في هذا اليوم الأغر [9/مارس] تمر علينا ذكرى وفاة المجدد والمفكر الشّيخ محمد الغزالي ت 1996م رحمه الله تعالى، والشيخ الغزالي بحق يُعتبر من أكثر الشّخصيات تأثيرا فيما يسمى بالصّحوة الإسلاميّة، نتيجة كتاباته المتميزة بالوضوح مع الجمع بين الأدب والفكر والنقد، والجامعة بين إشراقات الماضي وواقع الحاضر.
لقد كان الشّيخ الغزالي مستقلا بذاته فكرا ودعوة ونقدا، فمع انتسابه لجماعة الإخوان المسلمين، وحسن علاقته بالمؤسس حسن البنا ت 1949م، ولكنه ما لبث أن أقيل مباشرة من جماعة الإخوان في عهد المرشد الثاني حسن الهضيبي ت 1973م بسبب انتقاداته خاصة للنظام السّري في الإخوان.
ومع هذا كما يقول تلميذه وصاحبه الشّيخ القرضاوي ربّ ضارة نافعة، فهذا أعطى للغزالي الحرية الدعوية والنقدية في نقد الذات والتراث والواقع، لعلمه إذا صلح الواقع ستصلح السياسة، وهذا النّهج في نظري هو النهج الثالث في مصر في الجانب الديني حينها، فهناك النّهج المخالف والمعادي للسلطة من الملكية وبعد انقلاب جمال عبد الناصر ت 1970م على محمد نجيب ت 1984، وهذا يمثله الأخوان في الجملة، خاصة مع وجود النّظام الخاص فيه، ويوجد نهج ديني مفارق له تماما، وهو الوقوف مع الحاكم والحكومة بخيره وشره، لاعتبار عدم الجواز في الخروج على الحاكم ابتعادا عن الفتنة، وهذا مثّله شيوخ كبار، وفي المقابل هناك طرف ثالث ليس مع هذا ولا أولئك، وهو القيام بالدعوة، ومواجهة الفكر بالفكر، دون الدخول مع مصادمات سياسية، أو تنظيمات معادية، وهذا الّذي انتهجه الشّيخ الغزالي في نظري.
الشّيخ الغزالي من حيث كتاباته كانت فلسفية أدبية ناقدة وبعيدة عن الجانب البحثي الأكاديمي، فهو غزير المعرفة، واسع الاطلاع، ومع ذلك كانت كتاباته أقرب إلى كتابات تلك الفترة، ولعله يكون لنا لقاء آخر للحديث عن هذه الفترة الزمنية المهمة من الكتابة خاصة في التصور الإسلامي.
وهذا ما يفسر مثلا قوة منهجية خالد محمد خالد ت 1996م في كتابه من هنا نبدأ، والذي ردّ عليه الغزالي من هنا نعلم، ولكن بقي كتاب الشيخ خالد الأقوى والأشهر لعمقه الفلسفي، وإن قيل أنّه تراجع عنه بعد ذلك.
كذلك ظهرت قوة فرج فودة ت 1992م، في مناظرته للغزالي ومجموعة معه قبيل اغتياله بقريب عام 1992م، وذلك للعمق التاريخي الذي كان يقدّمه فرج فودة، وهذا نتيجة للعمق البحثي التأريخي خصوصا، والّذي سبق أن قدّمه وبحثه في كتبه كما في كتابه الحقيقة الغائبة.
الغزالي كما أنّه انتقد الماركسية والاشتراكية وشنّ حملته ضدّ دعوات الإلحاد والتّحرر، لكنّه في المقابل أيضا انتقد الفكر الدّيني التقليدي، كما في كتبه الثّلاثة السنة بين أهل الفقه وأهل الحديث، وهموم داعية، ومكانة المرأة في الإسلام.
لقد كانت انطلاقة الشّيخ قرآنية، فنادى رحمه الله بالرجوع إلى القرآن، وهو القائل: ” [ لا بد من ] العناية بالقرآن نفسه، فإنّ ناسا أدمنوا النظر في كتب الحديث، واتخذوا القرآن مهجورا، فنمت أفكارهم معوجة، وطالت حيث يجب أن تقصر، وقصرت حيث يجب أن تطول”، ” إنّ الوعي بمعاني القرآن وأهدافه يعطي الإطار العام للرسالة الإسلامية، ويبين الأهم فالمهم من التعاليم الواردة، ويعين على تثبيت السنن في مواضعها الصحيحة”.
عموما الحديث عن الشيخ الغزالي يطول، والنفس حوله لا يتوقف، وهو لم يعطَ حقه إعلاميا، خاصة بعد ما اتهم بأنه أعطى الإشارة لمقتل فودة، مع تكفيره ودعوى ردته، وهذا من باب لكل جواد كبوة، وإن تبرأ بذاته فيما نسب إليه أنه أعطى الإشارة لقتله، لكنه أثبت ردته.
والغزالي كتبه كان لها تأثيرها على الشباب في الثمانينيات والتسعينيات ككتب سيد قطب ت 1966م، وفتحي يكن ت 2009م، ولكن كان للغزالي قوتها في توجيه الشباب واعتدال الفكر، ونقد الذات، هذا ما أردت قوله في هذه المناسبة المذكرة بحياة هذا الرجل الكبير.
فيسبوك 1436هـ/ 2015م