أناقش هذه القضيّة لا من باب إثارتها، وقد هيأ الله من عباده ولو كانوا غير مسلمين من يزيلها ويخلص البشرية من استعباد الإنسان لأخية الإنسان!!!
لقد أردتُ منذ فترة إثارة الموضوع، ولكن رأيتُ اليوم الجو بحمد الله أكثر تهيأ لاستقبال الرأي الآخر، وبدأت المجتمعات العربية تنفتح على بعضها، ومنها المجتمع العماني.
في البداية الله تعالى شاء أن يخلق الإنسان مختلفا في لونه وقامته وقوته وجماله ولغته وما شابه ذلك، إلا أنّ هذه التعددية عرضية أي ليست ذاتية، وإنّما الذاتية هي أصل الإنسان وكرامته، وقد ذكرت في أكثر من مناسبة العديد من الآيات في هذا الجانب ولذا لن أتطرق اليوم إليها للاختصار.
وعليه كون الإنسان أبيضا أو أسودا قضية عرضية لا قيمة لها أمام ذاتية الجنس البشري، والأصل الإنساني.
من هنا كانت الحرية متعلقة بذات الإنسان وليست متعلقة بدينه أو لغته أو فكره أو لونه، فالاستعباد قتل لهذه القيمة الأصلية، وهذا ما جاء القرآن لإبطاله.
فقد قص الله علينا قصة موسى مع فرعون، وأنّ موسى جاء لتحرير الناس من الاستعباد الذي وضعه فرعون وقومه، وذكرُ الله تعالى لهذا ليس فراغا أو تسلية وإنما إشارة لهذا المنهج في تحرير الناس من الاستعباد، أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ.
ولذا أستطاع النبي محمد صلى الله عليه وسلم من تحرير العديد من الناس، وعليه جعل الله من ضمن الكفارات والعقوبات تحرير الرقاب، وجعل الأسير له حالتان: فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا، أي إما أن يطلق سراحه أو يفدى بمال أو أسير آخر في صف العدو، وتعليق المن بالاستعباد سببه التفسير التأريخي للنص.
والسبي بهذه الصورة لم تذكر في القرآن الكريم، وإنما جاءت الإشارة إلى العبيد وما ملكت أيمانكم، وهذه الحالة متعلقة في صيرورة تحرير الناس في القرآن، لذا جعل الله تعالى لهم حقوقا، وضمن كرامتهم الإنسانية حتى يتم تحريرهم كاملا.
وفي السابق لا توجد دول مدنية بالمعنى الحالي، لذا كان مفهوم (الولاء) وهو يساوي اليوم مفهوم الجنسية أو المواطنة، وليس بالشريطة كونه عبدا بالمفهوم التقليدي، وإنما قد يكون من قبيلة أخرى ينظم إلى قبيلة أقوى فيكون متجنسا فيها أي مولى، وهذا يحدث كثيرا خاصة مع انعدام الوضع الأمني، وانتشار الحروب الأهلية، وسرقة الأطفال والنساء، فينتسب العديد من الناس إلى القبائل الأقوى لحفظ أنفسهم ودمائهم، ومنهم من ينتسب إليها بالولاء.
والنبي على حروبه لم ينسب إليه أنه قام بالسبي إلا في حادثة بني قريظة وحيث سبى النساء والأطفال، وقطّع رؤوس الشباب والرجال المقاتلة، فأنا شخصيا وقد قالها من قبلي من قال في كذب هذه الحادثة، والتي تريد تشويه صورة هذا النبي، وتبرير ما تفعله الجماعات المتطرفة ورجال الساسة قديما وحديثا، فهذه الرواية محكومة بنصوص القرآن، ولعل القدر يجعل لنا حظا ونصيبا في دراسة الحادثة قرآنيا وتأريخيا.
ومن هذه الروايات رواية: أصبنا نساء من سبي أوطاس (غزوة حنين)، ولهن أزواج ، فكرهنا أن نقع عليهن ولهن أزواج، فسألنا النبي صلى الله عليه وآلة وسلم، فنزلت هذه الآية: والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم، [ قال ] فاستحللنا فروجهن، والله المستعان.
ففي غزوة بدر لم يسب النبي أحدا مع وجود النساء، ومن الأسرى من قيده حتى يعلّم المسلمين القراءة والكتابة ثم يطلق سراحه، بينما يقول الرواة أنه سبى بني قريظة، وعليه خلص التأصيل الفقهي كخط عام (أي مع الخلافات أحيانا في الخط أو الجزئيات) إلى سبي أهل الأوثان ومنهم من استثنى قريشا على اعتبار حادثة بدر، وكذلك سبي أهل الكتاب، على التفصيل التالي:
– الرجال من أهل الأوثان غير الكتابيين لهم حالتان الإسلام أو السيف أما النساء فيلحقهن السبي، ومنهم من استثنى قريشا كما أسلفنا أعلاه.
– الرجال من أهل الكتاب ومن قيس عليهم كالمجوس اختلفوا فقيل يشملهم السبي، وقيل الجزية أو الإسلام، أما النساء فالأشهر جواز سبيهن ولو كتابيات.
وعليه انحرف الخط القرآني الذي في أصله كان متجها إلى تحرير العباد من استعباد الأمم والشعوب، انحرف إلى تفسيرات تدعو إلى استعباد الأمم والشعوب، وعليه زاد معدل الاستعباد، وزادت الجواري والسبايا، وانتشر العبيد، وكثر سوق النخاسة أكثر من السابق، وتشعبت التقعيدات الفقهية، فصارت أبوابا خاصة للعبيد والإماء.
والإشكالية ليست في هذا بل في سؤال وجيه طالما راودني كثيرا عندما أنظر مثلا في بلدي واليمن والجزيرة العربية وغيرها ممن يتهمون بالعبيد أجد غالبهم سودا!!!
ومن المعلوم أنّ السود بطبيعتهم أكثر ألفة من البيض، ثم ما هي الحروب التأريخية مع السود مقارنة بالحروب التأريخية مع البيض؟!!!
لقد سكن العمانيون واليمنيون والهنود في القارة السوداء، واختلطوا بأهلها، وتزاوجوا، وتكونت لغة جديدة هي اللغة السواحيلة المختلطة من أكثر من مفردات لغوية!!!
فكيف أجيز بيع هؤلاء في سوق النخاسة ويوردون إلى الجزيرة العربية وسائر أنحاء العالم، ونجد الفقهاء والعلماء والساسة والقساوسة يملكون عشرات العبيد، ويبيعونهم ويشترونهم، ألم يسأل هؤلاء انفسهم: من أين أتى هؤلاء؟ وما الحرب التي وقعت لاستعبادهم؟!!!
وعليه ندرك الآن الخلل الذي استعبد فيه بلال وزيد وياسر وسمية وعمار وسلمان الفارسي، فلقوا الحرية عندما كان الخط القرآني غالبا فحررهم وصاروا قادة في المجتمع، وبين الخط الفقهي عندما ابتعد عن القرآن فكثر العبيد ظلما، وكان الضحية السود والله المستعان.
وعليه النظرة الاستعبادية للسود سببها النظرة الاستعلائية للبيض التي لم تخلو منها حتى المجتمعات المتقدمة إلى اليوم كما في أمريكا مثلا!!!
ثمّ لولا القانون المدني الصارم لعاد الوضع كما كان، لأن العديد مستفيد من ذلك ماليا وجنسيا، حتى جعلوا العبد مالا يباع ويشترى ويورث، فضاعت قيمة الإنسان الذاتية!!!
وقد تطرقت آنفا إلى قضية الولاء وهي لا علاقة لها بقضية الاستعباد، فهي قضية تنظيمية يقابلها اليوم كما أسلفت نظام الجنسية، وعليه استخدام هذه العبارات اليوم لا قيمة لها، لأن القبيلة فقدت صلاحيتها، وأصبحت القيادة والهيمنة للقانون والدولة تحت ظل المواطنة ونظام الجنسية المتبع عرفا ونظاما.
والقضية الأخرى قضية الكفاءة، والكفاءة من حيث المجموع الناس سواسية في أصل الخلق، وما جاء من روايات كقولهم الناس أكفاء إلا أربعة: المولى، والحجام، والنساج، والبقال، فهذه المرويات لا قيمة لها وكرامة الإنسان الذاتية.
وهو ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم عندما أمر بتزويج زيد من قرشية وأكده القرآن الكريم ليبطل ما اعتاد عليه الناس، ومع هذا يمكن أن نقسّم الكفاءة في التأريخ والواقع إلى:
– كفاءة دينية، فلكل دين نظامه، فالمسلمون مثلا لا يجيزون الزواج من وثنية وهكذا عند الملل الأخرى، وقد دخل في هذا تأريخيا الكفاءة المذهبية في الدين الواحد.
– كفاءة عرفية تعود إلى أعراف الناس وبلدانهم، وهذا أكثر وجودها وتفريعاتها في الفقه الإسلامي.
– كفاءة شخصية ويدخل فيها المنصب والمال واللون.
– كفاءة قانونية كما يقنن اليوم في منع الزواج من الخارج إلا لسبب.
الحاصل أنّ الكفاءة في القرآن ذاتية ترجع إلى الناس وأعرافهم ولم يتدخل فيها، ولا تنسب إلى الله تعالى.
وعليه قضايا الزواج قضايا مجتمعية وعرفية، وأخيرا قضية شخصية وأسرية، ولا علاقة لها بلون الإنسان أو صنعته، ولا ينسب ذلك إلى الله، بل يعود إلى الرضا الشخصي والمجتمعي.
وإنما الله تعالى جاء لبيان كرامة الإنسان، فالرجل الأبيض والأسود سواء، ولا أحد يعلو على الآخر بسبب لون أو منصب أو جنس أو مال، فالكل سواسية، هكذا خلقهم الله، والله أنزل كتبه وأرسل رسله لتحرير العباد من الاستعباد إلى عبادة رب العباد وحده سبحانه، وما جاء بعد ذلك إنما صنعته أيدي البشر، ولا علاقة لله ورسله بذلك، ولا ينسب إلى دينهم ومنهجهم.
فيسبوك 1436هـ/ 2016م