أطّلعت على منهج الدّراسات الاجتماعيّة للصّف الخامس الابتدائيّ عندنا، وفيه يعلل معدّ الكتاب أنّ سبب عدم وجود الصّور والتّماثيل في العهد العباسيّ وصدر الإسلام، والاقتصار على النّقوش ونحوها هو أنّ الإسلام يحرّم ذلك!!!
في حين أنّ وزارة التّربيّة ذاتها أعدّت مادّة الرّسم، وفيها يُعطى الطّالب حريته في الرّسم، وقد يطالب برسم ذوات الأرواح، أو تشكيلهم عن طريق بعض المواد، ممّا يقع الطّالب في ازدواجيّة: كيف يحرّم الإسلام رسم وتشكيل الأرواح، وهنا نعلّم ذلك أو حتى نطالب به!!
الأصل – في نظري – في واضعي المناهج أن يكون دقيقا؛ لأنّ الخطأ قد يولّد ازدواجيّة تربوية، تجعل الإساءة إلى الإسلام نفسه!!!
في الحقيقة لا يوجد دليل قطعيّ على تحريم رسم ذوات الأرواح أو تشكيلها كتماثيل؛ بل الله تعالى امتدح أمة سليمان بقوله تعالى: [يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ اعْمَلُوا آَلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ].
وإنّما الخلاف سببه الأدلة الرّوائيّة التي جعلت النّاس يختلفون بداية في قبولها من رفضها، ثمّ من قبلها جعلها بعضهم معللة إمّا بعليّة التّدريج لقرب العرب من الأوثان [مع تحفظي لهذه العبارة]، ثمّ لمّا انتشرت رسالة التّوحيد أصبح لا خوف في ذلك، أو معلّلة بمنع المضاهاة في الخلق، فإن لم يرد ذلك جاز، والبعض أخذ بحرفية النّصوص الرّوائيّة وجعلها في ذاتها محرمة.
ولما نتأمل هذا الخلاف ندرك أنّه ليس عائدا إلى الإسلام وإنما إلى الاجتهاد الفهمي لبعض النّصوص الرّوائيّة أو حتى بعض الآيات، فهو خلاف اجتهاديّ، وليس تشريعا قطعيّا محددا، والخلاف ينسب إلى البشر، لأنّ الإسلام استسلام لقطعيات واضحة لا تحتمل الخلاف في الجملة.
ولهذا العديد من الآراء ليس سببها النّص بل فهم النّص؛ لأنّ النّص بغض النّظر عن قطعيّة أو ظنيّة ثبوته، إلا أنّ المساحة الدّلاليّة للنّص قد تكون مغلقة في أحيان قليلة ومفتوحة في أكثر الأحيان.
من هنا ما كان واضحا أو يسقط عليه الأدلة الواضحة سقوطا بشكل يشمله كليّا يصبح هو الإسلام؛ لأنّها نسبة إلى الله، ليستسلم له العبد، فتحريم السّرقة مثلا في التّرك، والحكم بالعدل في الإيجاب، هذان إلزامان دلّ عليهما النّص القطعيّ في الثّبوت، مع التّرك الزّمانيّ في التّعامل القانونيّ، وفهم لوازم ذلك متعلقات التّشريع.
ولهذا الأصل دائرة الإسلام في التّشريع العام دائرة مغلقة، وفي الإنزال دائرة مفتوحة لصيرورة الحياة، فما دلّ عليه الإسلام في خطوطه الكبرى كان هو الإسلام، وما فهمه البشر في الإنزال كان إنزالا بشريّا يدخل في الاجتهاد البشريّ الّذي بذاته يقبل النّقد والتّطوير وفق الزّمان والمكان، وتطور الآلة الاجتهاديّة ذاتها لتطور العقل البشريّ ومعارفه.
ممّا تقدّم في نظري يجب الحذر من نسبة الثّقافة المجتمعيّة والاستنتاجات البشريّة إلى الإسلام كقولنا البنوك الإسلاميّة أو اللّباس الإسلاميّ أو الغناء الإسلاميّ ونحوه، ممّا يدخل في جملته إلى الاجتهاد والإنزال البشريّ.
وهناك فرق كبير بين الإسلام وبين ثقافة المجتمعات المسلمة؛ لأنّ الأول نسبة إلى الله، وهذا يحتاج إلى دليل قطعي أو قريب منه واضح، وبين الثّقافة الّتي هي واسعة، ويدخل فيها الجوانب الخارجيّة كالزّمان والمكان والأعراف والمصالح وغيرها.
والتّفريق يخلّص العقل المسلم من الازدواجيّة، فلا ينسب التّناقض إلى الإسلام، ولا يجعل الإسلام ينقض بعضه بعضا، فيتهم دين الله بالتّناقض والبداء المرتبط بالبشر زيادة أو نقيصة؛ لأنّ التّشريع في الأصل بيد الله تعالى، والتّشريع البشري قائم على الإنزال والفهم والاستنباط لا على الوحي؛ لأنّ الوحي تمّ بإكمال الدّين.
ولهذا صحيح العبارة أن نقول إنّ الثقافة المسلمة، أو ثقافة المجتمع الإسلامي ترى آنذاك التّشديد على الصّور والتّماثيل، وليس الإسلام، مع احترامي سلفا لمعد الكتاب.
فيسبوك 1438هـ/ 2017م