المطلق الذي لا يظلم أحدا أبدا يوم الرجعى …
فيا عباد الله تذكروا دائما أنكم لا تعيشون لأنفسكم، بل لأخوانكم وأمتكم، وأنكم لا تبنون لكم فقط، بل لأبنائكم وأحفادكم، فهلا أعطيتم الأجيال القادمة مثالا عظيما يقتدون بكم، ويجعلونكم نورا يستظيئون به لمواصلة البناء والتعمير، وتحقيق حق الجميع من عدل وقسط وشهادة لله تعالى ….