المقالات النقدية

قراءة في مقطع الشّيخ أحمد الخطيب حول قناتي وصال وصفا والوضع السّنيّ في عمان

في البدء نجد كثيرا ما يتحدث الناس عن الوضع السني في سلطنة عمان، وذلك لأنهم يشكلون نسبة كبيرة مع نسبة الإباضية، أما الشيعة الإمامية فهم أقلية، ولذلك يطالب بعضهم بجعل لهم كرسي في مكتب الإفتاء، أو تشكيل هيئة سنية خاصة بهم، تتولى شؤونهم.

قبل أن نلتفت إلى هذا في الحقيقة عندما ندرس المدرسة السنية فهي مغايرة للمدارس الإسلامية الأخرى تماما، لأن المدرسة السنية تتميز بطبيعتين: التعدد، والانفتاح التأريخي، خلافا للمدارس الإسلامية الأخرى.

فالمدرسة الإباضية مثلا مدرسة ليس لها ذلك الانفتاح والتعددية في داخل المدرسة وإن حدث فهي أقرب إلى الآراء الفقهية، وهي في الوقت نفسه خطوطها وضحة، والتعددية فيها ضعيفة لأسباب ليس محل ذكرها هنا.

وتقترب المدرسة الزيدية من المدرسة الإباضية تماما في الأسباب الفقهية والانغلاق التأريخي والضعف التعددي.

أما الإمامية فكانت منغلقة تأريخيا إلا أنها انفتحت بصورة أكبر في الفترة الأخيرة، مع الصراع الذي حدث بين المدرستين الإخبارية والأصولية، وهذا الصراع له قدمه وازداد عندما ظهرت نظرية ولاية الفقيه وتطبيقها واقعيا من خلال الجمهورية الإسلامية الإيرانية.

عندما نتحدث عن الوضع السني فإننا نتحدث عن الأشاعرة والماتريدية والمفوضة ومدرسة أهل الحديث والظاهرية، مع المدارس الفقهية الأربعة، ثم هناك التصوف وأثره وصراعه مع السلفية، وظهور التيار الإخواني، وتيار التجديد والقرآنية والعقلانية والإصلاحية والمعتزلة الجدد داخل المدرسة السنية، مع تأثر المدارس الأخرى إلا أن الرموز في جملتهم خرجوا من المدرسة السنية.

ثم عندما نتحدث عن السنة فنحن نتحدث عن الغالبية في العالم الإسلامي، مع القوة الدينية والسكانية في العالم، فضلا عن القوة المالية والاقتصادية.

وإذا جئنا إلى التأريخ نجد البعد الديني السني حاضرا فمن الأمويين إلى العباسيين والأيوبيين والمماليك والغزنويين والعثمانيين، وحضارة الأندلس وما وراء النهرين وبلاد المغرب وحضارات الحجاز وحضرموت والشام ومصر وغيرها.

فهذا بلا شك سوف يؤثر في العقل السني الجمعي، وفي تطور المدارس السنية عموما.

وعندما كانت الحركة الصوفية حاضرة أثر في الوجود العماني السني، فانتشر التصوف في عمان، وكثر الخطاب الصوفي.

ولما أصبحت القوة للسلفية فهذا شيء طبيعي أن يتأثر به السنة في عمان، بل وتأثر به حتى الخطاب الإباضي في بعض الجوانب، كما تأثروا سابقا في الخطاب الصوفي أيضا.

فضلا إذا جئنا إلى الدول والمناطق المجاورة للسلطنة، فمن حضرموت إلى السعودية والإمارات وجنوب إيران وباكستان فهذه مناطق سنية، يكثر فيها المعاهد والكليات والكتاتيب الدينية ذات التوجه السني، وإذا نظرنا إلى الإعلام والفضائيات الدينية والخطاب الديني في الحرمين نجد الغالب الخطاب السني!!

هذا بلا شك سيؤثر في العقلية السنية في عمان سلبا أم إيجابا.

فنحن اليوم لا نعيش في جزيرة مغلقة؛ بل نعيش في عالم مفتوح، تتداخل فيه العديد من الثقافات، والكل يعرض بضاعته، والغلبة دوما لمن يحسن ذلك، ومن له قوة سياسية ومالية وعسكرية وإعلامية!!

واليوم وإن كنا نتحدث عن المدارس الفقهية الثمانية، ولكن في الحقيقة الواقع تجاوز إلى خطوط مدرسية أكبر كالخط السلفي والإخواني والشيعي بمفهومه السياسي، فضلا عن الحركات التجديدية والقرآنية، والجماعات العقلية والنقدية، والفكر الحداثي واللبرالي، هذا بدوره سوف يؤثر في العقل المجتمعي ومنه في العقل السني بطبيعة الحال، كما سيؤثر في العقل الإباضي والشيعي تماما.

وعليه في نظري ليس الحل في الصراخ ودعوى الخوف، أو الإقصاء والتهميش، ولكن الحل كيف تستطيع الدولة أن تخلق مجتمعا معتدلا إباضيا وسنيا وشيعيا وغيرها من التوجهات لتنصب في خدمة المجتمع ككل.

فالسنة في عمان يشعرون بالتهميش في الخطاب الديني، وهذا حقهم، مع أن الدولة العمانية بحق تجاوزت التهميش المذهبي في المجال المدني والعسكري، وجعلت الكفاءة وفق ذات المواطنة، وعدالة القانون، مما خلق توازنا مجتمعيا يشكرون عليه.

إلا أن الخطاب الديني غير المتوازن سوف يجعل المجتمعات السنية تبحث عن بديل لها في الخارج، أو تصنع لها هي البديل، والثاني يصعب لتعددية المجتمع السني كما أسلفنا.

وعليه سيسأل القارئ ما الحل، هل إضافة مفتي سني كأن يكون النائب، أو نائب النائب، أو تشكيل هيئة سنية للإفتاء؟

الحل في نظري ليس هذا أبدا، وإن كان هو جزءا من الحل حاليا، إلا أننا عندما نصنع مفتيا آحاديا سنيا مع مفتين آحاديين من المدارس الأخرى أمام الانفتاح المعاصر فنحن لن نحل المشكلة بل سنزيدها!!

فنحن بحاجة إلى مؤسسات تقنينية للفتوى والأبحاث المجتمعية أكثر من حاجتنا إلى تكثير عدد المفتين، وعليه خروج المدارس السنية والإباضية والشيعية في عمان من الخطاب الفئوي والأحادي إلى الخطاب المؤسسي والمقنن والقائم على البحث والنقد والقراءة المعاصرة، والذي يجمع هذه المدارس على طاولة واحدة هو الحل، مع احترام خصوصية كل طائفة ومدرسة.

إن الخطاب الأحادي والفئوي يشكل فراغا في الخطاب الجمعي، هذا الفراغ سوف يملأ بخطاب متطرف إن غابت المؤسسة المعتدلة، وكذلك سيملأ بخطاب خارجي إن فقد الخطاب الداخلي.

ونحن اليوم أمام قضية المقطع الذي نشر عن فضيلة الشيخ القاضي أحمد الخطيب، ثم البيان الذي نشر عنه وتبيينه للمقطع.

وفي الحقيقة لا أعرف القاضي، ولم أقرأ له إن كان له كتب أو فتاوى منشورة، ولكن العديد يثني على علمه واعتداله، وحب المجتمع الظفاري بأطيافهم له، ونراه سنويا في لجنة استطلاع الأهلة، ومشاركته جيدة وجميلة في الجملة!!

في الحقيقة أقرأ ثناء الخطيب على وصال وصفا شيئيا طبيعيا في وقت نرى القنوات الطائفية الشيعية تسيء إلى الصحابة والتسنن، وفي الوقت نفسه عندما يقوم شيعي عماني بمدح بعض القنوات الطائفية الشيعية سيكون أيضا الأمر طبيعيا عندما نرى هذه القنوات تسيء إلى الشيعة وتتبع كل شاردة في التراث الشيعي وتضخمها…

يحدث هذا عندما تغيب المؤسسات الحاضنة، فيكون العقل الجمعي عقلا إما مذهبيا بحتا، أو عقلا يقوده بعض الآحاد، من هنا يسد هذا الفراغ وتؤثر فيه مثل هذه القنوات.

لذا نحن بحاجة فعلا اليوم إلى مؤسسات مقننة وبحثية وفاعلة حاضنة للطوائف الثلاثة وغيرها، وفي الوقت نفسه موجهة وناقدة له، بدل الخطاب العشوائي والآحادي والوعظي الذي ينتشر هنا وهناك.

ثم مد الدولة يديها للفكر المعتدل من الطوائف والتيارات في عمل مؤسسي، والاهتمام بهم إعلاميا، هذا بلا شك سيملأ الفراغ، كما ملأ بالعدل في القوانين المدنية.

إننا لا نخاف من السلفية لأنها حركة طبيعية وليست وليدة اليوم، ولا من هذه القنوات وغيرها، بقدر ما نخاف من التطرف الآحادي في المذاهب والتوجهات، فقد يكون اليوم نائما، ولكنه غدا سيستيقظ، وحينها تتشكل حوله جماعات متطرفة، وستذكرون ما أقول لكم، إن لم نتعظ اليوم بمثل هذه الأحداث إيجابيا لا سلبيا.

فيسبوك 1439هـ/ 2017م

السابق
وقفة مع عاشورية الحسين (رض)
التالي
قصّاصات الكتب الصّفراء (التّراث)!!
– تنويه:

عدد من الصور المستخدمة للمقالات مأخوذة من محرك google

اترك تعليقاً