زيارة مدرسة سلطان العلماء ببندر لنجة بصحبة الأستاذ عليّ الخوريّ من قشم، وبندر لنجة مدينة ساحليّة في جنوب إيران، ويقطنها العديد من القبائل العربيّة، وأصل مدرسة سلطان العلماء تعود إلى عبد الرّحمن بن يوسف الخالديّ (ت: 1941م)، أسّسها في بستك في جنوب إيران، وسميت المدرسة الرّحمانيّة على اسمه، ولعلمه وفقاهته أشار علماء جنوب فارس إلى قوام الملك القاجاريّ حينها أن يلقب بسلطان العلماء، وكان مركزهم شيراز عاصمة محافظ فارس (بارس) حاليا، فأصدر مرسوما يثبت لقبه، ولمّا وقعت حادثة بستك 1326هـ/ 1908م هاجر وسكن لنجة، وأسّس المدرسة هناك من جديد، وأقام لها مسجدا ومكتبة.
ولمّا توفي سنة 1941م خلفه ابنه محمد علي بن عبد الرحمن سلطان العلماء الخالديّ (ت: 2024م)، فقام بتطويرها وتوسعتها والاهتمام بها، ولمّا هاجر إلى دبي بدولة الإمارات العربيّة وكبر سنّه ناب عنه الشّيخ الفقيه محمّد عليّ الأمينيّ، وقد زرت الأخير في منزله في طبل بجزيرة قشم، وسبق الإشارة إليه في منشور سابق.
والمدرسة اليوم أصبح لها فروع، وتستقبل الطّلاب ذكورا وإناثا من الصّف التّاسع، وتجمع بين المدرسة النّظاميّة والدّينيّة، في الصّباح يدرسون المناهج الدّينيّة، ويقرأون الكتب بالعربيّة، ويشرحونها بالفارسيّة، ويركزون على الفقه الشّافعيّ، لكنّهم أيضا يدرسون شيئا من فقه المذاهب الأربعة، كما يركزون على الأشعريّة، ويدرسون أيضا مدرسة أهل الحديث أو السّلفيّة في المعتقد، وبعد الظّهر يدرس الطّلاب في المدارس النّظاميّة، ويصل الطّلبة حاليا إلى خمسمائة طالبا، ولهم تقريبا خمسة فروع، ومرتبطون بالمعهد العاليّ للدّراسات الإسلاميّة لأهل السّنّة والجماعة بجنوب إيران، والتقيت برئيس المعهد الشّيخ مخلوقي، والطّالب يمكنه في المعهد أن يدرس البكالوريوس والماجستير والدّكتوراه، ويركزون على التّفسير واللّغة بشكل أكبر، كما عرض لي الشّيخ مخلوقي بعض الرّسائل المقدّمة، وبعض الطّلاب يرسلونهم حاليا إلى ماليزيا لإكمال دراستهم.

كما التقيت بمدير المدرسة محمّد حقّ شناصي، والمدرّس فيها السّيّد حسن زراعي، والشّيخ يحيى ملاحپور، وغيرهم، وكانت جلسة نقاشيّة طويلة من الحاديّة عشر ظهرا، وحتّى الخامسة مساء، زرنا فيها مكتبة الشّيخ سلطان العلماء وهي تضم أمّهات الكتب، ومسجده القديم، وكذلك منزلهم القديم في لنجة.

كما تطرّقنا إلى علاقتهم القديمة بالشّيخ حبيب بن عليّ الفارسيّ (ت: 1329هـ)، وأصله من بستك، واستوطن مسقط وصحار، وأسّس المدرسة الشّافعيّة في مغبّ بولاية مسقط القديمة قريب قصر العلم، ولمدرسة لنجة علاقة بشافعيّة عمان والإمارات، فقد تخرّج منها الشّيخ عبد الله بن محمّد الخزرجيّ وأبوه كان من كبار فقهاء شافعيّة عُمان، درس الشّيخ عبد الله على يد الشّيخ عبد الرّحمن سلطان العلماء في لنجة، ورجع واستقرّ في خصب بمسندم، حتّى توفي 1363هـ، وله كتاب مهم: “إتحاف البشر ببعض حوادث القرن الرّابع عشر”، والشّيخ محمّد المرشديّ من فقهاء الشّافعيّة بصحار درس على يد سلطان العلماء في لنجة، وتوفي سنة 1429هـ، وغيرهم.

