سؤال وجواب

جواب حول أنسنة النص وأنسنة التأويل

الأستاذ العزيز: أ.س شكرا لك، وسعيد بقراءتك، وشكرا للدكتور ح.ش من السّعوديّة.

1442هـ/ 2020م

قلت في جوابي للدكتور هناك أنسنة النص وأنسنة التأويل، وفرق بينهما كبير؛ لأنّ الأول مرتبط بالتاريخانية، والثاني بالتاريخية، فعدم تقبل الأول لأسبابه اللاهوتية ليس عند المسلمين فحسب بل حتى عند الأديان الأخرى في الجملة، بغض النظر عن بعض التفصيلات المتفاوتة، أما الجانب التاريخي للنص أو التعامل فليس بدعا، فوجد مع وجود النص منذ البداية، لهذا كان الناسخ والمنسوخ والتقييد ومباحث العلل وغيرها، وهذه جميعها تنصب في ظرفية النص، وتتجه به نحو الزمكان، والذي يحدد ذلك هو الإنسان وليس الجماد؛ لأنّ النص في النهاية يتعامل مع الإنسان.

فمثلا الآن مع جائحة كورونا مثلا في صلاة الجماعة ستجد التباعد في صلاة الجماعة، مع أنه مناف للنصوص الروائية الظنية، وشيء مستحدث؛ لأن العديد من الفقهاء السابقين يسقطون إقامة الجماعة بالكلية لشرط التراص لديهم في الصفوف وتوفر الأمن، فهذه حادثة استجد الحكم لحفظ الإنسان، فوقف النص هنا، وهناك عشرات بل مئات الأمثلة لذلك في كتب الفقه، ولا يخفى عليك ما قام به الفاروق من نماذج، والمدار هو حفظ الإنسان من خلال المقاصد الأربع: النفس والعرض والعقل والمال، مع حفظ الدين أو الفكر كما أرى بطبيعة الحال، منها تعلق بتوقيف نصوص أو تقييدها أو التوسع في تأويلها، واستفراغ عللها المتعدية والقاصرة.

أما قضية الظنية، فهذه قضية شبه منتهية؛ لأنّ الأصل في النص الظنية من حيث الثبوت والدلالة؛ لأنه خبر يحتمل النقيضين، أو إنشاء يراد به الخبر المحتمل للنقيضين، لهذا البحث عن ثبوته كان بمصاديق خارخية وهو ما يسمى في الروايات بالسند، وكمسلمين نؤمن بالقرآن ثبوتا لتواتر نقله، وإعجاز نصه، وهذا القرآن نفسه مع اتفاقنا على قطعيته كما يقول ابن بركة العماني “ولو كان القرآن كلّه محكما لا يحتمل التأويل، ولا يمكن الاختلاف فيه لسقطت المجنة فيه وتبلدت العقول”، ولا يمكن حدوث تأويل إلا مع ظن، والغاية بذلك ما أسلفت من تحقيق مصالح الإنسان وغاياته في الحياة.

وأما تطويع النص للواقع فهذه كلمة مطاطة؛ لأن النص يفقد قيمته إذا لم يتعايش مع الواقع، فندخل في كونه تاريخانيا انتهى مفعوله، ولهذا نلجأ إلى فقه الملائمة بما يحقق وقوع مقاصد النص، كما في رواية الصلاة في بني قريضة، وعليها بني العديد من الوقائع، كما استلهم العديد من المقاصد.

وبقي قضية الأنسنة، وقد تكون فيها من الحساسية لأنّها مصطلح فلسفي غربي، ولك الحق في ذلك، ولكن لما تتأمل القرآن نجد غاية الإنسان حاضرة، والمعرفة تتقدم، والتعامل مع هذه المفردات بإيجابية يجعل للنص وتأويل مساحة أوسع لتحقيق الغايات، وهذا لا يتعارض مع تحقيق العبودية لله، وهذا مبحث آخر يحتاج وقتا أطول لبيانه.

وعموما أحترم وجهة نظرك، ودمت بود ومحبة.

السابق
سؤال للدّكتور م.ش في تركيا حول تحويل آيا صوفيا إلى مسجد
التالي
النّص الدّيني وجدليّة القراءات المعاصرة (الأحكام نموذجا)
– تنويه:

عدد من الصور المستخدمة للمقالات مأخوذة من محرك google

اترك تعليقاً