يعلم الشارع العماني قبل أحداث 2011 عندما ارتفعت الأسعار خاصة في بدايات الألفية الجديدة، وارتفع الإيجار، ولا يوجد متنفس، وزاد مطالبات الناس بوجود بديل.
ولاشك البعض يتصور أو العديد أنّ الحل هو في البنوك الإسلامية، فكان الضغط على مؤسسة الإفتاء خصوصا، لكونها الجهة الرسمية، وهي حاولت مشكورة في إيجاد بديل يخرج الناس من هذا البلوى فكان بنك مسقط حيث فتح أول نافذة إسلامية والتي سميت لاحقا بميثاق، ومعدل نسبة الإيجار فيها [الفائدة في البنوك التقليدية] كانت 8.6 تقريبا.
فمكتب الإفتاء هنا قدّم رؤية فقهية لا يعني جميع الفقهاء يوافقهم عليها، وهو لا يعني أيضا أنهم يريدون الضر بالناس، فهم يريدون الخير وفتح مخرج للناس، ومن علم الواقع أدرك وسطية الحكم.
في 2011م كان من المطالبات الجزئية فتح المصارف الإسلامية، ولكن هناك مطالب أهم كانت وهو الحقوق، وهو مطلب كلي، وعلاج القضية هذه علاجا حقوقيا متكاملا، ومن حق المواطن كما أسلفت حق السكنى.
عموما عانى الناس قبل فتحها ولجأ البعض إلى البنوك التقليدية ومنهم من مات وجلّ راتبه كان يؤخذ منه كقسط لتوفير بيت ينعم فيه أطفاله بدل التشريد في الأرض، وهذه يعرفها كلّ من عاش فترة الثمانينات والتسعينيات خاصة مع ضعف الرواتب حينها، وقلة التكافل الاجتماعي، وهؤلاء ما دخلوا البنوك إلا عن حاجة في الجملة ومنها السكن، والله يتقبل منهم حسن نيتهم.
وحاول بعدها الناس فتح جمعيات تعاونية وأتصور كان في أواخر التسعينيات، وهذه نفسها حوربت وتعرضت لسرقات، خاصة الجمعيات المفتوحة، وعلى العموم كانت ملاذا للناس.
إلا أنّه وبصورة غريبة في بداية الألفية ارتفعت الأسعار بشكل خيالي جدا، وارتفعت الإيجارات، وهذه يحلل أسبابه المختصون اقتصاديا، خاصة من يسكن في العاصمة أو المدن الكبيرة، هنا حدثت الكارثة، فلو وجد بديل اجتماعي إلا أنّها لا تستطيع سد حالة أو حالتين فقط، ثم الرواتب حينها ضعيفة جدا، فكان البيت حلما خياليا للأسرة العمانية.
فكانت هذه البنوك [الإسلامية] تصوَرَ الناس فيها العلاج والرحمة والميسرة، إلا أنّ الحالة كانت سيان، فيدفع السنوات والقسط الأصلي لم ينزل لأنه لا زال في مرحلة الإيجار، وقد رأيت بنفسي من يرجع إلى البنوك التقليدية، ومنهم من يفضل هذه المصارف لأنه يجد فتوى فيها، ومنهم يرى غير ذلك.
بطبيعة الحال الفقهاء غير متفقين جملة في جواز هذه البنوك فهناك من يرخص لاعتبارات منها أخف الضررين، ومنهم يجيزها بتوسع، ومهم من يشدد ويعتبرها تحايلا.
ولأستاذنا أبو نصر محمد كتاب في هذا بعنوان التحايل في التمويل الإسلامي طبعته مكتبة مسقط، يقابله الدكتور الشيخ ماجد الكندي الذي له كتاب أيضا في المعاملات الإسلامية وكتاب خاص عن بعض المعاملات البنكية.
فنجد الأول يشدد والثاني يوسع، وكلاهما يستند إلى النصوص الدينية، فلا نقول عن الأول أنه يحرم ما أحل الله، ولا نقول عن الثاني أنه يحلل ما حرم الله، كلا وحاشا، فكلاهما يريد الخير للناس، ولكن هذه طبيعة مسائل الرأي، وهي من التدافع في الأرض، وهي سنة بشرية كونية، والمستفيد من التدافع هو الإنسان نفسه، وللتاريخ كلمته.
ولكن هناك مشكلة مع بعض الأطراف أنه يصور كل من خالف مكتب الإفتاء وكأنه خالف الكتاب والسنة، مع وجود رموز ومشايخ يخالفون المكتب في مسائل فقهية عديدة كوقوع الطلاق ثلاثا طلقة واحدة، وكالأخذ من اللحية، وصلاة الجمعة، وزكاة الحلي الملبوس، وغيرها كثير، ومنهم من كبار السن من الفقهاء.
فما سيقوله الأخوة هنا معرفة، ونقد الفتوى يطورها، ولا أحد يريد عندما يدلي بدلوه أن يزاحمهم في الأقوال، ومنبر اليوم مفتوح للجميع، ولا أحد يحتكر المعرفة، كما أنه لا أحد يحتكر الإسلام أو الكتاب والسنة.
فيسبوك 1436هـ/ 2015م