المقالات الفكرية

حضور ليلة الثامن من شهر الله محرم في مسجد الرسول الأعظم مشاركة لاحتفاء شيعة عمان بكربلاء الحسين

يحتفي الشيعة الإمامية عموما، بما فيهم الشيعة في عمان، بالذكرى السنوية الأليمة في مقتل سبط رسول الله صلى الله عليه وسلم الحسين بن علي عليه السلام في واقعة كربلاء ١٠ محرم ٦١هجرية.

وقد حضرت ليلة الثامن من شهر الله محرم الحرام في مسجد الرسول الأعظم في ولاية مطرح، وهو من المساجد الشهيرة للشيعة الإمامية في عمان، ويعتبر المركز الرئيسي للطائفة.

والشيعة في عمان منفتحون على إخوانهم المسلمين الإباضية والسنة، ومتسامحون، ويتميزون بالاهتمام بالفلسفة والمنطق والعلوم العقلية، وهذا ما يظهر من محاضراتهم، وقد تحدثت في كتابي إضاءة قلم عن التعايش في المدرسة الجعفرية في سلطنة عمان، وليس هنا محل التكرار.

وكان هدف الزيارة حضور محاضرة بعنوان دور العقل في المعارف الدينية لسماحة الشيخ جعفر المطر من المملكة العربية السعودية بصحبة أستاذي الكريم كمال اللواتي، وقبل المحاضرة التقيت بسماحة الشيخ محمد علوان، ومن كبار مشايخ الشيعة العمانيين المعاصرين الذين حصلوا على درجة الاجتهاد في المعارف الدينية أو بعضها، ولي معرفة قريبة به، واطلعت على بعض كتبه في علوم القرآن.

والشيعة أعادوا توظيف الحادثة في أمرين جميلين: الأولى استبدلوا إراقة الدم وإيذاء النفس عن طريق التطبير بالتبرع بالدم للمرضى والمحتاجين إليه، وقد خصصوا في عمان ليلة العاشر والعاشر بطوله لذلك.

والثاني تحويل المحاضرات المكررة في ذكر الحادثة إلى محاضرات علمية واجتماعية تعالج قضايا الإنسان والمجتمع، ومن أوائل من استخدم هذا سماحة المرحوم أحمد الوائلي ت ٢٠٠٣، والشيعة في عمان على هذا النهج، منذ بدايات مجيء سماحة حسن الصفار في السبعينات من القرن الماضي وحتى اليوم.

لهذا كانت محاضرة سماحة جعفر المطر عن دور العقل في المعارف الدينية، وقد افتتح المجلس بآيات من الذكر الحكيم من سورة مريم العذراء عليها السلام، ثم بدأ سماحته بقصيدة تبين بعض أحداث القصة الأليمة، ثم دخل في المحاضرة، وقد تحدث عن العقل ودوره في العلوم العقلية والأصولية وفي العلوم العملية والفقهية، وبين دوره بشكل رئيس في الأول سواء في الألوهية أو النبوة أو الإمامة أو الميعاد، وأتى ببعض النماذج والقصص كقصة أبي حنيفة ت ١٥٠هـ الشهيرة ومجادلته للملحدين.

وفي جانب العمل بين أن العقل أصل التكليف فإذا ارتفع سقط التكليف، إلا أن دخوله هنا ليس كجانب تشريعي في جميع الجوانب، إلا أنه قد يحسّن شيئا يراه الشرع ذما، أو يثبت عكس الشارع ثم ينقض ما أثبته يوما، وأتى بنماذج كلبس الذهب للرجال مثلا.

لهذا يرى الأصل في الجانب العملي اتباع النص عن طريق الرسول والأئمة من بعدهم والحجة من بعد الأئمة وهم المراجع الدينية اليوم، ووجوب احترامهم وطاعتهم، لأنهم المتخصصون في الشريعة.

وكلام سماحته هو عموم كلام المذاهب التقليدية السنية والإباضية والزيدية اليوم، ولكونها محاضرة سريعة لهذا تطرق إلى عموميات الكلام هنا، بيد أن العديد من الجزئيات غير متفق عليها من فترة متقدمة كقضية تشريع العقل، وإن خالف العلم الرواية أيهما يقدم، والقرائن الظرفية في هذا، وعموم التحسين والتقبيح العقلي والظرفية التدبيرية، مع وجود دراسات معاصرة ترتكز على التأريخية والظرفية بشكل أوسع.

وقبل نهاية المحاضرة لأنهم في الأخير يستحضرون سيرة كربلاء ومقتل الحسين وأهل بيته ويكثر البكاء في هذا، فخرجنا في الأسفل، حيث من عادة الشيعة في الموالد وأيام محرم يقدمون الطعام والشاي ونحوه للجميع، وتظهر هذه العادة بشكل أوسع وجميل في البحرين والعراق، ليطعموا الجميع من مشارك ومار وابن سبيل، وهنا وجدنا الشرطة تفتش بشكل لم نتعود عليه في عمان، وهم أعلم بالحال.

عموما قضية الحسين هي قضية جميع المسلمين، وهو رمز للتضحية والفداء، إلا أنه كحدث تأريخي انتهى أمره إلى المحكمة الإلهية التي لا تظلم أحدا، وسابقا حضرت ووجدت بعض الروايات التي تحتاج إلى مراجعة كما ذكرت في مقالي عاشورية الحسين.

بيد أنني وجدت في السعودية والبحرين والكويت وقم وعمان رموزا شيعية توظف هذه الحوادث بشكل إيجابي بما يخدم الإنسان والمجتمع والأمة، ولتكون الحادثة رمزا للوحدة، فجميع المدارس الإسلامية تبجل سبطي رسول الله، وتعترف بمظلومية الحسين، ولكن الحدث كظرف تاريخي انتهى حتى لا يتحول إلى قضية طائفية قائمة على الثأر والكراهية لأمم ولدت بعد ذلك بقرون.

وعند الذهاب تذاكرت مع الأستاذ كمال أن هناك طقوسا قد لا نؤيدها تشريعا، إلا أن لها جماليات روحانية واجتماعية، فمثلا عندنا صلاة التراويح في جماعة، فمع عدم وجود دليل صريح لها إلا أنها تجمع الناس على القرآن وذكر الله، وكذا قضية مولد الرسول الأكرم كما عند إخواننا الصوفية خصوصا، فيلتقون على حب رسول الله وتدارس صفاته الحسنة، وهذا ما يحدث عند إخواننا الشيعة في قضية عاشوراء والأربعين مثلا، فهذه الوقفات لها إيجاييات روحية واجتماعية، فلا نتعامل معها بظاهرية سلبية، وأيضا لابد أن توظف إيجابيا لخدمة المجتمع، مع ضرورة المراجعة والنقد الذاتي، والله أعلم.

1441هـ/ 2020م

السابق
مع عيد النّيروز
التالي
حاكميّة الإنزال وحاكميّة الدّولة: (قراءة في تغريدة الدّكتور سعود الزّدجالي)
– تنويه:

عدد من الصور المستخدمة للمقالات مأخوذة من محرك google

اترك تعليقاً