يسأل بعض النّاس ما الفائدة من الصّلاة وقت حدوث الخسوف أو الكسوف، والعلم أصبح دقيقا، حيث أصبحت ظاهرة طبيعيّة من ظواهر الكون!!
بداية قضيّة فهم الخسوف والكسوف قضيّة قديمة جدا، اختلط فيها العلم بالخرافة، فمن القول بتصارع الآلهة إلى القول بتأثيرها حتى في أرزاق النّاس وحيتهم وموتهم؟!!
ثمّ إنّ الكون برمته آية من آيات الله تعالى، الدّالة على وجوده، وعظيم صنعته، {وَمِنْ آَيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِنْ دَابَّةٍ وَهُوَ عَلَى جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاءُ قَدِيرٌ}.
ولهذا أمر الله تعالى بالسّير في الأرض لبحث ما في الوجود وتفسيره، والسّير هو البحث العلميّ لتفسير الوجود، {قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآَخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}.
وجعل سبحانه التّفكر في خلق السّماوات والأرض من العبادة لله تعالى، ويدخل في التّفكر البحث والكشف، والاطلاع والقراءة، والتّأمل والتّدبر والمشاهدة، فمن صفات عباده: {الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ}.
ولهذا عندما تحدث القرآن عن الشّمس والقمر أعطى للعقل والإنسان مساحة للبحث ليدرك آيات الله حيث قال: {وَآَيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُمْ مُظْلِمُونَ، وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ، وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ، لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ}.
وبين أنّ هذا النّظام الدّقيق يدرك بالبحث والحساب: {الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ}.
ومع هذه الآيات ظلّت بعض العقليات تعتقد أنّ الشّمس والقمر رمز الآلهة، وبعضهم يرى بأنّها الآلهة، لذا كانوا يسجدون للشّمس وقت ظهورها ووقت غيابها وإذا استوت، ويسجدون لهما وقت الخسوف والكسوف خشية من غضبهما، وحتى يذهب عنهما الغضب، فكان قوله تعالى: {وَمِنْ آَيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ}.
ولهذا كان التّسبيح والتّنزيه وقت الشّروق والغروب، مع آيتين عظيمتين، {فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ} لكي يرتبط الإنسان بالله مع آياته والتّفكر فيه.
ومنه نهي عن الصّلاة تحريما وقيل تنزيها وقت الشّروق ووقت الغروب، وكون الشّمس في وسط السّماء، حتى لا يتشبه بالسّاجدين للشّمس من جهة، وحتى لا تًعْظُم الشّمس في قلوبهم فيشركونها مع الله بعد طول أمد.
ولهذا يفتتح المؤمن وقته بالصّلاة، فيفتتح نهاره فجرا بصلاة الفجر، ويفتتح ليله بصلاة المغرب، وفيهما يقرّ بالتّوحيد، مكبرا الله تعالى وحده سبحانه، ومنزها له عن الشّريك المعنويّ والماديّ.
ولهذا القرآن لا يعارض آيات الكون ومنها الخسوف والكسوف؛ بل اعتبرهما من آياته، والكواكب والنّجوم من أعظم آيات الله، ويتمثل هنا الشّمس والقمر والأرض، حيث القمر يدور حول الأرض، وكلاهما يدوران حول الشّمس، لتتكون الظّواهر الطّبيعيّة، وما يترتب على ذلك من اختلاف المناخ، وتأثير ذلك على البيئة والتّنوع الغذائيّ في الأرض.
والأصل كلّ يجري في فلك واحد لا يتغير ولا يتبدل، إلا أنّ القمر قد يمر من أمام الشّمس فيحجب ضوئها عنا [الكسوف الكليّ] أو بعضه [الكسوف الجزئيّ] وهو من آيات الله، ولحكمة أرادها الله تعالى في وجوده.
والأرض قد تقع بين الشّمس والقمر فتحجب ضوء الشّمس المنعكس على القمر، وهنا يحدث الخسوف!!
لهذا ظهرت خرافة في عهده عليه السّلام تتمثل أنّ حدوث الكسوف أو الخسوف يتبعه حادثة في المجتمع كموت أحد، ولهذا نجد صرف الرّسول – عليه الصّلاة والسّلام – النّاس عن هذا الاعتقاد الخاطئ: [إنّ الشّمس والقمر آيتان من آيات الله تعالى، لا ينخسفان لموت أحد ولا لحياته، فإذا رأيتم ذلك فافزعوا إلى ذكر الله تعالى وإلى الصّلاة].
والتّعلق بالصّلاة تعلّق بالله تعالى، حتى يتخلّص النّاس من هذه الخرافات شيئا فشيئا، ويرتبطون بآيات الله، والارتباط بهذه الآيات يعني التّأمل والكشف والنّظر والتّدبر، والارتباط بالله لبيان عظمته وجلالته في الوجود، والصّلاة موطن لاستحضار عظمته سبحانه، يتبعها تفكر ونظر في الوجود.
ولهذا ندرك اليوم ليست الإشكاليّة في التّعامل مع هذه الآيات، وإنّما الإشكاليّة في الخطاب الموصل إلى النّاس، فحدوث هذه الحوادث دورة تعليميّة للنّاس، لمعرفة آيات الله في الكون، ومنها آية الخسوف والكسوف، ليقروا بوجوده وعظمته وجلالته، ومن ذلك الصّلاة!!
وإذا كان الأصل الطّبيعيّ مذكرا بالله، فما يحدث فيه من آيات لا تتكرر كثيرا لهو أولى بالتّدبر، وهو مذكر بالدّار الآخرة أيضا {فَإِذَا بَرِقَ الْبَصَرُ، وَخَسَفَ الْقَمَرُ، وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ، يَقُولُ الْإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ}.
فيسبوك 1438هـ/ 2017م