المقالات الفكرية

الشّباب والأمن الفكري

استمتعتُ ليلة الأمس الاثنين 5/12/2016م بالحوار الشّبابيّ: دور الشّباب في المحافظة على الأمن الفكريّ للمجتمع، وقد شارك في النّدوة ثلة من الباحثين الشّباب، ومن هذا المنبر أوجه شكري للأخوة القائمين في مختبر الشّباب ببيت الزّبير، وعلى رأسهم الدّكتور الجليل محمد بن عبد الكريم الشّحيّ، وأستاذنا الفاضل محمد المكتوميّ، والأستاذ الجليل يونس المعمريّ، وغيرهم من الأخوة الأجلاء الّذين لا تحضرني أسماؤهم لضعف الذّاكرة أو عدم معرفتي بهم سابقا، وممّن يعمل في الخفاء ذكورا وإناثا.

وقبل أن أدخل في التّعقيب على الأمن الفكريّ، لابدّ من الإشادة أنّ وجود مختبرات أو ورش تُعنى بالشّباب، ينبثق عنها ندوات أو لقاءات أمر في غاية الأهميّة، خاصة والوقت الرّاهن الّذي نحن فيه بحاجة إلى ندوات تقترب من الجيل الجديد، وتعطيهم أكثر فرصة للتّعبير عن آرائهم، وفق شراك مجتمعي في تبادل الأفكار والخبرات، فلقد سئمنا من كثرة ندوات الماضي والتّأريخ الّتي طغت على ندوات الحاضر والمستقبل، ولا يعني هذا التّقليل منها، ولكن أن تطغى بشكل كبير؛ فهذا يدل على مؤشر الخلل في ترتيب الأولويات في الخطاب المجتمعيّ.

فنحن بحاجة إلى ندوات وورشات ومختبرات متعددة أدبيّة أو فنيّة أو تأريخيّة، وفي الوقت نفسه نحن بحاجة أيضا إلى القرب من الشّباب وقضاياهم المعاصرة، وهذه وإن كنا نراها على خجل بين فترة وفترة، إلا أنّ تأسيس مختبر للشّباب في مؤسسة لها مكانتها في المجتمع العمانيّ وهو بيت الزّبير يعتبر خطوة مهمة ورائعة يشكرون عليها.

وعلى العموم موضوع الأمس والّذي كان بعنوان دور الشّباب في المحافظة على الأمن الفكريّ للمجتمع، حيث تركز الحديث حول الأمن الفكريّ خاصة في المجتمع العمانيّ، وتركز الحديث في رفض التّطرف المذهبيّ والدّينيّ في مجتمعنا العمانيّ، ممّا يدل على الوعي المجتمعيّ عندنا – والحمد لله تعالى – في رفض أيّ تطرف أو إقصاء، بأيّ شكل كان.

وقد طلب مني أستاذي الجليل محمد المكتومي أن أتحدث عن المعرفة وعلاقتها بالأمن الفكريّ في خمس دقائق، ولضيق الوقت قد لم أوفق في توصيل الفكرة، من هنا رأيتُ أن أكتب في هذا اللّقاء الكتابيّ السّريع لتعمّ الفائدة الجميع.

فبالنسبة للمعرفة في أدبياتنا الشّرقيّة لا فرق بينها وبين العلم، ومنه قوله تعالى: وقل ربّ زدني علما أي معرفة.

وقد درج الباحثون المعاصرون في التّفريق بين المعرفة والعلم، فصار العلم لصيق البحث والتّجربة، والمعرفة تشكل البعد الأوسع بما فيها الفنون والقراءة بأنواعها، والسّير في الأرض للتّأمل والبحث.

لذا لن نجد في تراثنا باب المعرفة وفضلها مثلا؛ بل سنجد كثيرا باب العلم وفضله، ولا مشاحة في الاصطلاح، ولكن المصطلحات والمفاهيم كما أشار دكتورنا محمد الشّحيّ أنّها تتطور كغيرها من المفاهيم، وبالتّالي سيتطور أيضا المصطلحات وتتعدد ويتسع تعريفها أو يضيق زيادة أو إخراجا أو تخصيصا أو تقييدا.

والمعرفة حق إنسانيّ مشاع في الأصل، وقد سبق لي في صفحتي أن كتبتُ أنّ للمعرفة حقان: حق ذاتي وحق نسبي، أمّا الحق الذّاتي فهو حق عام يملكه البشر جميعا، وحقهم في الاستفادة منه ونقده وتطويره، أيّا كانت هذه المعرفة، وأمّا الحق النّسبيّ فهو نسبة إلى أفراد أو مجتمعات أو أمم من حيث الملكيّة، فما ينتجه العالم الفلانيّ لا ينسب إلى غيره، ولا يجوز سرقته، وهكذا بالنّسبة لحقوق الأمم والمجتمعات.

وللإنسان الحريّة في طلب المعرفة وتطويرها، حيث المعرفة لتطورها السّريع ستتضاعف أضعافا مضاعفة في الوقت نفسه، لهذا وجب أن نجعل الشّباب يعيشون عصرهم، لا أن يتصارعوا في الماضي، مع فتح باب الحوار معهم والحريات؛ لأنّ الإقصاء سيولد عنفا معرفيّا أو ثقافيّا، لا يقل خطورة عن العنف الدّينيّ أو المذهبيّ أو السّلوكيّ.

فأنسنة المعرفة، وفتح الحرية لها، والعيش في الحاضر، والقرب من الشّباب؛ سيولد أمنا فكريا في المجتمع، خلاف الخوف وسياسة المنع والإقصاء.

عموما كان الحديث في أكثر من ساعتين؛ إلا أننا لم نشعر بالوقت وكأنّه بضع دقائق فقط، وإن كنت أرجو في البرامج الحواريّة القادمة فتح المجال أكثر للحضور في إبداء آرائهم والشّراك في الأفكار وطرحها.

السابق
النّبيّ محمّد وما كتب بعده ونسب إليه
التالي
الوعي السّياسيّ للشّباب العمانيّ
– تنويه:

عدد من الصور المستخدمة للمقالات مأخوذة من محرك google

اترك تعليقاً