نسمع كثيرا الآن في البرامج المحلية وفي الإذاعة ممن ينتقدون من يطالب بالإصلاح والتغيير كما سمعته اليوم ظهرا في قناة الشباب الاستدلال بقوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ…
يقولون … من أراد التغيير فليغير نفسه ….
وهذا كلام حقٌ من وجه تغيير الذات والعلاقة مع الله سبحانه وحده جلّ جلاه وما يظهر من أبعادٍ على المجتمع ….
ولكن هناك تغيير حضاري ومجتمعي آخر متناسق مع الآية وسياقاتها وهو الأخذ بالأسباب الكونية للتغيير … بغض النظر عن إيمان القوم وطقوسهم وسلوكياتهم ….
فمثلا: ألمانيا لننظر إليها اليوم وكيف كان حالها بعد الحرب العالمية الثانية، وهي مسيحية أقرب إلى العلمانية، إلا أنها أخذت بالسنن الكونية والبشرية في التقدّم، ولذا غيّرت ما في نفسها من إرادة، ومحاربة للفساد، والأخذ بسنن التقدم فتقدمت …
وكذا الحال مع اليابان مثلا فتغييرها بدأ مع إرادة محمد علي بك في مصر، وهي وثنية شيوعية، ولكن انظروا كيف حالها الآن …
فالتغيير المجتمعي والحضاري لا علاقة له بدين أو سلوك، بل علاقته بالأسباب والمسببات، وهو تغيير لذات المجتمع بحيث يكون الجميع مريدا للإصلاح …
أما التغيير الإيماني والأخلاقي والسلوكي هو مطلوب أيضا، ولكن دون خلط للأوراق …
وعليه من العجب أن يكون الخطاب سطحيا لما يريده المجتمع من تغيير، فيخاطبونهم كخطاب الطفل الصغير، وكأنهم هؤلاء أنفسهم رهبان معتكفون في المساجد، لا يفارقون مسبحتهم، فالمرء ولو تظاهر تدينا أو خلافه فالمحاسب هو الله وحده لا شريك له …ما يطلبه من أراد الإصلاح هو الإصلاح المعيشي والإنتاجي والعلمي والحضاري التقدمي بالبلد، أما عن صلاح الذات وإيمانه فهذا مفروغ منه، والمحاسب على الأخير الله وحده العليم بالسرائر، أما المحاسب عن الأول فالجميع، لأنه مسؤولية الكل، وأمانة المجتمع، فلا يصح أن نختزل الآية في جانب ضيّق لنبعدها عن فضاء بناء المجتمع وتقدّمه وحضارته …
ولذا جاءت الآية بالخطاب الجمعي (أنفسكم)!!!
فيسبوك 1436هـ/ 2015م