حلقات الصّيام في الأديان على إذاعة مسقط أف أم
2 رمضان 1445هـ/ 13 مارس 2024م
“عرف المصريون الصّيام، وبه يتقربون إلى أرواح الموتى؛ لأنّ صيام الأحياء يرضي الموتى، فيتوقفون عن بعض المطعومات، ومنه صيام الكاهن فيمتد من سبعة أيام إلى اثنين وأربعين يوما، يصومون فيها عن الماء والطّعام ومباشرة النّساء”[1]، ويقول الباحث في الأمم القديمة ناصر الكرمليّ “كان صيام الكاهن يمرّ بمراحل، إذ يصوم في التّكريس الأول عشرة أيام عن أكل اللّحم وشرب النّبيذ، وفي التّكريس الثّاني يصوم عشرة أيام بعد تلقيه واجباته المقدّسة، وأمّا الثّالث فيصوم رغبة منه لا فرضا”[2]، “وأمّا صيام الشّعب فأربعة أيام عندما يحلّ اليوم السّابع عشر من الشّهر الثّالث من فصل الفيضان”[3]، وعندهم أنواع أخرى من الصّيام كالصّوم الكبير الّذي يمتدّ لأربعين يوما، ويرتبط بمقتل رمز الخير أوزوريس على يد أخيه الشّرير ست[4].
وأمّا أديان الشّرق الأقصى: (الكنفوشية) و (الدّاويّة) في الصّين، و(الشّنتوية) في اليابان؛ فهذه أقرب إلى الفلسفات التّأمليّة، المبنيّة على التّأمل والصّمت والتقشف والزّهد، مع غنوصيّة باطنيّة فيها، فالطّاوية أو التّاوية تقليد صينيّ، تتعايش مع المبدأ أي الطّاو المتناسق في هذه الحياة، فليست متشدّدة طقوسيّا، وأبعد عن تعقيدات الكنفوشيّة، لكنّها تسعى إلى الكمال والرّقيّ مع الوجود والطّبيعة.
والصّيام في الطّاوية “طقس يمارس في احتفال “تشاو” الدّينيّ، الّذي يتطلّب الامتناع عن السّمك واللّحم والحليب والبيض، خلال فترات الصّلاة والتّأمل، ويمارس هذا الصّيام في جميع الأوقات، وهي عقيدة مشتقة من مبادئ الدّيانة الصينية القديمة. فيؤمن الطّاويون، بأن مؤسّس الدّيانة، هو المطلق الكائن، وهو مراد الكون، وأنّه ليس منفصلًا عن الكون، بل جوهريًا به، انبثقت عنه جميع الموجودات، بجانب وحدة الوجود، إذ أنّ الخالق والمخلوق شيء واحد لا تنفصل أجزاؤه، وإلا لاقى الفناء، حيث تقوم الطّاوية في جوهر فكرتها على العودة إلى الحياة الطّبيعية”[5]، والصّيام والتّأمل والتّقشف شكل من أشكال هذا الفناء في الوجود.
وأمّا الكونفوشية أو الكُنفُوشِيَّة نسبة إلى تعاليم كونفيشيوس، وهي تركز على أدبيّات وأخلاقيّات المجتمع، وأكثر تعقيدا من الطّاوية، ويقوم طقس الصّوم عندهم على أساس “وجبة واحدة تكفي، والصّيام يكون بتناول الطّعام والشّراب قبل مواعيد الصّلاة فقط، بينما يكتفى الكهنة والرهبان بتناول وجبة واحدة في عصر يومي ظهور الهلال ويوم اكتمال القمر، والصّيام عندهم لا يوجد له وقت محدّد، وحسب طاقة الشّخص، لأجل الرّقيّ الرّوحيّ”[6].
وأمّا الشّنتويّة فهي فلسفة يابانيّة، ليس لها مؤسّس وتعاليم واضحة، وهي أقرب إلى المبادئ الاجتماعيّة والأخلاقيّة، وأبعد عن الطّقوس كما في الأديان التّقليديّة، لهذا لا يوجد فيها صيام بشكل واضح، فهي أقرب إلى قداسة الأرواح والطّبيعة والمبادئ الاجتماعيّة.
[1] إبراهيم: مختار حضر حسن، مقالة الصّيام في الأديان؛ منشور في مجلّة معالم الدّعوة الإسلاميّة المحكمة، جامعة أم درمان، السّودان، عدد (14)، سنة جمادى الأولى 1443هـ/ 15 ديسمبر 2023م، ص: 298. (بتصرّف).
[2] نفسه، ص: 299.
[3] نفسه، ص: 299.
[4] نفسه، ص: 300.
[5] عبد الرّحمن: محمّد، مقالة الصّيام في الحضارات والأديان “الطّاوية” الامتناع عن الأسماك والألبان؛ نشر في صحيفة اليوم السّابع، الإثنين، 18 أبريل 2022م، تأريخ الزّيارة: الاثنين 30 شعبان 1445هـ/ 11 مارس 2024م، في الخامسة مساء بتوقيت مسقط.
[6] عبد الرّحمن: محمّد، مقالة الصّيام في الحضارات والأديان، الكونفوشيّة ” تعدد الواجبات ” في أوقات الصّلاة؛ نشر في صحيفة اليوم السّابع، الخميس، 21 أبريل 2022م، تأريخ الزّيارة: الاثنين 30 شعبان 1445هـ/ 11 مارس 2024م، في الخامسة مساء بتوقيت مسقط.