المقالات الإجتماعية

بين حبّ الوطن وأعياده الوطنيّة

الوطن هو التّراب الّذي تكوّن منه الإنسان، وهو الماء الذي به يحيا، وهو الهواء الذي به يعيش، وحبّه فطريّ جبليّ، مهما ابتعد عنه يظل معشوقه الأول، وهدفه الأسمى، وهو أيضا كالأم تحتضن أبنائها، وتبعث فيهم الحنان والأمل، والسّكينة والاطمئنان، الكلّ سواء فيه.

ولقد اعتادت الأمم أن تخصص يوما وطنيّا له علاقة بحدث ما، أو أصبح يوما مألوفا فيه، يحتفون فيه كوقفة سنويّة يفتخرون بيها بين جيرانهم، وبين الأمم قاطبة، مع اختلاف بسيط في تسمياته، فمنهم من يسميه عيد الاستقلال، ومنهم من يسميه العيد الوطنيّ ومنهم غير ذلك.

ولا شك أنّ الاحتفاء بالأعياد الوطنيّة كما أنّه فرحة للابتهاج فيما حقق وأنجز، وإكرام من بذل وأنجز، وساهم ودعم؛ إلا أنّه في الوقت نفسه فرصة لتقليب الأوراق ومراجعة الذّات، فهو المنطلق السّنوي الّذي ينطلقون منه، ويستثمرونه في غرس الوطن في العقل الجمعيّ، خاصة في الجيل الجديد الّذي أصبح متجاوزا حدود الوطن، ويدرك ما يدور في الخارج تطورا وتقدّما قبل الدّاخل في حدود وطنه الجغرافيّة!!!

فالعيد الوطنيّ في الحقيقة أكبر من كونه شعارات أو ملصقات، أو قصائد وأغانيّ، خاصّة إذا صاحبها تزلف مقيت، فهو ربط المجتمع بالنتاج السّابق والحفاظ عليه، وشكر الله على نعمه في ذلك، وفي الوقت نفسه فتح المجال للعقول لتضع رؤيتها المبنية على الاستفادة من الرّؤية السّابقة.

فجميل أن يجعل المجتمع يوما يفرح فيه، والأجمل أن يكون يوم احتفائه أيضا وقفة للمراجعة والتّصحيح، حيث من تكريم الوطن تكريم مخترعيه وكتابه ومنظريه وجميع المبدعين في جميع المجالات.

ومن تكريمه تكريم أولئك الذين خدموا وزرعوا الأرض ليأكل غيرهم، ونظّفوا الشّوارع ليهنأ البقية، وتكريم الأم والأخت والبنت الّتي شاركت في بيتها بإعداد جيل قادر على التّنمية، وتكريم الآباء الّذين بذلوا وضحوا لهذا الوطن ليهنأ الجيل الحاليّ.

ومن تكريم الوطن تكريم الوطن ذاته وتقديسه هواء وتربة وماء، ليتحول إلى معرفة واختراع وإنتاج وإبداع، وفتح الحرية للإبداع والشّراك المدنيّ وفق القانون، وغرس أهميّة الالتفات الوطنيّ بعيدا عن أيّ توجه فكري أو أيدلوجيّ أو مذهبيّ.

ففيه يدرك الجيل أنّ ذاته الإنسانيّة كمفردة معظمة في هذا الوطن، لا أحد أفضل من الآخر إلا بالكفاءة، وفيه يدرك معنى الوطن ويخلص له، لما يجد من يحتضنه علميا، ويعالج همومه ومشكلاته، ويحتضنه قلبا وقالبا.

فالعيد الوطنيّ في الحقيقة أكبر من كونه أغنيّة أو قصيدة أو مسيرة، فهو رسالة سنويّة، ومراجعة ذاتيّة، ووقفة لاحتواء الكلّ، والانطلاق بهم نحو الوعي المجتمعيّ لمستقبل كبير ينتظر الوطن وأبنائه!!!

صحيفة شؤوون عمانيّة 1439هـ/ 2017م

السابق
وسائل التّواصل والرّقيّ القرائيّ والمعرفيّ
التالي
تكاليف حملات الحج … هل من تفسير
– تنويه:

عدد من الصور المستخدمة للمقالات مأخوذة من محرك google

اترك تعليقاً